محمد أبوالعزايم - (1) الزمان : صباح أحد أيام صيف سنة 1988

(1)
الزمان : صباح أحد أيام صيف سنة 1988
المكان : قريةٌ صغيرةٌ نائيةٌ في أطراف محافظة الشرقية ، " ڤرندة " صغيرة لبيتٍ من البيوت الريفية المبنية بالطوب اللبِن ، له بابان ، أحدهما يفتح إلى وسط الدار ، والآخر جانبيٌّ يفتح إلى غرفة منفصلةٍ بها أربعُ كنباتٍ على كل واحدة منها حصيرةٌ من الخوص ، وفي أحد أركان الغرفة منضدةٌ عليها تليفون قديم أسود اللون ، على قرص أرقامه قفلٌ صغيرٌ يمنعه من الدوران.
وعلى المصاطب المبنية أمام البيت والبيوتِ المجاورةِ والمواجهةِ له ، وكذلك في المسافة الفاصلة بين بيتين من البيوت المواجهة للبيت يجلس أطفالٌ قرويون فرادى أو جماعاتٍ ، وفي يد كل واحد أو واحدة منهم لوحٌ معدنيٌّ أو نسخةٌ من القرآن الكريم قوامها الجزء الثلاثون ( جزء عمَّ) ، أو الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن ( عمَّ وتبارك والمجادلة) ، أو ( ربع يس) وهو من أول القصار إلى آخر سورة يس ، أو مصحفٌ كامل ، أو كراسة وقلم.
طفلًا في العاشرة من عمري كنت أقف أمامه وهو جالسٌ على كرسيِّه في الـ " ڤرندة " وأمامه منضدةٌ صغيرةٌ عليها دواةٌ وكثيرٌ من الألواح المعدنية المرتصَّة بنظام فوق بعضها البعض ، وقطعتا قماشٍ إحداهما مبتلةٌ والأخرى جافة ، يستخدمهما في تنظيف الألواح ، وفي يده ريشةٌ معدنيةٌ ذات نهايةٍ دقيقةٍ يغمسها في الدواة ليكتب بها على اللوح المعدني الذي يمسكه بيده اليسرى وقد أسنده إلى فخذه الأيمن حيث يجلس متربعًا لتُمكِّنه تلك الجِلسةُ من الكتابة بسهولة ، كان _ على مهابته الشديدة _ رجلًا نحيل الجسم ، يرتدي _دائمًا_ جلبابًا بلديًّا فاتح اللون ، وعلى رأسه " طاقية" بيضاءُ تشبه في تصميمها تلك التي كان يضعها على رؤوسهم " أفندية" أفلام الأبيض والأسود عندما يكونون في بيوتهم ، والتي هي من نفس قماشة الجلباب.
كنت قد أنهيت حفظ ربع يس ، ثم انتقلت بعدها للحفظ من الناحية الأخرى للمصحف ، من أول الفاتحة ، فالبقرة ، ثم آل عمران ، فالنساء ، وهكذا بحيث أختم القرآن عندما أصل إلى "يس" . (كان هذا هو النظام الذي يتبعه الرجل في التحفيظ ).
وكنت قد وصلت في الحفظ إلى سورة الأنعام ، وبينما أقرأ أمامه ليصحِّح قراءتي ، ثم يستدعيني للتسميع بعد انقضاء وقت كافٍ لحفظ ما صححتُه عنده ثم حفظتُه ، قرأتُ { وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإنْ اسْتَطَعْتَ أن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَة}.. ولكنني أخطأت في قراءتها ، نطقت الياء في كلمة ( فتأتيهم) ممدودة لينةً دون أن أن أُظهر على الياء علامة النصب ....... يتبع
#محمد_أبوالعزايم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى