محمد المنسى قنديل زهرة كتاب المحلة، وبهجة الزمن الجميل ، التقيت به فى أوائل الستينات (فى سنة ثانية ثانوى) ومن يومها لم نفترق ، هذا الفتى النحيف كان ندِّى ونديمى ، قدمنى إلى صديق صباه الباكر جار النبى الحلو وأصبحنا معا نذاكر فى بيت جار (حيث نور الكهرباء الذى لم يكن دخل بيوتنا بعد) ، كان جار ولايزال مجنونا بالكرة وكنا انا والمنسى مجنونين بالشطرنج ، وقتها كنت أكتب الشعر وكانا يكتبان القصص القصيرة ولم نلبث مع الالتصاق الدائم أن كتبت القصة إلى جانب الشعر وكتبا الشعر إلى جانب القصة واستمرهذا حتى سألنى جار ذات مرة : قل لى بجد هل أستمر فى كتابة الشعر؟ فقلت له بحسم : لا
كنت أنقل لهما ماتعلمته من الأوزان العروضية وكنا على سبيل الدعابة ننادى الجرسون بالنقرعلى طاولة المقهى نقرات تساوى الحركة والسكون فى تفعيلة من تفاعيل الخليل، أنا مثلا -0 -0 - - 0 (مستفعلن) وجار - - 0 – 0(فعولن) وهكذا .
كانت المقهى لوالد صيقنا يحى بستان ، عملنا بها مكتبة صغيرة، ومجلة حائط نكتب فيها أشعارنا وقصصنا، ونلعب الشطرنج ولانكف عن الكلام .
كنا نقرأ الكتب نفسها ونشاهد معا مسرحيات الستينات, كنا نتحاور فى كل شىء، فى ما نكتب وفي ما نقرأ، بل وصرنا نكتب خطابات نسميها (خطابات منتصف الليل) نواصل فيها الحوار، ونقوى حججنا بهدؤ، ونسلمها لبعضنا البعض فى اليوم التالى !! وعندما ضاقت المحلة عن أحلامنا فى استيعاب اللحظة الثقافية ، كنا نذهب إلى القاهرة ، فعلنا ذلك لنرى مسرحية (ليلة مصرع جيفار) ، وأخذنا نتحايل أنا والمنسى للذهاب إلى القاهرة ، مرة بكرنيهات ليست لنا نركب بها القطار، ومرات ب(التسطيح) على القطار لنرى مسرحية (الفتى مهران) و(سليمان الحلبى) ونقضى ما تبقى من الليل مع عم المنسى (المناضل العمالى) فى شقته بشبرا الخيمة .
كان المنسى مولعا بالمسرح وكنت مولعا بالفلسفة وعلم النفس، وكنا- بعد المذاكرة فى بيت جار- نتجول فى شوارع المحلة فى الليل، احدثه عن قراءاتى ويحدثنى عن قراءاته.
كان ولعه بالمسرح مبكرا جدا ، يقول جار النبى (وكان زميله فى مدرسة الأقباط الأعدادية) ان المنسى كان يمسرح القصة المقررة ( زهرة من الجزائر) ويحولها إلى حوار، يقوم هو وجار وبعض التلاميذ بتمثيلها صباح كل يوم- فى الاذاعة المدرسية- قبل دخول طوابير المشاهدين إلى الفصول!
كما أنشأ (مجلتى) مع جار أيضا ونشر فيها القصص التى كانوا يؤلفونها، ونقل إليها (بطريقة الشف) الرسوم و الكاريكاتير من صباح الخير، كما زودها بالأخبار والقصص المصورة(الاستريبس) التى كان يرسمها بنفسه، أما التوزيع فكان مضمونا فالمجلة كشكول يتكون من مجموع صفحات (الدبل باج) المنزوعة من كراريس التلامذة المساهمين فى المجلة !
كان قارئا نهما، وبارعا فى الحصول على الكتب، فبالإضافة إلى تردده على مكتبة البلدية- العامرة وقتها- استطاع هذا الفتى النحيف أن يمتّن علاقاته بباعة الكتب فى المحلة: محمد ابو العلا وطلعت قنديل، وكان مثلى يؤجر الكتب بثمن زهيد إذا التزم بعدم فتح ملازمها، و بثمن اكبر إذا اضطر إلى فتحها!! .
أطلعنى مرة على احد كنوزه، فتح امامى صندوقا هائلا ممتلئا بمجلات روز اليوسف وصباح الخير و"كتابى"، ومنحنى الفرصة لقراءة القصص والروايات المسلسلة لاحسان عبد القدوس ومصطفى محمود و فتحى غانم وصبرى موسى و محمود السعدنى وغيرهم .
لا شك أن مدرسة روزاليوسف كانت المؤثر الأول فى كتابة المنسى قنديل ، الرشاقة، وبساطة التركيب النحوى، والميل إلى الشياكة والشاعرية، وهى السمات التى ظلت تطبع اسلوبه ولغته منذ التقيته فى مقتبل الستينات وحتى الآن .
يكتب بخط انثوى منمنم ، وبجرأة يحسد عليها، بلا شطب أوتعديل إلا فى النادر، وكأنه إنما ينقل ماكتبه سلفا فى رأسه!
كان أكثرنا ولعا بالتجريب، ويطوع فى كتاباته ما يروق له من تقنيات الرواية الجديدة -آن ذاك- عند آلان روب جرييه ونتالى ساروت وفرانسواز ساجان وغيرهم.
كان ليبراليا عندما كنا ميالين لليسار، وهوما جعله بمنأى من غواية الواقعية الاشتراكية المقررة وقتها، والتى حدّت من تحليقنا جميعا وإن بدرجات مختلفة ، ظل وفيا لرؤيته الانسانية، منطلقا من عالمه الفقيرالبائس، راغبا فى نقده وتجاوزه إلى أفق رحب ورحيم، دون الوقوع فى الصراخ أو المباشرة، أوالرضوخ للطقوس الأيديولوجية .
فى عام 1965ذهبنا إلى إلى نادى الأدب بقصرالثقافة، كان يرأسه أحمد عصر و يضم الجيل السابق علينا : رمضان جميل، سعيد الكفراوى، محمد صالح ، أحمد الحوتى ، نصرأبوزيد، جابرعصفور، بكرالحلو، محمد الشطوى، سعد السياجى
كانت نقلة هامة فى حياتنا فقد صارت المناقشات امتحانا حقيقيا للتجربة، مجموعة من الصقور تتعاور النصوص، كانت فرصة للوعى بما ننجزه وما نطمح إليه ، وفّرالنادى امكانية لقاء كتّاب من المنصورة ودمياط، ودعوة كتّاب وشعراء ونقاد من القاهرة، الأمرالذى جعلنا نتماس مع اللحظة الراهنة فى الكتابة خارجنا وخارج المحلة.
خارج النادى نواصل التجمع - كمجموعة من الصقور- فى بيت سعيد الكفراوى ورمضان جميل ونصر ابوزيد ، ومعظم الوقت فى حجرة جار النبى الشهيرة ، التى كنا انا والمنسى شهودا على بنائها فوق السطح.
المنسى طاقة هائلة فى الكتابة، يجرب ويكتب فى كل شىء تاركا عالمه يتنفس تحت سموات مختلفة : القصة ، والرواية، والسيناريو، والتاريخ ، وأدب الطفل، وأدب الرحلات
كتابته للتاريخ تشى بقراءة خاصة، واسعة وعميقة للتراث العربى، كتابة أعادت إلى الوقائع القديمة روحا جديدة، ونبضا هرب من صفرة الأوراق، واتاحت تأويل الشخصيات كسؤال وجودى مؤرق، مشروط بالزمان والمكان، فعل هذا فى كتبه البديعة "شخصيلت حية من الأغانى" و" وقائع عربية" و "تفاصيل الشجن في وقائع الزمن"
والمنسى أول من كتب للأطفال فى المحلة، واتاح الامكانية للجيل التالى لسلوك نفس السبيل، استطيع أن أعدّ أكثرمن عشرة كتّاب فعلوا ذلك (بعضهم فى هذا الملف) حتى لقد أصبحت الكتابة للطفل ظاهرة من ظواهرالابداع فى المحلة ، تقلص أمام انخراط الجميع فيها حجم الابداع للكبار!
الغريب ان ولع المنسى بالمسرح لم يتأدى به إلى كتابة المسرح وإن ظل بتقنياته كامنا تحت كل مايكتبه ، كامنا فى باطن النصوص، يقودها، وينفّضها من الثرثرة، ويعكس عليها من حيويته الدرامية الدافقة .
كان لايزال طالبا عندما حصلت قصته " أغنية المشرحة الخالية" على المركز الأول فى مسابقة نادى القصة عام 1969، فرحنا، وشعرنا بالفخر، وعلقنا صورته وهو يستلم الجائزة فى مقهى "اللوفر" المقهى الذى نجتمع فيه، علقها حمودة صاحب المقهى بنفسه ووزع المشروبات على الجميع مجانا .
وفى العام نفسه فازت مجموعة من كتّاب "نادى الأدب" بقصر ثقافة المحلة فى المسابقة التى نظمتها الثقافة الجماهيرية ، فاز المنسى بالجائزة عن قصته "سعفان مات" وفزت بجائزة شعر الفصحى، وفاز نصر أبو زيد( المفكرالاسلامى الآن) بجائزة شعر العامية !
كان اعتداده بالكتابة هائلا، مؤمنا بمصداقيتها ايمان الشيخ العارف ، فهذا الشاب الفقيرعندما أدخله المجموع كلية المعلمين لم يرض بنصيبه ، كان يعرف أن الخلاص من الفقر مرهون بالتخرج من كليات القمة، وقبل التحدى، أعاد السنة، وبالفعل دخل كلية الطب وصار طبيبا ،اصبح المستقبل واعدا أمام الطبيب الشاب، ولكن ما أن عمل سنتين فى المنيا والقاهرة حتى فاجأ الجميع بترك المهنة والتفرغ للكتابة !!
الكتابة عشقه ومهنته وحياته هكذا كان يؤمن ، وهكذا مضى واثقا فى السبيل الذى انتهجه يوسف ادريس العظيم ، كان قادرا على المقامرة، لم يرض بنجاح مهنى يتطلع إليه الجميع بل غامرونجح 0
علاقات المنسى بالمرأة- وهى قليلة- تنتهى دائما بجروح ، دائما ماتكون مجالا للمنافسة، يخسر فيها أو يخسر الجميع. وهذا ما ترك فى كتابته شجنا رقيقا يقطر شعرا وأسى .
يقول محمد فتحى الكاتب بجريدة الدستور:
شجن وألم لا يحتمله شخص مثلي، وشخصيات من لحم ودم و حزن ، تحبه فور أن تشعر به، وتبحث عنه إذا ما غاب عنك.
كتابة تصل لدرجة المزيكا، ووصف يصل لمرتبة الشعر، وتجارب غزيرة تستشعرها بين السطور، وهروب كبير من جرح قديم لا يزال غائراً في روحه، تشمه عبر كل قصصه، بحثت عن أعماله فوقعت في هوى روايته الأثيرة انكسار الروح، ولم أنس حتى الآن جملة
(يا فاطمة..يا غرامي الحزين).
كنت أنقل لهما ماتعلمته من الأوزان العروضية وكنا على سبيل الدعابة ننادى الجرسون بالنقرعلى طاولة المقهى نقرات تساوى الحركة والسكون فى تفعيلة من تفاعيل الخليل، أنا مثلا -0 -0 - - 0 (مستفعلن) وجار - - 0 – 0(فعولن) وهكذا .
كانت المقهى لوالد صيقنا يحى بستان ، عملنا بها مكتبة صغيرة، ومجلة حائط نكتب فيها أشعارنا وقصصنا، ونلعب الشطرنج ولانكف عن الكلام .
كنا نقرأ الكتب نفسها ونشاهد معا مسرحيات الستينات, كنا نتحاور فى كل شىء، فى ما نكتب وفي ما نقرأ، بل وصرنا نكتب خطابات نسميها (خطابات منتصف الليل) نواصل فيها الحوار، ونقوى حججنا بهدؤ، ونسلمها لبعضنا البعض فى اليوم التالى !! وعندما ضاقت المحلة عن أحلامنا فى استيعاب اللحظة الثقافية ، كنا نذهب إلى القاهرة ، فعلنا ذلك لنرى مسرحية (ليلة مصرع جيفار) ، وأخذنا نتحايل أنا والمنسى للذهاب إلى القاهرة ، مرة بكرنيهات ليست لنا نركب بها القطار، ومرات ب(التسطيح) على القطار لنرى مسرحية (الفتى مهران) و(سليمان الحلبى) ونقضى ما تبقى من الليل مع عم المنسى (المناضل العمالى) فى شقته بشبرا الخيمة .
كان المنسى مولعا بالمسرح وكنت مولعا بالفلسفة وعلم النفس، وكنا- بعد المذاكرة فى بيت جار- نتجول فى شوارع المحلة فى الليل، احدثه عن قراءاتى ويحدثنى عن قراءاته.
كان ولعه بالمسرح مبكرا جدا ، يقول جار النبى (وكان زميله فى مدرسة الأقباط الأعدادية) ان المنسى كان يمسرح القصة المقررة ( زهرة من الجزائر) ويحولها إلى حوار، يقوم هو وجار وبعض التلاميذ بتمثيلها صباح كل يوم- فى الاذاعة المدرسية- قبل دخول طوابير المشاهدين إلى الفصول!
كما أنشأ (مجلتى) مع جار أيضا ونشر فيها القصص التى كانوا يؤلفونها، ونقل إليها (بطريقة الشف) الرسوم و الكاريكاتير من صباح الخير، كما زودها بالأخبار والقصص المصورة(الاستريبس) التى كان يرسمها بنفسه، أما التوزيع فكان مضمونا فالمجلة كشكول يتكون من مجموع صفحات (الدبل باج) المنزوعة من كراريس التلامذة المساهمين فى المجلة !
كان قارئا نهما، وبارعا فى الحصول على الكتب، فبالإضافة إلى تردده على مكتبة البلدية- العامرة وقتها- استطاع هذا الفتى النحيف أن يمتّن علاقاته بباعة الكتب فى المحلة: محمد ابو العلا وطلعت قنديل، وكان مثلى يؤجر الكتب بثمن زهيد إذا التزم بعدم فتح ملازمها، و بثمن اكبر إذا اضطر إلى فتحها!! .
أطلعنى مرة على احد كنوزه، فتح امامى صندوقا هائلا ممتلئا بمجلات روز اليوسف وصباح الخير و"كتابى"، ومنحنى الفرصة لقراءة القصص والروايات المسلسلة لاحسان عبد القدوس ومصطفى محمود و فتحى غانم وصبرى موسى و محمود السعدنى وغيرهم .
لا شك أن مدرسة روزاليوسف كانت المؤثر الأول فى كتابة المنسى قنديل ، الرشاقة، وبساطة التركيب النحوى، والميل إلى الشياكة والشاعرية، وهى السمات التى ظلت تطبع اسلوبه ولغته منذ التقيته فى مقتبل الستينات وحتى الآن .
يكتب بخط انثوى منمنم ، وبجرأة يحسد عليها، بلا شطب أوتعديل إلا فى النادر، وكأنه إنما ينقل ماكتبه سلفا فى رأسه!
كان أكثرنا ولعا بالتجريب، ويطوع فى كتاباته ما يروق له من تقنيات الرواية الجديدة -آن ذاك- عند آلان روب جرييه ونتالى ساروت وفرانسواز ساجان وغيرهم.
كان ليبراليا عندما كنا ميالين لليسار، وهوما جعله بمنأى من غواية الواقعية الاشتراكية المقررة وقتها، والتى حدّت من تحليقنا جميعا وإن بدرجات مختلفة ، ظل وفيا لرؤيته الانسانية، منطلقا من عالمه الفقيرالبائس، راغبا فى نقده وتجاوزه إلى أفق رحب ورحيم، دون الوقوع فى الصراخ أو المباشرة، أوالرضوخ للطقوس الأيديولوجية .
فى عام 1965ذهبنا إلى إلى نادى الأدب بقصرالثقافة، كان يرأسه أحمد عصر و يضم الجيل السابق علينا : رمضان جميل، سعيد الكفراوى، محمد صالح ، أحمد الحوتى ، نصرأبوزيد، جابرعصفور، بكرالحلو، محمد الشطوى، سعد السياجى
كانت نقلة هامة فى حياتنا فقد صارت المناقشات امتحانا حقيقيا للتجربة، مجموعة من الصقور تتعاور النصوص، كانت فرصة للوعى بما ننجزه وما نطمح إليه ، وفّرالنادى امكانية لقاء كتّاب من المنصورة ودمياط، ودعوة كتّاب وشعراء ونقاد من القاهرة، الأمرالذى جعلنا نتماس مع اللحظة الراهنة فى الكتابة خارجنا وخارج المحلة.
خارج النادى نواصل التجمع - كمجموعة من الصقور- فى بيت سعيد الكفراوى ورمضان جميل ونصر ابوزيد ، ومعظم الوقت فى حجرة جار النبى الشهيرة ، التى كنا انا والمنسى شهودا على بنائها فوق السطح.
المنسى طاقة هائلة فى الكتابة، يجرب ويكتب فى كل شىء تاركا عالمه يتنفس تحت سموات مختلفة : القصة ، والرواية، والسيناريو، والتاريخ ، وأدب الطفل، وأدب الرحلات
كتابته للتاريخ تشى بقراءة خاصة، واسعة وعميقة للتراث العربى، كتابة أعادت إلى الوقائع القديمة روحا جديدة، ونبضا هرب من صفرة الأوراق، واتاحت تأويل الشخصيات كسؤال وجودى مؤرق، مشروط بالزمان والمكان، فعل هذا فى كتبه البديعة "شخصيلت حية من الأغانى" و" وقائع عربية" و "تفاصيل الشجن في وقائع الزمن"
والمنسى أول من كتب للأطفال فى المحلة، واتاح الامكانية للجيل التالى لسلوك نفس السبيل، استطيع أن أعدّ أكثرمن عشرة كتّاب فعلوا ذلك (بعضهم فى هذا الملف) حتى لقد أصبحت الكتابة للطفل ظاهرة من ظواهرالابداع فى المحلة ، تقلص أمام انخراط الجميع فيها حجم الابداع للكبار!
الغريب ان ولع المنسى بالمسرح لم يتأدى به إلى كتابة المسرح وإن ظل بتقنياته كامنا تحت كل مايكتبه ، كامنا فى باطن النصوص، يقودها، وينفّضها من الثرثرة، ويعكس عليها من حيويته الدرامية الدافقة .
كان لايزال طالبا عندما حصلت قصته " أغنية المشرحة الخالية" على المركز الأول فى مسابقة نادى القصة عام 1969، فرحنا، وشعرنا بالفخر، وعلقنا صورته وهو يستلم الجائزة فى مقهى "اللوفر" المقهى الذى نجتمع فيه، علقها حمودة صاحب المقهى بنفسه ووزع المشروبات على الجميع مجانا .
وفى العام نفسه فازت مجموعة من كتّاب "نادى الأدب" بقصر ثقافة المحلة فى المسابقة التى نظمتها الثقافة الجماهيرية ، فاز المنسى بالجائزة عن قصته "سعفان مات" وفزت بجائزة شعر الفصحى، وفاز نصر أبو زيد( المفكرالاسلامى الآن) بجائزة شعر العامية !
كان اعتداده بالكتابة هائلا، مؤمنا بمصداقيتها ايمان الشيخ العارف ، فهذا الشاب الفقيرعندما أدخله المجموع كلية المعلمين لم يرض بنصيبه ، كان يعرف أن الخلاص من الفقر مرهون بالتخرج من كليات القمة، وقبل التحدى، أعاد السنة، وبالفعل دخل كلية الطب وصار طبيبا ،اصبح المستقبل واعدا أمام الطبيب الشاب، ولكن ما أن عمل سنتين فى المنيا والقاهرة حتى فاجأ الجميع بترك المهنة والتفرغ للكتابة !!
الكتابة عشقه ومهنته وحياته هكذا كان يؤمن ، وهكذا مضى واثقا فى السبيل الذى انتهجه يوسف ادريس العظيم ، كان قادرا على المقامرة، لم يرض بنجاح مهنى يتطلع إليه الجميع بل غامرونجح 0
علاقات المنسى بالمرأة- وهى قليلة- تنتهى دائما بجروح ، دائما ماتكون مجالا للمنافسة، يخسر فيها أو يخسر الجميع. وهذا ما ترك فى كتابته شجنا رقيقا يقطر شعرا وأسى .
يقول محمد فتحى الكاتب بجريدة الدستور:
شجن وألم لا يحتمله شخص مثلي، وشخصيات من لحم ودم و حزن ، تحبه فور أن تشعر به، وتبحث عنه إذا ما غاب عنك.
كتابة تصل لدرجة المزيكا، ووصف يصل لمرتبة الشعر، وتجارب غزيرة تستشعرها بين السطور، وهروب كبير من جرح قديم لا يزال غائراً في روحه، تشمه عبر كل قصصه، بحثت عن أعماله فوقعت في هوى روايته الأثيرة انكسار الروح، ولم أنس حتى الآن جملة
(يا فاطمة..يا غرامي الحزين).