المصطفى لخضر - قراءة في قصة " الأسئلة" للقاص محمد الطايع

يقال بأن الأسئلة في الفلسفة أكثر أهمية من الأجوبة ؟ أو بتعبير آخر أن طرح الأسئلة التي تؤرق فكرنا وتدفعنا للبحث لها عن أجوبة مهم للغاية، وكلما تمكنا من الأجوبة على بعض الأسئلة، نطرح أسئلة أخرى ؟ و هكذا دواليك مادمنا مخلوقين لنفكر، لا لنأكل و نتغوط، أو (نبعر) كأي حيوان لا يملك للأسئلة ولا للأجوبة لغة نفهمها على الأقل، وإن كان في مجمل تصرفاته التي يعتبرها البعض غريزية، أشياء لا يمكن أن تقع من مخلوق جاهل غير مفكر ؟
و حول هذه القصة أو النص الأدبي الخارج عن المألوف في الكتابات السردية والقصصية، إن لم أقل بأنكم السباقون لهذا النموذج من الكتابة القصصية المبنية على الأسئلة من أولها لآخرها و ما أكثرها، أخي وصديقي وأستاذي العزيز المبدع والأديب الراقي والمتميز السي محمد الطايع ، ذلك أن هذه القصة التي لا تخلو من كثرة الأسئلة الحارقة من بدايتها لنهايتها، لم يسبق لي أن قرأت مثيلا لها، لا من حيث المضمون و لا من حيث الشكل الذي صيغ على شكل أسئلة و التي لا يمكن و الحالة هاته إلا القبول بها كنموذج إبداعي فريد إن لم يكن جديد على حقل الكتابة حسب معلوماتي الشخصية، رغم أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال للمرأة كمعنية بالخطاب العميق للنص من خلال الأسئلة التي تحاصرها و تورطها ولا تترك لها متنفسا للإجابة، إلا الهروب بعيدا عنكم قدر ما استطاعت، بفعل ضغط الأسئلة المشككة في نواياها، وما ينطبق عليها ينطبق على أي متلقي في محلها، حينما يجد بأنه من الصعب الإجابة عن تلك الأسئلة كلها، فيكون الغرض من القصة في بعض مناحيها، هو محاولة الكاتب ترك المرأة التي تحاول التقرب منه على مسافة بعيدة منه، من أجل مصلحته و مصلحتها، لسبب ما من الأسباب المضمنة بتلك الأسئلة و إن فهمت هي غير ذلك، مع العلم بأن الكاتب ضمنيا قد لا يكون بخطوته هاته إما خائفا على نفسه منها، وإما خائفا عليها منه ؟ أو خائفا على مستقبلهما معا ؟ أو بعبارة أصح مخافة أن تشاركنه شيئا من همومه والتي ما هي إلا هموما مشتركة للكثير من العازفين عن الزواج ( نساء ورجالا)، و الذين يتطوع القاص للكتابة باسمهم، ذلك أن تلك الهموم المشتركة التي نتعايش معها و البعض منا أو هي لا تدركها (المرأة) ، خصوصا إذا لم تمنحنا الحياة فرصة أفضل، لتهييئ أنفسنا لبناء أسرة بإمكانها أن تواجه متاعب الحياة في مجتمع متفكك تغلب على أناسه المصلحة الخاصة و أنانية الطبع والأنانية المتمثلة غالبا في حب الذات ؟ قبل أي شيء آخر يرقى بنا لمجتمعات متحضرة بالضرورة، لدواعي حق العيش المشترك وفق ما تقتضيه الأعراف الإنسانية من نكران للذات من أجل مصلحة كل أفراد المجتمع، و الحقيقة أنه ما دامت المجتمعات الإنسانية في الواقع ليست كما يحلو لنا أن نعشقها أو نبتغيها، والتي كونا عنها نظرة واضحة بحكم التجربة ؟ فرضت علينا بحكم الوعي الذي بتنا نملكه - بفعل المتطلبات الاقتصادية للحياة العصرية و ضغوطاتها، حين نجد أنفسنا لا نتوفر على عمل قار يوفر لنا دخلا كافيا يمكننا من بناء أسرة و التكفل بكل مصاريفها في حاضرنا، فماذا عن مستقبلنا - أن نعيش خائفين، لأنه مهما كان الخوف موضوعي و مبرر، فإن الحب الآني مهما كان ساميا في مثل هذه الظروف، لا يكفي وحده للعيش في سعادة ! و مهما كانت النوايا طيبة للتعاون و تقاسم المصير المشترك ! الذي قد يكون مرا أكثر حينما نلجأ إليه لتعذيب أنفسنا أكثر، بالرضا بكل ما قد يفرضه علينا الواقع من تمرد على الحب نفسه، ابتغاء النجاة من أوحاله في وضعياتنا الصعبة، أو التي نكره حالنا فيها، خصوصا لما نكره القدر الذي رمانا في واقع لسنا مسئولين عنه إلا من باب العاطفة التي تجعلنا نحلم بتحقيق حلم على ورق، أم فيىالواقع فهو صعب المنال بالنسبة لمن لا يمكلك له وسعا ، وحتى وإن بتنا مسئولين عنه، فنحن لا نرضى لأنفسنا في أحلامنا كعشاق للحياة، إلا أن تكون لمثاليتنا الحالمة أقدام على أرض الواقع، بما قد توفره لنا من شروط الحياة الكريمة، أو (امناقص منها) بتعبير عامي، لأنه والحالة هاته، غالبا ما نعشق حياة مثالية لم ننعم بالعيش في أحضانها، بحكم التجربة و الحياة المسروقة من عمرنا، من هنا نبدأ نلاحظ بأن ما نحلم به محزن بحق، لا لشيء إلا لأن العازف عن الزواج ربما يؤمن بأن التضحية بالنفس، أهون عليه من التضحية بأسرة كاملة لا ذنب لها فيما قد يحصل لها بسببه، إذا كان الدافع هو محاولة إفراغ كبته فيمن لا ذنب لهم بالمرة، وهنا تكون الأجوبة عن الأسئلة المراوغة للتخلص من الارتباط العاطفي والأسري مبررا، لأن ذلك الإنسان الذي يختبئ خلف الأسئلة يسعى لحياة مثالية، وما دامت شروطها غير متوفرة، وهذا ما يغدي شعوره بالخوف من أن تقترب منه أو تطمع فيه امرأة كإنسان أو ككاتب واع بما يكتب وما يطرح من أسئلة محرجة أحيانا كثيرة للتملص من أي ارتباط لن يكون كما يتمناه هو على الأقل بالمرة، من هنا نلمس ذلك الخوف الموضوعي وإن كنا لا نتبناه لاختلاف في أفكارنا التي لا تفسد لودنا قضية حينما نناقش أفكارا محل خلاف بعينها، كل واحد منا ينظر لها من الزاوية التي توفر له واسع النظر، و ما دام أي إنسان حر في أفكاره و تصرفاته المنبثقة عنها، فلا مجال للحرج والإحراج من باب عدم التورط في الاختلاف أكثر، لأن لكل واحد منا هاجس خوفه، والخوف يصبح أحيانا مشروعا في مثل هذه الأمور، لكونه في محل ارتكاب جرم فضيلة، حين يسائلك ولدك يوما ما وأنت لا تجد بماذا تلبي له حقوقه عليك، لماذا ولدتني يا أبي ؟ أو عندما تطلب منك من ترتبط بها شيئا لا تستطيع تحقيقه لها، فتشعر بشيء من الذنب لأنك أثرت الزواج بها لمتعتك الشخصية، وحرمتها مما قد يحقق أملها فيك، غير تلك المتعة الحيوانية التي لا تحقق دائما باقي شروط الحياة الكريمة، والتي قد يتوفر فيها كل شيء، و تغفل فيها أن تهديها ولو وردة على سبيل المثال وهي تتمناها منك بصدق وشوق في مناسبة من المناسبات لعزيزة على قلبها، ومن تم يكون الارتباط العاطفي مهما بلغت درجة الحب بين القلوب، مجرد جريمة حين لا نحقق من ورائه ما قد يساعدنا على الخطو إلى الأمام بعفة و سعادة، لأننا باللجوء إليه سنجني ربما على أنفسنا أو على كل ما قد يترتب على علاقة حب مهما كانت ضرورية كمقدمات، من عواقب وخيمة، قد تتحول مع مرور الزمن لكراهية، حين نخلف من أصلابنا من سنصبح ملزمين بالخوف عليهم، و كم هم غالون علينا يا صديقي من نخاف عليهم، ونحن لم ننجبهم بعد، وكم هو صعب أن لا ننجبهم بالمرة، وكم هو مؤرق أن نسارع للزواج من أجل التناكح والتوالد؟ و ربما هذا الخوف هو الذي دفع بمحمد شكري للعزوف عن الزواج طول حياته، وعاشها متمردا على ماضيه وعلى حاضره و مستقبله للدوافع التي سردها في سيرته الذاتية الخبز الحافي، و باقي الروايات التي تجد ذاتية محمد شكري حاضرة فيها، و هذا شيء مؤسف حقا، لأن الحقبقة هي أن الله سبحانه وتعالى كفيل بعباده، و بالمناسبة، لا أخفيك أخي السي محمد أنني مررت بتجربة العزوبة في حياة لا تقل إثارة عن حياة محمد شكري وزفزاف في بعض المواقف والجوانب، ولم أتزوج إلا في عمر الستة و ثلاثين بإلحاح من والدي، و بنتي الآن لا يتجاوز سنها ثلاثة وعشرون سنة وأبنائي الآخرين واحد تسعة عشر سنة و الآخر أربعة عشر سنة، والذين أجد نفسي أحيانا أمارس عليهم سادية ذلك العنف الذي تعرضت له، وهذا قدر من يريد أن يكون ورثته أحسن منه على مستوى التعليم و غيره، أما وقد كان والدي أميين، فلا عتب عليهم خصوصا وأنهم ضحوا بالغالي والنفيس و بسعادتهم المسروقة من أجل أن أكون صوتهم الميت من خلال التجربة التي تقاسمت معهم شيئا منها، وما رووه لي بعصبات ألسنتهم، تحفيزا لي على طلب العلم حتى لا أتعرض لمثل ما تعرضوا له من قهر مادي ومعنوي يقصر المقام هنا عن ذكر بعض جوانبه، إلى جانب همنا وهموم جل الناس الذين قدر لنا أن نكون مثلهم بدرجات متفاوتة، حينما نكون من أبناء المستعبدين في الأرض من أجل لقمة العيش، وكأن لقمة العيش هي كل ما يهمنا في الحياة، بقدر ما يهمنا المصارعة من أجل العيش الكريم دون خوف على أنفسنا وعلى أولادها مما قد يحمله لهم المستقبل من عبودية أكثر ضغطا من العبودية التي يعيش فيها غالبية المحرومين منا الآن، في ظل هذه الرأسمالية المتوحشة التي باتت تقوم بسحق العباد كأي شيء قابل للتدوير، و من عجائب المفارقات، أن الخوف من الارتباط، بت ألاحظه حتى في تصريحات أبنائي إذ كلما حاولت مناقشهم أو ممازحتهم، بدعوتهم لضرورة إعداد أنفسهم لما تتطلبه حياتهم المستقبلية، بما فيها حاجياتهم لتكوين أسر، يجيبوني بدون استثناء، بأنهم سوف لن يتزوجوا، رغم أني وأمهم نبدل كل ما في وسعنا لتعليمهم تعليما جيدا لم نحض به نحن.
وعودة لتجربتي الذاتية، فقد تزوجت على الفقر و فراش الحصير، والحمد لله أني اكتشفت أن الله كريم، لأن ما كنت أصرفه على نفسي حلالا وحراما في سن الطيش والعبث عازبا، أكثر بكثير مما أصبحث أصرفه على نفسي مع زوجتي لما ثبت لله و قبل أن يرزقنا الله بأولاد، هذا رغم ما كنت أخصمه من دخلي لأعطيه لوالدي الذين كنت ابنهم البكر، الذي عليه أن يكون حمار طاحونتهم، ليرد لهم شيئا من دين الخبز الحافي الذي كان لي نصيب في بعض مراحل عمري بمعية أحد عشر نفرا من أفراد أسرة كبيرة، بما فيها جدي وزوجته وعمتي من جدي والباقي والدي ووالدتي وأخواتي الأربع وأخواي الإثنين، ولكن مع مرور الزمن، أقول الحمد لله على كل حال أخي وصديقي وأستاذي العزيز المبدع والكاتب والأديب الكبير السي محمد الطايع، الذي أجد نفسي أحيانا بهمومي و طريقة تفكيري منفتحا عليه، لنا أجدني في شيء من كتاباته، خصوصا وأننا لم نولد بمعالق ذهبية في أفواهنا، ولا خضعنا لتربية نموذجية في أسرنا، كل ما هناك أننا عشنا رغما عن أنف أنفسنا بمعاول في أيدينا، وفق ما كان وما زال مكتوبا علينا، إذا كان للقدر شيء فيما يخص ما تعرضنا له من عنف، كان بالامكانةأن يكسر ظهورنا، ولكن بنعمة من الله قواها، رغم أن ذلك العنف لن يكون نسيانه سهلا بالنسبة لنا، وحتى ونحن نحاول بالكتابة التخلص من ثقله على نفوسنا، التي لم تعد تجد حرجا في الجهر به، لعلها تبرر أسباب مرضنا، أو بالأحرى التخلص منه، على اعتبار أننا نحاول بما نعبر عنه عبر تساؤلاتنا اللا متناهية، أن نفتح عيادة لتطبيب أنفسنا، لأنه وإن حصل أن قبلنا بالذهاب عند طبيب نفساني، لن يكون العلاج الذي قد يطول مجانيا، لنكتشف في النهاية بأنه غير مفيد، خصوصا عندما تذهب عنده واعيا، لتحدثه عن حالتك المرتبطة بلا وعيك، ليعطيك في النهاية بعض المسكنات التي ليست علاجا، بل دعوة لإدمان على مخدر ما ليس إلا، لأن الطبيب النفساني لا يطرح عليك أحيانا بحكم تعليمه الأكاديمي، الأسئلة الصحيحة التي ينبغي أن نطرحها نحن على أنفسنا من خلال ما ارتكم في لا شعورنا من عقد في سن لا نحتمل معها ذلك التعذيب النفسي الذي لا ذنب لأوليائنا فيه، بقدر ما هو ذنب مجتمعاتنا الأبوية (الباترياركية) بأسرها ، والتي فرضت على أوليائنا بحكم ما قد تعرضوا له من عنف من أجل لقمة العيش المرة، في حياة المنسيين من أية رحمة، اللهم ما يكدحون فيه بعرق الجبين من أجل أنفسهم وأبنائهم، لذلك لا غرابة إن أفرغوا فينا كبتهم وعقدهم التي ربما أرادوا بها تأهيلنا للأسوء الذي نعيش في ظله مرغمين على الثورة عليه، ولو بأقلامنا كحد أدنى من الوعي، الذي حققناه لأنفسنا، فأصبح هو علتنا، لذلك نجد في الكتابة ضالتنا، التي ما أجمل أن نفتح من خلالها لأنفسنا عياداتنا الخاصة، ونلعب دور الطبيب بالحديث مع أنفسنا من خلال الكتابة بكل جرأة و شجاعة، وفي هذا المجال لا حرج، في أن يكون قلقنا موضوعيا أو عبثيا حتى، ما دمنا نؤمن بأن الكتابة هي الداء و الدواء في نفس الوقت، علما بأن الكتابة لا تعني ما نحاول التعبير عنه بوضوح تام، حول ظواهر بعض الأشياء، لأن القارئ الواعي والمتمكن، يغوص فيما وراء السطور، ليقرأ ذلك اللاشعور الذي يملي علينا أحيانا ما نكتب، و يبقى متخفيا بلباقة وراء السباكة المتقنة لوحي ما نكتب.
لم يبق لي وأنا أقرأ هذا الكم من الأسئلة الملحة والمحرجة في آن، إلا أن أقول، لله درك أخي السي محمد الطايع، الذي تأسرني كتاباته ولا أجد مفرا من التعليق عليها إلا بالكتابة على هامشها بكل تلقائية، حينما أمتلك الشجاعة التي تدعوني للبوح مثلكم عن ما يساور خواطري في لحظة ما، و بعيدا عن أسئلتكم هذه، و عن قراءاتي لقصصكم المتنوعة، التي علقت على البعض منها واكتفيت بوضع علامة إعجاب على بعضها الآخر، والتي آخرها قصة ليلة في المقبرة، التي تختزل حكاية طفل في سن السبع سنوات، وأنا لي، من ذاكرته الميتة التي أحياها، و إن كان أن الذاكرة لا تنسى، وإنما هي كصفحات كتاب تطوى وحسب، إلى أن يأتي دافع ما ليقلبها، فيجد ذلك اللاشعور يتحرك كما لو أن الطفل عاش تلك القصة بكل حيثياتها مع شخوصها و وقائعها التي أجدتهم في حياكتها اللحظة، و بشكل يجعل مهارة السرد تنقلك بسلاسة من حدث لحدث آخر بكل ما تقتضيه عناصر التشويق، التي تأخذ بتلابيب مخيلة القارئ و تجدبه نحوها برابط سحري من البداية حتى النهاية، وقد كان بودي أن أخصص لها تعليقا يليق بها، لكن كما تعلم صديقي الغالي، مكره أخاكم لا بطل، لما تكون ملكتي الإبداعية هاربة، بحكم ما نحن عليه من مخلوقات تتحرك وفق ما تمليه علينا الخواطر والانفعال و الظروف التي تحيط بنا في لحظة من اللحظات، بمعنى أنه حين يخونك ذلك الإحساس الجميل الذي يدفعك للتعامل بعفوية مع نص أدبي معين، و تتمنى صادقا لو تكتب عنه بما يستحقه من إعجاب، تجد أفكارك مشتتة، ولا تستطيع لملمتها لتعرف ما تقدم فيها و ما تؤخر، فتنكف عن الكتابة أو التعليق حتى لا تكون غير الذي تريد أن تكتبه بشأن ذلك النص الذي لا يستحق أن تستهين به كقارء عاشق و كمعلق، لا كناقد محترف.
إن جمالية الكتابة أخي وصديقي العزيز ، تكمن في صدق ما نكتب بأسلوب مغاير، أو بأسلوب يرضي ذوقنا أولا، و المتلقي ثانيا، ومن تم يصبح ذلك التفاعل الصادق بين الكاتب والمتلقي هو الذي يموضع النص الأدبي في مكانه الصحيح.
أخي وصديقي العزيز، إنه لمن دواعي فخري أن أحضى بصداقة مبدع كبير مثلكم، أروي شغفي للقراءة بالتمتع بمسوداته، لأن القراءة والكتابة بالنسبة لي هي ما يشبع شعوري ولا شعوري، وليس شعوري فقط، من خلال تلك الكتابات المنمقة والمصطنعة التي لا تعبر إلا عن محاولة تحقيق وجود للكاتب دون إيلاء أهمية كبيرة للمكتوب، أي أن تحقق لذاتك إسما، من فراغ وأنت تكتب عن أشياء لا تستحق منك بدل جهد للكتابة عنها، كتابات تسويقية سرعان ما تخبو كنار أوقدها صاحبها للرقص عليها ساعة، فخبت تلقائيا بعدما انتهى الرقص، وانصرف للنوم يجر معه خيبة ليلته الضائعة فيما لا ينفع، وربما الرقص أنفع أحيانا إن كان له ما يبرره كفن راقي بعيدا عن جدبة أو شطحات لا معنى لها، وكأن صاحبها تأبطه جني ما، بات لا يعي حتى بحركاته التي لا معنى لها.
لا أعرف وأنا تائه وللوجع هنا سبب، تحركه بدواخلي كتاباتكم الرائعة، كيف أختم صبيب هذا المداد، الذي يعشق قلمه أن لا تجف محبرته، حينما تتحقق أشراط القراءة والكتابة في لقاءات أدبية، لا تخلو من الصدق الذي ألفناه منذ أن بدأ التواصل بيننا على هذا الكتاب المفتوح والمفضوح، خصوصا وأن الكتابة كانت مبررا لتواصل ممتع، غايته تبادل ما يراودنا من أفكار على مستوى الإبداع عموما، وكتاباتنا التي تبحث لها عن موطئ قدم في هذا الوجود، حتى لا نمر مرور الموتى الأحياء من هنا، وما أكثر الموتى الأحياء لو تحسبهم بيننا يا صاحبي، وتقبل مع مروري الثقيل ها هنا فائق تحياتي مع رجائي من الله عز وجل لكم بالمزيد من العطاء والتفوق في الدرب الإبداعي الذي شققتموه لأنفسكم، والذي لن يتجمل أو يمن عليكم فيه أحد، ودمتم وكل من تحبون بخير أيها الأديب الراقي والمتميز، الذي لا أرى فيه إلا تكرارا لبعض جوانب تجربة الكاتب والروائي الكبير محمد شكري رحمه الله بوجه آخر أكثر اخيارا لألفاظه و مصطلحاته الفصيحة التي تبتعد عن الكتابات العارية ، وإن كان لا ينقص عنه ثورة على الواقع في كل شيء، غير ذلك الاختلاف البسيط أحيانا في تميز كلاهما على الآخر بأسلوبه الخاص في سرد مجمل الوقائع، التي شكلت هاجسا لكتاباته بكل ما تمليه الشجاعة الأدبية من صدق، حين يسمي الأشياء بمسمياتها دون خوف من طابوهات الأخلاق التي شكلت دائما حاجزا بيننا و بين الواقع الذي نعيش فيه، ولا نستطيع التعبير عنه للأسف بلغته و بكل حيثياته التي تقبل بممارسة الفعل بكل تجرد من الأخلاق، و ترفض الحديث عن هذا الفعل أو رؤية وجهها فيه على الشاشة بشكل يفضح كل ممارساتها المشينة أو السادية، على اعتبار أنها مخالفة لما تدعيه من حسن خلق و سلوك، على مستوى لغة تدريسها المعتادة، ما دام ما تحاول التعبير عنه بلباقة لا يخلو من نفاق حين نكون على علم بأن الواقع شيء آخر.

بنسليمان في: 12 / 06 / 2020


*****

نص القصة:

الأسئلة

محمد الطايع

( ماذا؟ ماذا قلت؟ تحبينني؟ هل قلت أنك تحبينني؟ هل قلت ذلك فعلا؟ هل أبدو لك مغفلا؟ لماذا تعتقدين أنني كذلك؟ ألم تسمعي بحكايتي الأخيرة؟ أليست حكاية غريبة؟ أم تراها مجرد حكاية عادية؟ إلى أي حد تفكرين أن الأمور تجري ببساطة؟ وحتى متى تحاولين تبسيط الأمور؟ لماذا لم تسألي عما حدث لي قبل أن تقتربي مني إلى هذا الحد؟ أم أنك لا ترين نفعا في السؤال؟

هل أنت مع تلك المخادعة التي دمرتني؟ أم أنك تنظرين إلي بعين الشفقة؟ لماذا تحاولين التقرب مني؟ أمن المعقول أن أصدق أنك تنوين التخفيف عني؟ هل أُعجبك؟ أم أن كتاباتي أوهمتك أني بطل؟ أحقا أنا وأنت صادقان؟ أتعشق النساء الأبطالَ فعلا؟ وهل يصلح تافه مثلي لتأدية دور بطل؟ ألم تري كم أنا بائس ومبعثر؟ ماذا لو أخبرتك عن مدى بشاعتي؟ هل ستستمرين في إدعاء الحب بعد ذلك؟ ماهو الحب في رأيك؟ إعجاب؟ شفقة؟ ميل جسدي؟ نزوة؟ مسؤولية؟ أم مجرد قصة مسلية نحكيها لأصدقائنا بعد نهايتها؟ أليست كل قصص الحب تنتهي بفراق؟ من قال أن العشاق بعد فراقهم لايفكرون في علاقات جديدة؟ أم أنك من الذين يصدقون خرافات الوفاء والتباكي على الأطلال؟

ألم تصدقي خبر وقوفي في المحكمة؟ أمن المعقول أنك تستبعدين أن أكون متهما؟ ما الذي تريدين إقناعي به؟ تحسبينني ملاكا؟ فهل أنا ملاك؟ وهل أعطيت الديل أنني بشر قبل أن أرتقي لمرتبة ملك؟ أليست الإنسانية أعظم مرتبة يصلها الإنسان؟ ألم تفكري أنه من الممكن أن أكون مذنبا فعلا؟ أم أنهم لم يخبروك بأنني كنت أحاكم بتهمة الإساءة لوالدي؟ أينا الظالم في رأيك؟ أنا أم والدي؟ هل تعلمين أنه من الممكن أن يتصف الآباء بصفة العقوق تجاه أبنائهم؟ أم أن الوالد مقدس؟ أليس في تأليه الأبوين شرك بالله؟ ألم ينهنا الله عن اتباع الوالدين إن خالفت أوامِرهما أوامِره؟

هل سبق لك التواجد في محكمة؟ هل حاكموك يوما بأية تهمة؟ ألم يلقي رجال الشرطة القبض على أحد أقربائك يوما؟ أم أنك لم ترافقيه إلى المحكمة؟ ألا ترين أن المتهم يحتاج لمؤازرة الأهل والأقارب؟ من تظنين كان في مؤازرتي يومها؟ هل يخطر ببالك أن ثمة في هذا المجتمع من يجرؤ على مؤازرة ابن ضد أبيه؟ ماظنك بشخص وجد نفسه ذات يوم عدوا للجميع؟ أين الذين يرفعون أصواتهم بالعدل؟ متى تكون أفعالهم ومواقفهم مطابقة لأقوالهم؟ ألست على علم بما يحدث في هذه الأرض من فضائع؟ أم أنك عشت حياة طيبة جدا وهادئة؟

ألا ترين أن غالبية الإناث يصورن أنفسهن عكس حقيقتهن؟ لماذا تحاول الواحدة منهن أن تقنعك أنها عاشت في الجنة؟ ألا يجوز أنها خطة خبثية ولعينة؟ ألا يمكن أنها تفعل ذلك لكي تضع حاضرك المهزوز في مقارنة مع ماض مثالي؟ هل توافقينني في هذا الزعم؟ أم أنك تعتقدين أنني مريض بالشك؟ لماذا لا أشك فيك أنت أيضا؟ أليس من الوارد أن تكوني نصابة أو مجرد تافهة؟ ماذا لو أنك تفكرين عكس ما أفكر تماما؟ ماذا لو أنك تعتقدين أنه ليس من حق الرجل أن يشك في تصرفات زوجته؟ ألا يجوز أن ادعاءاتك هذه محض كذب؟ أم أنك تنفين وجود نساء مخادعات في هذا العالم ؟ ماذا تظنين؟ لماذا أنت صامتة؟ هل خططتِ لهذا أيضا؟ ألم تقولي مع نفسك سوف أتركه يعترف على نفسه بنفسه؟ ما الذي تخططين له؟ هل تفكرين بأنني أحمق؟ أليس في نظراتي لمعة جنون؟

أين كنتُ أنا بالأمس؟ في أية متاهة كنت؟ ومع من كنتُ بالضبط؟ هل راودتك مثل هذه الأسئلة بشأني؟ ما الذي يخطر ببالك حين تتصلين بي ولا أرد عليك؟ لماذا لاتخبرينني بما تظنينه وتعتقدينه؟ مابك تتظاهرين أنك مطمئنة؟ أم تراك تعلمين الغيب؟ هل سألت عني إحدى العرافات؟ أم اكتفيت بقراءة طالعك على صفحة الأبراج التافهة؟ ما الذي يخطر ببالك بالتحديد؟ أنني حزين هذه الأيام؟ ألم تتوقعي أن في حياتي أشياء كثيرة أخفيها عنك؟ أم أنك تؤجلين السؤال عنها إلى مابعد ارتباطنا؟ كيف تغامرين بالدخول في علاقة غير مضمونة؟ كيف لم يخطر ببالك أنني أفسر تلقائيتك تصنعا؟

ما الذي يمكنك قوله بشأن رجل عاش حياتا خرابا؟ هل تفهمين معنى أن تكون حياتك خرابا؟ وهل تشعرين بمدى قسوة الواقع حين لايحقق أحلامك؟ أم أنك من الذين يقولون أن كل الأمور بخير والحمد لله؟ هل أنت مع الفكرة التي تقول زعما أن الآمال العظيمة يمكن التنازل عنها؟ أم ترين الأحلام البسيطة وحدها تكفي؟ وهل تتحقق الأحلام على بساطتها؟ أية أحلام تحققت لك أنت؟ كيف خطر لك أن الوقوع في الحب حلم رائع إن تحقق؟

هل أنت ساذجة؟ ألاترين مانعيشه من ظلم واستعباد؟ ألا تسمعين مايقوله الناس؟ ألا تصدمين مما يكتبونه؟ أي أهداف يمكنها أن تتحقق لنا في هذا الزمن؟ مارأيك في السعادة؟ السعادة نسبية أم أنها وهم؟ أم هي كذبة شائعة؟ ما ظنك بمن يرى السعادة مرتبطة بالحرية؟ هل نحن أحرار؟ أين الحرية؟ أين الحرية؟ أين الكرامة؟ ماقيمة حرية بلا كرامة؟ وهل يمكن أن ندعي وجود كرامة بلاحرية؟

إلى أين نحن سائرون؟ هل تعرفين الجواب؟ أم أنك لاتبالين بمثل هذه الاسئلة؟ ألا تراودك الشكوك فيما نحن عليه؟ هل تصدقين الوعود؟ أم أنك ممن لايناقشون مايسمعونه؟ ما قيمة التاريخ؟ مانفع الفلسفة؟ وما الغرض من الكتابة؟ لماذا نكتب؟ لماذا أكتب لك هذه السطور؟ هل تقرئينها؟ ما الذي تلاحظين في هذا النص؟

لم لاتجيبين؟ مانفع القراءة؟ هل أنت معي؟

أم أنك غائبة؟ )

محمد الطايع

طنجة / 11 / 06 / 2020

نهاية القصة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى