البروفيسور عادل الأسطة - حزيران الذي لا ينتهي (24) تشوش الذاكرة : بين ريتا وعيوني..

الشاحنات الإسرائيلية تملأ شوارع المدينة. الإسرائيليون يتجولون في مدن الضفة.إنهم الفاتحون الجدد وقد أصابهم الغرور . لقد انتصروا ، وأخذنا نستقبلهم عارضين بضائعنا ، وهم يدفعون ويشترون فرحين.
في معسكر الجيش الأردني السابق ، في مخيم عسكر ، يركنون شاحناتهم ، ليتناولوا وجباتهم . فتيات يهوديات بضات ممتلئات ، يرتدين الملابس الصيفية الأنيقة التي تليق بالانتصار السريع السهل ، ونحن نتجول أيضا في المعسكر نصرخ على بضاعتنا ( ارتيك ، ارتيك توف).
في تلك الأيام كانت معامل الاسكيمو في نابلس تعمل ، معمل الأرز ومعمل الافرست /ركب . ( ما زال مصنع الارز يعمل ، وأما مصنع الافرست فقد أغلق ولا أدري متى).
يتجولون في المعسكر ويجلسون بين الأشجار ، كما لو أنهم في نزهة . كما لو أن المعسكر لم يكن ، ذات يوم ، معسكرا لجيش سيحارب . أين الدبابات ، وأين المدافع ؟ ربما بقيت في الأغاني ، وربما كانت الحرب في الأغاني . ( مرحى لمدرعاتنا ،رمز القوة لبلادنا ، مرحى مرحى مرحى، مدفع وعيار كبير ...الخ )
أين نحن من الفتيات البضات الممتلئات الجميلات الانيقات؟
ومع أنني كنت من أسرة لا تعد فقيرة فقرا مدقعا ، ومع أن أبي كان سائقا وأحوالنا عادية ، إلا أن المرء كان يلاحظ الفرق بين ثراء المحتلين وفقرنا . بين الملابس الأنيقة وبين ملابس ( البقج ) التي يرتديها أكثرنا.
وسأظل أتذكرها تلك الفتاة اليهودية البضة . وفيما بعد ، حين أقرأ أشعار محمود درويش ، سأكرر " والذي يعرف ريتا ، ينحني ويصلي لاله في العيون العسلية " . لقد كان فقرنا وبؤسنا ، في المخيمات ، وهو ناجم عن خروجنا من بلادنا في العام 1948 ، أمام الثراء الإسرائيلي ، لافتا ( ما متع اسرائيلي إلا بما جاع به فلسطيني).
فيما بعد ، وأنا أقرأ الأدبيات العربية وأبحث عن صورة اليهود فيها ، كنت أقرأ تصورات نمطية لهم ، منها أنهم يتسمون بالبخل ، ولم يخطر ببالي ، في حزيران 1967 ، أننا ، خلال فترة قصيرة ، سنعيش ، في بيوتنا ، على ال( التي ساخه) (altesache) التي سيبيعونها ، بل التي سيتخلصون منها . لقد أغرقت الضفة ، خلال فترة ، بالثلاجات ال ( امكور ) المصنوعة في اسرائيل ، وما من بيت أخذ يخلو منها . لقد احتوت بيوتنا زبالة الإسرائيليين ، وكان أهلنا يشترونها فرحين . لقد صار في بيوتنا ثلاجات .
( ارتيكا ، ارتيكا توف يا خواجة )

خربشات 28/6/2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى