أمل الكردفاني- المساواة أمام القانون... نقاط مبدئية للمناقشة

المساواة أمام القانون...
نقاط مبدئية للمناقشة




هذا لا يعد مقالاً، بل هو مسودة مبدئية، لتحديد نقاط التأثير على مبدأ المساواة أمام القانون، أو ما يسميه القضاء الأمريكي الحق في العدالة المتساوية، ولن أخوض في نقد التسمية الأمريكية كثيراً، لأنني أبحث عن الفهم العملي، وليس المغالطات اللغوية، التي قد تبدأ من اعتبار المساواة أمام القانون حقاً، أم أن الحق نفسه يجب أن يكون متساويا بين الآخرين.
كذلك يمكننا البحث باقتضاب عن فكرة القانون نفسها وردها إلى كونه منتجاً من منتجات تخفيف صراع البقاء، وبالتالي لا يشترط أن يكون هناك مساواة إلا إذا تعادلت القوى المتنازعة حول مُكنة المصلحة...
ترتيبا على ذلك، فإن المساواة أمام القانون على أرض الواقع ظلت أقل من مثاليتها النظرية، إذ أن الحياد القانوني غير متصور أبداً في ظل مجتمعات متنوعة.
قرأت قبل يومين القانون الأمريكي الذي لا زال يحظر تكوين حزب شيوعي، بل ويجرم ويعاقب على ذلك. وربما قد يندهش مثلي الكثيرون، حين تقضي المحكمة الفدرالية العليا بصحة العمل بهذا القانون، لأن الخطاب الشيوعي الماركسي يسعي لتقويض النظام الأمريكي.
حرية التعبير، ظلت خاضعة دوماً لرقابة القضاء الأمريكي، إذ يقول أحدهم، أن حرية التعبير هي أغلى ما نملكه، غير أنه في نفس الوقت، يتم تقييد حرية التعبير، كما في قانون تجريم الشيوعية. وهو أسوأ من المبدأ القضائي الذي يقضي بأن حرية التعبير لا يعتد بها عندما تنادي بالعنف..لقد قال جورج بوش الابن إننا سنحارب من أجل الحرية (تحرير الشعوب الأخرى). وهذه جملة تقوض معايير القضاء الأمريكي نفسه حول مبدأ حرية التعبير، إذ أن الحرب هي أقصى أنواع العنف، وبالتالي فإن جورج بوش الابن كان يجب أن يخضع للمساءلة القانونية.
مع ذلك ودون المزيد من الخوض في مسألة المساواة من حيث تأصيلها فلسفياً وسوسيولوجياً، يجدر بنا أن نرى بعض معالم هذه المساواة، من خلال القانون نفسه.
▪️المساواة عبر عمومية القاعدة القانونية:
إن مدونة حامورابي، هي من أقدم المدونات القانونية، وسنلاحظ أنها تمتعت بالشكل الحديث المطلوب للمدونات القانونية المعاصرة. مما دفع العديد من الباحثين إلى القول بأن التوراة استقت مفاهيمها التنظيمية من هذه مدونة حمورابي.
فعملية التقنين codifying نفسها تحقق مبادئ قانونية حديثة؛ أبرزها مبدأ المشروعية، ومبدأ عمومية القاعدة القانونية.
▪️مبدأ المشروعية وهو ألا يتم تجريم ومعاقبة شخص بدون نص قانوني سابق بلغ علمه به فلم يلتزم به.
ومبدأ عمومية القاعدة، أي أن القاعدة القانونية لا تتعامل مع أشخاص بعينهم (زيد من الناس)، بل تتعامل مع مراكزهم القانونية (مستأجرين، عمال، تجار، مواطن، طبيب، محامٍ).
وليس الطبيب فلان ولا المحامي فلان ولا المستأجر فلان.
فالقانون لا يهتم بشخص بعينه بل بمركز عام، ولو كان هذا المركز لا يشغله سوى شخص واحد كمركز (رئيس الدولة).
فلا يجوز أن ينص الدستور، على أن البرهان رئيس الدولة، بل يضع شروطاً ما إذا توفرت جاز للبرهان أو لغيره أن يكون رئيساً للدولة.
هذه هي عمومية القاعدة القانونية، والتي تجلت في أقدم القوانين البشرية وهي مدونة حمورابي.
تؤدي عمومية القاعدة القانونية إلى أن يكون القانون مؤسسياً وليس شخصياً، وبالتالي يخرج من كونه سلاحاً للانتقام وتصفية الحسابات الشخصية، كما أن هذه العمومية تفترض وقوف القانون من الجميع على مسافة واحدة.
▪️المساواة من حيث التتبع:
لا يكون للحق قيمة إن لم نكن قادرين على حمايته من الإغتصاب، والقاعدة لا تكون قانونية إن لم تقترن بجزاء على انتهاكها، على سبيل المثال، إذا نص القانون على أن القاتل هو كل من يزهق روح إنسان حي، ثم سكت. فإن هذا لا يكون قانوناً في الواقع، بل معجم تفسيري.
فلابد من أن يوضح القانون عنصر الجزاء المترتب على القتل، كالإعدام أو السجن.
مع ذلك فلابد أن يكون هذا الجزاء نفسه عاماً، فلا يجوز مثلاً أن ينص القانون على أن عقوبة القتل هي الإعدام، ولكن عقوبة القتل (لفلان) هي السجن. فالقاعدة القانونية ليس عامة فقط من حيث عنصر الفرض، بل أيضاً من حيث عنصر الأثر.
ويلزم فوق هذا أن تكون المساواة في بيروقراطية العدالة، فلا يجوز أن يكون باب رفع الدعوى مفتوحاً أمام شخص ومقفولاً أمام شخص آخر.
ومن هاتين النقطتين يمكن للباحثين مناقشة المشكلات التي تواجه مبدأ المساواة؛ مثل التفريد العقابي، ومثل الحصانات.
لاحظنا مثلا أن إحدى الوزيرات رفعت دعوى ضد رجل دين، ولكن رجل الدين وجد الباب أمامه مغلقاً لرفع دعواه ضد هذه الوزيرة بسبب الحصانة..أو فلنقل بسبب اضطراب القانون.
▪️مشكلة تفريد العقاب تظل قضية مؤثرة جداً على مبدأ المساواة أمام القانون.
فيمكن لمحكمة ما أن تقضي بعقوبة مختلفة على شخصين ارتكبا نفس الجريمة، تأسيساً على قضايا خارج القانون، مثل حداثة أحد المجرمين بعالم الإجرام أو سلوكه وأخلاقياته بل حتى بحسب اقتداره المالي كما في الغرامات..أو بقضايا ذات أساس قانوني كوجود سوابق جنائية ضد أحد المتهمين.
وفوق هذا كله فتفريد العقاب مسألة شخصية جداً، إذ ترتبط بالقاضي، أي بآرائه وتوجهاته الفكرية والنفسية والسياسية والاقتصادية، رغم ما يقال بأن التفريد يقبع بين حدين أدنى وأعلى للعقاب..وبالتالي فالمشرح يخوِّل القاضي هذا التفريد لما فيه من ملاءمات لا يقدر عليها المشرع...
▪️القواعد التحكميَّة والحيَل القانونية:
ليست القواعد القانونية الموضوعية وحدها التي يجب أن تكون ذات أضلاع متساوية، فالقواعد الإجرائية يجب أيضاً، أن تقف من جميع الخصوم في الدعوى موقفاً واحداً، ولكن هذه المساواة، قد تفضي إلى عدم نهاية النزاع؛ فمثلاً، يجيز القانون لمن صدر الحكم ضده، أن يستأنف الحكم. فإذا صدر حكم الاستئناف لمصلحته جاز للطرف الآخر أن يطعن أمام محكمة أعلى (عليا، نقض، إبرام، تمييز...أياً كانت التسمية).
لكن هذا الباب لا يمكن أن يكون مفتوحا للنهاية، إذ كل من لم يعجبه الحكم يجوز له الطعن فيه. فلابد من حسم النزاع، لاستقرار المراكز القانونية وحماية الحقوق من الوضع المستمر تحت التهديد.
هنا تأتي القواعد التحكمية، والتي تقضي بأنه -وعند مرحلة معينة- لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة بتاتاً، ويكون حكمها نهائياً. ويسمى في بعض الأنظمة الحكم البات..أي الذي لا يقبل الطعن فيه لا بطريق عادي ولا استثنائي وهكذا يفضل المشرع الاستقرار القانوني على المساواة أمام القانون.
مع ذلك فالعدالة تقتضي، ألا يكون هذا الباب مغلقاً بإحكام.
فماذا لو تمت إدانة شخص بجريمة قتل عباس من الناس، وكل المحاكم أيدت هذه الإدانة وهكذا انغلق الباب نهائياً أمام الطعن في الحكم. ثم فجأة ظهر المجني عليه حياً، بعد أن قضى عباس البريئ سنوات في السجن.
هنا لابد من فتح الباب للنظر في الحكم الذي صدر ضد عباس..وإتاحة الباب أمام إعادة النظر في الدعوى برمتها.
▪️المساواة أمام القانون، مبدأ، وليس حقاً، إذ أن المبدأ هو الذي تُبنى عليه القاعدة القانونية برمتها. ويجب أن يوضع في الاعتبار حينما يكون البرلمان بصدد أداء دوره الأهم وهو التشريع. أي سن القوانين العادلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى