درست اللغة الألمانية في معهد ( غوتة ) في مدينة ( فرايبورغ ) وكان المعهد وسط المدينة قرب محطة القطارات . لم يترك الموقع تأثيرا سلبيا على قاعات التدريس ، فالألمان جهزوا المعهد ليكون هادئا لا يؤثر فيه ضجيج السيارات ولا أصوات القطارات ، وغالبا ما يلجأون إلى تركيب زجاج مزدوج للنوافذ يحول دون سماع الصوت الخارجي . ودرست في جامعة ( بامبرغ ) ، في المباني القديمة التي تقع وسط المدينة ، وبناؤها يعود إلى قرون تقريبا ، وكانت قاعات التدريس فيها قاعات يتوفر فيها الهدوء التام ، حيث يعطي المحاضر محاضرته دون أن يزعجه أحد ، وهذا ما افتقدته في جامعة النجاح الوطنية ، منذ تعييني فيها وإلى آخر محاضرة ألقيتها في ٣٠ أيلول ٢٠١٩ .
تطورت جامعة النجاح الوطنية من مدرسة إلى معهد لتأهيل المعلمين فإلى جامعة .
كانت البناية الأولى للمدرسة قريبة من البلدة القديمة ، وفي حينه - أي في ١٩١٨ - كانت تقع في حي جديد ، وقد نعت الشارع الذي تقع فيه باسم المدرسة وصار اسم الشارع شارع النجاح القديمة ، وصار اسم المبنى ، في ستينيات القرن العشرين ، مدرسة " ابن الهيثم " ، وأقيم مبنى جديد للمدرسة والمعهد معا غربي المدينة في حي يقطنه أثرياء نابلس ورموزها الاقتصادية والسياسية ممن بنوا " فيللا " أشبه بالقصور ، صار ، الآن ، قسم منها مهجورا يثير الأسى ويبعث الحزن ، وتحديدا بيت رئيس بلدية سابق للمدينة من آل سرور .
كان المبنى الجديد للنجاح نواة الجامعة ، وقد أقيم على أرضه مبنى جديد على طراز عمراني قديم يعزز أجواء الأسرة الواحدة ، وقد صممه المهندس جعفر ابراهيم طوقان وحصل التصميم على جائزة . المبنى الذي صممه طوقان يصلح لأن يكون مدرسة أو معهدا أو جامعة لبرنامج موحد تبدأ فيه الحصص في الوقت نفسه وتنتهي في الوقت نفسه ويدخل الطلاب كلهم معا إلى القاعات ويخرجون كلهم منها معا ، ولكنه إطلاقا لا يناسب جامعة تعتمد نظاما تدريسيا كالذي تتبعه جامعة النجاح الوطنية - أي نظام الساعات المعتمدة الذي يتيح للطالب اختيار الوقت المناسب له والمحاضرات التي يرغب في دراستها . إن هذا النظام يقوم على عدم انتظام الطلاب كلهم في حضور المحاضرات كلها في الوقت نفسه ، وهكذا يكون قسم من الطلاب في المحاضرات وقسم منهم خارجها ، عدا أن الملعب الرياضي للجامعة ، قبل إقامة مبنى كلية الرياضة خلال السنوات القليلة المنصرمة ، كان قريبا من قاعات التدريس ، فكان أساتذة قسم الرياضة يعطون محاضراتهم فيه ، وأحيانا كانت تجري مباريات بين فرق الجامعة أو بين فريق الجامعة وفرق جامعات أخرى يرافقها صياح جنوني ، دون أن يلتفت الأساتذة والطلاب إلى أن هناك قاعات تدريس يحاضر الأساتذة فيها . أحيانا كنت أخرج عن طوري وأوقف التدريس لأتحدث مع الأساتذة وأذكرهم أننا نعطي محاضرات ، وأن عليهم الانتباه إلى هذا ، ولطالما تخاصمت مع زملاء لي من قسم الرياضة أجلهم وأحترمهم وكانت بيني وبينهم صداقات حقيقية ، ولم تحل هذه المشكلة إلا بعد انتقال كلية الرياضة إلى مبناها الخاص ، وعادت علاقتي مع زملائي هؤلاء إلى سابق عهدها .
المشكلة التي خفت حدتها إلى حد كبير بسبب انتقال كلية الرياضة لم تنته كليا ، فأحيانا كان بعض الطلبة يحصلون على طابات ويلعبون في الملعب ، ما يترك أثرا سلبيا على إعطاء المحاضرات ، فيتشتت ذهني وتتشتت أذهان الطلاب ، ولطالما شكوت الأمر إلى رؤساء القسم المتعاقبين وإلى العمداء الذين تناوبوا العمادة ، علهم يبلغون الإدارة بالمشكلة لتجد حلا لها ، ولكن :
" لقد أعييت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي " .
إلى جانب الملعب كانت هناك الممرات الداخلية للبناء ، ففي هذه الممرات يجلس الطلاب وترتفع أصواتهم ، دون أدنى مراعاة للمحاضرات التي تعطى ، وغالبا ما كنت أخرج من قاعة المحاضرة وأطلب من الطلاب التزام الصمت أو الانصراف إلى الكافتيريا أو المكتبة ، ونظرا لأنني كنت أعرف أكثر هؤلاء الطلاب فقد كانوا يطيعون بلا جدال وينصرفون بأدب جم .
إن المبنى القديم للجامعة ترك أثرا سلبيا على العملية التدريسية وترك أثرا سلبيا علي شخصيا ، على الرغم من انتمائي لعالم الجامعة وعلى حبي مهنة التدريس .
الآن انتهيت من إعطاء المحاضرات ولو كانت هناك نصيحة يطلب مني تقديمها لإدارة الجامعة لفضلت أن تتعلق بتوفير الهدوء لقاعات التدريس ، إما من خلال تركيب نوافذ مزدوجة الزجاج ، حيث يعزل الفراغ الأصوات ، على الطريقة الألمانية ، أو من خلال حث الحراس على الالتزام بتوفير الهدوء ، كأن يتجولوا في الممرات ويمنعوا الطلاب ، وقت المحاضرات ، من البقاء فيها ، وكأن يظل حارس واحد في الملعب يمنع الطلاب من اللعب فيه في أثناء التدريس .
٧ آيار ٢٠٢٠
تطورت جامعة النجاح الوطنية من مدرسة إلى معهد لتأهيل المعلمين فإلى جامعة .
كانت البناية الأولى للمدرسة قريبة من البلدة القديمة ، وفي حينه - أي في ١٩١٨ - كانت تقع في حي جديد ، وقد نعت الشارع الذي تقع فيه باسم المدرسة وصار اسم الشارع شارع النجاح القديمة ، وصار اسم المبنى ، في ستينيات القرن العشرين ، مدرسة " ابن الهيثم " ، وأقيم مبنى جديد للمدرسة والمعهد معا غربي المدينة في حي يقطنه أثرياء نابلس ورموزها الاقتصادية والسياسية ممن بنوا " فيللا " أشبه بالقصور ، صار ، الآن ، قسم منها مهجورا يثير الأسى ويبعث الحزن ، وتحديدا بيت رئيس بلدية سابق للمدينة من آل سرور .
كان المبنى الجديد للنجاح نواة الجامعة ، وقد أقيم على أرضه مبنى جديد على طراز عمراني قديم يعزز أجواء الأسرة الواحدة ، وقد صممه المهندس جعفر ابراهيم طوقان وحصل التصميم على جائزة . المبنى الذي صممه طوقان يصلح لأن يكون مدرسة أو معهدا أو جامعة لبرنامج موحد تبدأ فيه الحصص في الوقت نفسه وتنتهي في الوقت نفسه ويدخل الطلاب كلهم معا إلى القاعات ويخرجون كلهم منها معا ، ولكنه إطلاقا لا يناسب جامعة تعتمد نظاما تدريسيا كالذي تتبعه جامعة النجاح الوطنية - أي نظام الساعات المعتمدة الذي يتيح للطالب اختيار الوقت المناسب له والمحاضرات التي يرغب في دراستها . إن هذا النظام يقوم على عدم انتظام الطلاب كلهم في حضور المحاضرات كلها في الوقت نفسه ، وهكذا يكون قسم من الطلاب في المحاضرات وقسم منهم خارجها ، عدا أن الملعب الرياضي للجامعة ، قبل إقامة مبنى كلية الرياضة خلال السنوات القليلة المنصرمة ، كان قريبا من قاعات التدريس ، فكان أساتذة قسم الرياضة يعطون محاضراتهم فيه ، وأحيانا كانت تجري مباريات بين فرق الجامعة أو بين فريق الجامعة وفرق جامعات أخرى يرافقها صياح جنوني ، دون أن يلتفت الأساتذة والطلاب إلى أن هناك قاعات تدريس يحاضر الأساتذة فيها . أحيانا كنت أخرج عن طوري وأوقف التدريس لأتحدث مع الأساتذة وأذكرهم أننا نعطي محاضرات ، وأن عليهم الانتباه إلى هذا ، ولطالما تخاصمت مع زملاء لي من قسم الرياضة أجلهم وأحترمهم وكانت بيني وبينهم صداقات حقيقية ، ولم تحل هذه المشكلة إلا بعد انتقال كلية الرياضة إلى مبناها الخاص ، وعادت علاقتي مع زملائي هؤلاء إلى سابق عهدها .
المشكلة التي خفت حدتها إلى حد كبير بسبب انتقال كلية الرياضة لم تنته كليا ، فأحيانا كان بعض الطلبة يحصلون على طابات ويلعبون في الملعب ، ما يترك أثرا سلبيا على إعطاء المحاضرات ، فيتشتت ذهني وتتشتت أذهان الطلاب ، ولطالما شكوت الأمر إلى رؤساء القسم المتعاقبين وإلى العمداء الذين تناوبوا العمادة ، علهم يبلغون الإدارة بالمشكلة لتجد حلا لها ، ولكن :
" لقد أعييت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي " .
إلى جانب الملعب كانت هناك الممرات الداخلية للبناء ، ففي هذه الممرات يجلس الطلاب وترتفع أصواتهم ، دون أدنى مراعاة للمحاضرات التي تعطى ، وغالبا ما كنت أخرج من قاعة المحاضرة وأطلب من الطلاب التزام الصمت أو الانصراف إلى الكافتيريا أو المكتبة ، ونظرا لأنني كنت أعرف أكثر هؤلاء الطلاب فقد كانوا يطيعون بلا جدال وينصرفون بأدب جم .
إن المبنى القديم للجامعة ترك أثرا سلبيا على العملية التدريسية وترك أثرا سلبيا علي شخصيا ، على الرغم من انتمائي لعالم الجامعة وعلى حبي مهنة التدريس .
الآن انتهيت من إعطاء المحاضرات ولو كانت هناك نصيحة يطلب مني تقديمها لإدارة الجامعة لفضلت أن تتعلق بتوفير الهدوء لقاعات التدريس ، إما من خلال تركيب نوافذ مزدوجة الزجاج ، حيث يعزل الفراغ الأصوات ، على الطريقة الألمانية ، أو من خلال حث الحراس على الالتزام بتوفير الهدوء ، كأن يتجولوا في الممرات ويمنعوا الطلاب ، وقت المحاضرات ، من البقاء فيها ، وكأن يظل حارس واحد في الملعب يمنع الطلاب من اللعب فيه في أثناء التدريس .
٧ آيار ٢٠٢٠