أ. د. عدل الأسطة - رنا قباني ومحمود درويش..

القسم الأول

شغلتني كتابة رنا قباني، زوجة محمود درويش الأولى، الأسبوع الماضي، حتى انني شغلت غير شخص لمعرفة متى كان تاريخ زواجه الأول، متى بدأ ومتى انتهى؟ لا رغبة في البحث عن خصوصيات الشاعر، وإنما لقراءة نصوصه الشعرية في ضوء تجربته الحياتية، إذ لطالما أخطأ كثيرون ممن كتبوا عن أشعار الشاعر ، حين اغفلوا زمن كتابة القصيدة،وهذا موضوع يشغلني، وكان يمكن أن يكون أنجز لو لم تعق الجامعة حركتي في المشاركة في مؤتمرات. يا لفائدة المؤتمرات!!
في كتابتها تشير رنا إلى أنها ، وهي تكتب، تنشر غسيلا، وتعتذر لنشره " كنت انشر الغسيل على حبل البلكون ( كما أنشره هنا بمعنى آخر ، مع كل الأسف)، فلاحظت..." -( القوة17. 18/10/2014 القدس العربي)- , وربما لهذا أوقفت القدس العربي نشر مقالاتها، مقالات رنا، فلم تعد تظهر بعد25/10/ من العام2014. ولا أدري إن كانت هناك اسباب اخرى، علما بأن ما تنشره قد يفيد ( وقد يؤذي) سمعة الشاعر، في مقاربة نصوصه.
لماذا انشغلت بالسؤال عن تاريخ زواج محمود الأول من رنا وتاريخ انتهائه؟ لأن رنا والزوجة الثانية للشاعر حياة الحيني عزتا كتابة قصيدة "يطير الحمام .. يحط الحمام" إليها، وكان المرحوم علي الخليلي قال لي إن درويش يقصد انتخابات اتحاد الكتاب في العام 1983، حيث انشق الكتاب الفلسطينيون وشكلوا اتحادين. ولم أكن أعرف الكثير عن زواج الشاعر، ولم أقرأ لأي ناقد دراسة لقصائد كتبها الشاعر بوحي من تجاربه الشخصية، وهذا جانب لم يلق الضوء عليه، حتى اللحظة،بما يكفي ، وحتى ديوان " سرير الغريبة" لم يحظ بدراسات في ضوء سيرة الشاعر ،بل إنني، شخصيا، لم ألتفت إلى موضوع الحب في ديوانه الأول " عصافير بلا أجنحة" 1960 ، علما بأن نصفه قصائد غزل كانت صادرة عن تجربة اعلمتني بها امرأة كان الشاعر يشتري ملابس من أبيها في حيفا. وما قاله الشاعر نفسه: " إنه صدى لقراءته لنزار قباني"، وفي كتابة رنا ما يشير إلى حب مبكر للشاعر، حب فتاة من المخيم، ولا أعرف إن كان ثمة مخيم أقام فيه الشاعر، في لبنان، حيث كان ابن السابعة، أو في الجديدة التي تركها وهو في الثامنة عشرة، أو في كفر ياسيف التي درس في مدرستها فقط. (سألت أخ الشاعر، فنفى أنهم أقاموا في مخيم، وأنهم في لبنان أقاموا في الدامور لمدة عام).

تكتب رنا "إذ كان يريد " مادونا" لم تعرف أي رجل،ولا حتى هو بذاته! حين سألته :لماذا؟ قال إن تجربته الأولى مع فتاة فلسطينية في الصغر في المخيم، التي كان يعتقد أنها ستكون له، اكتشف أنها كانت قد أحبت غيره من قبله، و لم تخبره ، و من هنا جاء سطره القاسي: " كيف تكونين دهشة غيري؟ /وأعرف ان النساء تخون جميع المحبين إلا المرايا" ( رنا قباني ، عاشق من فلسطين، القدس العربي، 20/9/2014) وقول رنا هذا، عدا عدم معرفتي بإقامة الشاعر في مخيم، ينقضه الشاعر احمد الشهاوي في برنامج تلفزيوني عن درويش وزواجه من الفاضلة حياة الحيني، حيث أخبر أحمد ، درويشا، بما أشيع عن علاقة لحياة مع شخص أراد الزواج منها، وكان جواب درويش: لا أسأل عن علاقة قبل الارتباط بي.

[SIZE=26px]القسم الثاني[/SIZE]

حقا لقد انشغلت الأسبوع الماضي بسؤال بعض معارف درويش، أو من لهم صلة بمعارفه، عن تاريخ زواجه الأول . لماذا؟لأن هناك قراءات خاطئة فاضحة برزت في كثير ممن تناولوا قصيدة " مديح الظل العالي" 1982 التي أدرجها الشاعر في مقدمة ديوانه ( حصار لمدائح البحر)1984 ، فظنوا -أعني الدارسين-أنه كتبها قبل 1982، وتحديدا في 1980، وهذا اوقعهم في تاويلات خاطئة لم يلتفت إليها أيضا من ناقشوا الدارسين أو كتبوا مقدمات لكتبهم ( طالبة الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية مها عتماوي " دال البحر في شعر محمود درويش" ود. خليل قطناني في كتابه عن محمود درويش).
تكتب رنا عن قصيدة الرمل ما يلي : " أظن أن قصيدة الرمل قد تشكلت في خاطره في تلك اللحظة الحزينة. كان العشق يسكننا وقتها، ومحمود عبر عن خيبة أمل كان متأكدا إنها ستنتابنا في حياتنا اليومية المقبلة، بأجواء ثورة ذكورية سيريالية ، كان أدرى مني أنها ليست بمستوى الحلم الفلسطيني المحق...." وتستشهد رنا بمقطع من قصيدة الرمل كما ظهرت في ديوان " أعراس" 1977، وهي قصيدة ظهرت، ابتداء، في مجلة "شؤون فلسطينية" في1977 ضمن قصائد " أعراس" الأخيرة،تحت عنوان "أسبوع قصائد" (اب، عدد68/ 69, ص172 وما بعدها)
والطريف أن رنا تكتب في مقالتها الثانية ( القدس العربي16/8/2014) إنها التقت الشاعر حين قرأ قصائده في الجامعة التي تدرس فيها، وأنها رضخت لطلب صديقتها المصرية التي أحبت فلسطينيا من يافا، فذهبت معها مجاملة، للاستماع إلى الشاعر، وأن درويش ألقى مقاطع من قصيدته "الأرض" وتورد رنا مقطعا منها. وقصيدة الأرض التي ظهرت في الثلاثين من آذار 1976 ، وهذا يعني أن لقاءها الأول مع الشاعر كان بعد آذار من العام المذكور. ( في برنامج وثائقي في الجزيرة، بعد رحيل الشاعر، تحدث فيها الياس خوري وفواز طرابلسي ومارسيل خليفة وحياة الحيني، ذكر أن زواج الشاعر الأول استمر من 1973_1976 ، وهذا بناء على كلام رنا غير صحيح).
ما غاب عن ذهن رنا حقا هو أن درويش كان نشر قصيدة عنوانها " إنه الرمل" في العام 1975 في مجلة شؤون فلسطينية، عدد 45 ، أيار 1975. وهذا طبعا ينقض كلامها من أن تشكل فكرة القصيدة كان سببه رؤيته لوحة فنية لسلفادور دالي، حيث ذهبا معا، بناء على رغبتها هي، لمشاهدة معرض فني في باريس" كنا قد ودعنا باريس بالذهاب إلى معرض للرسام سلفادور دالي - بعد صراع عنيد مع محمود لاقناعه بذلك، لأنه لم يكن وقتها يحب الدخول إلى المتاحف ولا التصرف كسائح" أهبل" ( كلمة كان يطلقها على كل ما يعكر مزاج الطفل الذي سكنه). (القدس العربي6/9/2014. ( هنا تعزز رنا أن الشاعر ظل مسكونا بتجربة الطفولة ، سياسيا وعشقا واجتماعيا أيضا ، كأنها تعزز مقولة الشاعر الانجليزي ( وردزوورث) " الطفل أبو الرجل" وهي مقولة عززها جبرا ابراهيم جبرا في التصدير الذي كتبه لسيرته " البئر الأولى" 1986.)

- القسم الثالث

ثمة إشكالية أخرى تثيرها كتابات رنا قباني فيما يخص قصائد درويش ، وهي ما أوردته عن قصيدة " يطير الحمام .. يحط الحمام " ، إذ كتبت عن إقامتهما في باريس:
- " من تلك الحارات ، التي بقيت على شكلها المتعرج والغامض منذ أزمنة ثورات البسطاء في القرون الوسطى ، كان العشاق يمشون ببطء ، تحت شجر الكستناء أو الصفصاف الذي ترك بعض أعضائه تمشط مياه نهر السين ، كان الحمام يطير أمامهم ، وكان يحط ويغرد ، كماكتب محمود في إحدى قصائدالوداع لي ، وهو يتذكر كيف تأملنا جمال الجسر ونحن نهيم على ضفاف النهر " ( القدس العربي ،30/ 8 / 2014 ) . هكذا تضيء لنا رنا فكرة قصيدة " يطير الحمام .. يحط الحمام " وأجواءها ، وتنبئنا عن انفصالهما في زواجهما الثاني ، ولكن الطريف في الأمر أن حياة الحيني - أحمد الشهاوي يخطيء من يقول الهيني ، ويذهب إلى أن من يردد الهيني يقرأ الاسم بحروفه الانجليزية - تقول إن الشاعر كتب القصيدة وأهداها لها ، و قرأها على مسامعها يوم كانا زوجين.
وهكذا نستطيع ، في ضوء كتابات رنا ، وفي ضوء المقابلات مع حياة ، أن نقرأ أشعارا معينة للشاعر ، لم يلق الضوء عليها ، من قبل ، بشكل واضح .
وأنا أتابع الموضوع كتبت على الفيس بوك ، في صفحتي الخاصة ، عن اختلاف الشاعر ، عن كثيرين من أبناء مجتمعنا ، حين يخوضون في الزواج والطلاق . الشاعر رأى المرأة حمامة . غادرت رنا ، فكتب :
- " يطير الحمام " .
وتزوج من حياة ، فكتب : " يحط الحمام " ، أما أمهاتنا وأباؤنا فكانوا يقولون :
" اشلح كندرة والبس كندرة " ؛
ولعلني سأقارب صورة الشاعر في مخيلة رنا مقارنة بصورته في رواية ممدوح عدوان " أعدائي " 2000 .

انتهى المقال
6 / 11/ 2014 تاريخ إنجاز المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى