أ. د. عادل الأسطة - د. فيصل دراج ويحيى يخلف " سلسلة كتابات عن د . فيصل دراج ورواية يحيى يخلف الأخيرة " راكب الريح "

1.
قرأت ما كتبه د . فيصل دراج عن رواية الكاتب يحيى يخلف الأخيرة " راكب الريح " ، وتذكرت أبا الطيب المتنبي وقصته مع كافور . هل في كل واحد منا يقبع شاعر اسمه أبو الطيب المتنبي ؟
للدكتور فيصل دراج في أدب يحيى يخلف اراء متعددة مختلفة ، تختلف من زمن إلى آخر .
أشاد د . دراج بأعمال يخلف ، ثم عاد في كتابه " بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية " 1996 ليكتب كتابة مختلفة كليا ، كتابة اختلفت 180درجة ، ما أدى إلى خصومة بين الناقد والروائي ، وها هو د . دراج يعود ليكتب عن الرواية الأخيرة ليخلف ، آتيا على أعماله أكثرها - مع أخطاء وقع فيها ، ربما لأنه اعتمد على الذاكرة في الكتابة - يعود ليكتب عن رواية يخلف مشيدا بالروائي أكثر مما يشيد بالرواية ،
لا أريد أن انتقص من كتابة الناقد او الروائي ، ولكن من حقي أن اسأل : أيعود السبب الى اختلاف ذائقة الناقد الادبية في أزمنة ثلاثة ؟ أم إلى أسباب أخرى ؟
ومع أنني مع مقولة نظرية التلقي الألمانية التي ترى أن قراءة نص واحد في زمنين مختلفين من القاريء نفسه تؤدي إلى قراءتين مختلفتين " إلا أن ثمة فأرا يلعب في عبي .
متى كان د . دراج أكثر صدقا في كتابته عن يخلف ؟ في مرحلته الأولى أم في كتابه " بؤس الثقافة...." أم الآن ، بعد أن تصالح الروائي والناقد وكرم الروائي الناقد و ... ؟
يضع د . دراج يخلف إلى جانب كنفاني وجبرا ، ويجعل منه صوتا روائيا ثالثا مميزا ، وهذا ما يختلف اختلافا كليا عما كتبه في " بؤس الثقافة .." ، ولقد قرأت شخصيا رواية الروائي ، وما كدت أبدأ فيها حتى وجدتني أتذكر رأي د . دراج في كتابه ، وتخيلت أنه سيعود إلى رأيه هناك .
واعتقد أن الروائي ظل على ما هو عليه ، وأن الذي اختلف هو الناقد ، وهذا ما جر عليه انتقادات عديدة .
ربما يجب تفكيك رواية يخلف التي ذكرتني شخصيا بأفلام فريد شوقي ومحمود المليجي في 60 ق 20 .
حقا لقد شعرت وأنا اقرؤها أنني أشاهد فيلم " صراع في الوادي " أو أي فيلم آخر يكون البطل فيه فريد شوقي . وهناك ما هو أكثر من ذلك .
هل يسعى يحيى يخلف إلى الحصول على جائزة ما من جهة تدعو إلى التعايش ؟
مرة كتبت " أدب المقاومة .. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات " ، ورواية يحيى الأخيرة في طروحاتها ودعوتها إلى التعايش والتسامح والمحبة وإقناع الغرب ونابليون بحكمة الشرق .. إلخ .. إلخ هي مدخل يشير إلى تحولات الفدائي الذي يحمل السلاح إلى الحكيم المتمثل في دجاجة اسحق موسى الحسيني .
أهو ما وصلنا إليه بعد اوسلو والربيع العربي أم هو هرمنا وتوقنا إلى حياة استقرار ونحن في هذا السن ؟
اعتقد أن رواية يخلف تثير أسئلة كثيرة ، وربما تقود إلى خصومات مع كاتب لا يحتمل اي نقد على الاطلاق ، كاتب يمكن أن يشطب من يختلف مع طروحاته بجرة قلم .

2.
لا انتقص من قيمة د . دراج النقدية حين أكتب عن مواقفه من الروائي يحيى يخلف ، فدراج هامة نقدية كبيرة ولا يجوز لي التطاول عليها ، ولكن كتابته المتقلبة من يحيى تثير العديد من الأسئلة التي أولها :
- ما مدى اقتناعه هو شخصيا بما كتب ، وكيف ينظر هو شخصيا إلى ما كتب؟
كنت بحثت عن كلمة أخرى غير متقلبة فلم أعثر ، وحاولت تفسير الأمر نقديا فلجأت إلى مقولة نظرية التلقي .
أعادتني قصة دراج مع يخلف إلى خلافات م . درويش مع س . القاسم والرسائل المتبادلة في حالات الخصام والوئام ، وكان د . دراج توقف أمام رسائل زمن الوئام ورأى أنها ضرب من البلاغة المنتصرة في الواقع المهزوم .
هل اختلفت كتابته هو عن يخلف في حالتي الوئام والخصام ، عما نعت به رسائل الشاعر ؟
كأنني ، وأنا أقرأ ما كتبه عن " راكب الريح " ، كأنني كنت أقرأ كتابة إنشائية هي ضرب من البلاغة في الواقع المهزوم . تماما كما هي رواية يحيى . إنها ضرب من البلاغة المنتصرة في الواقع المهزوم .
هرب يحيى من واقعه المهزوم ليخلق واقعا تنتصر فيه البلاغة ولغة الإنشاء .
كانت العلاقة بين الروائي والناقد توترت حين أبدى الناقد رأيا في أعمال الروائي لدرجة أن الروائي لم يتوان عن شتم الناقد وتعييره بخروجه من بيروت في زمن الحصار 1982 و .. و .. ولم أكن مع الروائي في موقفه ، وقد دافع درويش عن الناقد الذي رعاه في مجلته " الكرمل " واهتم بما يكتب لحرفية ما يكتبه الناقد .
ثانية لا أريد الإساءة للناقد ولكني آمل أن يسائل كتابته في أزمانها ليقدم لنا تفسيرا مقنعا لهذا الاختلاف ، بخاصة أن رواية يخلف ليست أكثر من انتصار البلاغة في الواقع المهزوم ، وهو تعبير مستعار من الناقد على أية حال .

3 .
اقرؤوا ما كتبه د . دراج عن يحيى يخلف في كتابه " بؤس الثقافة .." في صفحة 58 و61 .
يكتب د . دراج " تكون الخطاب السلطوي الفلسطيني من تجاوز كلمات تقول الأشياء كلها دفعة واحدة ، ولم يكن هذا الخطاب في عناصره المتجاورة أثرا لفكر انتقائي بقدر ما كان مرآة لارتباك فكري أنتج فصلا بين النظر والعمل والكلمة والواقع والهدف والإرادة "
و
" غير أن العلاقات تتعرف بنقائضها : فيحيل البطل الإيجابي الكامل على كيان ناقص يتبعه والكيان الناقص هو الشعب العادي المنتظر أبدا بطلا يحمل إليه الخلاص ....... إلخ "
هل اختلف بطل " راكب الريح " عن البطل الذي كتب عنه د . دراج ؟ بل هل اختلفت رواية يخلف في روحها عن رواياته السابقة ، حتى لو اختلفت بيئتها وزمنها الروائي ؟
د . دراج نفسه يربط بين بعض أعمال يحيى ، وهذا ما سأكتبه وأبرهنه لاحقا ، فما الذي اختلف حقا في موقف د . دراج ؟
إن روح أعمال يحيى السابقة تتسرب إلى عمله الجديد ، بل إن الفصل بين الواقع والكلمة هو ما يميز هذه الرواية .
يعيش يحيى في القرن21 ويكتب عن نهاية القرن 18. يغترب عن واقعه ويختار بيئة أخرى وزمنا آخر بينه وبين يحيى قرنان من الزمن .
وفي " راكب الريح " ينتظر الشعب البطل المخلص ، ينتظره حتى حين يساق الشعب إلى الذبح ، فيذبح ولا يحرك ساكنا ، كما حدث في يافا . ماتت عائلة يوسف وسكان المدينة ، بل ذبحوا قبل أن يعود البطل .
إن ما كتبه د . دراج عن أعمال يحيى في زمن الاختلاف معه هو ما ينطبق بالتمام على رواية الروائي التي أشاد الناقد بها .

4.
أعتقد أن هناك خطأ طباعيا في مقالة د . دراج يؤثر على تحديد الزمن الروائي الذي حدده الناقد ابتداء ثم عاد ليكتب عنه .
تبدأ رواية " راكب الريح " بتحديد الزمن الروائي والمكان الروائي أيضا " يافا 1795 " ثم تمتد في الزمان ، ويرد في مكان من كتابة الناقد أنه القرن الثالث عشر . هذا خطأ طباعة إذ القرن هو الثامن العشر الميلادي زمن غزو نابليون بلاد الشام ومنها يافا .
لا بأس . هذا خطأ غالبا ما نقع فيه سهوا أو ، في حالتي ، عن تقصد للإساءة .
ما لفت نظري هو ما كتبه د . دراج عن رواية يخلف " نهر يستحم في البحيرة " 1997 ، ذاهبا إلى أنها وروايات " بحيرة وراء الريح "و " ماء السماء " تأتي على النكبة . يصح قول د . دراج على" بحيرة " و " ماء " لا على" نهر " الرواية الوحيدة التي كتبها يخلف عن تجربة العودة بعد ( أوسلو ) 1995 ، وكانت ملامسة النكبة فيها عابرة .
يخيل إلي أن الناقد لم يراجع ارشيفه ولم يعد إلى ملاحظاته ، لا التي دونها على نسخ الروايات ولا إلى ما كتبه في كتابه " بؤس الثقافة " وتحديدا عن الوعي الريفي المجرد والمزيف في أعمال يحيى ، وهذه الرواية صادرة بالدرجة الأولى عن وعي ريفي بسيط وساذج أيضأ ، وليس أدل على هذا من مفهوم البطولة فيها الذي يذكر ببطل الحكاية الشعبية المخلص ، وهو بطل يناسب زمنا آخر ، ولا يناسب زمننا ، وقد يقول الناقد : وهذا ما نجح فيه الروائي ، فزمن الأحداث الروائية هو القرن 18 ؟
وإذا سلمنا بهذا فمعنى ذلك أننا لن نتقبل آراء ذهب إليها الناقد ونقاد آخرون من أن الروائي أسقط الماضي على الحاضر - أي أننا لن نرى في الرواية أية استعارة - أي استعارة زمن مضى للتعبير عن زمن حاضر أو زمن مستقبلي منشود .
لا أدري لماذا لم يتساءل الناقد عن عدم كتابة يحيى ، بعد روايته " نهر يستحم ..." أية رواية عن الواقع المعيش - أي عن الفترة الممتدة من 1997 حتى الآن 2016 .
ويخيل إلي أن السؤال قد يوجه إلى غيره ، وإن بنسبة أقل ، فمحمود درويش بعد مرحلة باريس أخذ يسترجع أزمنة سابقة ، ولكنه في " حالة حصار " عاد وكتب عن اللحظة الزمنية المعيشة ، لحظة الحصار ، وحين كتب " لا تعتذر عما فعلت " 2003 واسترجع الماضي استرجع الماضي القريب - أي ما بعد ( اوسلو ) وكانت أعماله البعيدة موضوعا عن التجربة المعيشة قليلة " سرير الغريبة " 1999 مثالا .
يقيم يحيى في رام الله منذ عودته ، ويخيل إلي أنه بعيد عنها كثيرا ، ولا أدري إن كان د . دراج يشاركني الرأي التالي : إن رواية مثل " رام الله الشقراء " أو " كافر سبت " أكثر حيوية ومتعة من رواية " راكب الريح " التي افترقت عن زمان كاتبها ، ليس زمنيا وحسب ، بل روحا ولغة أيضا ، ولعلني سأعود إلى رأي د . دراج حول لغة رواية إميل حبيبي " المتشائل " .

5.
هل كانت كتابة د . دراج ضربا من المجاملة ليس أكثر ؟
لا أدري لم لم يتوقف الناقد أمام لغة الرواية ليكتب عنها .
كان د . دراج توقف في كتابه " نظرية الرواية والرواية العربية " 1999 أمام رواية إميل حبيبي " المتشائل " ورأى أن لغة حبيبي " تجهل الفعل الروائي الذي يوزع اللغة على مستويات متعددة " " كأن المتحدث الذي احتكر إمكانيات اللغة وزهد بمن يقوم خارجه كان يعيد كتابة الحكايات السابقة بلغته المفردة ، معتقدا أن إضافة النثر الحديث إلى الحكاية القديمة يفضي ، بشكل مستقيم ، إلى أقاليم الرواية ".
ويذهب د . دراج إلى أن حبيبي عمل على ترهين اللغة وتسليفها . كأن د . دراج ينتقص من لغة إميل الروائية ، انطلاقا من مقولات ( ميخائيل باختين ) حول لغة الرواية التي تختلف عن لغة الشعر . ويفترض ( باختين ) في لغة الرواية التعدد والتنوع .
كأن إميل ، في نظر د.دراج ، يتحذلق لغويا . والسؤال هو : هل اختلفت لغة يخلف في روايته كثيرا من حيث الترهين والتسليف وواحدية المستوى اللغوي ؟
قد يقول د . دراج إن الزمن الروائي لرواية يخلف هو زمن يتطلب لغة مثل تلك اللغة ، خلافا للزمن الروائي لرواية إميل الذي هو زمن معاصر يتطلب لغة معاصرة ، ولكني سأذكر الناقد بأن لغة الفترة التي تجري فيها أحداث رواية " راكب الريح " كانت لغة على قدر كبير من الركاكة ، فلا هي لغة تشبه لغة زمنها الروائي ، ولا لغة زمنها الروائي تشبهها ، لا لغة السارد ولا لغة الحوار أيضا . وهذا موضوع يمكن أن أخوض فيه أكثر .
لقد أراد يخلف أن يقلد حبيبي في هذا الجانب وفي جوانب أخرى فكان صدى باهتا ، بل إنه ، كما ذهبت ، افتقد ميزة حبيبي وهي الكتابة عن تجربة معيشة .
والسبب أنه يعيش في واقع لم يندمج فيه أو أنه عزل نفسه عنه ، فجاءت لغته مثل أحداث روايته لا تمت إلى واقعه بأية صلة ، بل إنها لا تمت إلى لغة زمانها الروائي بأية صلة ، ولا إلى لغة " ألف ليلة وليلة " التي أشار د . دراج إلى تأثر يحيى فيها بأية صلة . وهذا طبعا له أسبابه التي لا تخفى .
كان مظفر النواب كتب :
" إنها الماركسية أم العرافة ".
وإذا قرأنا تجربة د . دراج وتجربة الروائي في ضوء المقولة الماركسية : " الموقع والموقف " عرفنا السبب . ولعلني مخطيء .
( فقط أحب أن أوضح فهمي لمصطلح دراج ( ترهين اللغة ، تسليف اللغة ) يقصد د . دراج أن حبيبي كتب بلغة عصر آخر ، لا بلغة عصرنا نحن . أي إنه أوقف اللغة عند زمن معين ، فكتب بلغة المقامات والجاحظ ، ولم يكتب بلغة عصره هو ، أي لغة القرن العشرين ، وأما فيما يخص المستوى اللغوي الواحد ، فقد صاغ الرواية كلها بلغة واحدة - أي إنه ، حسب رأي ( باختين ) فعل ما يفعله الشاعر الغنائي الذي يكتب بلغة واحدة ، ويبدو أن حبيبي أدخل لغة شخوصه كلها ، عربا ويهودا ، مثقفين وغير مثقفين ، في مياه ( نهر ليثي ) ، الذي يحول كل ما يدخل إليه إلى ذهب ، وهكذا أنطق حبيبي شخوصه بلغته هو ، وهي لغة مكتسبة ومتعلمة ، لا يتقنها إلا أديب أنفق سنوات عمره يقرأ النصوص القديمة )

6.
حسب المقولة الماركسية " الموقع والموقف " ، فإن تغيرات كتابة د . دراج من كتابات يحيى يخلف تحيل إلى تغير في موقع د . دراج ، كأن يكون حصل على منصب ما وفره له يحيى حين غدا وزيرا . " أطعم الفم تستح الأيديولوجيا "، كما ورد في قصة أكرم هنية " وقائع موت المواطنة منى . ل " 1981.أو أن يحيى في روايته استجاب للناقد ورأى ما رآه فلجأ إلى ما لجأ إليه بطله وهو التغيير من خلال المعرفة التي سعى وراءها بطل الرواية .
هذا أمر يقر به المنهج الاجتماعي الماركسي الذي كان د . دراج أحد أبرز أعلامه وانطلق في كتابه " بؤس الثقافة " منه غالبا . أعني تغير الموقع يؤدي إلى تغير الموقف وأن الكتاب يؤجرون أقلامهم لمن يدفع لهم .
وحسب مقولة نظرية التلقي التي
أشرت إليها ، فإن فهم دراج للأدب
قد يكون تغير ، وهذا هو التغير الثاني ، وفيه يعود د . دراج إلى ما كان عليه يوم كتب مقدمة لقصة " تلك المرأة الوردة " يوم صدرت في كتيب خاص ، وقد أشاد د . دراج بها ، علما بأنها قصة عادية كانت ترضي ذائقتنا الأدبية ، يوم كانت تلك الذائقة ذائقة فقيرة ينقصها الاطلاع ووفرة القراءة وتنوعها .
لقد عدت إلى كتاب " بؤس الثقافة " وقرأت من جديد ما كان الناقد كتبه ، وأعدت قراءة مقال د . دراج عن رواية " راكب الريح " فوجدت أن هناك اقتباسا من كتاب " بؤس الثقافة " وبخاصة ما كتب عن مفهوم البطولة .
هل تحتمل كتابة د . دراج قراءتين ؛ الهجاء والمديح . يقول الظاهر إنها تمدح فيم يقول الباطن إنها تهجو ، وأن الناقد لم يغير موقفه ، وأن الروائي أخذ بالظاهر ، شأنه شأن كافور الاخشيدي حين مدحه المتنبي بقصيدته " كفى بك داء ... " ، القصيدة التي هي هجاء أكثر منها مديحا .
إن كتابة د . دراج تحفل باختلاف هي التي تقول المعنى ولا تقول . " أحبك أو لا أحبك " أو لا أفهم المعنى تقول " ريتا محمود درويش .
كان د . دراج ماركسيا فكتب سلبا عن تمجيد البطل الفرد في كتابات يحيى مغفلا الشعب ودوره ، فهل اختلفت " راكب الريح " في هذا الشأن ؟
اعتقد أن على د . دراج أن يقرأ كتابه ثانية وأن يشرح لنا الأمر وأين تكمن المشكلة في الكتابة .

7.
( الكاتب النرجسي )
هل لاحظ د . دراج وهو يقرأ نتاج يخلف ، بخاصة عمله الأخير ، نرجسية بطله ؟
اتفق مع د . دراج في وجود شبه بين يحيى وجبرا ، لا بين غسان ويحيى .
ثمة إفراط لدى جبرا في تمجيد بطولة الفرد الذي يتشابه مع جبرا نفسه تشابها كبيرا . جبرا ووليد مسعود والبطولة المدعاة ، ويحيى ويوسف أيضا والبطولة المدعاة . كأن يوسف هو يحيى . حقا إن الظاهر يقول إنهما شخصان مختلفان ينتميان إلى زمنين مختلفين ، ولكن مهنة التزيين التي يمارسها يوسف والكتابة عن تميزه وبطولته المكتملة منذ نشأته - وقد أشار د . دراج إلى هذا ، وفي كتابته ما يشبه الذم وإن كان الظاهر يوحي بغير هذا - والحديث عن علاقات مع النساء ، بل والبحث عن خلاص فردي ، كل هذا بعضه يتحقق في " راكب الريح " بما يخص يحيى .
إن سارد يحيى ، من خلال اللغة ، يمارس التزيين ، ولا يوجد ما يشير إلى أن سارد يحيى يختلف عنه ، وإذا ما ربطنا بين هذه الرواية وروايات يحيى السابقة التي تنتمي إلى زمن يحيى لاحظنا أن الروايات كلها تعكس ما يدور في ذهنه منذ البداية ، وقد أعود إلى هذا .
هل هناك من شبه بين غسان ويحيى ؟
كان غسان لا يكتب عن نفسه . انخرط في هموم شعبه وكتب عنها ، مع أنه لم يقم في المخيم وعاش حياة مرفهة . لكنه لم يمجد بطلا فردا ، وإنما كتب عن أبطال موجودين يعانون ماتوا مقموعين أو عاشوا مهزومين ، ولما قويت الثورة كتب عن العادي الذي يحاول شيئا ولم يكن سعد في رواية " أم سعد " بطلا خارقا مثل أبطال يحيى في " تفاح المجانين " و " راكب الريح " وقد كان د . دراج هو من التفت إلى أبطال يحيى الوهميين ، ومنهم بطل " راكب الريح " .
إن أبطال يحيى ، مثل أبطال جبرا ، يعكسون تفكير خالقهم ، ولا يعكسون الفلسطيني الذي نشاهده ونعيش معه .
ثمة نرجسية في يوسف هي نرجسية يحيى التي نعرفها . إنه كاتب يريد نقادا مداحين يمجدونه ويبرزون له صورة تشبه صورة بطله الذي خلقه ووضع فيه بعض صفاته .
هل يمكن أن نقارن المرأة الارستقراطية المرفهة في رواية يحيى ، من خلال علاقتها بيوسف بأم سعد المراة الفقيرة المعذبة ، في رواية غسان ، بعلاقتها بالسارد/غسان ، إنها مقارنة غير ممكنة ، فكيف أتم يحيى روايات غسان؟

8.
في قراءة د . دراج لرواية " نجران تحت الصفر " يشير إلى أن الرواية تمس في موضوعها اليمن السعيد الذي ليس بسعيد . وحين قرأت ما كتبه في كتابه " بؤس الثقافة " لاحظت الشيء نفسه .
أعرف مقولات
( ايزر ) الألماني حول العلاقة بين النص والقاريء . النص مثير واستجابة القراء متعددة . ربما تكون قراءة د . دراج هي القراءة الصحيحة ، ولكن لي قراءة أخرى فموضوع الرواية هو الحرب في اليمن ونجران وهي تقارب الموضوع السعودي ومنطقة نجران تحت الحكم الملكي في 60 ق 20 .
كتب يخلف روايته في 70 ق 20 - أي بعد 10 سنوات من عمله معلما في السعودية التي درس في مدارسها عاما أو عامين قبل هزيمة 1967.
كان يخلف يومها شابا متحمسا وربما متأثرا بالناصرية ، وروح روايته تقول لنا إنه كان ضد النظام الملكي السعودي ، وإنه كان منحازا للفقراء في نجران المحكومة من نظام متخلف .
وكما نعرف فقد حققت له الرواية شهرة واسعة وهي ، دون غيرها من كتابته في تلك الفترة من جعلته معروفا ككاتب منحاز إلى الطبقات الفقيرة العربية والفلسطينية .
اين يحيى الآن من يحيى صاحب تلك الرواية ؟
قد يعترض أصحاب المناهج النصية على قراءتي لأنني أقارب النص وصاحبه معا . قد . ولكن مقاربتي مشروعة في ضوء مناهج نقدية أخرى غير نصية ومنها المنهج الاجتماعي الذي يدرس النص وصاحبه معا .
في متابعتي لسيرة المؤلف فإنه يفخر الآن بصداقته لبعض رجال الاعمال السعوديين ويعد نفسه مثقفا لا عضوا في فصيل أو حركة أو تنظيم ، وهذا ما لم يكن يقوله من قبل ، فقد كان يفخر بأنه ينتمي إلى فتح وأنه كان مفوضا سياسيا يجوب لبنان وقواعد الفدائيين فيها ليعطي محاضرات لعناصر الحركة.
في تتبع مسيرة يحيى وكتاباته نلحظ التقلبات الواضحة . انشق عن حركة فتح فكتب " نشيد الحياة " وعاد إلى أبي عمار فكتب " تلك الليلة الطويلة " وغدا وزيرا فصار صديقا للوليد بن طلال و ..
وكأي نظام عربي أخذ يشطب من ينتقده ويشتمه . كأنه حاكم عربي يطرد من جنته من لا يسبح بحمده ويكافيء من سار في فلكه .
سأستحضر مظفر النواب ثانية :
" فإذا آمن بالحزب الحاكم فالجنة مأواه.
وويل للمارق ، فالأنظمة العربية تحاكمه قدام الدنيا قاطبة
وتقرر صنف المولود ، وأين سيكوى ختم السلطان على إليته "
مرة كتبت :
في داخل كل منا دكتاتور عربي فليبحث كل منا عن الدكتاتور في داخله .

9.
يتوقف د . دراج في كتابه " بؤس الثقافة " أمام رواية اسحق موسى الحسيني " مذكرات دجاجة " 1943 ، ويخلص إلى ما يلي :
" ومع ذلك ، فإن من يرجع إلى الرواية التي كتبها مثقف فلسطيني حديث ، يقف على خطاب أخلاقي بالغ السذاجة ، بل على حكاية سعيدة يرويها مثقف مستقر في بلد آمن ومطمئن ، كأن المثقف الملتزم الذي يمثل أخلاقية إيجابية أكيدة لا يشك لحظة في انتصار قضيته اﻷكيدة ما دام الحق الذي سورته الإرادة الطيبة يهزم كل ما عداه . "( ص 53 ).
وما كتبه د . دراج جاء ممهدا لما سيكتبه عن روايات يخلف التي ينتصر فيها البطل الوهمي وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة .
كان د . دراج كتب دراسته وهو في حالة خصام مع المؤسسة ، وكان يحيى جزءا منها ، بل وقريبا من قيادتها ، فقد تصالح معها وكتب " تلك الليلة الطويلة " ، وبدأ يكتب عن الماضي حتى يبتعد عن القضايا المعيشة الشائكة التي تناولها في " نشيد الحياة " يوم كان منشقا . هل بقيت روح الانشقاق هي الغالبة لديه ولكنه أراد أن يطعم أبناءه حتى لا يجوعوا ، وهكذا آثر العودة إلى الماضي ليجعله مادة لرواياته اللاحقة إلا واحدة هي " نهر يستحم في البحيرة " 1997 التي تنسجم في روحها مع روح رواياته اﻷولى ؟
ما من رواية كتبها يخلف بعد عودته إلى حضن المؤسسة إلا كانت بعيدة عن الواقع المعيش إلا " نهر .." . لم يكتب يحيى أية رواية عن واقع رام الله في ظل السلطة ، ولم يتلمس هموم شعب الضفة وغزة ولم يقارب موضوع الانقسام . كتب عن حصار 2002 كتابة تسجيلية باهتة . واطمأن إلى واقعه الجديد وآثر السلامة وكتب عن النكبة .
ما الصلة بين " مذكرات دجاجة " الحسيني و " راكب ريح " يحيى يخلف ؟
في " مذكرات دجاجة " استسلام للواقع ودعوة إلى إصلاح العالم من خلال المثل العليا ، وهكذا يمكن أن تحل المشكلة . وفي " راكب الريح " يتخذ الحكيم دور الدجاجة الحكيمة ويحل محلها ويدعو إلى إرسال كتاب الحكمة إلى قادة الغرب علهم يقتنعون بحكمة الشرق ويتراجعون عن عدوانهم واستعمارهم . ثمة دعوة إلى التسامح وإحلال الحكمة والمعرفة محل القوة والتسلط . كأننا لا رحنا ولا جئنا منذ دجاجة الحسيني .
فيما قرأته أن د . الحسيني أمل أن يتوسط له مثقف يهودي لدى طه حسين لطباعة روايته في دار المعارف - ولعلني مخطيء - فهل يسعى يحيى يخلف إلى جائزة أوروبية أو إلى ترجمة روايته الجديدة إلى لغة عالمية حتى يصبح كاتبا عالميا وينال جائزة مثل جائزة اﻷديب اﻷلماني ( غوتة ) . الجوائز تمنح هذه اﻷيام ومنذ زمن ﻷصحاب أفكار التسامح والحوار و .. و ..
ولا أريد أن أقول إن موقع د . دراج من السلطة هو ما حتم عليه كتابة مختلفة . كان في 1996 ضد السلطة ، وفي 2016 ما عاد كما كان . مرة أخرى أعود إلى المقولة الماركسية " الموقع والموقف " مع احترامي لكتابات د . دراج ومع تقديري له ناقدا بارزا ومهما في الحركة النقدية اﻷدبية العربية المعاصرة.

10.
يكتب د . دراج في مقالته " يحيى يخلف في حوار الذاكرة مع الواقع الفلسطيني " ( الحياة ،7 / 5/ 2016 ) الآتي " أصبح يخلف روائيا احترافيا ونقض ما أصبحه : فهو الاحترافي الذي يكمل عملا بآخر والأديب الذي يصقل أسلوبه ويروضه ... ويجتهد في بناء أسلوب يحتذى اللغة النمطية ويتطلع إلى نثر حواري ، غير أنه نقض
الروائي الإحترافي وهو تحديدا منعزل عن الحياة بانفتاحه على واقع محدد الأسماء والوقائع والصفات،وهوية بعيدة من السكون ، وأنه يعرف أكثر أن هويته محصلة للافعال ، لا للنيات والمواعظ والأفكار "
ويربك د. دراج القاريء ويثقل عليه حتى يصل إلى مراد الناقد.
ما الذي يريد د. دراج قوله من وراء هذه الفقرة ؟ ايريد أن يمدح يحيى أم يريد أن يذمه.الروائي غدا روائيا محترفا ثم نقض ما صاره-أي لم يعد روائيا محترفا. لماذا؟
ألأنه معزول عن واقعه ما عاد روائيا ؟ أم لأنه يكتب بلغة غير لغة الواقع التي يفترض أن يكتب بها الروائي ؟ ويعيدنا د . دراج إلى تعريف خليل بيدس الروائي ، وهو ما كان بيدس أفصح عنه في مقدمة " مسارح الأذهان " 1924 ، إذ ذهب إلى أن الروائي يجب أن يعايش العامة وأن يدرس أحوالهم ونفسياتهم وأن يتوجه بلغته إليهم . بل ويعيدنا ثانية إلى ( ميخائيل باختين ) وفهمه للغة الرواية واختلافها عن لغة الشعر .
واصل يحيى مشروعه الروائي فاحترف كتابة الرواية وغدا كاتبا محترفا ، غير أنه نقض صفة الاحتراف لأنه لم يعد يعايش العامة ولم يعد يكتب عنهم ولهم ، فقد اغترب عن واقعه وعن لغة الرواية وكتب بلغة بعيدة عن لغة الرواية . لغة معزولة عن لغة الواقع مستمدة من الموروث ولا تمت للغة عصر الكاتب بصلة ، وهكذا اغترب الروائي مرتين ؛ مرة باغترابه عن واقعه المعيش ولجوئه إلى الماضي وثانية باغترابه اللغوي ، وهكذا نقض الاحتراف اللغوي ، وآمل أن أكون فهمت ما قصده د . دراج جيدا.
والسؤال هو :
لماذا لم يكن الناقد واضحا وصريحا في موقفه من لغة يحيى كما كان واضحا وصريحا حين كتب عن لغة حبيبي في " المتشائل " ؟ علما بأن يخلف حاول أن يسير على خطى اميل في أكثر من جانب وهذا ما سأتوقف أمامه .

11.
كم في سارد يحيى يخلف من يحيى يخلف ؟
ليس في " راكب الريح " ما يقول إن السارد هو غير المؤلف ؟ والسارد هنا هو المؤلف الضمني ، وكما ذكرت فإن هناك ما هو مشترك بين البطل يوسف والسارد ، وبالتالي يحيى . الثلاثة يريدون تجميل العالم وتزيينه .
يوسف من خلال حرفته والسارد ، ووراءه يحيى ، من خلال اللغة والبناء الفني . كأنما يريد كل واحد من هؤلاء تجميل العالم من خلال الفن ليس أكثر ، ولهذا يعجب يوسف بالحكيم ولا يعترض على مشروعه ، وإن اضطر إلى محاربة نابليون قرب قلقيلية وتم الانتصار عليه .
يشبه بطل الرواية بطل رواية " تفاح المجانين " وكان د . دراج لفت نظرنا إلى سمات ذلك البطل الخارقة . إنه بطل عملاق يريد تحطيم الجدران ، فهل اختلف يوسف عنه ؟
ثمة قرين يسكن يوسف . إنه الجني الملازم له منذ طفولته المبكرة ، وهو في يافا ، ووحده ، بضربة ، من هزم جنود الانكشارية وتصدى لهم ، وحين عاد ليحارب الفرنسيين عاد وهو يملك قوة عجيبة ، ففعل ما فعل وانتصر . إنه بطل أسطوري حقا .
والسؤال الذي أسأله للدكتور دراج :
أليست مهمة الروائي عقلنة العالم ؟
أليست مهمته مواجهة الواقع بالعقل ؟
هل حرر بطل " تفاح المجانين " جزءا من فلسطين فعاد يحيى إليه ، أم أن يحيى عاد وفق اتفاقات أوسلو ؟
حقا أين ذهبت البطولة الخارقة لبطل " تفاح المجانين " ؟وكيف قادنا يوسف إلى ما نحن عليه ؟
إن وظيفة الفنان هي عقلنة العالم ولهذا غالبا ما كنا نسخر من بطل جبرا " وليد مسعود " . إنه بطل من ورق ولا يمت إلى الواقع بصلة . وحين قال كنفاني للدكتور إحسان عباس إنه يكتب الواقع الفلسطيني كما هو ، فإنه كان أكثر إقناعا من جبرا ، ومثله اميل في متشائله .
أبطال كنفاني وحبيبي أكثر إقناعا من أبطال جبرا ويخلف ، ولعل د . دراج يتفق معي في هذا .
ومرة أخرى أذكر د . دراج بعنوان دراسته عن رسائل درويش والقاسم " البلاغة المنتصرة في الواقع المهزوم " .

12.
عد د . دراج يحيى روائيا احترافيا ، لأنه يكتب من أربعين عاما ولأنه يكمل الرواية بالرواية ، ولأنه أصدر كذا رواية ومجموعة قصصية - مجموعتين - ، ولا أدري إن كانت الفترة الزمنية الطويلة أو عدد الروايات تجعل من صاحبها كاتبا كبيرا مهما .
كان فاروق وادي توقف في كتابه " ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية " 1985 أمام اميل حبيبي وروايته " المتشائل " ، وتساءل إن كان عمل روائي واحد يجعل من صاحبه روائيا ، وكان هو شخصيا درس اميل وعده علامة من علامات الرواية الفلسطينية برواية واحدة . فهل يعد يخلف علامة روائية لأنه أصدر عشر روايات - هو عد نفسه كذلك - ؟
أعتقد أن التأكيد على روائية الروائي لها صلة بالأسئلة التي يثيرها على صعيدي الشكل والمضمون . طبعا في زمانه وفي سياق الرواية في أبعادها المحلية /الوطنية والقومية والعالمية ، ولا يعرف المرء أن روايات يحيى تترجم مباشرة إلى اللغات العالمية حتى تعده روائيا عالميا - لم تترجم له حتى الآن سوى رواية أو روايتين ، ولم تصدر الترجمة عن دار نشر معروفة ، ولم تعد طباعة الترجمة طبعات عديدة ، ولا نعرف أنه يطبع عربيا طبعات عديدة ، حتى نقول إنه غدا روائيا عربيا ، وحتى اللحظة ، لم يحظ بأهمية في الرواية الفلسطينية ، فما زال صوتا من أصوات عديدة ، ولا أعرف دراسة مهمة متميزة أنجزت عنه ، ومقالة د . دراج - وهو ناقد مهم ، بل الأهم فلسطينيا - تنقضها كتابته عن يحيى في كتابه " بؤس الثقافة " ولا تمنح الدراسة المقالة شرعية ما ، إذ سيتساءل كثيرون :
- أين كان د . دراج أكثر صدقا ؟
وفي أثناء متابعتي للمشهد الأدبي الفلسطيني لا أعرف حضورا لأسئلة كبيرة ومهمة تثيرها روايات يخلف ، أسئلة سياسية أو فكرية أو اجتماعية ، وعلى صعيد اللغة التي اعتنى بها يخلف في روايته الأخيرة ، وفي جانب منها كانت تراثية ، فلا أظن أنه قارب لغة اميل حبيبي الذي يبقى في هذا الجانب متميزا . ويبقى الشكل الفني متمثلا بالتناص مع الأدبين العربي والعالمي ، وهذا ما سانهي به الكتابة استجابة لطلب بعض أصدقائي على الصفحة .

13.
لما كتب اميل حبيبي روايته " المتشائل " سار على خطى ( فولتير ) في " كنديد " ، بل وأفاد من ( ياروسلاف هاتشيك ) في " الجندي الطيب شفيك " ومن بعض مسرحيات شكسبير ومن رواية الكاتب الإسباني الشهير ( سرفانتيس ) " دون كيشوت "، كما أفاد من التراث العربي الفصيح والشعبي . من " ألف ليلة وليلة " ومن " المقامات ". هكذا حفلت نصوصه بنصوص من الأدبين العالمي والعربي ، ما جعل النقاد ، ومنهم د . دراج نفسه ، يتوقفون أمام هذه الظاهرة . وحقق هذا لاميل انتشارا أوسع .
يسير يخلف في " راكب الريح " على خطى إميل أيضا ، وهذا ما لم تعهده في أعمال يخلف السابقة . إنها المرة الأولى فيما أعرف التي يتناص فيها يخلف بوعي مع نصوص من الأدب العالمي ، ويقلدها . والنص البارز الذي يشار إليه في المتن الروائي هو قصص ( بوكاشيو ) " الديكاميرون " التي تعود للقرن 13 وهي قصص مترجمة إلى العربية . هكذا تسرد بعض الجواري قصصا على غرار " الديكاميرون " .
لما قرأ بعض الكتاب العرب في فلسطين الجزء الأول من " المتشائل " 1972 - وكان اميل نشره في مجلة الجديد - ذهب هؤلاء إلى أن ايميل يقلد وأنه يكتب بأسلوب القرن السابع عشر ، ما دفع اميل ليرد عليهم ذاهبا إلى أن الذنب ليس ذنبه هو ، بل ذنب الحياة التي لم تتغير منذ قرنين من الزمان ، وعقد مقارنة بين ما جرى زمن " كنديد " وزمن متشائله ..
هنا يعود يخلف إلى ثمانية قرون خلت ليقص بالأسلوب نفسه .
وإذا كان أميل أيضا ، وهو يتناص مع " ألف ليلة وليلة " يوظف الموروث للتعبير عن الواقع وليسخر من الاسرائيليين ، فإن يخلف يكتفي بتوظيف أسلوب الحكاية فقط .
كان اميل يفيد من التراث ليعبر عن قضايا زمنه ، وهذا ما غاب عن رواية يخلف التي ظلت أسيرة زمنها الروائي - أي نهاية القرن الثامن عشر .
هل أضاف يخلف أي جديد ، إذن ، في روايته هذه للرواية الفلسطينية ، من حيث البناء؟
سأتوقف عن الكتابة مع أن هاك أشياء لم أكتبها ، وقد أعود وأكتبها تحت عنوان آخر خاص


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى