أ. د. عادل الأسطة - أنا والجامعة : لجان مناقشة الرسائل العلمية ٣٨

ضعف خطط رسائل الماجستير و" لفلفتها " يقود إلى الكتابة عن تشكيل لجان مناقشتها ، فهل يختلف الأمر أم أنه يتشابه تماما؟
ما عليك إن أردت أن تتأكد من الأمر إلا أن تنجز دراسة إحصائية للرسائل المناقشة وصلة المناقشين بها ، وستكتشف العجب العجاب في هذا الجانب ، إذ غالبا ما يتم اختيار المناقش على أسس لا تمت لتخصصه بصلة.
إن ما يتحكم في اختيار أعضاء المناقشة هو الموقف من حزم المناقش وعدم حزمه - أي هل سيوافق المناقش على الرسالة ولا يكشف ضعف المشرف ، فالرسالة هي في النهاية للطالب والمشرف معا ، والمشرف غير معني بمناقش قد يرفض الرسالة أو قد يظهر ضعفها ، فإن فعل المناقش هذا ، فهذا يعني أنه يوجه اتهاما للمشرف أولا ، إذ كيف وافق على تقديم رسالة بهذا المستوى للمناقشة.
ووجهة نظري يلخصها المثل الشعبي الفلسطيني " أعط خبزك لخبازه لو حرق نصفه" وغالبا ما لا يحدث هذا . وتكاد لجان المناقشة لكثير من الأساتذة محددة سلفا ، ما دفع الجامعة - هنا جامعة النجاح الوطنية - إلى اتخاذ قرار بتغيير أعضاء المناقشة بين مناقشة ومناقشة.
إن العلاقات الشخصية لا العلمية ، للأسف ، تتحكم في كثير منا في اتخاذ القرار ، وإن كان لا بد من إعطاء مثال مما حدث معي شخصيا ، في أثناء دراستي ، فإن من ناقشني في رسالة الماجستير لم يكن متخصصا في موضوعها ، وصلته بالموضوع تكاد تكون شبه معدومة . لم يختر المشرف الأستاذ المناقش المتخصص في الموضوع لأن علاقتهما معا كانت سيئة جدا.
ما حدث معي في جامعة عربية ينسحب على جامعاتنا في الأرض المحتلة .
إن المناقش المتساهل ، والمتساهل جدا ، هو المنشود ، حتى لو كانت الرسالة تطفح بالأخطاء المعرفية ، والأخطاء المعرفية يمكن للمناقش المتخصص في موضوعها تبيانها والإشارة إليها ، وهي غالبا ما تغيب عن ذهن المناقش غير المتخصص ، حتى لو كان برتبة أستاذ دكتور في تخصصه .
ولقد صرت شخصيا مناقشا غير مرغوب فيه ، وثمة جامعات لم أناقش فيها أية رسالة لتشددي في قبول الرسالة أو رفضها.
ماذا يعني أن يناقش أستاذ رسالة لم يكتب هو شخصيا أية دراسة في موضوعها ، في حين أن هناك أستاذا آخر كتب كتابا في الموضوع ؟ لو كان غير المتخصص تخصصا دقيقا موجودا لتقبل الأمر .
إن النظر في أعضاء لجنة المناقشة والأستاذ المشرف وصلتهم بالموضوع وحزمهم ودقتهم يمنح الرسالة قيمة عليا وقد يدفع دور النشر إلى نشرها ، وحين يتقدم صاحب الرسالة هذه إلى منصب في جامعة محترمة علميا ، فقد يوفر له فرصة عالية للحصول على الشاغر .
حين أحدد لجنة مناقشة رسالة ما ، فإنني غالبا ما أنظر إلى أعضاء هيئة التدريس وما كتبوه في موضوعها أو في موضوع قريب منها ، وأنظر أيضا في سويتهم العلمية قبل كل شيء ؛ سعة اطلاع ومنهجية ودقة ، فما يغيب عن ذهني يمكن أن يشيروا إليه ، وتأتي استشارة الطالب وأخذ رأيه فيما بعد ، وغالبا ما آخذ رأي الطالب بالحسبان ، فاسأله وأستشيره وأقترح عليه وأوضح له الأمر .
في الفترة الأخيرة ، على سبيل المثال ، أنهى طالب رسالة ماجستير يرتكز موضوعها على " رثاء الأقارب والذات في الشعر الفلسطيني : فدوى طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وأحمد دحبور ومريد البرغوثي نموذجا " فاقترحت عليه أسماء مناقشين ذوي صلة بالرسالة وشرحت له مدى صلتهم بموضوع رسالته وعرضت عليه أن يختار مناقشين منهما ، فرأي الطالب في المناقشين قد يشعره بالارتياح ، ولكن رأيه ، كما ذكرت ، يأتي ثانيا .
ولو كانت الأوضاع السياسية في الضفة والقطاع تسمح باختيار مناقشين مناسبين من العالم العربي لما ترددت في اختيار المناقش المتخصص ، وحاولت أكثر من مرة تجريب المناقشة عبر وسيلة " الفيديو كونفرنس " ولكني لم أنجح ، فمرة رأيت أن يناقش الدكتور الجزائري عبد الملك مرتاض رسالة عنوانها " الرواية الفلسطينية وتأثرها بالرواية الجزائرية : يوسف العيلة وأحلام مستغانمي مثالا " ومرة ثانية اقترحت على الأستاذة يمنى العيد أن تناقش دراسة عنوانها " التناص في رواية الياس خوري " باب الشمس " ، والياس خوري كاتب لبناني ، ولقد اتصل الطلاب بالأستاذين الكريمين ؛ مرتاض والعيد ، وتعذر الأمر تكنولوجيا ، ومرة ثالثة اقترحت على طالب ، كتب رسالة عن رواية واسيني الأعرج " البيت الأندلسي " ، أن تناقشه الأستاذة رزان ابراهيم كونها أبرز متخصص في أعمال الروائي ، ولكن تعذر ، في حينه ، حضورها إلى الأرض المحتلة.
ما سبق عموما ، بهذا الشأن ، غيض من فيض ، وهو جانب مهم جدا في الدراسات العليا.
كيف يمكن لمشرف ضعيف ومناقش ضعيف أن يخرجا طالبا وباحثا سيصبح ، بدوره ، باحثا ومشرفا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى