د. عادل الأسطة - حارة اليهود في رمضان :

" المقال بعد إجراء تعديلات عليه ، في ضوء انتهاء عرضه ، وهذه آخر صيغة ، وقد أعود لأكتب مقالا ثانيا عن صورة الحارة هنا وصورتها في روايات عربية "
بقلم : عادل اﻷسطة
( حارة اليهود ، حول المسلسل، المقال كاملا )
لم أتابع في رمضان هذا سوى مسلسل واحد هو " حارة اليهود "، وجاءت متابعتي له متأخرة .
كنت بعد اليوم السابع من رمضان تقريبا بدأت أتابع مسلسل " أستاذ ورئيس قسم " لعادل إمام ، ثم توقفت أمام الحلقة الرابعة ، فلم أندمج معه ، وظلت المسافة الجمالية بين ذائقتي وما قدمه المسلسل واسعة .
لم يستجب المسلسل ﻷفق توقعي ، على رأي أصحاب نظرية التلقي ( ياوس ) ، وظلت المسافة الجمالية ، كما ذكرت ، واسعة ، ولهذا لم يتحقق " اندماج اﻷفق " .
وأنا أتابع ما ينشر على الفيس بوك ، لفت نظري ما يكتب عن مسلسل حارة اليهود ، إذ كان هناك اعتراضات لافتة على الحلقات اﻷولى ، أبرزها أن المسلسل يبدأ بإنذار يحذر المواطنين من غارة جوية يقوم بها اﻷلمان ، ولما كان المسلسل بدأ في العام 1947 ، فإن الغارة لم تكن في مكانها .
ومن الإعتراضات التي قرأتها أيضا موقف بعض النقاد من الصورة التي قدمت للفلسطيني في الحلقتين اﻷوليين ، إذ بدا خائنا متعاونا مع اﻷسرائيليين ، ولكن الحلقات اللاحقة عكست الصورة كليا ، فهذا الفلسطيني يغامر بحياته لينقذ الضابط المصري اﻷسير ، ولم تظهر له اية صورة مغايرة بعد ذلك . وكنت لفت نظر بعض من حكموا على الفلسطيني في الحلقتين اﻷوليين أنه ينبغي الانتظار حتى نهاية المسلسل ، فقد تتغير الصورة .
ولا أعرف إن كان ثمة أبعاد رمزية للحارة ، ففيها يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود جنبا إلى جنب بسلام ووئام ، ويقطنون في المبنى نفسه .
إن الحارة ، اسما ، هي حارة اليهود ، ولكنها ليست مقتصرة على أبناء الديانة اليهودية .
في الحارة تعرفنا إلى عائلتين يهوديتين ، وإلى المعبد ، العائلة اﻷولى هي عائلة هارون ، وله إلى جانب زوجته ، ولد ( موسى ) وفتاة ( ليلى ) ، والعائلة الثانية هي عائلة مزراحي ، وله ابنة واحدة هي ( مارسيل ) ، وتبدو حالة العائلتين المادية ممتازة وفوق الريح تقريبا ، وإن بدت العائلتان من اليهود العاديين .
وإلى جانب هاتين العائلتين هناك عائلة يهودية ثالثة يركز المسلسل عليها ، وهذه تقيم خارج الحارة ، وتعد من خواجات مصر اﻷثرياء جدا ، ولها تأثير سياسي ، وهي على صلة بالقصر والانجليز . هذه العائلة من اليهود القرائين الذين لهم عاداتهم وطقوسهم ونمط حياتهم ، حتى إن الزوج ورب العائلة ، حين تعلمه زوجته برغبتها في تزويج ابنهما الجميل اﻷنيق ( صفوت ) من ليلى ابنة هارون ، يمتعض ، ﻷنه يرى الناس درجات ، واليهود درجات ، فكيف سيناسب يهودي قرائي ثري جدا ، وله صلة بالقصر والخواجات ، عائلة يهودية تقيم في الحارة ؟
ولكن زوجته الجميلة اﻷنيقة تعجب بجمال ليلى الآسر ، وتقدم الجمال على الحسب والعائلة والحارة ، وهناك شخصية يهودية يقوم بدورها الفنان جميل راتب ، وهو يمثل صوت العقل بين اليهود ، ويتفهم الآخرين ولا ينظر إليهم نظرة دونية أو باحتقار ، بل إنه ينظر إلى ما جرى من أحداث في حارة اليهود ، بعد نكبة الفلسطينيين في العام 1948 نظرة غير منفصلة عما يجري في المنطقة ككل ، ويحاول أن يتفهم سر العداء المتزايد لليهود في مصر في ضوء ما ألم بالفلسطينيين . ويبدو هذا اليهودي ، وهو ثري ومن الطبقة الراقية ، ينطق بما ينطق به مثقفون عرب يساريون أو قوميون واعون ، ولديهم نظرة شمولية لما يجري ، ولا يقرؤون الحدث منفصلا عن سياقه .
في حوار مع أحد زملائي شاهد حلقة من حلقات مسلسل " باب الحارة "( ج7) أبدى استياءه من الصورة التي قدمت لليهود وعمم القول على حارة اليهود ، دون أن يشاهد أية حلقة من حلقات المسلسل ، ما دفعني ﻷن أقول له :
- شاهد أولا المسلسل حتى نهايته ثم ، بعد ذلك ، يمكن أن تبدي رأيا .
أنا أتابع المسلسل وهو لم يبرز صورة واحدة لليهود ، ومن يتابع هارون ومزراحي ومارسيل وليلى وموسى ، وهؤلاء يقيمون في حارة اليهود ، ومن يمعن النظر في بقية الشخصيات اليهودية يلحظ أن هناك اختلافا واضحا يلفت اﻷنظار.حقا إن أية شخصية يهودية فقيرة لم تبرز ولم تلصق بالذاكرة ، وحقا إن هارون ومزراحي ثريان ، وأن العائلة الثالثة أكثر ثراء ، إلا أن المرء يلحظ اختلافا بينهم
تحب ليلى ابنة هارون الضابط المصري المسلم عليا ، وترفض الارتباط بغيره،حين كان في الأسر وانعدمت أخباره ، وحين تضطر لإنقاذ أبيها من ازمة اقتصادية ، سرعان ما تتخلى عن عريسها حين يظهر علي ، وحدث هذا مرتين ، وظلت تفضل ( عليا ) على اليهوديين الآخرين ، وكان الثاني منهما ابن أسرة ثرية جدا تقيم في مصر ، ويكون ولاء ليلى لقلبها ، لا للمال او للدين ، تماما كما ان ولاء ابها هارون يكون لمصر ، لا لإسرائيل ، خلافا لابنه موسى الذي يسافر إلى اسرائيل ويعمل على تهجير الشباب اليهودي إلى فلسطين لبناء الدولة الناشئة . ويكون موسى هذا خطيرا جدا ، إذ يتحول الى جاسوس فعلي للدولة العبرية ، ويتجسس على موطن ولادته ، ولم يكن ولاؤه لمصر ، فقد غدا ولاؤه لاسرائيل التي سيستقر فيها بصحبة أمه ، خلافا لابيه الذي سيموت في مصر وسيدفن فيها ، وخلافا لأخته ليلى التي ستهاجر الى فرنسا . وهكذا تتفكك العائلة اليهودية .
خلافا لهذه العائلة تبدو عائلة مزراحي والعائلة الثالثة . فحين يسيطر الضباط الأحرار في مصر على السلطة ، وحين تقوى شوكة الإخوان المسلمين ، يفكر مزراحي في أمواله فقط ، ويقرر تهريبها إلى خارج مصر ، فولاؤه ، خلافا لهارون ، لرأس ماله . وتساعد مزراحي في مسعاه ابنته مارسيل . يساعدهما معا مصري بلطجي يفكر هو الآخر تفكيرهما خوفا على أمواله ،وهكذا يقول المسلسل : ليس اليهود فقط من فكروا بتهريب أموالهم إلى خارج مصر . هناك مصريون فعلوا هذا .
الأسرة اليهودية الثرية جدا تفكر أيضا تفكير مزراحي ، وحين يستولي جمال عبد الناصر على السلطة تدرك أنه لم يعد لها مكان في مصر ، فالبرجوازية وطنها رأسمالها .
هل هكذا كان يهود مصر في حارة اليهود حتى 1954 ؟
د.عبد الرحمن البرقاوي قال إن حارة اليهود في مصر في 1947 كانت تؤوي اليهود الفقراء جدا ، ولما انتشر وباء الكوليرا في الحارة في ذلك العام زارها أطباء فوجدوا وضعها مزريا ، ويهودها فقراء جدا ، ما يعني عدم تطابق الصورة التي يقدمها المسلسل مع الصورة الواقعية الحقيقية ، كما شاهدها بعض معاصري الحارة في ذلك الزمن .
انتهى المسلسل دون أن يعقد قران علي على ليلى ، فحين مات ابوها قررت السفر الى باريس ، لا إلى اسرائيل ، وحين وافقت الداخلية المصرية على زواجهما ، حيث تبين أن ليلى مواطنة مصرية نظيفة لا صلة لها بالدولة الناشئة كان السبت قد دخل في مؤخرة أبناء العمومة كما يقال _ اي كانت ليلى على ظهر الباخرة ، ولم يتمكن علي من اللحاق بها ، وهكذا يمكن ترداد سطر محمود درويش الشعري :
- بين ريتا وعيوني بندقية/دولة اسرائيل والأخ الجاسوس وبداية مشوار طويل من الحروب والكراهية و .. و ...
الجمعة 17/7
عيد مبارك فاﻷيام تحتجب اﻷحد بمناسبة العيد .
كل عام وأنتم بخير .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى