الساعة تدخل إلى الثامنة والنصف مساءً، والظلمة الحالكة جراء انقطاع الكهرباء لها فوائدها أيضاً، لقد قال الشاعر علي محمود طه:
يا حبيبي أقبل الليل وناداني الغرام
أي سر لمحب لم يصوره الظلام
كل نجم مقلة تهفو وعين لا تنام
وشعاع البدر معشوق به جن الغمام
يا حبيبي
كل عيش ما خلا الحب حرام
لقد كانت الظلمة دوماً تدس إحساسين متناقضين في أفئدتنا، الخوف، والعشق. الحرية والسجن.
وعندما تظلم الأرض، تنحبس الحداثة وتختفي، المصابيح، وأصوات الأشياء وتبرز أصوات الطبيعة محتفية بمنحها تلك الفرصة لتسترد وجودها المسلوب إلى عين العالم.
والحب والظلمة صنوان، إذ تبث في الظلمة اللواعج وتتحرر الأنفس من الواقعية المجدبة..وهي عند العُبَّاد أشد وطئاً وأقوم قيلا.
ومن مكملات الهدئة المظلمة، أن نستمع لفيروز، متأملين الأقانيم الثلاثة؛ الأخوين رحباني وفيروز. الآب، الإبنة، الروح القدس. فهم كل متكامل، لا فكاك بينهم.
ظلت الصور الجمالية لأغاني فيروز، تتنوع على نحو قصصي، محمولة على نسمة من اللطف، والثيمة الأولية، وهي الحبيبة المنسية، الحبيبة المخلصة، المضحية بكل شيء وفاء لحبيب خائن، وكأنه الحياة التي لم نعشها أبداً كما يجب.
النسيان هو المفردة التي ترتكز عليها قصص الحب الفيروزي:
تجي هاك البنت
من بيتا العتيق
ويقولا انطريني
وتنطر ع الطريق
ويروح وينساها
وتدبل بالشتي
الحبيبة المنسية دائما، بين المواسم وفصول السنة.
يمثل الشتاء مناخ الحب الضائع، النسيان المستمر، وحزن الوحدة والوحشة، لتلك الحبيبة المنسية دائماً، المضطهدة من حبيب لا يأبه لها كثيراً، لا يقابلها بحب مساوٍ لذات قوة حبها له.
تلك التي تقطع العوالم الغريبة:
بأيام البرد
وأيام الشتي
والرصيف بحيرة
والعالم غريق..
العالم الموحش، والفتاة التي تبحث عن الحب كطوق نجاة من وجود بلا معنى إن لم يكن الحب.
تنتظر الفتاة وتنتظر،
تعبرها الشهور والسنوات، دون أن تستسلم وتتراجع، تهبط فوقها الثلوج والأمطار، لكنها تظل باقية، محتفظة بالأمل.
أليس ذلك كحياتنا تماماً...حيث نحن منحصرون بين الألم والأمل كما قال سارتر.
الفتاة المتشبثة بالحب، تحمل بين جوانحها قلباً غنياً بالاشتياق؛
شايف البحر شو كبير
كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدة
بعد السما بحبك
.. وهي بعفوية المثال، وبساطة في المجاز، تخاطب حبيباً غائباً دوماً، حبيباً لا يرد ولا يكلف نفسه فهم ذلك الكنز الذي تخبؤه له:
نطرتك انا
ندهتك انا
رسمتك على المشاوير
يا هم العمر
يا دمع الزهر
يا مواسم العصافير
رغم كل ذلك الحب تظل الحبيبة المنسية، منسية دائماً..في انتظار متواصل..
نطرتك سنة
يا طول السنة..
وليس انتظارها هو الآن، إنه في الواقع انتظار تاريخي، فهي المرأة التي تأتلف مع الأشياء، وتمضي بحبها منذ الطفولة، وتعلق في ذاكرة الزمن، والحب الأبدي الكلي:
من زمان
انا وصغيرة
كان في صبي
يجي من الاحراش
ألعب انا وإياه...
كان اسمو شادي
انا وشادي غنينا سوا
لعبنا على التل
شو ركضنا بالهوا
وكعادتها تتعلق الصبية بشادي، حب الطفولة، ويكون الاسم رمزا لشدو الحب في قلبها باستمرار، حتى يغيب شادي فجأة وغالبا قد قتل نتيجة عراك في الوادي، ويطويها النسيان..
والتلج إجا
وراح التلج
عشرين مرة
إجا وراح التلج
وأنا صرت اكبر
وشادي بعدو صغير...
عم يلعب ع التلج
وكأن شادي هو لبنان، التي تضيع مخلفة الحب وراء الموت، الغياب والنسيان.
هل غنت فيروز للبنان، للوطن والحب..
هل الفتاة المنسية دوماً هي لبنان...؟
ربما..وربما لا...
النسيان يغمر الحبيبة طيلة حياتها، نسيان القرى والبيوت لها نسيان الطفولة لها، الطائرة الورقية، الحيطان،...الخ.
وحين تحلم بإيجاد الحب تتشبث به، ليبقى خالداً في الزمان والمكان.
ترفض الحبيبة، المغامرة بحبها الخالد..
سألتك حبيبي
لوين رايحين
خلينا خلينا
وتسبقنا سنين
إذا كنا ع طول
التقينا ع طول
ليش بنتلفت خايفين
في هذه اللحظة لا ينساها الحبيب بل هي التي تنسى ذاتها لتنغمر في الحب:
أنا كل ما بشوفك
كأني بشوفك
لأول مرة حبيبي
انا كل ما تودعنا
كأنك تودعنا
لآخر مرة حبيبي..
والشتاء الذي غمرها طيلة سنوات الانتظار، يهبط بالياسمين على الحبيبين بدلاً عن الثلج...
إنها نهاية متفائلة..ومسيرة لا تنتهي من الحلم الإنساني بالخلود في أكوان العشق...
كتب الأخوان رحباني بلسان الأنثى العاشقة، او بلسان لبنان، ولحنا بلحن الربيع ما كتباه..وغنت فيروز بصوت السماء ما كتباه...
فأستضأنا بالإبداع... وهذه هي الساعة التاسعة والنصف مساء، ولا زالت الكهرباء مقطوعة ولا زال الظلام يغمرنا ككائنات منسية في هذا الكون الشاسع..
يا حبيبي أقبل الليل وناداني الغرام
أي سر لمحب لم يصوره الظلام
كل نجم مقلة تهفو وعين لا تنام
وشعاع البدر معشوق به جن الغمام
يا حبيبي
كل عيش ما خلا الحب حرام
لقد كانت الظلمة دوماً تدس إحساسين متناقضين في أفئدتنا، الخوف، والعشق. الحرية والسجن.
وعندما تظلم الأرض، تنحبس الحداثة وتختفي، المصابيح، وأصوات الأشياء وتبرز أصوات الطبيعة محتفية بمنحها تلك الفرصة لتسترد وجودها المسلوب إلى عين العالم.
والحب والظلمة صنوان، إذ تبث في الظلمة اللواعج وتتحرر الأنفس من الواقعية المجدبة..وهي عند العُبَّاد أشد وطئاً وأقوم قيلا.
ومن مكملات الهدئة المظلمة، أن نستمع لفيروز، متأملين الأقانيم الثلاثة؛ الأخوين رحباني وفيروز. الآب، الإبنة، الروح القدس. فهم كل متكامل، لا فكاك بينهم.
ظلت الصور الجمالية لأغاني فيروز، تتنوع على نحو قصصي، محمولة على نسمة من اللطف، والثيمة الأولية، وهي الحبيبة المنسية، الحبيبة المخلصة، المضحية بكل شيء وفاء لحبيب خائن، وكأنه الحياة التي لم نعشها أبداً كما يجب.
النسيان هو المفردة التي ترتكز عليها قصص الحب الفيروزي:
تجي هاك البنت
من بيتا العتيق
ويقولا انطريني
وتنطر ع الطريق
ويروح وينساها
وتدبل بالشتي
الحبيبة المنسية دائما، بين المواسم وفصول السنة.
يمثل الشتاء مناخ الحب الضائع، النسيان المستمر، وحزن الوحدة والوحشة، لتلك الحبيبة المنسية دائماً، المضطهدة من حبيب لا يأبه لها كثيراً، لا يقابلها بحب مساوٍ لذات قوة حبها له.
تلك التي تقطع العوالم الغريبة:
بأيام البرد
وأيام الشتي
والرصيف بحيرة
والعالم غريق..
العالم الموحش، والفتاة التي تبحث عن الحب كطوق نجاة من وجود بلا معنى إن لم يكن الحب.
تنتظر الفتاة وتنتظر،
تعبرها الشهور والسنوات، دون أن تستسلم وتتراجع، تهبط فوقها الثلوج والأمطار، لكنها تظل باقية، محتفظة بالأمل.
أليس ذلك كحياتنا تماماً...حيث نحن منحصرون بين الألم والأمل كما قال سارتر.
الفتاة المتشبثة بالحب، تحمل بين جوانحها قلباً غنياً بالاشتياق؛
شايف البحر شو كبير
كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدة
بعد السما بحبك
.. وهي بعفوية المثال، وبساطة في المجاز، تخاطب حبيباً غائباً دوماً، حبيباً لا يرد ولا يكلف نفسه فهم ذلك الكنز الذي تخبؤه له:
نطرتك انا
ندهتك انا
رسمتك على المشاوير
يا هم العمر
يا دمع الزهر
يا مواسم العصافير
رغم كل ذلك الحب تظل الحبيبة المنسية، منسية دائماً..في انتظار متواصل..
نطرتك سنة
يا طول السنة..
وليس انتظارها هو الآن، إنه في الواقع انتظار تاريخي، فهي المرأة التي تأتلف مع الأشياء، وتمضي بحبها منذ الطفولة، وتعلق في ذاكرة الزمن، والحب الأبدي الكلي:
من زمان
انا وصغيرة
كان في صبي
يجي من الاحراش
ألعب انا وإياه...
كان اسمو شادي
انا وشادي غنينا سوا
لعبنا على التل
شو ركضنا بالهوا
وكعادتها تتعلق الصبية بشادي، حب الطفولة، ويكون الاسم رمزا لشدو الحب في قلبها باستمرار، حتى يغيب شادي فجأة وغالبا قد قتل نتيجة عراك في الوادي، ويطويها النسيان..
والتلج إجا
وراح التلج
عشرين مرة
إجا وراح التلج
وأنا صرت اكبر
وشادي بعدو صغير...
عم يلعب ع التلج
وكأن شادي هو لبنان، التي تضيع مخلفة الحب وراء الموت، الغياب والنسيان.
هل غنت فيروز للبنان، للوطن والحب..
هل الفتاة المنسية دوماً هي لبنان...؟
ربما..وربما لا...
النسيان يغمر الحبيبة طيلة حياتها، نسيان القرى والبيوت لها نسيان الطفولة لها، الطائرة الورقية، الحيطان،...الخ.
وحين تحلم بإيجاد الحب تتشبث به، ليبقى خالداً في الزمان والمكان.
ترفض الحبيبة، المغامرة بحبها الخالد..
سألتك حبيبي
لوين رايحين
خلينا خلينا
وتسبقنا سنين
إذا كنا ع طول
التقينا ع طول
ليش بنتلفت خايفين
في هذه اللحظة لا ينساها الحبيب بل هي التي تنسى ذاتها لتنغمر في الحب:
أنا كل ما بشوفك
كأني بشوفك
لأول مرة حبيبي
انا كل ما تودعنا
كأنك تودعنا
لآخر مرة حبيبي..
والشتاء الذي غمرها طيلة سنوات الانتظار، يهبط بالياسمين على الحبيبين بدلاً عن الثلج...
إنها نهاية متفائلة..ومسيرة لا تنتهي من الحلم الإنساني بالخلود في أكوان العشق...
كتب الأخوان رحباني بلسان الأنثى العاشقة، او بلسان لبنان، ولحنا بلحن الربيع ما كتباه..وغنت فيروز بصوت السماء ما كتباه...
فأستضأنا بالإبداع... وهذه هي الساعة التاسعة والنصف مساء، ولا زالت الكهرباء مقطوعة ولا زال الظلام يغمرنا ككائنات منسية في هذا الكون الشاسع..