- 1 -
قذفوا بي إلى زاوية مظلمة نتنه مشبعه بالكآبة ومتشحة بالضجر .. والخوف يسكنني من كل شئ ألبسه عقلي رداء المجهول كل ما التقطته عيناي الأحجار الكبيرة المسننة و المتناثرة في كل الأرجاء. كل ذلك لا أتبينه بوضوح .. أتذكر جيداً أياديهم الممتدة المعروقة بشرايين خضراء كسنابل القمح التي قاطعت موسم الحصاد … الذهبي دفعتني الأيادي ها هنا ثم انتشروا بلا انتظام في كل نقطة هروب.
عند الباب المتآكل المتكئ علي جدار ساقط …. فوق السور المتكسر بأطراف غير منتظمة كأسنان رجل عجوز … وحدي لا أستطيع الإفلات أبداً. عيونهم تتوهج في الظلام … وجوههم لا تلمع مع انكسار الضوء الشارد من عتمه الليل … لا ينظرون لبعضهم … كنت أحدق فيهم علي التوالي بنظرات كنت أظنها غاضبه … أتصنعها متحديه ، ولكنهم رغم العتمة اكتشفوا كم هي جبانة .. كانت تقول هيا خلصونا من هذا المأتم …لم أتفوه بكلمة واحده وهو كذلك استقبلوا نظراتي كمرايا . دنوا قليلاً … قليلاً حتى ضاقت الدائرة وودت لو أتحول إلى قطه … أو حتى كنغر … أي حيوان يستطيع الهروب.
ضيف جديد علي المنطقة … لا بأس به علي كل حال.
نطق شاب أسمر نحيف … شكله مخيف … عينيه اليسرى معصوبة وذقنه طويل جداً … كانوا ينادونه بالزعيم وكان هو يقف خلفهم ولم يتقدم إلا لتوه ؟ بعد نظرة فاحصه يقول:
لا يهم الدنيا قحط.
ثم قهقهوا بقوه فأرتجع الصوت كابوساً ثقيلا علي رأسي يذكرني ببيت الأشباح.
ما أسمك … من أي منطقة.
ناصر .. ناصر من منطقة القلب.
نطقت بالكاد حتى لا يكتشفوا ضعفي وارتباكي الشديدين …..أخفي وجهي صوب الظلام … اللعاب قاطع حنجرتي فقررت أن أزار … لا فائدة لا أستطيع …انتشروا بتفاهم عجيب وهمس لا آخر له … انتشروا بفرح ومرح وانشراح … وبنصر تحقق بعد مطاردة عنيفة أتعبت سيقانهم المستدقه فشمروا عنها … حدقوا في كل مناطق جسدي المتعب … هربت منهم بكل قوتي ومع ذلك أمسكوا بي بمهارة يحسدون عليها؟ ذلك الطفل اللعين الذي أخبرهم بمكاني هو السبب … غبائهم يتفاقم عندما يحاولون تقيدي بخيوط من بيت العنكبوت، فصرخ الزعيم.
ناديناك فلم تقف.
لم أسمع.
ستصرخ بملء فمك أيضاً الآن ولن تسمع آذاننا الصوت … اتفقنا.
انتفضت من قبضة الزعيم القوية ونظرت إلى عينيه بقوه … وأنا أعلم أنه لن يراني وأنا أتخفي بحذاقه ومهارة.
سأخبر والدي بالأمر.
لن تستطيع يا غبي.
ثم ضحكوا طويلاً وهو ينظرون لبعضهم … ربي هذا الطابور الطويل الجائع سيبتلعني واحداَ تلو الآخر وسأغيب في عالم بهيمي.
أقربائي أقوياء جداً فالأفضل أن لا يعرفوا.
هذا صحيح.
ألتفت إلى البقية الجائعة بعيون باسمه ونغز الزعيم بعينه السليمة وظلت الأخرى جاثمة خلف العصبة.
لأنك لن تجرؤ علي إخبارهم ماذا ستقول .. أنك مج .. روح .
أرجوك كفي.
يلقون بي أرضاً ويتقدم الزعيم … ينظر إلى وينحني صوب وجهي الملئ بالعرق وأسنانه الصفراء المنخورة بالسوس الأسود ترفع لأنفي رائحة كريهة جداً … كدت أتقيأ.
كن هادئاً يا ناصر.
لا .. لا لن أرضي بذلك مستحيل.
ليس بيدك أي شئ . ماذا ستفعل.
سيضربوننا بالرصاص وسيسحقوننا كجيمس بوند … لا لا كالرجل الخارق.
ضحكوا ثانية ضحكاتهم القبيحة …. ليتهم لو يظلوا صامتين … ضحكتهم هذه تجعلني حقيراً.
أنا أعرفكم جيداً … ستقبض عليكم الشرطة.
من سيشهد علي ذلك ؟ هيا هيا لا تضيع الوقت .
ولكن .
هيا هيا.
انتظروا .. لحظة من فضلكم. أقولها باشمئزاز يشوبه الخوف.
يلقون بي أرضا ويتقدم أكثر هذا المعصوب اللعين …رائحته الكريهة لا تتركني أطلق صرختي … خوفي أيضاَ كبل أحبالي الصوتية … دنوا أكثر … شمروا عن سيقانهم النحيفة … نظروا لي بانتقام …هؤلاء الفوضويون يقفون في طابور طويل والدوار يفقدني حتى … واحد … اثنان … ثلاثة …
هل تألم لوقت طويل.
يقول الزعيم باستخفاف.
متي نراك ثانية؟
رد آخر بضحكة رجت المكان.
خرجت من ذلك المكان الموحش وأنا ألعن نفسي وساعة ميلادي المشئومة.
- 2 -
أحكمت جأشي أمام والدي ووالدتي … صعدت إلى غرفتي أجتر بقهر معتق همجيتهم ؟ خاصمني النوم في تلك الليلة وفي كل الأوضاع ضاجعت الألم القاتل الذي يسري في جسدي الممدد . تألمت بصمت يقتلني ويفتتني تسللت إلى غرفة أخي الأكبر برشاقة عندما رأيت أنها لا تزال مضاءه …لم أتبين وجهه الذي ضاع بين دفات الكتب والأوراق المتناثرة علي مكتبه الصغير . جلست أمامه صامتاً … محتاراً كيف أبدأ . كلما حاولت أن أفتح فمي كما حاولت مع اؤلئك الأشقياء ، شيء ما يطبق علي أنفاسي فأصمت مكرهاً … أخيراً قفزت من علي الكرسي ووقفت بثبات مشكوك فيه … لا زلت محنطاً بصمتي اللعين عندها بدأ ينتبه لوجودي بلا اكتراث.
هل أنت بخير؟
نعم.
قلتها وأنا أتنهد بعمق من قعر رئتاي.
الساعة الآن العاشرة ، لا بد أن تكون نائماً.
شعرت بالأرق قليلاً.
ماذا يشغل تفكيرك؟ بسرعة وقتي ضيق.
ها …لا شئ.
كان محقين هؤلاء الملاعين … يعرفون تمام المعرفة أني لن أجرؤ علي النطق وأني جبان … نعم جبان بمعني الكلمة … جبان من قمة الرأس حتى أخمص القدم . انطلقت خارجاً إلى غرفتي وجلست أبكي بحرقة ألهبت أعماقي المثكنه بالجراح. ليلتان طويلتان لم أذق طعم النوم … لم أخرج للعب كالمعتاد كل صباح . استغربوا وعندما سألوا عن السبب جاوبتهم بأنه الملل الذي يركبني بلا كلل . كيف أخرج والزعيم كلف أحدهم لأكون في متناول شهوتهم القذرة.
في ليلة أخري وضعت ورقة صغيره علي مكتب أخي في غيابه … انتظرت بفارغ الصبر … دخل غرفتي ثوراً هائجاً وكاد أن يصفعني لولا دموعي التي بدأت تتنزه علي خدي.
منذ متي …. منذ متي؟
قالها وهو يشتعل غيظاً.
أربعة أيام فقط .
القذرون ؟ هل تعرفهم جيداً ؟ تعال معي.
لا .. لا أستطيع.
قلت هيا والا .
لا أعرف لماذا عاودني الخوف القديم … أعرف عيون أخي المتقدة … وأعرف أيضا أعينهم العمياء المخيفة … أشرت عليهم من بعيد … وقفت أنظر و أنتظر … أنقض عليهم بلسانه أولاً وهو يرقبونه بذهول وهو يشير إلى …وعندما أراد أن يستعمل يديه وشئ آخر خبأه في جيبه حاوطوه … انقضوا عليه … أنه يتألم أكثر مما كنا أتألم … هذه المرة كلهم دفعه واحده … بلا رحمه أو شفقة … بلتفتون إلى …عاودني الألم اللعين فهربت قبل أن يبتلعوني … كانوا جائعين جداً فلم يتبعونني.
- 3 -
قضينا أيام نبحث أنا وأخي في ذكرتنا المتصدئه هن خيط يفصلنا عن الجنون … ينقذنا من هذا الكابوس المخيف … كلما نظرنا من النافذة ورأينا العدد يزداد كلما داهمنا الجنون … ارتباك أخي أصبه واضحاً ولم يستطع أن يتصنع المرض أكثر حتى لا يخرج.
ماذا نفعل الآن … نحن الاثنين معاً.
قلت لأخي بامتعاض يملأ وجهي المكفهر.
صدقني الخوف قطع كل وسيله للوصول الي عقلي.
قالها بضجر.
أنا أيضاً.
أنت … أنت من أوقعنا في هذه المشكلة يا أحمق.
هل أقترح فكرة؟
ماذا يا خائب؟
أسمعني جيداَ .. نخبر الشرطة حتى تتصرف معهم.
نحتاج لاثبات.
ولم لا .
يا أحمق لو فعلنا ذلك لتفاقمت المشكلة وسيعرف الحي حقيقتنا المخزية.
آه لماذا لا نخبر أبي.
ولم أكد أنتهي من كلامي حتي وجدنا أبي وهو ينتصب علي الباب ويرمي بثقل ظله علي وجهينا الشاحبين تبادلنا النظرات علي التوالي … رمقنا بنظرات لا تخلو من الجنون لكنه عدل بعد ذلك للهدوء … أبدلها بنظرات حانية …عاتبه.
شئ مخزي حقاً أن نقف مكتوفي الأيدي … لقد سمعت للأسف كل شئ.
كنا عاجزين.
نطق أخي بتثاقل.
وهو كثيرون.
أجبته أنا.
تنقصنا الاراده.
أبدا يا أبي لو رأيت اندفاعهم الحيواني المجنون لأدركت هول الفاجعة.
كفي .
نهض أبي بضجر … نظر من النافذة فوجد الزعيم يتولي الحراسة بنفسه … خرج يكلم نفسه وعندما سأله أخي إلى أين … أوعز بأن يصمت صمتنا بنظرات متبادلة ثم هرعنا إلى النافذة … الزعيم مل الانتظار.
ماذا تقول؟ لا بد أنك ثمل.
نعم ولذلك أشتهي ناصر.
يقول الزعيم بكل ثقة أغضبت أبي وكادت أن تخرجه عن طوره المتزن.
هذا جنون.
جنون … جنون … ولكن أفضل من الفضيحة.
يعدل أبي عن صراخه ويجنح للهدوء … الزعيم يتبني صراخه … يدخل أبي ويرمقني بنظرات مجهوله ..أحاول الخلاص من شراها ولكني أجد نفس أمامها ثانيه … لماذا لم يحزن أبي أو يتألم؟ تكلم نعم قال في وجوههم لا ولكن هذا لا يكفي مطلقاً … صرخت في وجه أبي لأول مره فصفعني بقوه أوقعتني أرضاً.
ستذهب معه دون أدني ضجة حتى نجد طريقه للتخلص منه في هدوء … في هدوء أتفهم. حذار أن يراك أحد معه .. أجعل خطواتك سريعه.
لماذا ؟ للجحيم يا لعين .
فتح أبي فمه علي آخره … أخي الأكبر أستسلم لكابوسه وغاب في عالم أسود … خطواتي رفضت أن تكمل المشوار …….أبي يتوسلني ولكن العند يروضني … أصرخ في أنحاء البيت ، وقبل أن يستيقظوا يدخل الزعيم وينطلق بي للجحيم حيث نذالته.
- 4 -
كانت أمي حزينة جداً وهي تجوب طول البيت وعرضه تفكر بالأمر وارتأت أن تعقد اجتماعا فوريا لعائلتنا الكبيرة … وجوه جديده توافدت لبيتنا الكبير … وجوه خرافية …جلسوا حول مائدة مستديرة … كنت بعيداً أجلس مع أختي الوحيدة وأخواتي الصغار …. تكلم أبي بلا توقف وكل العيون تثقبه … تابعت أمي الحديث … أحس بالرهبة وأنا أري بين اللحظات عيون تنظرني خلسة باحتقار … تناقشوا كثيراً ولم يشاركوني في اجتماعهم … تقاذفوا الشتائم والسباب عندما اختلفوا … تشابكت الأيدي عندما عجزت الكلمات عن الإبحار إلى شواطئهم المائجة … تجاذبوني كدمية عرائس متحركة … ضاع أبي بينهم عندما دخن بشراهة لينسي ….أمي تبحر في عقولهم المظلمة لتنير الطريق ولكنها تبحث عن الوهم .
لا يوجد إلا حل واحد.
صرخت أمي لتفض الاشتباك.
همهمت الأفواه تستجدي الخلاص المنشود نهيأ غرفة للزعيم هنا حتى ننظر في الأمر ونتفق . اتحدت نظراتهم صوبي … جميعهم بلا استثناء … حتى أخوتي الصغار … ثار البركان الخامد ي داخلي ووقفت وسط طاولتهم ورمقتهم بإذلال … ورأيت الزعيم يختفي خلفهم.
أنتم ضعفاء … جبناء بل أكثر من ذلك … سفلة.
أنت لا تفهم.
أجابت والدتي بغضب:
كلا سأذهب للشرطة … أنتم خائفون …. أنا لا.
لا تفعل يا سفيه.
سقطت علي الطاولة … كان الدوار عنيفاً أكبر من أن يتحمله عقلي الصغير … أيقظوني بعنف - أنهم كالساقية يدورون وستأتي علي أختي … و أنت … وأنت … ثم أشرت علي كل واحد ي البيت.
الزعيم لا يشتهي النساء.
صاح أحد الجبناء:
زاحمتهم وخرجت أركض كالسهم بكل قوتي … طاردني الزعيم وعصابته الحقيرة … عائلتي كانت تراقب من بعيد … هربت إلى الزقاق الضيقة كما فعلت أول مره … مركز الشرطة قريب من هنا … الخطوات القريبة تبتعد ي الاتجاه المعاكس … وراءي لا يتعبون … خلفي يلهثون ككلاب ضالة … وراءهم بيتي الكبير … أقع أخيرا بين قدمي الشرطي في أمان … كانوا جميعا ضدي … وحدي أمام طوفان جارف … الزعيم …أبي …أمي … عائلتي العريقة … وحتى أخي الأكبر … كان مكرهاً وحزيناً.
سيدي الضابط هذا الشقي لم ولن يكف عن السرقة.
أنظر بدهشة إلى أمي الحبيبة وهي تخاطب الضابط.
لا يكف عن إيذائي وهاهو الآن يسرق منزلي … أنا فقير.
أنظر بخوف إلى هذا الزعيم الذي تحول في غفلة سريعة إلى حمل وديع.
لا ترحمه … نحن عائله لها سمعتها.
قالوها جميعاً.
- 5 -
خرجوا جميعاً وتركوني وحيداً أعانق وطوبة الزنزانة … ووجه الزعيم المحفور علي الجدار … في اليوم التالي جاء أبي وطمأنني … أهداني دفتراً وقلماً.
عندما تخرج منها أقسم لك بأن الزعيم سيكون هنا.
أخفضت رأسي في أسي وقلت في أعماقي عندما أخرج من السجن سأجد الزعيم يستوطن بيتي غرفه ….غرفه جني غرفة أمي يا أبي العزيز. فتحت دفتري وبدأ وجهي المحطم يكتب كل شيء.
قذفوا بي إلى زاوية مظلمة نتنه مشبعه بالكآبة ومتشحة بالضجر .. والخوف يسكنني من كل شئ ألبسه عقلي رداء المجهول كل ما التقطته عيناي الأحجار الكبيرة المسننة و المتناثرة في كل الأرجاء. كل ذلك لا أتبينه بوضوح .. أتذكر جيداً أياديهم الممتدة المعروقة بشرايين خضراء كسنابل القمح التي قاطعت موسم الحصاد … الذهبي دفعتني الأيادي ها هنا ثم انتشروا بلا انتظام في كل نقطة هروب.
عند الباب المتآكل المتكئ علي جدار ساقط …. فوق السور المتكسر بأطراف غير منتظمة كأسنان رجل عجوز … وحدي لا أستطيع الإفلات أبداً. عيونهم تتوهج في الظلام … وجوههم لا تلمع مع انكسار الضوء الشارد من عتمه الليل … لا ينظرون لبعضهم … كنت أحدق فيهم علي التوالي بنظرات كنت أظنها غاضبه … أتصنعها متحديه ، ولكنهم رغم العتمة اكتشفوا كم هي جبانة .. كانت تقول هيا خلصونا من هذا المأتم …لم أتفوه بكلمة واحده وهو كذلك استقبلوا نظراتي كمرايا . دنوا قليلاً … قليلاً حتى ضاقت الدائرة وودت لو أتحول إلى قطه … أو حتى كنغر … أي حيوان يستطيع الهروب.
ضيف جديد علي المنطقة … لا بأس به علي كل حال.
نطق شاب أسمر نحيف … شكله مخيف … عينيه اليسرى معصوبة وذقنه طويل جداً … كانوا ينادونه بالزعيم وكان هو يقف خلفهم ولم يتقدم إلا لتوه ؟ بعد نظرة فاحصه يقول:
لا يهم الدنيا قحط.
ثم قهقهوا بقوه فأرتجع الصوت كابوساً ثقيلا علي رأسي يذكرني ببيت الأشباح.
ما أسمك … من أي منطقة.
ناصر .. ناصر من منطقة القلب.
نطقت بالكاد حتى لا يكتشفوا ضعفي وارتباكي الشديدين …..أخفي وجهي صوب الظلام … اللعاب قاطع حنجرتي فقررت أن أزار … لا فائدة لا أستطيع …انتشروا بتفاهم عجيب وهمس لا آخر له … انتشروا بفرح ومرح وانشراح … وبنصر تحقق بعد مطاردة عنيفة أتعبت سيقانهم المستدقه فشمروا عنها … حدقوا في كل مناطق جسدي المتعب … هربت منهم بكل قوتي ومع ذلك أمسكوا بي بمهارة يحسدون عليها؟ ذلك الطفل اللعين الذي أخبرهم بمكاني هو السبب … غبائهم يتفاقم عندما يحاولون تقيدي بخيوط من بيت العنكبوت، فصرخ الزعيم.
ناديناك فلم تقف.
لم أسمع.
ستصرخ بملء فمك أيضاً الآن ولن تسمع آذاننا الصوت … اتفقنا.
انتفضت من قبضة الزعيم القوية ونظرت إلى عينيه بقوه … وأنا أعلم أنه لن يراني وأنا أتخفي بحذاقه ومهارة.
سأخبر والدي بالأمر.
لن تستطيع يا غبي.
ثم ضحكوا طويلاً وهو ينظرون لبعضهم … ربي هذا الطابور الطويل الجائع سيبتلعني واحداَ تلو الآخر وسأغيب في عالم بهيمي.
أقربائي أقوياء جداً فالأفضل أن لا يعرفوا.
هذا صحيح.
ألتفت إلى البقية الجائعة بعيون باسمه ونغز الزعيم بعينه السليمة وظلت الأخرى جاثمة خلف العصبة.
لأنك لن تجرؤ علي إخبارهم ماذا ستقول .. أنك مج .. روح .
أرجوك كفي.
يلقون بي أرضاً ويتقدم الزعيم … ينظر إلى وينحني صوب وجهي الملئ بالعرق وأسنانه الصفراء المنخورة بالسوس الأسود ترفع لأنفي رائحة كريهة جداً … كدت أتقيأ.
كن هادئاً يا ناصر.
لا .. لا لن أرضي بذلك مستحيل.
ليس بيدك أي شئ . ماذا ستفعل.
سيضربوننا بالرصاص وسيسحقوننا كجيمس بوند … لا لا كالرجل الخارق.
ضحكوا ثانية ضحكاتهم القبيحة …. ليتهم لو يظلوا صامتين … ضحكتهم هذه تجعلني حقيراً.
أنا أعرفكم جيداً … ستقبض عليكم الشرطة.
من سيشهد علي ذلك ؟ هيا هيا لا تضيع الوقت .
ولكن .
هيا هيا.
انتظروا .. لحظة من فضلكم. أقولها باشمئزاز يشوبه الخوف.
يلقون بي أرضا ويتقدم أكثر هذا المعصوب اللعين …رائحته الكريهة لا تتركني أطلق صرختي … خوفي أيضاَ كبل أحبالي الصوتية … دنوا أكثر … شمروا عن سيقانهم النحيفة … نظروا لي بانتقام …هؤلاء الفوضويون يقفون في طابور طويل والدوار يفقدني حتى … واحد … اثنان … ثلاثة …
هل تألم لوقت طويل.
يقول الزعيم باستخفاف.
متي نراك ثانية؟
رد آخر بضحكة رجت المكان.
خرجت من ذلك المكان الموحش وأنا ألعن نفسي وساعة ميلادي المشئومة.
- 2 -
أحكمت جأشي أمام والدي ووالدتي … صعدت إلى غرفتي أجتر بقهر معتق همجيتهم ؟ خاصمني النوم في تلك الليلة وفي كل الأوضاع ضاجعت الألم القاتل الذي يسري في جسدي الممدد . تألمت بصمت يقتلني ويفتتني تسللت إلى غرفة أخي الأكبر برشاقة عندما رأيت أنها لا تزال مضاءه …لم أتبين وجهه الذي ضاع بين دفات الكتب والأوراق المتناثرة علي مكتبه الصغير . جلست أمامه صامتاً … محتاراً كيف أبدأ . كلما حاولت أن أفتح فمي كما حاولت مع اؤلئك الأشقياء ، شيء ما يطبق علي أنفاسي فأصمت مكرهاً … أخيراً قفزت من علي الكرسي ووقفت بثبات مشكوك فيه … لا زلت محنطاً بصمتي اللعين عندها بدأ ينتبه لوجودي بلا اكتراث.
هل أنت بخير؟
نعم.
قلتها وأنا أتنهد بعمق من قعر رئتاي.
الساعة الآن العاشرة ، لا بد أن تكون نائماً.
شعرت بالأرق قليلاً.
ماذا يشغل تفكيرك؟ بسرعة وقتي ضيق.
ها …لا شئ.
كان محقين هؤلاء الملاعين … يعرفون تمام المعرفة أني لن أجرؤ علي النطق وأني جبان … نعم جبان بمعني الكلمة … جبان من قمة الرأس حتى أخمص القدم . انطلقت خارجاً إلى غرفتي وجلست أبكي بحرقة ألهبت أعماقي المثكنه بالجراح. ليلتان طويلتان لم أذق طعم النوم … لم أخرج للعب كالمعتاد كل صباح . استغربوا وعندما سألوا عن السبب جاوبتهم بأنه الملل الذي يركبني بلا كلل . كيف أخرج والزعيم كلف أحدهم لأكون في متناول شهوتهم القذرة.
في ليلة أخري وضعت ورقة صغيره علي مكتب أخي في غيابه … انتظرت بفارغ الصبر … دخل غرفتي ثوراً هائجاً وكاد أن يصفعني لولا دموعي التي بدأت تتنزه علي خدي.
منذ متي …. منذ متي؟
قالها وهو يشتعل غيظاً.
أربعة أيام فقط .
القذرون ؟ هل تعرفهم جيداً ؟ تعال معي.
لا .. لا أستطيع.
قلت هيا والا .
لا أعرف لماذا عاودني الخوف القديم … أعرف عيون أخي المتقدة … وأعرف أيضا أعينهم العمياء المخيفة … أشرت عليهم من بعيد … وقفت أنظر و أنتظر … أنقض عليهم بلسانه أولاً وهو يرقبونه بذهول وهو يشير إلى …وعندما أراد أن يستعمل يديه وشئ آخر خبأه في جيبه حاوطوه … انقضوا عليه … أنه يتألم أكثر مما كنا أتألم … هذه المرة كلهم دفعه واحده … بلا رحمه أو شفقة … بلتفتون إلى …عاودني الألم اللعين فهربت قبل أن يبتلعوني … كانوا جائعين جداً فلم يتبعونني.
- 3 -
قضينا أيام نبحث أنا وأخي في ذكرتنا المتصدئه هن خيط يفصلنا عن الجنون … ينقذنا من هذا الكابوس المخيف … كلما نظرنا من النافذة ورأينا العدد يزداد كلما داهمنا الجنون … ارتباك أخي أصبه واضحاً ولم يستطع أن يتصنع المرض أكثر حتى لا يخرج.
ماذا نفعل الآن … نحن الاثنين معاً.
قلت لأخي بامتعاض يملأ وجهي المكفهر.
صدقني الخوف قطع كل وسيله للوصول الي عقلي.
قالها بضجر.
أنا أيضاً.
أنت … أنت من أوقعنا في هذه المشكلة يا أحمق.
هل أقترح فكرة؟
ماذا يا خائب؟
أسمعني جيداَ .. نخبر الشرطة حتى تتصرف معهم.
نحتاج لاثبات.
ولم لا .
يا أحمق لو فعلنا ذلك لتفاقمت المشكلة وسيعرف الحي حقيقتنا المخزية.
آه لماذا لا نخبر أبي.
ولم أكد أنتهي من كلامي حتي وجدنا أبي وهو ينتصب علي الباب ويرمي بثقل ظله علي وجهينا الشاحبين تبادلنا النظرات علي التوالي … رمقنا بنظرات لا تخلو من الجنون لكنه عدل بعد ذلك للهدوء … أبدلها بنظرات حانية …عاتبه.
شئ مخزي حقاً أن نقف مكتوفي الأيدي … لقد سمعت للأسف كل شئ.
كنا عاجزين.
نطق أخي بتثاقل.
وهو كثيرون.
أجبته أنا.
تنقصنا الاراده.
أبدا يا أبي لو رأيت اندفاعهم الحيواني المجنون لأدركت هول الفاجعة.
كفي .
نهض أبي بضجر … نظر من النافذة فوجد الزعيم يتولي الحراسة بنفسه … خرج يكلم نفسه وعندما سأله أخي إلى أين … أوعز بأن يصمت صمتنا بنظرات متبادلة ثم هرعنا إلى النافذة … الزعيم مل الانتظار.
ماذا تقول؟ لا بد أنك ثمل.
نعم ولذلك أشتهي ناصر.
يقول الزعيم بكل ثقة أغضبت أبي وكادت أن تخرجه عن طوره المتزن.
هذا جنون.
جنون … جنون … ولكن أفضل من الفضيحة.
يعدل أبي عن صراخه ويجنح للهدوء … الزعيم يتبني صراخه … يدخل أبي ويرمقني بنظرات مجهوله ..أحاول الخلاص من شراها ولكني أجد نفس أمامها ثانيه … لماذا لم يحزن أبي أو يتألم؟ تكلم نعم قال في وجوههم لا ولكن هذا لا يكفي مطلقاً … صرخت في وجه أبي لأول مره فصفعني بقوه أوقعتني أرضاً.
ستذهب معه دون أدني ضجة حتى نجد طريقه للتخلص منه في هدوء … في هدوء أتفهم. حذار أن يراك أحد معه .. أجعل خطواتك سريعه.
لماذا ؟ للجحيم يا لعين .
فتح أبي فمه علي آخره … أخي الأكبر أستسلم لكابوسه وغاب في عالم أسود … خطواتي رفضت أن تكمل المشوار …….أبي يتوسلني ولكن العند يروضني … أصرخ في أنحاء البيت ، وقبل أن يستيقظوا يدخل الزعيم وينطلق بي للجحيم حيث نذالته.
- 4 -
كانت أمي حزينة جداً وهي تجوب طول البيت وعرضه تفكر بالأمر وارتأت أن تعقد اجتماعا فوريا لعائلتنا الكبيرة … وجوه جديده توافدت لبيتنا الكبير … وجوه خرافية …جلسوا حول مائدة مستديرة … كنت بعيداً أجلس مع أختي الوحيدة وأخواتي الصغار …. تكلم أبي بلا توقف وكل العيون تثقبه … تابعت أمي الحديث … أحس بالرهبة وأنا أري بين اللحظات عيون تنظرني خلسة باحتقار … تناقشوا كثيراً ولم يشاركوني في اجتماعهم … تقاذفوا الشتائم والسباب عندما اختلفوا … تشابكت الأيدي عندما عجزت الكلمات عن الإبحار إلى شواطئهم المائجة … تجاذبوني كدمية عرائس متحركة … ضاع أبي بينهم عندما دخن بشراهة لينسي ….أمي تبحر في عقولهم المظلمة لتنير الطريق ولكنها تبحث عن الوهم .
لا يوجد إلا حل واحد.
صرخت أمي لتفض الاشتباك.
همهمت الأفواه تستجدي الخلاص المنشود نهيأ غرفة للزعيم هنا حتى ننظر في الأمر ونتفق . اتحدت نظراتهم صوبي … جميعهم بلا استثناء … حتى أخوتي الصغار … ثار البركان الخامد ي داخلي ووقفت وسط طاولتهم ورمقتهم بإذلال … ورأيت الزعيم يختفي خلفهم.
أنتم ضعفاء … جبناء بل أكثر من ذلك … سفلة.
أنت لا تفهم.
أجابت والدتي بغضب:
كلا سأذهب للشرطة … أنتم خائفون …. أنا لا.
لا تفعل يا سفيه.
سقطت علي الطاولة … كان الدوار عنيفاً أكبر من أن يتحمله عقلي الصغير … أيقظوني بعنف - أنهم كالساقية يدورون وستأتي علي أختي … و أنت … وأنت … ثم أشرت علي كل واحد ي البيت.
الزعيم لا يشتهي النساء.
صاح أحد الجبناء:
زاحمتهم وخرجت أركض كالسهم بكل قوتي … طاردني الزعيم وعصابته الحقيرة … عائلتي كانت تراقب من بعيد … هربت إلى الزقاق الضيقة كما فعلت أول مره … مركز الشرطة قريب من هنا … الخطوات القريبة تبتعد ي الاتجاه المعاكس … وراءي لا يتعبون … خلفي يلهثون ككلاب ضالة … وراءهم بيتي الكبير … أقع أخيرا بين قدمي الشرطي في أمان … كانوا جميعا ضدي … وحدي أمام طوفان جارف … الزعيم …أبي …أمي … عائلتي العريقة … وحتى أخي الأكبر … كان مكرهاً وحزيناً.
سيدي الضابط هذا الشقي لم ولن يكف عن السرقة.
أنظر بدهشة إلى أمي الحبيبة وهي تخاطب الضابط.
لا يكف عن إيذائي وهاهو الآن يسرق منزلي … أنا فقير.
أنظر بخوف إلى هذا الزعيم الذي تحول في غفلة سريعة إلى حمل وديع.
لا ترحمه … نحن عائله لها سمعتها.
قالوها جميعاً.
- 5 -
خرجوا جميعاً وتركوني وحيداً أعانق وطوبة الزنزانة … ووجه الزعيم المحفور علي الجدار … في اليوم التالي جاء أبي وطمأنني … أهداني دفتراً وقلماً.
عندما تخرج منها أقسم لك بأن الزعيم سيكون هنا.
أخفضت رأسي في أسي وقلت في أعماقي عندما أخرج من السجن سأجد الزعيم يستوطن بيتي غرفه ….غرفه جني غرفة أمي يا أبي العزيز. فتحت دفتري وبدأ وجهي المحطم يكتب كل شيء.