أ. د. عادل الأسطة - المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني: "ما دونه الغبار" لدينا سليم حنحن

تحفل رواية «ما دونه الغبار» الصادرة عن مكتبة «كل شيء» في حيفا (٢٠٢١) بنماذج يهودية عديدة؛ عربية وغربية، وما يلفت النظر منها شخصية «مازل» وتعني بالعربية محظوظة وقد ترجمتها الكاتبة كذلك. و»مازل/ محظوظة» يهودية من جذور فلسطينية تزوجت من يهودي متدين وأنجبت منه ابنتين، ولكنها لم تكن تحبه، وقد وقعت في حب الفلسطيني زكي غطاس، وهو مسيحي، فقررت ترك زوجها والارتباط به، على الرغم من معارضة أهلها لها في البداية. هددت «مازل» أهلها واختفت مدة وعثر عليها ولم تخضع لمجتمعها ورجال الدين فيه ولمعارضة الأهل، وحصلت على الطلاق واقترنت بالرجل الذي عشقته مشترطة عليه أن يهتم بابنتيها وأن يعاملهما كابنتيه، هو الذي لم ينجب من زواجه منها.
«مازل» نموذج للمرأة اليهودية التي برزت في الآداب الأوروبية في عصر التنوير؛ المرأة اليهودية التي تتبع هوى قلبها وتتحرر من قيود ديانتها، ومن يراجع «موتيفات» الأدب العالمي سيقرأ عما سبق، وقد توقفت أمامه في دراستي «المرأة اليهودية محبوبة في نماذج من الأدب الفلسطيني» (كتاب مؤتمر جامعة فيلادلفيا ٢٠٠٨، والدراسة أيضا على موقع جامعة النجاح).
وهذا النموذج يستثير في أذهان متابعي صورة اليهود في الرواية العربية والفلسطينية نماذج نساء يهوديات أحببن فلسطينيين وفضلنهم على رجال أبناء ديانتهن، ولعل ما يضفي بعض اختلاف في رواية «ما دونه الغبار» هو أن كاتبتها دينا سليم حنحن عرفت شخصية «مازل» والتقت بها، فقد عاشت كلتاهما في مدينة اللد بعد نكبة ١٩٤٨، وتقر الكاتبة في متنها الروائي بذلك، وتكتب عن لقائها الأول بـ»مازل» تحت عنوان فرعي.
كما لو أن سطر محمود درويش في «شتاء ريتا الطويل» «إني ولدت لكي أحبك/ وتركت أمي في المزامير القديمة تلعن الدنيا وشعبك» هو لسان «مازل» كما كان لسان ريتا، مع فارق في نهاية علاقة كل منهما. عادت ريتا إلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وخدمت في الجيش، فانفصل عنها الشاعر، وظلت «مازل» وفية لعشيقها.
فما هي النماذج اليهودية السابقة لنموذج «مازل» اللاتي آثرن الفلسطيني على أبناء ديانتهن أو على مؤسساتهن العسكرية؟
النماذج عديدة في الرواية العربية والفلسطينية وقد برزت منذ ٦٠ القرن ٢٠، وكنت توقفت أمام أكثرها في دراساتي ومقالاتي، ولا بأس من التذكير بها.
كان ناصر الدين النشاشيبي في روايته «حبات البرتقال» (١٩٦٤) أول روائي فلسطيني أتى على علاقة حب بين ميريام اليهودية والفلسطيني سابا، وكانا تعارفا في ألمانيا في ميونيخ، وحين تلجأ الحركة الصهيونية إلى تهجير يهود ألمانيا الناجين من الكارثة إلى فلسطين تعصي ميريام أوامرها مؤثرة البقاء مع سابا، ما يدفع بالوكالة إلى اتهامه بالنازية. ما يهم هنا هو عشق ميريام لسابا وتفضيله على سياسة الوكالة.
في تلك الفترة، كتب محمود درويش قصيدته عن ريتا وبعده بسنوات أصدر سميح القاسم قصته الطويلة «الصورة الأخيرة في الألبوم» وفيها أتى على علاقة حب بين روتي والشاب العربي أمير. لقد اقتنعت روتي بآراء أمير ولم تعد تصدق والدها وزيف ادعاءاته العنصرية وسيعود سميح ليكتب روايته «ثلاث ملاعق سم يوميا بعد الأكل» ليكتب عن علاقة حب بين فلسطيني ويهودية.
في العام ١٩٩٦، أصدر أحمد حرب روايته «بقايا» وكتب عن علاقة آرنونا اليهودية اليمنية والفلسطيني هادي. تتعاطف آرنونا مع الفلسطينيين وتعلن إسلامها وتتسمى إيمان وتعيش في قرية فلسطينية في منطقة الخليل، ولكنها في نهاية الأمر تعود، بسبب تخلي هادي عنها، إلى يهوديتها وتحمد الله لذلك فليس أسوأ من الحياة بين العرب.
على العكس من آرنونا نجد (بيرتا) في رواية يحيى يخلف «نهر يستحم في البحيرة» (١٩٩٧). تحب (بيرتا) الفلسطيني وتفضله على غيره وتلجأ معه في نكبة ١٩٤٨ إلى لبنان وتستقر في المخيم لولا اكتشاف المباحث اللبنانية أنها يهودية. لقد أعادتها المباحث إلى فلسطين لتقيم في طبرية تعيش على ذكرى زوجها الفلسطيني
إلياس خوري في «باب الشمس» (١٩٩٨) يختار يهودية ألمانية اسمها (سارة ريمسكي) ليكتب عنها. هاجرت سارة إلى فلسطين مع أهلها قبل ١٩٤٨ وعاشت في القدس صعوبات المهاجرين الألمان ودرست في الجامعة وتعرفت إلى شاب فلسطيني وأحبا بعضهما وتزوجت منه على الرغم من معارضة أهلها، وبعد زواجهما أقاما في غزة خوفا من قتل أهلها لها، وسرعان ما تأقلمت مع وضعها الجديد، فاعتنقت الإسلام وأنجبت أطفالا ربتهم تربية إسلامية، ولا تبوح لهم بسرها إلا مع اقتراب حرب ١٩٦٧، وظلت تنظر إلى نفسها على أنها فلسطينية وهذا خيارها.
ومع أن رواية سليم بركات «ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟» (٢٠١٩) تجري أحداثها في سورية، بعيدا عن فلسطين، حيث تخلو من شخصيات فلسطينية، فإن اليهودية السورية (استير) ابنة راحيل تحب أشوريا سوريا من قاطني القرى الأشورية على ضفاف نهر الخابور جنوبا، فتهرب معه وتتزوج منه ولا تعود إلى عائلتها» (١١٩).
في مدينة نابلس حيث أقيم، عرفت عديدين من أمهات يهوديات، بعضهن ارتبطن بالفلسطيني قبل ١٩٤٨ وبعضهن ارتبطن به بعد هزيمة ١٩٦٧، وقسم من أبنائهن قاوم الاحتلال وقضى بعض سنوات عمره في السجن، وقسم آخر اتهم بتقديم خدمات للاحتلال وتمت تصفيته.
ونحن نقرأ عما سبق هل نردد مع محمود درويش:
«والحب مثل الموت (؟) وعد لا يرد... ولا يزول»؟.
هل الحب حقا مثل الموت: «وعد لا يرد... ولا يزول»؟.

أ. د. عادل الأسطة
2022-06-12


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى