أمل الكردفاني- هل القرآن نص تاريخي كما رأى القمني؟

يقول سيد القمني بأن القرآن نص تاريخي ، ويستند في قوله الى سقوط العديد من الأحكام كملك اليمين والجزية وقتل الآخر المختلف ..الخ.
إن هذا القول محل نظر ، ذلك أنه تجاهل أن القرآن نزل منجما ، أي مفرقا بحسب موضوع النزول وسببه ، فالقرآن يحتوي على علاج جزئيات وكليات ، ثوابت ومتغيرات ، فهو يتعامل مع التاريخ نفسه كحركة لازمة وضرورية ولا يقف ضده ، فآيات الأحكام منها ماهو ظرفي وطارئ ومنها ماهو شامل ومستمر ، بعضها داخل الزمن وبعضها يحيط بالزمن.
فأحكام الردة والجزية وملك اليمين ، تتجمد مع المتغيرات ﻷنها تأسست مبدئيا على وقائع وحقائق تاريخية اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية موقوتة بإطارين مكاني وزماني ، فهذا لا يعني أن النص تاريخي ولكن على العكس هذا يدل على أن النص يمتاز بالمرونة عبر التاريخ ، فهناك حكم شرعي لكل ظرف وكل وضع وكل حالة تاريخية معينة.
إن طرح القمني لم يراع فكرة حاوية النص التاريخية وليس تاريخية النص ، فالنص لا يسقط ولا يتقادم ولكن يتجمد ويتحرك بحسب التاريخ وذلك لمنح مساحة للأشخاص موضوعه لكي يتحركوا في دوائر تتسع وتضيق بحسب الحاجة . فالقرآن نص متحرك ومحرك ، فهو لم يأت لفرض أحكام محددة دفعة واحدة وإلا كان كتابا أكاديميا ، وإنما نلاحظ أن الأحكام تتغير وتتبدل ، تتطور وتتقدم ، كأحكام التوارث بين المهاجرين والأنصار التي يقول النصوصيون بأنها نسخت بآيات المواريث فيما بعد ولكني أقول بأنها لم تنسخ -بمعنى تسقط وتتقادم- وإنما تتجمد لاختلاف الظرف ، ويمكنها أن تعود مرة أخرى الى الحياة عندما تتوفر نفس الظروف ونفس المحيط والمناخ الموضوعي لها. وهذه قضية هامة تبين لنا أن بعض من اشكاليات أصول الفقه تكمن في الموروث المعرفي والتي سادت دون تمحيص فلسفي ، خاصة فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ ومنزلة السنة من القرآن ومسائل أخرى كثيرة ، ولذلك فإن النقد ينصب على تاريخية النص وهذا غير صحيح . ﻷن تاريخية النص تعني أنه نص أنزل دفعة واحدة ولا يتحرك ولا يراعي التغيرات الموضوعية الزمانية والمكانية ، وهذا سببه كما أسلفت بعض المشاكل في أصول الفقه والتي لم تعالج معرفيا بالشكل المطلوب.
(كُتب هذا المنشور بالفيس بوك يوم ٢٤ أبريل ٢٠١٦)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى