علجية عيش - مَوْعِدٌ مع المَوْت.. مع منصف المرزوقي ورحلته في البحث عن سرّ الخلود

( عندما يقف الطبيب أمام القدر و يسخر من الطب و من الفلسفة )

قبل أن يكون رئيسا لجمهورية تونس فقد عمل الدكتور منصف المرزوقي كطبيب أعصاب، بحث عن نهاية الإنسان، فاتجه إلى كتب الطب ليسألها عن سر الموت، ولكنه استغرب سكوتها المطلق، فاتجه إلى شعر إيليا أبو ماضي، لأن شعره احتل موضوع الموت فيه مكانة بارزة، وصفه ببراعة المشاعر التي يثيرها وجوده حاول إيليا فكّ " الطلاسم" لكنه لم يقدر، لأن الموت معجزة حتى الفلسفة لم تطرح المشكلة، فاتجه إلى الموسيقى.. إلى موسيقى فرانز شوبرت لتشرح له مأساة الرجل وهو في الواحدة والثلاثين، وجمال وروعة الثلاثيات والرباعيات


images.jpg
موعد مع الموت مقتبسة عن كتاب "الطبيب والموت" للدكتور منصف المرزوقي طبيب مختص في طب الأعصاب صادر عن الدار التونسية للنشر عام 1983 وهو يحتوي على 160 صفحة تحدث فيه المرزوقي عن سر الموت ساخرا من الطب ومن تعازي الفلاسفة ومن أسطورة الخلية الأولى قال عنه الدكتور محمد بن صالح مقدم الكتاب أن المرزوقي لم يكتف بالتطبيب داخل عيادة أنيقة كالتي يمتلكها أغلب زملائه، ولأنه لم يعمل على أن يصبح نائبا برلمانيا ليبدأ الحلم بالوزارة، لكنه ظل يحشر نفسه في كل المشكلات دون استئذان حتى أنه صار يتحدث عن الموت..، وقد كتب منصف المرزوقي كلمات جميلة على ظهر الكتاب قال فيها: " أترى الموت تتويج الإخفاق، إخفاق المعجزة.. معجزة الحياة، والخوف اولى بوادر الوعي بعبث الجهد وفشل الحيّ أم هل هو تتويج هذه المعجزة: السكينة المطلقة.. اللاحركة..اللامبالاة المطلقة.. الاكتمال.. والكمال أخيرا، إن كان الموت ظاهرة طبيعية مبرمجة، داخل نواة الخلية وإن كان الخلود فكرة مسمومة، فما هو التفسير الممكن علميا للقَبْلِ والبَعْدِ وذلك في إطار التصور الجديد للكون ، كانت رحلة طويلة تحدث فيها منصف المرزوقي عن الموت وهو آخر موعد يفكر فيه الإنسان لانشغاله بالحياة وزخرفها’ الكل يبرم موعدا مع شريك له يبرم معه صفقة تجارية، أو حبيب ليقضي معه يوما ربيعيا أو..أو..، إلا الموت، غير أن المرزوقي كان جليسا مع الموت تحدث عنه وعن مراحله فيقول: منذ مائة سنة والإنسان يناضل في سبيل تجاوز الموت، منذ مائة ألف سنة والإنسان يكذب على نفسه كما يفعل الطبيب أمام المحكوم عليه بانتصار السرطان، يتكلم الإنسان عن الموت ..، أين هي الحقيقة لست أدري..؟

ما للقبور كأنما لا ساكن***فيها وقد حوت العصور الماضية

طوت الملايين الكثيرة قبلها*** ولسوف تطوينا وتبقى خالية

أين المها وعيونها وفتونها*** اين الجبابر والملوك العاتية

زالوا عن الدنيا كأنهم لم يولدوا***سحقهم كفّ الفضاء القاسية

"إيليا أبو ماضي"




وهو يتحدث عن الموت وصف المرزوقي حالة فتاة أصيبت بورم في المخ ولا أمل في علاجه، تذكره هذه الحالة بالرباعية الخالدة لفرانز شوبرت (الصبية والموت)، كان المرض سنة 1926 ينحر أحشاء شوبرت وهو يعلم أنه على موعد قريب مع النهاية أو الموت، لذلك كلن لا ينفك عن التأليف، إنها السنة التي يكتمل فيها رباعيته الخالدة من سلّم ري مينور re mineur المطبوعة بطابع الحزن المتسلسل غلى قلب الفنان، وهو يعاني من البرد في غرفته الحقيرة في شتاء فيينا وبينما كانت شوارع فيينا تتغطى بالثلوج كان شوبرت يصبُّ عُصارة روحه على الصفحات لبيضاء.. فقر مدقع ومرض قاتل، وشباب ضائع، ذلك هو الجَوُّ الخانق الذي عاش فيه شوبرت..، الثورة أما القدر لا تجدي، لذلك سيعيد شوبرت هدوءه وينطلق نغم هادئ حزين، يبدأ حوار درامي بين صوت الفيولون وتضرّع الكمنجات، وتكون الموسيقى الصراع بين هذين الخصمين يرتفع صوت الكمنجات وكأنها تحكي بؤسها وهي تبكي وتتخبط وتتوسل..، لقد تقرر على الفتاة إجراء عملية جراحية، هاهي استسلمت للموت طائعة.

فتجهمت وتلفتت مرتاعة***كالطير أيقن أنه مأسور

و تحيرت في مقلتيها دمعة***خرساء لا تهمي وليس تغور

وجمت فأمسى كل شيء واجما***النور والأطلال والديجور

الكون أجمع ذاهل لذهولها***و كأن الأرض ليس تدور

سكت الغدير كأنما التحف الثرى***و سها النسيم وكأنه مذعور

و كأنما الفلك المنور بلقع***و الأنجم الزهراء فيه قبور

إيليا أبو ماضي


هي الآن نائمة على طاولة العمليات، وها هي فظاعة الموت وعبثه تعبث بجدائل شعر الفتاة، والجراح يهم بفتح الجمجمة، على كل حال المعركة خاسرة مسبقا، كانت الرباعية الخالدة من أجمل وأصفى وأروع الألحان تفتقت عنها عبقرية موسيقار، كانت مزيج من حنان دافئ فيه براءة روح شوبرت...، فيه حزنه الساكن وهو يكتب بتلك السرعة التي جعلت منه أحد أكابر الموسيقى قبل ان يخطفه الموت وهو في عمر الزهور..، وتتواصل الكمنجات في عزفها الهادئ المسالم الوديع..، تتخلله بعض الضربات العنيفة للفيولونسال، لكن الكمنجات لا تهتم..، تتابع عناءها..، لقد ولّى الرّعب، وولّى الخوف، ولّت الثورة..، إنها لحظات الاستسلام للموت ويمتزج الفن مع الموت النهائي، ورباعية فرانز شوبرت (الصبيّة والموت) هي لوحة للرسَّام "يالدوين قرين تمثل الموت ممسكا بشعر الفتاة التي لم تتجاوز ال18 من العمر، كانت تفاصيل جسمها توحي بأنها الينبوع الذي سيتفجر منه سيل الحياة العاتي، إنها على موعد مع الموت، ليقطف روحها مثلما تقطف الزهرة، وهي لم تعطر بأريجها العالم، أو مثلما تنطفئ نجمة قبل أن يهتدي بنورها بحَّار أو يحلُمُ على ضوئها شاعر مُحبّ وهاو عزرائيل يراقص الفتاة الرقصة الأخيرة.. هي الآن على موعد مع الموت، لماذا توقظ جراحنا أيها المرزوقي..؟، يقول منصف المرزوقي: الموت فظاعة في الكبر لأنه يحصد إنسانا عبّأ ما عبّأ من التجارب، وهو فظاعة عند الطفولة، لأن الطفل لا يفهم..، يموت ولا يدري أنه عاش، لأن الشباب أمل وطموح وتوثب إلى تحقيق الأماني التي وضعتها فيه الحياة..، وتنتهي الرباعية..، كانت الحركة الراقصة هي رقصتها الأخيرة مع الموت وماتت الفتاة بعد أسبوع وغمر الصمت الغرفة، ليسكنها بردُ الموت.



فتبسّمت وبدا الرضا في وجهها***إذ راقها التمثيل والتصوير

عالجتها بالوهم وهي قريرة***و لكم أفاد الموجه التخدير

يبكين في جنح الظلام صبية***إن البكاء على الشباب مرير

يا ليل أين النّور..؟ إني تائه***هل ينبثق، أم ليس عندك نور

أكذا نموت وتنقضي أحلامنا***في لحظة وإلى التراب نصير

إيليا أبو ماضي


إنها معجزة الموت والحياة يقول المرزوقي تجعلنا نقف مشدوهين أمام إعجاز الخلية وروعة ودقة القوانين، التي تسير تعاملها مع بقية الخلايا وتصيبك الدهشة أمام مراحل تطور الجنين عند كل الكائنات

لقد رأيت النمل ***يسعى مثلما أسعى لرزقي

و له في العيش***أوطار وحق مثل حقي

قد تساوي صمته***في نظر الدهر ونطقي

فكلانا سائر يوما إلى***ما لست أدري

إيليا أبو ماضي


يدعونا المرزوقي لنتوقف مرة ونسبح بخيالنا لنتذكر ملحمة الخلية الأولى وصبرها الطويل وهي تجاهد للبقاء، نحدق في العالم وكأننا نراه لأول مرة ونتمتع بمعجزة الرؤية، قد يكون الموت تتويج هذه المعجزة، السكينة المطلقة، اللاحركة، اللامبالاة، اللااكتمال والإخفاق أخيرا، قد تمشي في الشارع وفجأة وبدون سابق إنذار تخسف بك الأرض، حادث مرور بسيط، في أي لحظة يمكن أن تبتلعك الهاوية، الحرب، رصاصة طائشة، سكين مجنون، سقوط طائرة، أو غرق باخرة، قائمة المطبات الكبرى طويلة، أما المطبات الصغرى فهي خيبة أمل عيث الصدف بالمصير، حب فاشل و..و..الخ، غدا ستكتب عنك الجرائد ويتلقى أهلك وذويك التعازي الواحدة تلو الأخرى وهكذا تبدو لحياة في بعض الأحيان تافهة مبتذلة، هكذا يقول المرزوقي لقد ذهب كل شيء مع الريح وذهبت الأحلام..، خلقت المستشفيات لانتظار الموت.

تساءل همنجواي مرة وهو يمشي : متى تتفتح اليابسة تحت رجلي ولتبتلعني؟ ة يقول المرزوقي باعتباره طبيب أعصاب: "إنه الخوف من الموت ولهذا نرى الزعماء يمشون ومعهم مسدس يخفونه، حتى أصيبوا من مرض اسمه "الخوف من الخوف"، بمرور السنين يصبح الخوف الهاجس الوحيد والمرض الحقيقي لا يوجد دواء للخوف يضيف المرزوقي إلا بعض العقاقير لتخدير العقل والحواس، لكنها لا تجدي شيئا فهي كمن يحاول إطفاء حريق بملاعق القهوة، ثم يضيف: "الطب كذبة بسيطة"، أهكذا هو الطب أيها المرزوقي؟، كم مرة في اليوم تكذب فيها على المرضى ؟ وهل هي كذبة بيضاء؟ وقد اعترفت بنفسك أنك تعلمت الكذب أو بالأحرى التمثيل، تعلمت الرياء والخداع رحمة بالإنسان وتعلمت كيف ترسم على شفتيك ابتسامة سخرية، وتهز كتفك بازدراء، نعم يا دكتور أنتم الأطباء ممثلون من الطراز الأول تخلقون السيناريوهات كما يخلق الفنان اللوحات وترتجلون حسب المواقف والشخصيات.

يتساءل المرزوقي قائلا: أي عضو من أعضائي سيطلق سفارة الإنذار الأولى؟ الرئة؟، المخ؟، الكبد؟ القلب؟ أم الدم؟ بماذا سأشعر وأنا أحس بدبيب الموت في أحشائي، وتتسارع الأفكار والخواطر والهواجس بالمرزوقي وبي أنا أيضا.. وربما بكم أنتم كذلك..، هل جرّب أحدكم ظلمة الموت يوما، أو برودته؟ أنا جربتها أو بالأحرى تخيلتها وجسدتها ككائن واقف أمامي، سأخبركم كيف جربت ظلمة الموت ولكن بشرط أن تجربوها أنتم كذلك.. أوكي.. هيا لنبدأ..، ابق بمفردك في غرفة، أقفل النافذة واغلق الباب بالقفل حتى لا يدخل عليك أحد، أطفئ النور، استلق على سريرك استرخي قليلا.. وأغمض عينيك لا تفكر في عملك أو في مشروع الغد،لا تفكر في أسرتك ولا في حبيبتك ولا حتى في من تشاطرك وسادة نومك، سوف ترى لا محالة شبح الموت قادم، هاهو يتسلل ببطء، يقترب منك، يسكن جسدك، أنت ميّتٌ الآن..، الوضعية حرجة .. أليس كذلك لا تقل شيئا، لا تضيع وقتك في الإلحاح السمج الثقيل، وإن نهضت فلن تنهض إلا بصعوبة، تنظر إلى وجهك في المرآة، ولن تعرفه فقد حفرته تجاعيد الخوف من الموت..

وإذا شيخ في الصحراء *** كالزورق في عرض البحر

أعياه الصلح مع الماء *** واضاع الدرب إلى البرِّ

يمشي في الأرضِ على مهلٍ *** وعلى حذر لكن يمشي

كالشاة تُسَاقُ إلى القتل *** بعصا جبَّارٍ ذي بطشِ

إيليا أبو ماضي


اتجه المرزوقي إلى كتب الطب ليسألها عن سر الموت استغرب سكوتها المطلق، فاتجه إلى شعر إلى إيليا أبو ماضي، لأن شعره احتل موضوع الموت فيه مكانة بارزة، وصفه ببراعة المشاعر التي يثيرها وجوده حاول إيليا فكّ - الطلاسم - لكنه لم يقدر، لأن الموت معجزة حتى الفلسفة لم تطرح المشكلة، فاتجه إلى الموسيقى.. إلى موسيقى فرانز شوبرت لتشرح له مأساة الرجل وهو في الواحدة والثلاثين، وجمال وروعة الثلاثيات والرباعيات..، ربما المرزوقي لم يطربه صوت فيروز وهي تردد: "زروني كل سنة مرّة.."، أو قول أحد الفنانين المتشائمين .. " هذا وطنك ولاّ جيت برَّاني، يا راس المحنة لله كلمني.."..، يقول المرزوقي، أريد أن أعلم ما الذي ينتظرني في ذلك اليوم الهام، وأنا محمول على النعش، هل سيكون العبور مؤلما مخيفا؟ بماذا سأشعر وأنا أطلق آخر نفس لي، والحياة تنسحب من ضلوعي كالموج عند الجزر أو كالرمل يتسرب من يد أتعبها تشنّج العضلات، لماذا أنت متيقن بأن أمثالك لا يذهبون إلى الجَنَّة؟ كم من مريض قتلته خطأ من الممكن أن تزعجك مثل هذه الأسئلة..

أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور

فحياة فخلود أم فناء فدثور

أكلام الناس صدق أم كلام الناس زور

أصحيح أن بعض الناس يدري

لست أدري.. ولماذا لست أدري.. لست أدري

إيليا أبو ماضي


أما البحث عن أكسير الخلود، أصبح الزمان غير محدود، يا له من عالم مجنون، أنت لا تساوي قرشا طالما لم تعرف أصحاب النفوذ هكذا قال المرزوقي و قد صدق، لكن إتاحة الفرص تتطلب منك ومني التواري والاختفاء ذلك هو قدرنا، من البديهي أن الموت هو ضمان التجدد فالخلق، وبالتالي ضمان حياة الحياة، كانت الحضارات والإمبراطوريات وة قبائل البدو في قلب الصحراء أو في الفيافي وفي الغابات الجليدية تشيخ وتهرم ككل الكائنات الحية، وكان الموت يتسرب إليها وأعراض الموت معروفة: الغرور، لجمود، التحجر، التعجرف، الترف وسيطرة الطقوس و..و..، اين كل ما شيّدوه؟ لقد انتهى كل شيئ وذهب مع الريح، عبثا، فكروا في الخلود، حفروا في الصخر آلاف الكيلومترات عبر مئات السنين، كان أعظم عمل قامت به الإنسانية في حربها الخاسرة مع الموت.. هو اسمي واسمك واسم أجدادك الذين هم أجدادي، كل ذلك مسجّل في الذاكرة وظنوا انهم سيتغلبون على الموت، لكن الكون العجوز على "موعد مع الموت " آن له الأوان لأن يتقاعد، ينسحب ويرتاح، أهدرت حياته الجياشة كل طاقاته ونضب منه الوقود، انطفأت آخر نجمة، عمّ الظلام المطلق والسكينة المطلقة..

تجربتي مع الموت أو موعد مع الموت

هل شعر أحدكم بسكينة المقابر.؟ حقا أن انتظار الموت مؤلم والهرب منه مؤلم أيضا وبعض كيفيات الموت غاية في البشاعة، لقد بحث المرزوقي عن سر الموت في كتب الطب، في الشعر، في الموسيقى وحتى في الفلسفة، لكنه لم يعثر عليه، حاول أن يراه ويلمسه لكنه لم يجده، لكنني أنا وجدته، أتذكر يوم كانت أختي تلفظ أنفاسها كنت أشعر ببرودة الموت، كنت أمسك بيدها، ساعتها كنت أشعر بالبرودة تتصاعد رويدا رويدا، كانت أمي تثبّت نظراتها إلىّ حتى لا أصرخ بصوت عال، احتراما لروح أختي حتى تخرج بسلام ، و كي لا تسقط دموعي خشية من أن تبللها، و إن سقطت دمعة فهل تشعر بها و هي تحتضر؟ ، لم أكن أدري طبعا كيف جمدتُ وتجمّد الدم في عروقي، وبقي هاجس الموت يطاردني وتلك الصورة البشعة ترافقني إلى اليوم، قبلها حضرت في تغسيل ابن أخي، عشت برودة الموت قبله بوفاة والدي، ثم عمي وجل أفراد عائلتي، لم أعد أخاف من الموت، بقدر ما تقلقني الوحدة، وأنت تعيش آلام الفراق.

وهاهو منصف المرزوقي يلجأ أخيرا إلى الدين وهي المحطة الأخيرة لمعرفة سر الموت وبرودته، يقرأ للفيلسوف "لاوتسو" ذلك الفيلسوف العجوز ولا وتسو من أكبر عباقرة البشرية وهو صاحب كتاب " الصراط وفضيلته"، قال لاوتسو: "كل شيء عائد إلى الأصل، ومادتنا عائدة إلى الأصل، إلى نقطة الصفر التي شهدت بداية كل شيء، بعد المدّ يكون الجزر، يصف لاوتسو الصراط فيقول: أنا لا أعرف له اسما لذلك سميته الصراط، لا أعرف عنه شيئا لذلك أقول أنه أكبر، يصفه بأنه أزلي قارّ لا يفنى إن نظرت بالعين فلن تراه لأن اسمه من لا يرى، و أن أصغت السمع فلن تسمعه لأن اسمه من لا يسمع ،وإن لمست باليد فلن تلمسه لأن اسمه من لا يطوله اللمس، هو شكل بلا شكل، صورة بلا صورة، سراب، اتجه نحوه فلن ترى وجهه، اتبعه فلن ترى له ظهرا، ومع ذلك فإن الصراط هو أم كل الكائنات عنه تولدت، و إليه تؤوب، الصراط إذن يجعلنا ندرك الصلة بين الخالق والمخلوق، هي إذن صلة الترابط والتلاحم حتى يكتمل الناقص.. هذا الإبداع الإلهي نجده في الزمكان..، في ضحكة طفل.. في خرير ماء.. في قطرة ندى.. يد ممتدة.. قلب خافق.. نور على نور.. حفيف أشجار.. ركض غزال.. موجات تداعب الصخر.. مجرات تتفجر... كله جَمَالٌ وإعْجَازٌ.. عبقريةٌ وكل هاته الأبّهة عندما تتلألأ النجوم في ليلة صيف.

علجية عيش بتصرف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى