أدب السيرة الذاتية عمر سيدي محمد - يوميات فتًى من صنهاجة.. جنوب موريتانيا .

- الحلقة الأولى

حديثي هذا رأيت له أهمية عند قراءتي لمقدمة كتاب "المعسول" لمحمد المختار السوسي رحمه الله وهو كتاب جدير بالقراءة.
نحن بموريتانيا في هذه المنطقة من بلاد الله الواسعة والتي هي همزة الوصل بين شمال إفريقيا وغربها وهي تاريخيا همزة الوصل منذ آلاف السنين بين الأمازيغ(البربر) والسودان(الأفارقة) قد مزجنا بين حضارتين عظيمتين لأمّتين عظيمتين واستفدنا من كل منهما استفادة عظيمة. ومن بعد ذلك أشرقت علينا شمس الإسلام وتلقفناه ظمأى متعطشين للفطرة التي فطر الله الناس عليها. أصبحت دارنا دار إسلام وأقمنا دولة المرابطين وتوالت الفتوحات في غرب القارة الإفريقية دون حرب في معظمها حيث تلقف الرجل الأسمر صاحب الفطرة الإنسانية النبيلة، تلقف دين الله وتغلغل هذا الدين حتى اكتسح كامل غرب إفريقيا ودخل فيه من شاء من عباد الله.
كانت قبائل صنهاجة العقلَ المدبر والروح المضحية أكثر من غيرها في سبيل هذا الدين العظيم وأقامت دولة المرابطين التي أنقذت الأندلس من السقوط لعدة قرون عندما عبرت جيوشهم للأندلس حيث كانت معركة الزلاقة. لقد انبرت صنهاجة منذ فجر الإسلام للتعلّم والتعليم تحت مظلة "التزاويت" التي بها حافظوا على دين الإسلام رغم بعض الإخفاقات الَتِي وقعوا فيها من تقصير بسبب غياب سلطان مركزي يجمعهم.
نحن في موريتانيا رغم اختلاف الأعراق والتواجد التاريخي في هذه البلاد غير أننا في الواقع أسرة واحدة وعندنا الكثير الكثير الذي يجمعتا.
موريتانيا بلاد شاسعة جدا إذ تفوق مساحتها مليون كيلومتر مربع ولها من المحيط الأطلسي ساحل بطول سبعمائة كيلومتر تقريبا.
حديثي هنا لن يعكس الحياة في كل مناطق موريتانيا بل هو مختص بالحياة في حوض نهر صنهاجة أو ما يعرف اليوم بنهر السينغال ولا أجد غضاضة في أي من التسميتين. وفي مجتمع الزَّوايا من صنهاجة بالذات تدور هذه الأحداث التي أتكلم عنها. وذلك أنه في موريتانيا عدّة أعراق، وحتى وإن كانت اللهجة الحسّانية قد أذابت في بوتقتها معظم قبائل لمتونة الصنهاجية التي أنتمي إليها مع المجموعات العربية من الوافدين في القرون الأولى من الإسلام وما تلا ذلك وبالأخص قبائل العرب المعقليين الوافدين أخيرا في القرن الخامس الهجري أو الحادي عشر الميلادي والذين كان لهم دور كبير في سير أحداث تاريخ هذه الربوع، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من عدة قبائل من السودان المحلية الذين انصهروا معنا تحت مظلة الحسانية بل وفي المصاهرات، إذ ليس في منطقتنا أحد إلا وتربطه بهم وشائج القربى علم بذلك من علم به أو جهله من جهله وهم الحراطين الأُبَاة البُنَاة. رغم كل ذلك الانصهار يبقى التمايز موجودا حسب الوظيفة الاجتماعية لكل أسرة، والأسرة نسميها خيمة ، فنقول مثلا خيمة أهل محمد وخيمة أهل الدّاه. نحن تأثرنا بهذه التقسيمة الاجتماعية المتبعة في غرب إفريقيا، ولذلك بعض التأثير على مسيرة حياة الفرد والدور المنوط به اجتماعيا. نعم هي سمة اجتماعية أخذناها تأثرا بالمجتمعات لإفريقية المحلية.
مازلت كلما جاء الحديث عن نمط الحياة التي أفقت عليها في نهاية الستينيات من القرن العشرين المنصرم أحسست بالدهشة على وجوه السامعين، حتى أحفاد والدي الذين هم معي في دار واحدة لايكادون يصدقون تلك الحياة ونمطها لأنهم قد ولدوا بعيدا عن هذه الديار بما فيها من بساطة الحياة.
سأبدأ الحديث عن الواحد منا من يوم ولادته حتى يوم دفنه شيخا كبيرا، مسجلا معظم الأحداث والطقوس التقليدية المصاحبة لكل مرحلة من العمر.
التضاريس الجغرافية كانت على الضفة الشمالية لنهر صنهاجة وما يصب فيها من وديان، حيث كان اتجاه سيل الماء عند نزول المطر هو الحد الجغرافي لكل أرض و واد ولكل تامورت أو أگني. كانت طبيعة المنطقة غابات كثيفة حتى أن أهل الحي "لفريگ" أو المحصر أو الزمان أو أنوال، كانوا قد يضطرون لفتح الطريق بقطع بعض أغصان الأشجار قبل الرحيل حتى يتمكنوا من المرور بالهوادج التي بها النساء ممتطيات ظهور الثيران " ئيوديشن".
في منطقتنا تهطل الأمطار غزيرة لمدة أربعة أشهر في الخريف من بداية شهر يونيو بالتقويم الأمازيغي ونسميه يونيو المسلمين الذي يصادف تقريبا منتصف يونيو الروم المعمول به حاليا في التقويم الدولي والذي نسميه "يونيو النصارى" والأمطار تستمر لأربعة أشهر كاملة، تسيل الوديان ويفيض نيلنا وتمتلئ السهول المحيطة به والتي نسميها "شَمَامَة" على وزن غمامة ونزرع فيها المحصول الرئيسي من الذرة البيضاء التي نسميها "بِشْنَة" على وزن فطنة كما نزرع الفول السوداني ونسميه "أَدْلَگان" ونزرع الذرة الصفراء ونسميها "مَكَّة" وهي كلمة من كلام السوننكي، تبدأ الزراعة مع بداية انحسار الماء بداية الشتاء. وأما في فصل الخريف فنزرع نوعا من الذرة البيضاء هو الأجود في بلادنا ونسميه " تغليت". وقد نقوم بعمل بعض السدود لحبس ماء المطر في موسمه ثم الاستفادة منه لزراعة الذرة الصفراء وأدلگان مع بداية انحسار ماء المطر. والسد نسميه "اغليگ".
كانت الأرض ذات سباع ومن أبرزها الأُسُدُ والنُّمور والفِيَلَةُ والدّبُّ الإفريقي المشهور عندنا باسم گِرْفَافْ وشَرْتاتْ وكذلك وحيد القرن (أغْرَيْويطْ) إلى عهد ليس بالبعيد قبل استخدام الناس البنادق ذات المدى البعيد. وكانت قطعان الغزلان بجميع أصنافها والبقر تجوب الأرض ليلا ونهارا، ولقد انقرض الكثير من هذه السباع والوحوش ولم يبق منها إلا القليل جدا في أقاصي الجنوب بعيدا عن تواجد البشر وظلمهم أنفسهم قبل أن تمتد أيديهم إلى البر والبحر والجو.
كان اعتماد الناس في عيشهم على الرعي والزراعة، وكان معظم ملكهم البقر وكان حظ قومي منه البقرَ الأحمرَ ذا الحجم المتوسط وهو مهم جدا في حياتنا، إذ منه الحليب والسمن واللحم والقديد الزاد وهو الرَّكوب لعدم تأقلم الإبل مع مناخ منطقة غابات السفانا قبل سنيّ الجفاف، ومن جلده النّعال والأوعية والحبال المعدة للمهام الصعبة. كما كان مهما عندنا الأسود من الضَّأن ذو الصوف الكثيف إذ من صوفه الخيام التي يحتمي بها الناس ويسكنون تحتها تحميهم البرد والحر وماء المطر وسموم "ئريفي" الذي يشتد في مايو "مَيَّه". وكذلك الأبيض من الضأن مهم جدا إذ يعد للبيع في دولة السينغال الشقيقة لقربها من باديتنا وبالذات قبل عيد الأضحى حين يتغالى أشقاؤنا في السينغال في شراء الأضاحي.
ونسمي هذا الرحلة "الجَلاَّبَة"، حيث من هذه الرحلة وارد كل أسرة "خيمة" من السيولة النقدية لشراء اللازم من القماش"الخِنطْ" ومن الشاي "أتاي" ومن السكر وبعض المواعين من لوازم الشاي أساسا.
نسكن الخيام الأمازيغية وهي تختلف عن الخيمة العربية التي نسميها "أَبِرْگانْ" تختلف عنها في عدة أمور حتى ولو كانت المادة الخام هي ذاتها حيث أنها غالبا من صوف الضأن في حوض النهر في منطقتنا، وقد تكون من الوبر أو الشعر في مناطق أخرى. نعم خيمتنا مرفوعة "مسموكة" فوق الأرض بما لا يقل عن ثلاثة أذرع بمسماكين طول كل واحد منهما ستة أذرع مقرونَين وكلما صغرت الزاوية عانقت الخيمة الجوزاء. الخيمة معدة للنوم فوق أَسرّة خاصة تطوى يوم الظعن بسهولة جدا. الخيمة والحديث عنها بتفاصيل تحتاج لحلقات خاصة بها لأنها بصراحة أروع ما اكتشفه البدو في حياتهم من مسكن.
كانت هذه نبذة مختصرة جدا عن تضاريس الأرض وجغرافيتها وعن سبل حياة الناس إذ منهم صاحب الزرع ومنهم صاحب الضرع، وكذلك مساكنهم، وتركيزي هنا طبعا على مجتمع صنهاجة وبالذات قبائل الزوايا من لمتونة. وللحديث بقية تتبع في الحلقة الثانية إن شاء الله.

***

- الحلقة الثانية

السنوات الثلاث الأولى من العمر:
في حوض نهر صنهاجة (نهر السينغال)
حسب ذكريات الطفولة كانت معظم الولادات تحدث في الثلث الثاني من السنة، والسنة أعني بها دائما الشمسية، أي كان معظم النساء يلدن في الفترة من بداية شهر مايو إلى نهاية أغسطس. وقدوم مولود جديد حدث مهم جدا وتزيد أهميته أو تقل حسب ترتيب المولود في الأسرة "الخيمة" وكذلك حسب جنس المولود حتى وإن كان معظم الناس يتظاهر بنفس القدر من الفرح والاهتمام بالذكر والأنثى كليهما وإن زادوا أحيانا ابتهاجا بالبنت. تقتضي التقاليد الصارمة أن تلد المرأة عند خيمة والدتها أومن تولت تربيتها كالجدة أو الخالة أو على الأقل عند خيمة أختها.وتقتضي عاداتنا أن المولود الأول لأي فتاة هو من حق أمها أن تتولى تربيته وتأخذه في كفالتها بعد الفطام حتى أنه ينسى أمه الحقيقية ويعتبرها كأي من خالاته، وقد يكون المولود الأول من نصيب الأخت الكبرى إذا كانت الجدة متوفاة.
يوم الولادة يوم مشهود في البادية ويوم عظيم تقود العملية فيه امرأة متمرسة هي القابلة ونسميها بالحسانية "الگباظة" ونسمي الولادة بالنِّفاس أو "البِرَايْ" فنقول: "فلانة نِفْسِتْ ؤُ فَيْدْهَا اطْفِلْ" ونستخدم النفاس مع أنثى السباع كذلك، وأما الولادة فتخص عندنا الأنعام ومباح الأكل من الوحوش البرية.
تطرد النساء الصبيان عن مشهد الولادة وبالذات من تجاوزوا خمس سنين ولكننا كنا نختبئ بين أغصان الشجر أو فوق "تِمْبِسْكِي" وهو نوع من بيوت النمل قد يبلغ طوله مترين فما فوق والغاية هو تسجيل صراخ المرأة أثناء الطلق وهذيانها الذي يضحك أحيانا النساء ويبدأن يهدئنها ويبشرنها بقرب الفرج وأنه عليها بالابتهال إلى الله تعالى وكنت أسمع معظمهن أثناء الطلق ينادين "يا مُلاَنا عَندِي، لاإله إلا الله" وتنادي أحيانا فتقول لهن "گعّْدوني" فترد إحداهنّ عليها "مَزِلْتِ اشْوَيّ" وبعد الولادة يغسل الطفل ويلف في خرقة من القماش القديم غالبا ثم تستلمه الحنّاكة التي كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن وإن لم توجد كان التحنيك من ضرع عنز.
الطفل لا يُمنح اسما حتى يوم السابع من ولادته، فإن ولد قبل طلوع فجر الاثنين مثلا كان يومُ العقيقة يومَ الأحد، وأما إن استهل صارخا بعد الشروع في أذان الفجر من يوم الاثنين فإن العقيقة تكون يوم الاثنين التالي ونسمي يوم العقيقة "يوم الاَسِمْ" والطفل يُمنح عادةً اسمَ آخرِ أو أعظم ِمُتوفًّى من أهله أو من يعز عليهم. تذبح شاة على الأقل وقد تكون عِدّة شياه حسب الطاقة وأهمية المولود عند ذويه والمسؤولية المنتظرة منه. قبل يوم العقيقة ندعو الولد بالغلام والبنت بالجارية، يوم العقيقة قد يتم التنازع على اسم المولود بين عدة خيارات وبالتالي يلجأ الأهل للقرعة. تسجل القابلة حدثا مهما جدا عند أهل تلك المنطقة يوم العقيقة بعملية تُجْرى للبنت تسمّى "الزِّيَانَه" وهي ختان الإناث المشهور غير أنهن يبالغن فيه حتى أنهن قد يُعدن العملية للبنت في سن الخامسة أو السادسة من عمرها إن بدت منها أي حركة توحي بما تسميه العجائز "مِتْنِ الْعَيْن".
في يوم العقيقة تتم حلاقة الرأس (لِحْسانَه) للولد والبنت كليهما. ثم بعد ذلك يتواصل كل واحد منهما مع القزع وهو حلاقة بعض الرأس وعفو الباقي. للولد من ذلك التِّبِّيبْ والعُرف أو كلاهما أو "الگِطَّايَه" فقط أو "الگَرْنْ" فقط. وأما البنت فلها من شعر رأسها النصف أو الربع أو الربعان المتقابلان أو الگطاية وهي الأكثر انتشارا مع العرف الذي يُزَيَّنُ ببعض الخَرَزِ أو قطع الذهب أيام الأفراح، وكذلك تُثقب أذنا البنت في سنّ مبكرة، فتحة في حلمة الأذن وأخرى في أعلاها.
فطام الطفل بعد عامين غالبا إلَّا أن تطرأ ظروفٌ تمنع ذلك فيتوجب الفطام وهو عملية شاقة مع بعض الأطفال ويصاحبها كثير من السهر والمشقة في الليل بالذات في بلاد لا يعرف أهلها الهجوع الطويل إلا ليلا. تستخدم الأمهات اللبأ لإلصاق الصوف على الثدي حتى يخاف منه الطفل ويرتدع عن الرضاعة، وغالبا ما تتدخل الجدة أو الخالة للمساعدة وقد تتدخل العمة أحيانا إذ يبيت الفطيم عندها. بعض الأطفال مولعون بأكل التراب وبالتالي تلجأ الأمهات إلى رش أرضية الخيمة وماحولها بمنقوع الفلفل الأسود حتى يعافه الطفل.
لِبْسُ البنت ولبس الولد يحمل نفس التسمية وهو "الدَّرَّاعه" غير أنهما تختلفان من حيث نوعيةُ القماش ولونه وفي تفصيل الرقبة، ودراعة الولد لها جيب أمامي. معظم الأطفال في السنين الأربعة أو الخمسة الأولى يتجولون في الحي "لفريگ" أو "الحِلَّه" عراة ولكن متنعلين بسبب كثرة الشوك وانتشاره في كل شبر من الأرض.
في منطقتنا تمثل الأسنان في التقاليد الموروثة قيمة كبيرة وبالتالي يتفانى الناس وينفقون الغالي والنفيس في الحفاظ عليها. وإنه وإن سمّت العرب الأسنان في كل نصف فك حسب الترتيب المعروف : ثنية فرباعية فَنَابٌ فضاحكتان فثلاثة أضراس، غير أننا بالحسّانية نرتبها كالتالي: مظحكة فرباعية فناب فضرسان فثلاث "مهاريز"، ونحن عمليا لانستخدم لاالثنايا ولا الرباعيات ولا الأنياب لا في القطع ولا في المضغ بل هي فقط للزينة وللتبسم وبالتالي ترى الشخص وهو في الستين من عمره ولا تزال أسنانه كيوم بزوغها بتلك التموجات وذلك البريق الصبياني الجميل، ويستخدمون أصابع اليد اليمنى في قطع الطعام ويضعون الطعام في أفواههم ومضغها وطحنها بهدوء بالأضراس فقط. واعتقد الناس أن الأسنان الدائمة تؤثر عليها الأسنان اللبَنِيَّة وبالتالي كانوا في سن الثالثة يقلعون الثنايا الأربع وهي عملية إلزامية لكل طفل وطفلة ويسمى مكان السن"فَرَّه" وينادون الطفل "بو افْرَيْرَات" و "أمّ افْرَيْرَات".
ونتابع في الحلقة الثالثة من السنة الثالثة بعد اقتلاع الثنايا والذي نسميه "تطياح السِّنَّيْنْ" أو "التِّنْصَالْ"

***

الحلقة الثالثة

ما أجمل الطفولة وبراءتها وما أحلى اللعب فيها والتنقل من شِعْبٍ (شَلْخَه) إلى شعب ومن أكمة (گلب) إلى أكمة ومن شجرة إلى شجرة نطارد فراخ الدِّيَكَة الحبشية و البطّ والإِوَزِّ و"ئيشْكِرَّانْ" من لعبة لأخرى وما أجمل أن يجد الطفل الجوّ المناسب والهدوء والدفء العائلي حتى ينمو عقله وجسمه بِتَوَازٍ وفي اعتدالٍ، وما أجمل أن يضحي الكبار من أجل براءة الطفولة ...
الطفل فينا تراه في الثالثة من العمر وقبلها وقد عُلِّقت في رقبته، فوق أحد المنكبين وتحت الإبط المقابل مانسميه "احْجابْ أو اكْتابْ" وكم من مرة يدفعنا فضول الطفولة لفتق بعض تلك "لِكْتُوبْ" لنجد بعض آي القرآن الكريم مكتوبة في جدول وقد تسمى بعض تلك "لِكْتُوبْ" بجدول سِيدِي عَبْدُ الله، هي تعاويذُ لا تخلو منها رقبة طفل أو طفلة.
تقتضي حياة البادية أن يتحمَّل الطفل المسؤولية مبكرا قدر المستطاع وفي هذه السن وأثناء التنقل من مكان لآخر يركب الطفل في الهودج المظلل مع أمِّه واثنين من إخوته الصغار على ظهر ثور أحمر يتمايل الهودج بهم، واحد منهم عن يمين أمه والآخر عن يسارها وأصغرهم في حجرها تمسكه بيد والأخرى بها خطام الثور في موكب مهيب يتهادى بين أودية "أفطوط"في مقطورة من الثيران تحمل النساء والأطفال فقط مع وجود بعض الرجال رفقة المقطورة، والطفل مسؤول عن التشبث بالهودج والالتزام بالهدوء والانتباه لكل طارئ.
تقتضي ظروف البادية والحياة فيها أن يتكلم الطفل في سن مبكرة وأول ما يبدأ يفرق بين الحروف المتقاربة كالكاف والتاء و كاللام والراء، تذهب به جدّته لمعلم القرآن الذي نسميه "لمرابط" أو "الطالب" وهذا حدث مهم جدا في حياة أي طفل أو طفلة ومعظم الأطفال لا يتذكرون هذا اليوم لأنه يكون في سن مبكّرة جدا ولا يفيق أحدهم إلا وهو في مرحلة "تِيدِمْكِيتْ".
تتيامن الجدّة بيوم جمعة عند منتصف النهار وقد ألبست حفيدها أو حفيدتها درّاعة، وغالبا يتولى تعليم الأولاد "مرابط" وتتولى تعليم البنات "مرابطة" إن سنحت الظروف وإلا فالمتاح إذ أهمّ شيء هو التعلّم المبكّر والالتحاق بِأهل الألواح. في اليوم الأول تأتي الجدّة بما نسمِّيه "الدّْخُولَه" حسب المستطاع وغالبا تكون من زرع "تَغَلِّيتْ" أو من "أتاي" والسكر وهو أحب إلى "لمرابط" من غير منازع.
أسبوع التعليم يبدأ من ظهر الجمعة حتى صباح الأربعاء ونسميه "سِبْتَه" وأما بعد اللوح من صباح الأربعاء حتى ظهر الجمعة فنسميه "اتْخَوْمِيسَه"، والطفل يدفع صباح كل اثنين هدية لمرابطه تسمى "الِاثْنَيْنَه" وأخرى صباح الأربعاء تسمى "الَارِبْعَه" وكلاهما من زرع أو صوف أو حليب لمن لم يجد شيئا. والتلميذ في هذه المرحلة نسميه "تَلْمِيدِي" وعليه أن يخدم شيخه قدر المستطاع ومن ذلك الاحتطاب ولو مرة في الأسبوع ليجلب ما نسميه "عُود اللوح" ومن تلك الخدمة أن يقوم التلميذ بالمساهمة في طحن كمية من زرع خيمة لمرابط على آلة الرحي التقليدية التي نسميها "الرَّحْيَه" أو "الصَّفْيَه".
تمر عملية التعليم هذه بثلاث مراحل هي:
-أولا: مرحلة تعلّم الحروف في لوح من خشب مستخدمين دواة من حجر وحبرا أساسه الماء والفحم (لِحْمُومْ) والصمغ العربي (الْعِلْكْ)، ونكتب الحروف بالترتيب التالي في المرحلة الأولى:
ا ب ج ح خ د ذ ر ز طظ كل من صض عغ فق سش هو لا ي ء ه
وتنطق كالتالي: ئِجِفّْ، ؤُبَا، أَتَا، أَثَا، ئِجِمّْ، أَحَا، أَخَا، ئِدَلّْ، ئِذَلّْ، ؤُرِيّْ، ئِزِيّْ، أَطَا، أَظَا، أَكَفّْ، اللَّمّْ، المِّمّْ، النِّنّْ، الصَّطّْ، الضَّطّْ، أَعَنّْ، أٓغَنّْ، اِفِّيّْ، أَقَفّْ، السِّنّْ، الشِّنّْ، يَرَكّْ، ؤُوَّوْ، لَامَالِيفْ، الْيايْ،الهمزة، الهايْ.
الفاء نكتبها بنقطة تحتية والقاف بنقطة واحدة فوقية. ويلاحظ في تهجي الحروف النبرة الأمازيغية من جهتين أولاهما البدء بالهمزة تعريفاً وثانيهما اختفاء المدّ وسط أسماء الحروف إذ لا مدَّ وسط الكلمة الأمازيغية.
بعد حفظ الحروف الهجائية والتفريق بينها بهذا النسق تتم كتابتها بما نسميه "جِمال الحروف" بالترتيب المعروف : ابجد هوز حطي كلمن...الخ والمقصود من ذلك تعلم والتعود على صيغة كتابة الحرف العربي في كل الحالات المُحتملة.
-ثانيا: مرحلة حركات الحروف "الجَّبْداتْ" ونأخذ الباء مثالا على ذلك: بَا، بُو، بِي، بًا، بٌ، بٍ، بَ، بُ، بِ، بْ، بى (مُمَالَةٌ)
فنقول: بَا= بَا نَصْبَه جَابِدْهَا اللِّيفْ، بُو= بُو رَفْعَه جَابِدْهَا الْوَاوْ، بِي= بِي كَسْرَه جَابِدْهَا الْيايْ، بًا= بًا نَصِبْتَيْنْ، بٌ= بٌ رفِعْتَيْنْ، بٍ= بٍ كَسِرْتَيْنْ، بَ= بَ نَصْبَه، بُ= بُ رَفْعَه، بِ= بِ كَسْرَه، ابْ= ابْ جَزْمَه، بى ا= بى الِامَالَه، وهكذا دواليك.
-ثالثا:تأتي المرحلة التي نسميها "تِدِمْكِي" وعملية تعلم القراءة بصفة عامة تسمى "تِيدِمْكِيتْ" في هذه المرحلة تكتب للطفل كلمة قصيرة بالتشكيل (التمحيص) ليقرأها حرفا حرفا ثم بعد ذلك يقرأها كلمة واحدة بعد سماعه الأمر من مرابطه "جَرِّ"...
بعد إتقان الطفل القراءة تأتي جدته ويحضر شاهدان حتى يشهدا بإتقانه للقراءة لتدفع المستحق والذي يكون غالبا بنت ستة أشهر من المعز.
ثم بعد إتقان القراءة وهي مرحلة قد تستغرق عدة أشهر أو سنة كاملة يبدأ المرابط بكتابة سورة الفاتحة كلمة كلمة والتلميذ يطبق عليها ماتعلمه في مرحلة "تِيدِمْكِيتْ" يبدأ المرابط بالفاتحة ثم بعدها بسورة الأعلى حتى سورة الناس ثم بعد ذلك سورة النبأ حتى آخر الحزب، وهكذا يصعدون مع الحفظ حزبا حزبا حتى يصلوا أوّل القرآن. معظم الأطفال يكملون حفظ القرآن قبل العاشرة إن وَجدوا متابعة جيدة من طرف ذويهم، ومعظم التركيز يكون على تعليم الولد دون البنت للأسف، حيث أن البنت إذا تعلمت القراءة وحفظت عدة أحزاب تتوجه لشيء آخر سنأتي عليه وذلك غالبا ما يكون في الثامنة من عمرها. النظام الغذائي في هذه المرحلة صارم جدا، سواءً للبنت أو للولد وعسى أن نذكره بشيء من التفصيل لاحقا وعسى أن نذكر المتوفر من الألعاب كذلك في الحلقة الرابعة القادمة إن شاء الله.

***

- الحلقة الرابعة
نظام غذاء الأطفال:

رغم الرخاء النسبي في منطقتنا كونها سلَّةَ الغذاء لمناطقَ شاسعة بسبب الموقع الجغرافي الممتاز حيث أنها متمحورة على نهر صنهاجة وتضم "شَمَامَه" حيث زراعة المحصول الأكبر من الزرع، من الذرة البيضاء من فصيلة "بِشْنَه"وكذلك زرع "تَغَلِّيتْ" التي تُزرع في العوالي والدُّخُن "مِتْرِي" والفاصوليا "أدْلَگَانْ" والذرة الصفراء "مَكَّه" والبطيخ "لحدَجْ" والقرع "دَيَارَه" وبها معظم الأشجار المثمرة في الأحراش والغابات وفوق سفوح تلك الكُدَى ومن أشهرها النَّبَقُ من السّدر، و "ئيِمِِجِيجْ" و "لِگْلَيَّه" و "تَگَسْرَارِيتْ" و "تُوگَّه" من شجرة "تَيْشِطْ" المباركة والعلك من شجرة "أَوِرْوَارْ" أساسا بالإضافة إلى "تِظْبَه" و "آزّْ" و "تَافْلَكُّوتْ" وكذلك الأرز (مارو) ينبت نوع منه برّي في بعض "التُّومْرِنْ" وعندنا شجرة تشبه الزيتون نسميها "أيْزِّنْ" منها "مَنْجَاقَا" وشجرة نسميها "ئيگْنِينْ" منها ثمرة "بِقْرِلِّي" ورغم ندرة النخيل بالمنطقة إلا أن أهلنا يسافر بعضهم لواحات النخيل فوق تگانت بموسم التمور سنويا في قافلة نسمّيها "الگيطانة"، ومن لم يتمكن من السفر يبعث ثورا (آوْداشْ) ومالا ليأتيَه حمل ثور من تمر.
رغم كل ذلك الرخاء ووفرة المحاصيل الزراعية غير أن الوجبة الرئيسية واحدة وفي الغالب من "كسكس لغليظ/ئنْگَمُّو أو المُجارِي" ووقتها بعد صلاة العصرمباشرة، وغالب إدامها القديد والسمن، تتولَّى النساء تحضيرها إن لم تفعل أم الخيمة ذلك فليس من حق للزوج (بو الخيمة) أن يعاتب بل يصبر ويذهب لصلاة العصر ثم يخرج لتفقد الماشية متلاهيا عما حدث. يأكل الولد من هذه الوجبة اليتيمة بنهم فوق حد الشبع وزيادة لدرجة نسميها "الدَّكّْ" أو "الدّْبِيكْ" حتى أن بعض الأولاد تحجب بطونُهم أقدامَهم لكثرة الأكل ونقول لمثله "گابظتو الغُولَه" ثم تقول الأم للولد "اَدْفَعْ والْعَبْ أم الطَّالْبَاتْ" وهي لعبة خاصة بالأولاد دون البنات وفيها تعلم تصويب الرمي بالحجارة. وأمَّا العشاء فهو من الحليب والحليب فقط. وأما الفطور "الصَّبُّوح" فهو من أهمّ الوجبات عند الأولاد وهو من "كسكس الرقيق/ الرّْگَيِّّگْ أو بَاسِي" و باسي مع الحليب هو الفطور الأشهر والألذّ والأحب لدى الصبيان. وقد يستيقظ الطفل منتصف الليل يسأل أمه قائلا: "إيّاكْ ألَّ صبَّحْتِي لي؟" فإن أجابت بنعم سألها "فاشْ صبَّحْتيلي؟" أي في أي إناء؟ فإن ردت بإناء يرضيه حجمه سكت وتابع نومه وإلا فتح قوسين من الإزعاج في هذه الساعة المتأخرة من الليل، حتى يتدخل الأب وينهره (يَنْزْگُو). وبعض الأطفال لابد من الاحتفاظ بصَبُوحهم قريبا منهم على الفراش ليضعوا عليه أيديهم من وقت لآخر حتَّى يطمئنوا في نومهم ومعظمهم من الذين ربتهم الجدّة.
وقد يجد أحد الأطفال ضُحًى فرصة الخدمة مقابل الغذاء فيربح حفنة من زرع أو من أدْلَگَانْ "اتْشَرْشِيمَه" لينضجها سلقا "ئشِرْشِمْ" وقد يطحنها بأسنانه "تغْزَازْ" إن كانت زرعا إن كان لا يمكنه انتظار الطبخ.
لاتوجد وجبة أخرى إلا ما يفتح الله به من ثمار الغابة يخرج الأولاد الصغار ضُحًى فيما نُسميه "العَيَّالَه" لجمع النبق وما شاكله والحذر هو سيد الموقف وكذلك التيقُّظ والأوامر من الأهل أنه إذا سمعنا رغاء جمل أو رأيناه، علينا أن نسرع قافلين للخيام أو أن نتوارى عن الأنظار بين الأشجار الكثيفة والشعاب أو أن نتسلق بعض الأشجار أو ندخل بعض الكهوف حسب الموقع حتى يبتعد الجمل وصاحبه، ولذلك سبب تاريخي حيث كثرت عمليات الاختطاف لقرون في هذه المنطقة ومن أكثر من يقودها راكبو جمال يأتوننا من بعيد، من بلاد نائية شمال حوض النهر في مخيلتنا عنها كثير من القصص المخيفة وندرة الماء وقسوة الحياة وأن الطفل المختطٓف يموت هناك تحت الأعمال الشاقة.
الحليب متوفر بكثرة في أغلب الأحيان بقرا وغنما، والَحَلْبُ مرَّة عند المغرب ومرة عند الصباح، والحليب لا يباع أبداً، ولكن التقاليد تقتضي أن شرب الحليب خاص بالبنات فقط وندعوهن "الطَّافِلاتْ"، وعليه فيحتسي الرجل القليل من الحليب على استحياء ويكون غالبا مَشُوبًا بماء (منگور) وأما الرائب منه فهو يستخدم بكثرة حيث أن ثقافة شرب الماء وحده معدومة وبالتالي لابد من خلطه مع اللبن الرائب أو ما نسميه "الشّْنين" ليُكَوِّنا معا "الزّْرِيگْ" المشهور ويضاف لهما قليل من السّكّر.
شرب الحليب وإن كان مستهجنا في حق من هو فوق سبع سنين من الأولاد غير أن الصغار يُشَجَّعون على شربه ليخف طلبهم الطعام. وإدخال الطعام على الطعام من الموبقات ويُعابُ الولد الذي يفعله حيث تقوم الأم بعتابه على أكل تمرة قريبا من وقت الغداء، وعلى العموم فإن الجوع هو ضجيع الأولاد على العكس من البنات "الطافلات" فإنهن لا يُعْطَيْنَ أي فرصة للشعور بالجوع منذ الصغر من السنة السادسة وتستهل البنت يومها مبكرا بالتغذية بشرب حليب البقر وحليب البقر وحده فيُغْرَقْنَ في بحر منه من الصباح الباكر حتى الهزيع الأخير من الليل. إنها عملية التَّسمين القسري "لِبْلُوحْ" التي اشتهر بها مجتمع "البيظان" وبالذات "الزَّوَايا" وهي من العادات الموروثة عن صنهاجة وأصبحت اليوم عٓلٓماً على أهل موريتانيا وتتداولها وسائل الإعلام العربية والعالمية عن جهل وعدم فهم لفلسفتها والغاية منها. الخلاصة أن البنت نقيض الولد في التغذية ولا تُعطى الفرصة للشعور بنعمة الجوع واشتهاء الطعام.
من المهام الموكلة بالأولاد في هذه السن إذا رجع من عند اللوح صباحا وذلك قبل طلوع الشمس عادة، عليه أن يتبع الغنم ويمكث فيها قدر ساعة منتظرا الراعي حتى يتناول فطوره ويتناول "أتاي"، هذه الساعة نسميها "الرّْيَاظَه". وعى الأولاد المساهمة في جلب الماء من الغُدران القريبة في فصل الخريف وسقوط المطر وأما في فصل الشتاء فقد تصل المسافة لكيلومترين أو أكثر حيث نحفر بعض الأحساء بالوديان، ومع حلول الصيف قد تصل المسافة عشر كيلومترات فأكثر حيث يقل المرعى في حرم الماء وتكون العملية شاقة. نسمي جلب الماء لمضاربنا "الرّْوايَه" والطريق من الخيام إلى الماء نسميه "مِيرَادْ"، الماء يتم جلبه مستخدمين الحُمُرَ الأهلية أساسا، والحمار عليه إكاف "أَجَفّْ" يمكنه حمل قربتين وطفل وعند الحاجة يمكن حمل قربة ثالثة بدلا من الطفل ويسمى الحمار ساعتها "مُگَوْفَلْ"، والخيل
رغم توفرها غير أنها ليست لجلب الماء بل لمهامَّ أخرى نوردها في محلها إن شاء الله.
في الحلقة القادمة سأورد ما بقي في ذاكرتي من لعب الأطفال إن شاء الله.

***

- الحلقة الخامسة

تحدّيات الطفولة (التّشيشير) وحلم بلوغ مرحلة الرجولة (التدَّرْمِيزْ)
ثلاث تحديات أمام الطفل في باديتنا يعيش الهواجس من أجل التغلب عليها، وهي: كونه أولا مثغورا (بو افْرَيْرَات) قد اقتُلعت رواضعُه، وثانيا الغُرلة أو القُلفة التي تجعله غير مقبولِ الحلْب والذبح إلا لمن هم في سنه من الأولاد، والقزح الذي هو تاج اجتماعي فوق رأسه يدل على أنه مازال صبيا لم يبلغ سن الرجولة. والبنت تحلم هي كذلك ببزوغ أسنان لها تسدُّ تلك "لِفرَارِي" ، وتحلم أن تتخلص من الدّراعة لتلبس"الْحَوْلِي" ولتخرج من نظام التَّسمين القسري القاسي الذي نسميه "لِبْلُوحْ" والذي لا خلاص منه إلا بالزواج وذهابها إلى خيمتها...
أول هذه العُقَد حلًّا هي ظهور الأسنان الدائمة في مقدمة الفم بالذات القواطع الأربع العليا والأربع السفلى بدءا من السنة السادسة ويصبح الطفل بعدها قادرا على التبسم والضحك. وثانيها حَلّا هو مسألة الختان للأولاد التي تتم بكل بساطة تحت شجرة إذ أن أهل البادية تتميز حياتهم بعدم تعقيد الطقوس. تتمّ التهيئة النفسية للولد بل الإغراء وبالذات من طرف أمهاته وعماته وأصحابه الذين سبقوه للختان الذي نسميه "الزِّيَانَه أو لِگْعادَه". تتم العملية على يد كهل من الرجال تخصصه "التّطياح و الزِّيَانَه" ويَستخدم سكينا محلِّي الصنع "مُوسْ مسلمين" ويَستخدم دباغا خاصا مع "ا" للتعقيم، وبعر الإبل مع أشياء أخرى لوقف النزيف. أمّا الطفل المختون فإنه لحظة القطع "الگلز" "ينادي "حَوْلِي ابْراصْ لَوْحِي واعْرَيْش الجَّنَّه الفَوگاني" ومن المُسَلَّم له أن طلبه في هذه للحظة الحاسمة حق على المجتمع تلبيته. وبعد برئه يصبح قادرا على تقديم حَلْبه لأخواته وأصبح بإمكان القريبات ينادينه ليحلب لهن شاة أو أكثر دونما خوف أن يرفض الأطفال شرب ذلك الحليب.
بلادنا لحرارتها وتسارع وتيرة الحياة فيها، تُنضج الطفل قبل وقته حيث تبلغ معظم البنات في التاسعة من أعمارهن. وبلوغ البنت يتطلب ملحفة "مُخَلَّةً" من "النِّيله" إمّا من "التَّاج" أو "النَّميْراتْ" طولها من سبعة إلى تسعة أذرع وعرضها ذراعان ونصف إلى ثلاثة أذرع، حسب قامة البنت "لِمْسَوْلْفَه" وهكذا تنتقل البنت من "جارية" في الأسبوع الأول إلى "تيشِّيرْتْ" أو "صَبِيَّه"في السنوات الخمس الأولى إلى "عَزْبَه" حتى تصل سن البلوغ فتُدعى "امْسَوْلْفه" أو "طفْلَه" ولا يسمح لها بترك شعر رأسها من غير ضفر، وتُلْزَمُ بتغطية كل بدنها باستثناء الوجه والكفين والقدمين.
أمّا الولد فينتقل من "غلام" في الأسبوع الأول إلى "ئيشِّيرْ" حتى التاسعة تقريبا حيث يُدْعَى "اجْدَعْ" ثم بعد ذلك يبدأ في صراع مرير مع المجتمع لإثبات ذاته والقيام بأعمال الرجال، يتعلم ركوب الخيل والإبل إن وجدت وحلب البقر والسباحة "العَوْمْ" وبعد إكمال حفظ القرآن وما يلزمه من فنون يقوم الفتى بالانتقال إلى إحدى "المحاظر" لأخذ مبادئ الفقه المالكي بدراسة كتاب "ابن عاشر" وكتاب "الأخضري" ثم كتاب "الرسالة" وبعد ذلك الختام بكتاب الشيخ خليل الذي شهرته "اخْليل" ودراسة بعض كتب المقدمات في النحو ككتاب "الآجرومية" وغيره وكن أراد التبحر في اللغة لا بد له من السفر إلى المحاظر المشهورة بأسفل النهر، بمنطقة "الترارزة" التي هي عاصمة اللغة والأدب ومن أراد التبحر في القرآن وأخذ السند العالي كان يلزمه السفر إلى
محاظر منطقة الحوض
في رحلته هده لطلب العلم يصطحب معه بقرة حلوبا وزادا .
بلوغ الفتى سن الرشد قد يكون مبكرا بعد تجاوزه العاشرة بسنتين فقط. قد يتعامى الأهل عن ذلك منتظرين السنة الثامنة عشرة من العمر نظرا للمذهب للمالكي، حتى يقول بعض الرجال من الحي وفي المسجد: فلان قد آن الأوان ليلبس السروال، وهم يَعُون جيدا ما يعنون.
يهيئ أهل الفتى دراعة وسروالا وعمامة، و يُحلق شعر رأسه ويسمى حينها "أَدِرْمازْ" أو "امْدَرْمزْ" تطلق هذه العبارة عند هذه اللحظة بمعنى كله فخر للفتى حيث دخل مصاف الرجال وأصبح فردا من القبيلة عليه ماعليهم ويلزمه التّسرول ولبس العمامة التي يتلثم بجزء منها.
مازلنا عمليا في السنة العاشرة للبنت والثالثة عشرة للولد.
عسى الله ييسر لنا المتابعة مع مابعد سن البلوغ لكل واحد منهما في الحلقة السادسة إن شاء الله.

***

- الحلقة السادسة
"لِبْلُوحْ" التَّسمين القسري للبنات

"يا ربِّ لا ابْگَ گَرْنْ" هذا دعاء يأتي على لسان كل بنت وهي في مرحلة "لِبْلُوحْ" المروعة والتي كانت متَّبعة في منطقتنا بقسوة لا مثيل لها.
قليل من أسر الزوايا هي التي تهتم بتعليم البنات والحرص على إكمالهن حفظ القرآن الكريم ناهيكم عمّا وراء ذلكم من تعلّم اللغة. وعليه فالهدف الأكبر هو إنبات الجسم عن طريق "لبِْلُوحْ" ويكون ذلك بعد حفظ عدة أحزاب وتعلم أحكام الطهارة واللازم في المرحلة من فروض العين.
"لِبْلُوحْ" كلمة مخيفة جدا لأنها تعني الألم وشرب كمية كبيرة من حليب البقر من الفجر حتى وقت متأخر من الليل. تسمّى البنت "لِمْبَلّْحَه" وتطلق نفس الكلمة على السيدة التي تتولى الإشراف عليها، إذ هناك نساء (اعْلَيَاتْ) عندهن خبرة عالية في فنّ "لِبْلُوحْ"
وعند ذكر الاثنتين معا فإن البنت تدعى "المُبَلّحه" بضم الميم وذلك أن اسم المفعول المشتق من المزيد من المواضع التي تبدأ الحسّانية فيها بمتحرك.
الذي يتبادر للذهن أن الكلمة مشتقة من البَلْحَة التي يسعى صاحب النخل جاهدا في سقيه والاعتناء به لتكون البلحة كاملة وافية حيث أنه يتوقف على ذلك جودة البسر والتمر وكذلك البنت تُسقى من الحليب ما يجعل منها قاعدة لامرأة في المستقبل.
قد تتفنَّنُ "لِمْبَلّْحه" في نظام غذاء "المُبلحة" فتارة الحليب والحليب فقط وتارة الحليب مع الكسكسي الرقيق "باسي" وحينا تسقيها سمن البقر. تمنعها من أي حركة رياضية كالمشي لمسافة طويلة، وأما السباحة "العوم" فهي من الكبائر وجزاؤها أن تزيد لها في الحليب تأديبا لها.
بصراحة هو وضع لا يمكن تحمله وترى البنتَ قد فقدت شعورها بإنسانيتها، تراها تسترق النظر لعلها تجد رحمة في أي وجه من أهلها وإن تستغث بأي منهم فإن العقوبة زيادة الحليب المخصص لها.
إذا شربت البنت المخصص لها من الحليب فإنها تُعطى زيادة وإن عجزت عن شرب المخصص لها فإن التعذيب هو جزاؤها. تبدأ تلك المرأة التي قد نزعت الرحمة من قلبها، تبدأ بالزجر والتهديد ثم بضرب خفيف بعصًى رقيقة نسميها "أَمِجْلَادْ" مخصصة للجَلْدِ، ثم تنتقل بعد ذلك لآلة مخيفة كأنها كمّاشة توضع حول قدم البنت الصغيرة ويبدأ الضغط المؤلم جدا وبتدرج حتى تشرب كل ذلك الحليب، إنه "الزَّيَّارْ" المرعب جدا والذي لا تكاد تلقى امرأة من ذلك الجيل إلا وفي رجلها أثر من ذلك المرعب "الزَّيَّارْ" كما تُبقي "كُورَه" أثرها في وجوه شباب ذلك الزمان حتى أن بعضهم قد يفقد إحدى عينيه.
رغم الحصار المضروب على البنت "المُبَلّحه" إلا أنها تحاول جاهدة التخلص من جزء من الحليب بما نسميه "غش لِمْبَلّْحه" ويتمثل أساسا فيمن يساعدها من الذين بقيت فيهم إنسانية رغم أنهم قد يشتركون أحيانا في حملة تعذيبها حتى لا يتهمهم أحد، قد يُوكل لأحدهم الضغط على الزَّيَّارْ، فيتظاهر بذلك ولكنه لا يفعل، وتتعالى صرخات البنت رغم أنها لا تتألم، هي استثناءات نادرة. استغلال الفرص النادرة بخطف كمية من الحليب بطريقة ذكية وصبها في حفرة بمكان آمن حتى لا يفضح النّمل أمرهما. وَيْلٌ لتلك البنت المُبَلّحه لو تبعتها أي شاة داجن "تَاسِنْبَايِتْ"أو صهلت "هَرِگْمِتْ" فرس لرؤيتها، أو جاء كلب من الحي يهز ذيله احتفاء بها، كل ذلك يعني أنها قد أعطت من الحليب للداجن أو الفرس أو الكلب "دَگْدَاگْ"...
تفرح البنت المُبلحة بيوم الارتحال من مكان إلى مكان فهي فرصة لتلتقي بناس لم ترهم لأكثر من شهرين أو أكثر، وهي فرصة لتركب في هودجها على ثورها حالمة باليوم الذي تُزَفُّ فيه عروسا وتطوي صفحة لِبْلُوحْ.
لماذا "لِبْلُوحْ"؟؟؟
سؤال جوابه قد لا يكون مقنعا، غير أن لكل مجتمع عاداتٍ وتقاليد من الصعب أن يفهمها غيره. وفي مجتمعنا قد انطبع في الذاكرة الجماعية للمجتمع أن المرأة هي الممتلئة ولكن بطريقة تحافظ معها على طابع أنوثتها كاملة بعيدا عن البدانة المكتسبة من أكل الأطعمة والتي نسميها "الزّنِينَه" وينتج عنها امرأة سمينة ولكن كالبرميل، وأما الرجل في مجتمعنا فهو النحيف الخفيف الذي يشبه الغزال في سرعته ونشاطه.
رغم كل هذا يبقى لِبْلُوحْ عملية غير صحية وتخلف آثارا سلبية خطيرة على صحة البنت حتى ولو صاحب ذلك آثار إيجابية على نفسيتها حيث أنها تبدو فيما يُرْضي المجتمع فيقال " لابْسَه درَّاعة من التِّبْطَاطْ"
لقد أصبحت البنت بعد لِبْلُوحْ جاهزة للزواج الذي سينقذها من لبلوح، ولبلوح هو الذي رشّحها للزواج ودخول "لِخْطَيْرْ"...

***

- الحلقة السابعة
فلسفة حياء لَمْتُونَه من صنهاجة (اِلسَّحْوَة)

يالحديث عن فلسفة حياء لمتوه من صنهاجة أمر بسيط لٍبَنِيهَا بل هي الفطرة التي تربوا عليها وهي اللبان الذي رضعوه، لكن الناس خارج مجتمع صنهاجة لا تفهم تلك الفلسفة ولن تفهمها وقد لا يكون مهما عندنا أن يفهم الناس تلك الفلسفة.
بصراحة هو حياء فيه كثير من المغالاة والإيغال لحد تضييع كثير من الحقوق بدعوى الحياء.
أردت إيراد هذه المقدمة البسيطة عن حياء صنهاجة لأنه يتوقف عليها الكثير والكثير من العادات الاجتماعية التي سنتحدث عنها في الحلقات القادمة تباعا إن شاء الله، حيث أننا قد أوصلنا الغلام لسن الرشد "الدَرْميز" والجارية قد وصلت معنا لسن البلوغ "التّسَوليفْ"
الحياء خلق جميل ولا يأتي إلا بخير، غير أن النمط الذي عليه صنهاجة وبالذات قبائل لمتونه لأمر عجب وعجاب والمرجع في ذلك هو احترام الرجل للكبار في السن وبالأخص لذويه من أنسابه من جهة أبويه وكذلك احترامه لأصهاره من جهة الزواج وإن كان الناس يدعون الأصهار أنسابا في الحسَّانية كما هو في كثير من اللهجات العربية. كثير من عادات الحياء اللمتوني تتعارض مع أبسط مبادئ الإسلام التي يعلمها القوم علم اليقين ويُعلّمونها لطلاب العلم ويطبقونها مع غيرهم من المجتمعات أما فيما بينهم فالأمر غير مقبول ومن هذه العادات على سبيل المثال لا الحصر:
1-المصافحة:
الصغير لا يُثصافحٌ الأكبر منه سنا حتى ولو كان أباه، بل إذا التقيا بعد طول عهد فإن الأصغر يبدأ بالسلام ويقترب من الكبير إن كان الكبير واقفا جاعلا كتفه إلى كتفه كوقوفه معه في الصلاة مطأطئا رأسه مطرقا للأرض، والكبير يرفع يمناه يضعها على كتف الصغير يسأله عن أحواله وعن بعض الأقارب الذين تسمح له العادات والتقاليد السّؤال عنهم، وقد يقبل الكبير رأس الصغير بناء على عدة أمور منها القرابة والسن وطول فترة الغياب، وعلى العموم حظ البنات وبنات البنات من الاهتمام أعظم من الأولاد، وحظ ولد البنت أكبر من حظ ولد الولد في الاحتفاء والاهتمام.
2-الأكل والشرب في حضور الأصهار:
الرجل لا يأكل ولا يشرب في حضور أي رجل من أصهاره أكبر منه سنّا ولا في حضور أمها أو المسنات من أهلها، ويسري هذا الأمر في فترة الخطوبة قبل عقد القران. وتحمل الذاكرة التاريخية الكثير والكثير من قصص هذا الخُلُق الذي يخالف الفطرة الإنسانية وخير شاهد على ذلك المثل الحسَّاني الذي يقول: "إلا احكيتِ ذيك احكِ هاذي" وبصفة عامة فإن الأكل والشرب يرافقهما كثير من الحذر مخافة أي خطإ أو صوت غير اعتيادي ومن غصَّ من طعام فقد جنى على نفسه وأهله والقبيلة جمعاء وقد يهجر المجتمع للأبد.
3-معاملة الأطفال والأولاد بصفة عامة:
لا مصافحة، لا خطاب ولا كلام بين الأب مع طفله إذا حضر من هو أكبر منه سنا وبالتالي حتى لا يتعلق الطفل بأبيه فإن الأب يتجنب مداعبة الطفل مطلقا ولا يُظهر له إلا الجفاء والقسوة والعين الحمراء كما يقولون حتى لا يقترب منه إن حضر أحد من الكبار. وكنت شخصيا قد أقنعت والدي رحمه الله بعد نقاش طويل دام عدة سنوات أقنعته بالمصافحة عند عودتي من السفر وكنت يومها في الصف الثالث من الإعدادية واقتنع بذلك على مضض، ولم يُعانقني إلا مرة واحدة عن غير قصد منه حيث كنت مبتعثا للدراسة في الخارج بعد الثانوية على أن أغيب سنتين وشاء الله أني وجدت أسبوعا قبل السفر فقلت أرجع للقرية أودعه، رجعت على حين غفلة منه ووصلت الدار ليلا وفي ظلام دامس ولم يكن في حسبانه هذا اللقاء وأول ما دخلت عرفتني شياه لنا فأحدثت فوضى أيقظته فقام إليَّ وعانقني لأول مرة في حياتي وكانت آخر مرة غير أني أنا بدوري تحركتْ في الطباع الوراثية التي تربيت عليها ولم أترك له الفرصة في عناقه أكثر من بضع ثوان واعتبرته نائما ليفيق ويقول: سبحان الله كنت نائما، ما الذي جرى؟.
والمرأة إذا رأت رضيعها يتدحرج إلى النار في حضور من تستحيي منهم فإنها لاتملك أي تصرف إيجابي نحوه بل أقصى مايمكنها فعله هو أن تغمض عينيها فقط. هي قصص أغرب من الخيال كان ضحيتها كثير من الأطفال والأمهات، من أبسطها أن الأم الثكلى تفقد فلذة كبدها ولا يمكنها إلا أن تصبر ولا تبدي أي تأثر بما حدث ولا تسيل لها دمعة لأن جزعها ذلك وقاحة و "متن عين" !!!
شهدت بنفسي كثيرا من الأمثلة إذ رأيت طفلا درج نحو حمار عليه قرب ورفع الحمار رجله ليرفس الطفل وكان والد الطفل واقفا مع من هو أكبر منه لإنزال القرب، ما كان من والد اللطفل إلا أن أمسك برسغ الحمار وثبته وجئت أنا راكضا لأبعد الطفل الرضيع وقلت لوالده كان من السهل إبعاد الطفل بدلا من الصراع مع هذا "أزغر" الحمير، فتغير لون وجهه وبدأ يغمزني ويطلب مني السكوت وستره في إنقاذ فلذة كبده.
هذه امرأة يقود بها الجمل أخوها وهو أكبر منها بست سنوات ومع عبور الوادي سقط الطفل الذي معها في الهودج أرضا ولكن لحسن حظه على مكان لين غطاه العشب الكثيف ولم يصب بأذى، لم ينتبه الأخ وهي لم تقل شيئا حتى تعالى بكاء الطفل وانتبه خاله فرجع راكضا إليه، لا يمكنه مناولتها الطفل فقال لي أنخت الجمل ووضعت الطفل بجانبها وأعطيتها مهلة من الوقت غبت بين الأشجار حتى سكت عن البكاء ثم جئت وقلت بِسْم الله نواصل السير على بركة الله.
4- معاملة الأصهار بنوع من الاحترام والتقديس الزائد حتى أن الرجل يصلي في خيمته ولا يذهب لمسجد الحي حتى لا يلتقي هناك بوالد زوجته.
5- ظهور الملابس الداخلية كالسروال والقميص يعتبر وقاحة وبالتالي كانت الدراعة الفضفاضة التي فيها من القماش عشرون ذراعا وكذلك العمامة واللثام لزاما للتستر والاختفاء حياء ممن قد يصادفك من الذين تفرض عليك العادات الحياء الشديد منهم.
6- الحياء والطلاق:
يدفع الحياء من النقاش في أمور الحياة الزوجية بالكثيرين للطلاق الغير مدروس، ويدفع الحياء بالمطلقة وذويها بعدم مطالبة الرجل بأي حقوق متعلقة بعياله، بل تصبح المسؤولية ملقاة على كاهل جد الأطفال من أمهم أو خالهم.
7- انتقاء الألفاظ بدقة شديدة في الخطاب بالحسانية حيث أن بعض الألفاظ لا يمكن استخدامها مع البشر، فمثلا لا يمكن أن تقول لشخص ما أولادك فعلوا، فلفظة " الأولاد" خاصة للاستخدام مع الحيوانات، ولا يمكنك أن تقول لشخص " اتعالَ" بل هي خاصة للاستخدام مع الحيوانات، إلى آخر اللائحة الغريبة من المفردات العجيبة.
هذه أمثلة بسيطة من عادات لا حصر لها ولا منطق أحيانا يحكمها إلا من وعاها عن قرب، وإن كثيرا منها في الاندثار السريع بسبب العولمة المحلية.

***

- الحلقة الثامنة
الزواج (التِّعْرَاص)

العَصْرُ: نظام اجتماعي معمول به في منطقتنا بدقة شديدة وهو الذي يحدد معيار الصحبة والصداقة والزمالة بين أي اثنين أو اثنتين وكل عصر من الناس يضم مواليد كل سنة من الأتراب يُسَمَّوْنَ "أنتاجْ" وتقتضي التقاليد الصارمة المعمول بها أن الفتى لا يحق له صحبة إلا من هم أترابه وفي سنه وهذه مسألة ينبني عليها الكثير الكثير من صبغة الحديث العام في الجلسات، حيث أن الإنسان في الحديث العادي مع غير أترابه ينتبه لكل كلمة يقولها وينتقي العبارة المناسبة، ومن الكلمات التي يتم تجنبها عبارات عادية في المجتمعات الأخرى منها على سبيل المثال: زوج، زوجة، زواج، عرس، طلاق و ما وراء ذلك مما له صلة بالعلاقة بين المرأة والرجل، وكذلك الحديث عن الأكل والطعام والإفاضة في ذلك. هذا خاص بالرجال وأما النساء ففي الأمر بعض السعة خاصة عند الحديث عن الطعام والطبخ.
معيار الجمال (الزَّيْنْ):
هنالك عدة تعابير يُعَبَّر بها عن جمال المرأة والرغبة فيها كزوجة يتدافع الخُطَّاب للفوز بها، ومن الجمال الظاهر الذي يغري الرجل في منطقتنا ويوقظ في نفسه الرسائل الفطرية من الانجذاب للأنثى هو شكلها الخارجي أو ما ظهر من زينتها على بعض أقوال المفسرين ويتلخص ذلك عندنا في شكل الجسم الناتج عن التسمين القسري (لِبْلُوحْ) الذي يعطي للجسم مظهرا أنثويا بعيدا جدا عما يكتسبه جسم المرأة التي أنبتت لحمها وشحمها بتناول النشويات أساسا مع قليل من السوائل، ونسمي المظهر هذا بالحسّانية "الجّْهَامَه". ومن أهم علامات الجمال حالة الأسنان وبياضها والحفاظ عليها وسواد اللثة والشفتين وقد تلجأ بعض النساء لوشم اللثة حتى تصير سوداء فيساعد ذلك على بريق بياض الأسنان كمظهر جميل، وليس لون البشرة معيارًا للجمال عندنا وليست البيضاء أوفر حظا من السمراء في الزواج.
ومعيار قبول الرجل هو النسب أساسا ثم أن يكون حافظا للقرآن الكريم ثم يأتي المال بعد ذلك و أن يكون كريما سخيا.
يمكن حصر أنواع الزيجات في ثلاثة أصناف وهي كالتالي:
1- تزويج الصغيرة لابن عمها تقليد شائع عند كثير من الأسر ويتم تجهيز الصغيرة مُوهمين إياها بأنها ستحضر عرس أختها أو إحدى قريباتها، حتى تجد نفسها فجأة هي العروس وقد يصاحب ذلك كثيرٌ من المعاناة لها والبكاء كل ليلة عندما تهم أمها بإحضارها للمكان المُعَدّ لمبيت العروسين، وترى المسكينة الهمّ والغمّ مع مغيب شمس كل يوم، وبعضهن يتمنين أن يكنّ فريسة للسباع بدلا من هذا العرس الذي لسن على قدره ولايفقهن شيئا عنه، غير أن بعض الأزواج ذكي جدا ويعامل الصغيرة بالحسنى حتى يخف خوفها وهلعها ليلة بعد ليلة حتى إذا سكتت عن البكاء لم تسلم من النكت فيقول قائلهم: "فلانة أراهي گَلّْ حِسّْها" ويتضاحك القوم.
2- معظم البنات يتزوجن في سن الخامسة عشرة ومعظم الشباب في سن ما بعد الخامسة والعشرين وغالبا في الثلاثين. وذلك بعد إنهاء الدراسة في المحظرة حسب الظروف وبعد مزاولة بعض الأعمال الضرورية لكسب لقمة العيش وتأمين السكن الذي هو خيمة أساسا، فيزاول التنمية إن كان موسرا وإلا فإنه يسافر للتجارة والبيع والشراء وقد يستلف من أصحاب التنمية من أقاربه ويذهب للمدن والحواضر الكبيرة والتي كان في منطقتنا منها عروس نهر صنهاجة مدينة كيهيدي التي يقطنها أساسا البولار والسوننكي إذ أنها جزء من منطقة فوتة التاريخية والتي كان فيها التعايش السلمي سيد الموقف بين عدة أعراق من السودان وبين صنهاجة، وكانت مدن السينغال "ئسنغان" وبالذات مدينة دكار وجهة كبيرة لكل أهل حوض النهر لبيع المواشي وخصوصا في عيد الأضحى المبارك. نعم لنعد للزواج الأكثر شيوعا وهو زواج أم الخمسة عشرة سنة. غالبا يسبق هذا الزواج فترة تربص من الجانبين وهي فترة لابد أن تكون معلنة للمجتمع الذي يرفض أي علاقة تحت الستار، بل على الشاب إن هم بخطبة فتاة أن يعلن نيته على الملإ من أصحابه ويخبر أهل الفتاة وغالبا يوصل الرسالة لأختها أو خالتها. ويحترم المجتمع كله هذه النية ويعتبرها خِطْبَةً رسمية وبالتالي لا يمكن لشخص آخر التقدم لها حتى يصرح هذا الشاب أنه قد فسخ النية ولم يعد يفكر في هذا الزواج، وقد يكون ذلك من طرف الفتاة كذلك وتصل الرسالة للمجتمع وينتهي الأمر. هذه الفترة قبل عقد القران حسّاسة جدا إذ لا يسمح للاثنين بالخلوة وإنما هو الحديث بحضرة صواحبها أو أخواتها أو أمها التي تحاول الظهور كأفضل حماة أمام العريس المرتقب.
3- الزواج من المُطَلَّقة وهو أمر شائع عندنا ولا ينقص المرأة كونها مطلقة حتى ولو كان عندها مجموعة كبيرة من الأطفال، كل ذلك لا ينقص من حظها في الزواج، والطلاق كذلك ليس كابوسا يؤرقها إلا أن بعض النساء يحبذن أن يكون أطفالهن أشقاء من أب واحد وبالتالي قد تصبر إحداهن عشرين سنة أملا في رجوع والد طفلها الأول إليها منتظرة رافضة كل خاطب رسالةً منها إليه أني منتظرة رجوعك ولو بعد سنين، وكثيرا ما يحاول معها أهلها ثنيها عن عزمها ولكن دون جدوى. وبعض الأرامل يرفضن الزواج بعد مصيبتهن في الزوج حفاظا على العهد كما يدعين وحفاظا على اسم الخيمة الذي سيرتبط بآخر زوج معها...وزوج المطلقة أو الأرملة يعامل أبناءها بلطف أكثر من أبنائه.
مراسم الزواج:
ملف الزواج بيد النساء بامتياز وهن اللواتي يُدرنه من أوله لآخره ويكون غالبا بيد الأم وعمات البنت أساسا.
وأما الشاب فهو مسؤول كامل المسؤولية عن نفسه وعن زواجه وتدخل أهله له قليل مادام ملتزما بخطوط عريضة متعارف عليها بين أفراد القبيلة وقد تنصحه أمه بالزواج من فلانة ولكنه ليس ملزما بذلك.
بعد الخِطبة يُستشارُ الكبار من الأهل الأقربين وبعد موافقة الجميع أو عدم اعتراضهم يتم عقد القران وهو حفل بهيج بسيط تتخلله الزغاريد وإطلاق الرصاص في السماء إعلانا وابتهاجا بهذا العقد المبارك.
حفل العرس (الدخول) ويُسمَّى في منطقتنا "ادْخُولْ لِخْطَيْرْ" تجتمع له الناس من كل مكان ويُدَقُّ الطبل الكبير وهو من أجمل وأقوى الطبول صوتا ويصل بالليل لأماكن بعيدة. يتم تزيين العروس بضفر شعر رأسها مستخدمات طحين يابس ورق السدر الذي يُسمّينه "لخواظ" ويتم ضفر شعر الرأس على ثلاثة أقسام وتلبس في مقدمة الرأس ذهبا من عدة قطع نسميه "العصّابه" وحلقا في الأذنين نسميها "بَدْلات" وعقدا في الرقبة نسميه "الصِّرْعْ" ويكون من الأحجار الكريمة ومعادن الفسيفساء النفيسة وبعض قطع الذهب، وتلبس في الرسغين قُلْبَيْن من ذهب أو من الفضة التي نسميها "النَّقْرَه" وكذلك تلبس خلخالين من " النَّقْرَه" وقد يدوم العرس سبع ليال متتاليات حسب إمكانيات العريس وحسب ظروف الجو والمناخ.
ليلة الزفاف ليلة عصيبة وفيها ينقسم الناس إلى فئتين إحداهما في صف العريس والأخرى مع صواحب العروس اللواتي يحاولن إخفاءها تلك الليلة في مكان آمن ويحاول العريس وشيعته تفادي ذلك وبالتالي إن تم الإخفاء "الترواغ" قبل انتباه العريس وجنده فإنهم يذهبون يبحثون عنها حتى يعثروا عليها وقد يفدونها بعطاء سخي، وقد تتم المواجهة بين الفريقين قبل الإخفاء وتكون معركة حامية الوطيس تُسَمّى "لگْلاعْ" حتى تكون الغلبة لأحد الفريقين فيأخذ العروس معه.
ماذا بعد الزواج؟
المرأة دون الأربعين بالحسَّانية نُطلق عليها "طفلة" والرجل كذلك نطلق عليه "اطْفِلْ" وهو نفس الاستعمال في تونس والجزائر الشقيقتين. والطفلة بعد الزواج تنتقل إلى خيمة أهل زوجها لتبدأ حياة جديدة مع حماتها التي تستحيي منها وتبقى زمنا طويلا ووجهها مُغَطّى إلا إذا احتوتها الحماة بطيب الكلام وطيب المعاملة ولكن مهما يكن فلا يمكنها مواجهتها بالأكل أمامها أو الشرب وأما إذا كانت الحماة متجبرة فذلك زمن عسير على العروس التي غالبا ما يأتي بها الزوج الشاب لأمه ويسافر عنها بعد ذلك بحثا عن العمل في المدن الكبرى. وانتقال المرأة لخيمة أهل الزوج يسمى "الرحيل" وتتكلف فيه أمها وكل قريباتها في جمع أكبر قدر ممكن من الملاحف والحلي والأقداح والوسائد وأمور الزينة بحيث أن أهل البنت يتكلفون أكثر من قيمة المهر الذي دفع لهم في هذه المناسبة الجميلة ويُرْفقون مع ذلك عدة بقرات للحلب وثورا للركوب.
إذا أحست المرأة بالحمل لأول مرة فإنها تنتقل قافلة إلى أمها بأسرع وقت ممكن وتمكث حتى تضع وتنهي شهرين كاملين على الأقل " اتْوَفّي الستين" وبعد ذلك للزوج الحق في ترحيلها إلى أهله.
المجتمع والزواج:
كان المجتمع أحيانا يُزوّج الصغيرة دون علمها ناهيكم عن رضاها، وأما البنت فوق الخامسة عشرة فهي رقم صعب جدا ولايمكن لأحد أن يُجبرها على رجل لا ترغب فيه. وإن تعلق قلبها برجل وفهم المجتمع ذلك حاولوا ثنيها عنه إن لم يكن أهلها يرونه مناسبا لها ولكنها إذا أصرت وأصرت فإن العقلاء في المجتمع يسعون لإتمام ذلك الزواج مع اكتسابها نظرة احتقار من المجتمع وذلك لأن السياسة العامة هي تربية المرأة على كره الفراش (الجنس) حيث تبدأ التدابير في يوم العقيقة كما ذكرنا من قبل ويلي ذلك تربية قاسية في تنفيرها من مجرد التفكير في الفراش ثم يأتي "لِبْلُوحْ" الذي لا يعطيها فرصة تفكر إلا في فناء البقر الذي هو مصدر الحليب الكثير، في ظل هذه التربية تتربى الفتاة قوية الشخصية لا ترى في الرجل إلا سبيلا لتكوين أسرة للحصول عَلى أطفال ولذلك شعارهن المعروف "المهم ألّا ئشاشره" و "الرجالة ماهم شي" ويضعون شروطا على الرجل هي كلها في صالح المرأة ومن ذلك شرطهم المعروف "لا سابقة ولا لاحقة وإلا فأمرها بيدها" وبصراحة كانت المرأة في منطقتنا تتمتع بحقوق كثيرة لم تستطع المرأة في أي مكان من العالم تحقيقها حتى في العصر الحديث وفي أكثر المجتمعات ادعاء لمراعاة حقوق المرأة. الرجل لا يمكنه أن يرفع صوته عليها وأما ضرب المرأة في القرآن فإنهن يعتبرنه منسوخا ولا يمكن أن يفكر فيه الرجل أبدا والواقع أن ضرب النساء غير وارد في ثقافتنا بل من المستحيل. المرأة في خيمتها مسؤولة عن تجهيز الطعام وتوزيع الحليب وترويبه ونزع الزبدة واستخلاص السمن لكنها غير مسؤولة عن الحَلْب بل هو من عمل الرجال وهي مسؤولة عن كل ماله علاقة بالخيمة من غزل الصوف حتى تكمل الخيمة. ليس اليتيم فينا من فقد أباه بل هو الذي فقد أمه. لم يكن المجتمع يضغط على الشاب حتى يتزوج مثلما يهتم بزواج الفتاة.
الطلاق: في منطقتنا منتشر كثيرا ولا تكاد تجد إلا نسبة ضئيلة من الأسر التي تكمل مشوار حياتها من غير طلاق واحد على الأقل, ومعظم الرجال والنساء لديهم أطفال غير أشقاء. حسب فهمي أن استحالة التعدد في مجتمع صنهاجة من قديم الزمان ألجأ بعض الرجال أن يتزوج الأولى ثم يطلقها ليأخذ الثانية وهكذا يترنح بينهما حتى يستقر عند أيهما أكثر عيالا من البنات. والمرأة متسلطة غالبا على الرجل لأن المجتمع معها دائما مما قد يحرج الرجل فيطلقها مكرها, وقد يصعب عليه التصريح بالطلاق وتزيد هي عليه الحياة نكدا فيهرب تحت جنح الظلام في رحلة إلى الأبد.
حمل الموروث الثقافي في الأحاجي وقصص السمر التي نسميها "لِمْرادّْ" شخصية أسطورية اسمها "مُحِمْدِ احْوَيْلَاتْ" الذي كانت له قدرة فائقة بالتشبه بالنساء لأنه وُلد ذكرا ولكن جسمه نما وكبر شبيها بالبنات في المِشْيَة والكلام والحركات، لكن مادام الأمر خِلقة فالمجتمع يسلم الأمر لله وينتقد على محمد احْوَيْلَاتْ لبْس الملحفة ويزجره وينهاه عن ذلك.
تحدث الموروث الثقافي عن الطفل يولد غير محدد الجنس ويسمى "أَرَرْويِ" براءين مرققتين وهي كلمة ظاهر من بنائها على أنها أمازيغية، وينتظر به المجتمع سن البلوغ لتحديد الجنس الغالب عليه.
تحدث الموروث الشعبي القديم عن المثلية الجنسية ذامّا لها، تكلم عن تعلق شاب بشاب من أترابه ولكنه كان يخبر أن المُبتلى بالمثلية لا يعيش غالبا لتعلقه بمستحيل ويفرق بينه وبين اللاجنسي الذي يعمر طويلا لراحة باله من عقارب التفكير في النساء وأرق المحبين الذين ينحل الجسم ويكل العظم. والمثلية الجنسية حاضرة ويراها الناس في الحيوانات والتي يكرهون منها ذلك السلوك لحد الذبح أحيانا وعدم الاستنفاع بلحمها.
تحدث الموروث الشعبي عن اللَّاجنسية ويمتدحها كثيرا للمرأة ويعتبرها تاج فخر وأما بالنسبة للرجل فإنهم أذكياء ويوصلون له رسالة واضحة أن من لا يستطيع الباءة فلا يُقْدمنّ على الزواج إذ فيه تضييع لحق المرأة. والمجتمع لا يعيب كثيرا على الإنسان العزوبة عن الزواج مادام طيب السلوك بعيدا عن الريبة والتحرش.
لم يتحدث الموروث الشعبي عن ممارسة فاحشة قوم لوط بل كثير من الناس لم يسمع عنها إلا في القرءان ويعترها كقصص فرعون وهامان وعاد وثمود أي أنها شيء من الماضي وذلك لاعتبارات كثيرة منها حياة البداوة والخشونة التي يكتسبها الفتى من صغره وبالتالي يندر توفر الأمرد الجميل الرقيق في المجتمع والذي بينه الشبه مع الحسناء من النساء.

***

- الحلقة التاسعة
معاش الناس وقوتهم اليومي (اِلصَّايرْ)
الطبخ "التّطْيابْ":

جل اعتماد الناس في منطقتنا على الذرة البيضاء وبالذات صنف "تَغَلِّيتْ" في معيشتهم ومنها الوجبة الأولى والتي نسميها "كِسْكِسْ" هكذا ضبطها بكاف مكسورة ثم سين ساكنة مرَّتَيْنِ.
تُؤَمِّنُ الخيمة "الأسرة" المتوسطة لها ميرة قدرها ثلاثمائة وخمسون مُدًّا، والمد في عرفنا حوالي أربع كيلوغرامات وزنا.
كان معيار الكيل عندنا هو يد الإنسان المتوسطة فملؤها نسميه غرفة وملء اليدين المتوسطتين نسميه غرفتين وأربع غرفات نسميها "نِصّْ" ومكيالها نسميه "النّصفي" وست غرفات نسميها "اجْمَامْ" وثماني غرفات نسميها "نِفْگه" ونجمعها على "انْفَاگِي" وأربع انْفَاگِي هي المُدُّ عندنا ونسميه نفس الاسم بكسر الميم.
هذا الكم الكبير من الزرع لاتسعه الخيمة التي هي متنقلة في تتبع مواطن الكلإ، وبالتالي كان ولابد من تخزينه والذي يتم بعدة طرق فنية جميلة وأرقاها أجملهاالذي يحفظ فيه الزرع في سنبله ببناء مصنوع خصيصا لهذا الغرض من الحشائش وقد يكون طينا بطريقة فنية محكمة نسميه "كْاتَه" ونسمي السنبلة "تاتْكِلّيتْ" وجمعها "تِيتْكِلَّاتِنْ"، ولكن الطريقة الأسهل للتخزين هي الرّدْمُ بمكان معروف يردم فيه كل الناس زرعهم وله حارس ساكن عنده ويتقاضى أجرا على ذلك، وأحيانا وتحت ظروف استثنائية يتم الرّدم في أماكن سرية في تلك الأحراش شريطة أن يكون مكانا آمنا من مجرى السيول، والقاعدة العامة أن كل الردم لابد من إخراجه قبل موسم الأمطار بشهر يونيو من كل سنة
عملية طحن الزرع:
كانت بدائية جدا بسبب حياة البادية والتنقل إذ لم تكن الطواحين متوفرة بل كان يتم ذلك كله يدوياً وبمشقة عظيمة. في الصباح تُخرج حصة اليوم من الزرع وتُسمّى "الدَّگّْ" تنظف من التراب والعوالق وتغسل ثم تنقع في الماء حتى تلين ويتم ضربها في المهراس "المهراز" دقّا خفيفا لكي تنفصل النخالة عن الزرع ثم يُنشف وتنزع عنه النخالة من أجل الحصول على طحين أملس. وتبدأ عملية الطحن الشاقة على دفعات حتى يدق جميعه.
عملية استخلاص الطحين أو الدقيق:
الغربال عندنا نوعان، صغير الفتحات نسميه "صَوْصَايَه" وكبير الفتحات نسميه "دَرْبَايَه" أو "أَغِرْبَالْ" والصوصايه هي التي تستخدم لاستخلاص الدقيق الذي هو مادة الكسكسي الأساسية وأما الباقي عن عملية الغربلة فهو لُبُّ الزرع (الجنين) المفيد وبهذا يتضح لنا أن الفائدة في الزرع المتمثّلة في النخالة واللّبّ كنّا محرومين منها وهذا من أعظم الأخطاء الغذائية التي كنّا نرتكبها، حيث يفقد الطحين بعد إزالة النخالة واللّبّ (الجنين) ثلاثين عنصرا غذائيا مهما للجسم منها الألياف والفيتامينات والحديد ولايتبقى من الزرع سوى الطبقة النشوية.

وجبة "كِسْكِسْ":
من ذلك الطحين الأبيض يتم تجهيز الكسكسي والعملية تسمى "لِبْرِيمْ" وللكسكسي عدة أسماء منها "لبريم" و "لغليظ" و "ئنگمُّو" و "الطعام" وليس بإمكان كل سيدة إتقانه خلافا للنوع الثاني منه الذي نسميه "الرگيّگ" أو "باسِي" الذي من السهل تجهيزه، و"باسِي" منتشر بين كثير من شعوب السودان في غرب إفريقيا.
الطبخ نسميه "التَّبْخْ" أو "التّطْيابْ" وإنضاج الكسكسي يكون على البخار ونسميه "التِرْگابْ" ويكون على مرحلتين أولاهما هي الأساسية وقد تدوم نصف ساعة، ينزع ويبرد ويضاف له دقيق الملّوخية البرية "تَغْيَه" ثم يعاد ثانية في "أرگاب" لمدة عشر دقائق تقريبا ويكون حينها جاهزا بعد التبريد لإغراقه في الإِدام وبعد ربع ساعة من "التُّورَادْ" يكون جاهزا للتناول بعد صب الدهن أو الزبدة.
"ئنگمُّو" هو سيد الطعام عندنا وهو الوجبة الرئيسية واليتيمة كذلك ووقتها قبل صلاة العصر بقليل أو بعدها بقليل وإدامه اللحم ولا يؤكل بالحليب، وهو الطعام الذي يمكن تقديمه للضيوف، وهو وجبة الغداء بامتياز وماكان الناس يتناولونه بالليل أبدا حيث أن فلسفة الأكل في الليل أن يكون خاليا من أي صنف من اللحوم بل يكون أساس إدامه الحليب.
وأما الكسكسي الرقيق "باسِي" فهو لمن يريد العشاء وإن كان أساسا للفطور "الصَّبُّوحْ" للأطفال كما وضحنا في حلقة سابقة.

وجبة "كُرَانْ":
ويأتي بعد الكسكسي في الأهمية وجبة "كُرَانْ" وأساسها حب الزرع المنخول يطبخ مع اللحم لعدة ساعات حتى يكاد الحبّ يذوب ويمتزج باللحم وتستخدم مدقة من خشب نسميها "لمْدَگّه" لِدلْك هذه الوجبة جيدا ودعكها، وهي أقرب شيء للهريسة عند أهل الخليج. هذه الوجبة قيمتها الغذائية أفضل من الكسكسي لأنها تحوي لُبّ الزرع رغم افتقادها للنخالة ولكنه لايمكن تقديمها قِرًى للضيوف. وينضوي تحت كران وجبة من ثمر شجرة "أيْزِّنْ" المنتشرة في بلادنا بكثرة وبالذات في الشعاب التي تصب في "التُّومْرِنْ" ونسمي ثمرتها "مَنْجَاغَه" وهي شجرة شبيهة في مظهرها بالزيتونة وثمارها مرة لابد من التحايل عليها وتنقيعها في الماء زمنا حتى تزول مرارتها وهي ثمرة صحية جدا وتطبخ طبخ كران مع اللحم.

وجبة "الْعَيْشْ" وهي العصيدة:
الطحين الذي هو مادة الكسكسي يستخدم لتجهيز وجبة العيش وهو وجبة ليلية أساسا تجهز لعابري السبيل لأنها تستطيع الصمود من وقت تجهيزها عصرا حتى صباح اليوم التالي. هذه وجبة العيش الكبرى وهناك أنواع أخرى من العيش منها ماكانت مادته لُبُّ حَبِّ الزرع الذي نسميه "الرُّوصْ" أو "ئيگجان" وقد يضاف له بعض النخالة وهذا النوع من العيش نسميه "بو گَطْعَه" أو "الرغيد" وهي وجبة صحية جادة، وإن كان العيش باللحم سميناه "بلَّخْ". والعيش إن كان تناوله غداءً كان إدامه اللبن الرائب وإن كان عَشاء أو فطورا كان إدامه باللبن الحليب.
ويدخل في منظومة العيش عدة وجبات من موادَّ غير الزرع منها "أفْرَكانْ" الذي مادته بذور نوع من الحَدَجِ، ومنها "تَافْلَكُّوتْ" التي هي من ثمر نبتة تُسَمّى "آزّْ" بهمزة مفتوحة ممدودة وبزاي مفخمة ساكنة مشددة، ومنها كل دقيق أو طحين يضاف إلى الماء يغلي ويُحرك حتى ينضج فهو عصيدة وعندنا نسميه عَيْشاً.

تصبيرة "ئشِرْشِمْ":
كل حب إذا سُلِقَ في الماء فهو يسمى عندنا ئشرشم وعادة يستخدم كتصبيرة للأطفال منتصف النهار لأن الغداء لايكون جاهزا إلا وقت صلاة العصر. ئشرشم يكون من "تَغَلِّيتْ" ومن "بِشْنَه" غالبا وقد يكون من "أدلگان" أو من "مَكّه"، حبٌّ مسلوق فحسب وهو صحي جدا. ومن التصبيرات كذلك الزرع إذا أشوى وصلح أن يُشوى فإنه يُشوى
ويُفرك لاستخلاص الفريك منه والذي نسميه "مَنگُو" وإن جففنا الفريك سميناه "مَنگِتْنَا" ونشوي كذلك الذرة الصفراء "مَكّه" ونشوي "أدلگان" كل ذلك ينطبق عليها وهي لاتزال رطبة عند اكتمال النضج وقبل اليبوسة.
إذا طبخ "ئشرشم" معه اللحم أصبح يسمى "ساكُو" وهو وجبة خاصة بالنُّفَسَاء في أيامها الأربعين، وقد يجهز لها حساء من نفس الدقيق المستخدم للكسكسي ويسمى هذا الحساء نشاء "النّْشَ"
كل طعام غير متقن سواء أكان كسكسيا أو عيشا نسميه "انْجَخْمِيري"

الإِدامُ وأنواع الأًُدُمِ المعتمدة:
يعتمد الناس في منطقتنا على البقر أساسا وبالتالي فمعظم الإِدام من لحمه المقدد في فصل الشتاء عندما ينحر الناس ويستصلحون القديد "التِّيشْطَارْ" زادا لعام كامل ويجهزون الوَدَك من شحمه الأصفر. وكذلك يدخل أهل كل حي "افْريگْ" في تناوب ذبح الشياه في تقليد نسميه "وَنگَالَه" كل مدة دون تواصل دائم ودون انقطاع كامل، بالإضافة إلى الذبائح للضيوف فقد كنّا صغارا ندعو الله أن يأتينا ضيف حتى نرى الدم يسيل ونشم رائحة الشواء. من مصادر اللحوم كذلك صيد الغزلان وماشاكلها وصيد النّعام والحُبارَى والإِوَزِّ وماكان في مستواها من الطيور البرية. والعجيب أنهم لم يكونوا يأكلون الدجاج ولابيضه، والأعجب من ذلك والأغرب أنهم لم يكونوا يقربون السمك ويسمونه الحوت، هذا مع توفره في النهر وفي بعض الوديان العميقة التي يمكث بها الماء طول السنة، غير أن إبريل ومايو من كل سنة كانا موسم تقاطر النساء ل"گيْطانِت الحُوتْ" بهذه الوديان ونسمي الماء الذي يمكث طول السنة بمجرى الوادي نسميه "گِلْتَه" وهناك صيادون متخصصون، وتطبخ النساء السمك سلقا ويشربن مرقته ويأكلن لحمه مُكْرٍهات أنفسهن على ذلك طمعا في صحة الأبدان وزيادة الأوزان.
ولايمكنني أن أنسى التمر الذي كان ضروريا تواجده عند كل خيمة يقدم للضيوف خاصة مع اللحم.
معظم الطعام كان يُسلق أو يُشوى وأما الكسكسي وحده فهو الذي كان ينضج بالبخار وأما القلي فلم يكن في قاموس الناس، ولم يكونوا يعرفون البهارات باستثناء الفلفل الأسود الذي كان يستخدم مع الشاي الأخضر "أتاي" لعلاج نزلات البرد، أو ترش به أرض الخيمة إن كان بين الأطفال من يأكل التراب حتى يعافها. والملح كان منه نوعان، الملح الحي الذي يأتي على شكل قوالب من السبخة بالساحل والملح الميت الذي كان يأتي وباد عليه أنه منتج بطريقة بدائية وبه كثير من العوالق ونسميه "گَيْجَّمْ"

هذا ما كان عالقا بالذاكرة وإلى حلقة أخرى بإذن الله.

***

- الحلقة العاشرة الجزء الأول
مساكن الناس وبيوتهم ...

نحن في هذه المنطقة من أرض الله من مواطن صنهاجة المترامية الأطراف والتي عاش أهلها حياة البادية والتنقل بحثا عن الكلإ والماء أحيانا وعن الأمن أحيانا أخرى. شهدنا عبر التاريخ في بعض الأحيان هجرة جماعية من حياة التمدن والتقرّي والرخاء في مدن عامرة إلى حياة البادية وشظف العيش والترحال ويكون ذلك غالبا بعد الحروب الأهلية الطاحنة وما أكثرها للأسف ومن أكبر الشواهد في التاريخ خراب تِنِيگِي بآدرار والذي مضى عليه أربعة قرون ولكنه لا يزال غصة مؤلمة في الذاكرة الجماعية لمن كان أجدادهم بتلك الربوع الكريمة ولايزال الحنين متواصلا لتلك الديار ولأمجاد التي مزقتها الحروب بين الأشقاء في غياب وجود سلطان مركزي يرجع الناس إليه وقت النزاع ويمنع ظله نشوب مثل هذه الحروب الطاحنة، حسبنا الله ونعم الوكيل.
بصراحة الخيمة أو بيت الصوف الذي نسكنه يُعْتبر مفخرة لكل من عاش حياة البادية، ولم أرَ له مثيلا في كل الدنيا التي بها بوَادٍ ولا حتى في المشرق وبالذات في بلاد العرب، حيث أن البيوت التي يسكنونها لاتعدو كونها مما يدخل عندنا تحت صنف "أٓبَرْگَانْ" ...
خيمتنا تعانق الثريا وتناطح الجوزاء في شموخها وتاجها "گنّية" تُرَى من بعيد وتحاكي في ثباتها ورسوخ أوتادها الثمانية، تحاكي الجبال الراسيات. هنا سأصحبكم ببعض التفصيل في صنع هذه الخيمة الفريدة وماتحويه تحتها من متاع جميل وراحة تحصل رغم قساوة البداوة. هذه الخيمة مادتها الأساسية صوف النعاج من الضأن وكذلك من الكِباش غير أنها قليلة فهي تُباع غالبا في السنة الأولى من عمرها وبالتالي الاعتماد الأكبر في تحصيل الصوف هو الإناث من الضأن. والصُّوفانيّ من الضأن ببلادنا هو الأسود ونسمي ذلك النوع "لِغْنٍمْ الْكَحْلَه" وهي تلعب دورا مهما جدا في حياتنا ومن أهم مزاياها أنها مصدر صوف الخيمة والذي نسميه "لُوبَرْ".
عملية جَزِّ الصوف نسميها "الزَّزّْ" بإبدال الجيم الأولى زايا وهو أسلوب متبع في الحسّانيّة مثل العجوز (لِعزُوز) و السّرج (السَّرْزْ) ويُجْزِئُ (يِزِّي) والحجّاز (الحزَّازْ) والنّسْج (النَّزُّ) الخ ...
يتم جَزّ الصوف مرة في السنة أو مرتين حسب خصب العام، وأشهر موسم لجزّ الصوف هو آخر فصل الأمطار الذي نسميه فصل الخريف ويكون ذلك بشهر شتنبر. يتم تفويج النعاج وأول خطوة هو غسل الشاة بماء الغدير وتنظيف صوفها بعناية كبيرة وذلك قبل الجزّ بيوم، ويتم اختيار يوم ليس به رياح. ثم ينهض الشباب مبكرين قبل طلوع الشمس لحبس ذلك الفوج المستهدف في زريبة الغنم ويتم إخراجه شاة شاة حسب عدد الشباب المستعدين بسكاكينهم ومع كل شاب طفل يدخل إبهام إحدى يديه بفم الشاة فوق لسانها قابضا على فكها السفلي (أغابا) وواضعا يده الأخرى فوق رأس الشاة حتى يثبتها للزَّزَّازْ والذي هو في معظم الأحيان يكون "حاميَ الرأس" ويريد جَزّ صوف أكبر عدد ممكن من النعاج حتى تتحدث عنه بنات الحي وعن رجولته ، وقد يعاني الطفل الذي يساعده كثيرا من صراخه وقوله التوبيخي: "احْكمَ أنتَ مانَكْ راجِلْ" يُجمع ذلك الصوف وهو عندنا بمثابة الذهب الأسود، يُجمعُ بعناية قصوى وبحرص شديد ويجعل في أوعية (زگائب) وتستلمه أمهاتنا ليمرّ بعدة مراحل:
-أولها: فرز الصوف الأبيض القليل جدا عن الأسود الكثير إذ قد يمثل خمسة بالمائة وذلك لأن بعض النعاج تكون هجينا بين صنفي النعاج السوداء والبيضاء، وهذا الصوف الأبيض له دور مهم في الخيمة وسيأتي في حينه إن شاء الله.
-ثانيا: النفش بالأيادي حتى ينتشر بأقصى قدر ممكن ثم بعد ذلك يكون جاهزا ليوم موعود وكبير عند النساء والأطفال بالذات، إنه يوم "التّْوِيزَه" يوم تجتمع فيه النساء بأرض صلبة ومستوية "أدَرْگْ" ويحطن بكومة من الصوف ويجعلن ينشرن ذلك الصوف دفعات على "أدَرْگْ" ويجلدن الصوف بعصيٍّ رفيعة وغالبا تكون من شجرة "ئمِجِيجْ" لتتم عملية النفش بأحسن وجه حتى يسهل تكوين الخيط وَعَمْتُه بسلاسة كاملة وبسمك متساوٍ، هذه العصا الرقيقة نسميها "لِحْصَه" أو "العمَّاتة" ثم رشُّه بالماء.
-ثالثا: العَمْتُ وهو تكوين الخيط بلف الصوف مستديرا في أصابع اليد لغزله ولف الخيط حول عود العميتة حتى تتكون ثم ترمى العميتة في الشمس لتبدأ المرأة في تكوين عميتة أخرى وكل قطعة تتكون على العميتة تسمى "فَسْخَة" أو "كُبَّة"، عند هذه المرحلة تكون الخيوط جاهزة .
-رابعا: المَحْط وهو عملية ترويض الخيوط بربطها مشدودة بين جذعين حتى تصبح مروضة وسهلة بعد ما كانت في حالتها الدائرية التي اقتضاها الغزل وبعد المحط تصبح الخيوط في حال يسهل التعامل معها ويتم نقعها في الماء ليوم أو يومين لتنظيفها وتقويتها لمستقبلها حيث هي الدرع الأول الذي يحمي من المطر.
-خامسا: التسدية لنسج الفَلِيجَةِ (انْزِيزْ لِفْلِيجْ)، والفليجة هي الوحدة المكونة للخيمة ونسميها بالحسانية "لِفْلِيجْ" وهي قطعة منسوجة من الصوف عرضها يقارب الذراع ونصف الذراع، وطولها بين ثلاثة عشر ذراعا وواحد وعشرين ذراعا وذلك حسب الغاية من الخيمة وهل هي لأسرة صغيرة في بداية حياتها أو هي لأسرة ممتدة تحوي أُسَرة كبيرة تنضوي تحتها أسرة صغيرة أخرى كزوجة الولد. والتوسع في حجم الخيمة يُراعى فيه كذلك إمكانية حملها في الترحال حيث يصعب التعامل مع الخيمة العملاقة (العابرة) طيّاً وحملا ونصبا ورفعا وجرّأ وليس كل ثور قادرا على حمل الخيمة الكبيرة وأثاثها الذي نسميه في المجموع "التُّوظِيتْ والجمع التُّوظِيتِنْ" وتنسج فَليجة أصغر عرضا من تلك ولاتتجاوز الذراع وتُسَمّى المَطِنْبَة وهي في طول الفليجة. وهناك قطعة ثالثة بنفس الطول ولكن عرضها في حدود الشبر الواحد وبها خيوط بيضاء بطولها وهي آخر قطعة في ترتيب تكوين الخيمة بدءًا من جانبي "افليج الحِمّارْ" كمرتكز أي عند المدخل الأمامي والمدخل الخلفي وتسمى "الحَلّالة". وتوجد قطعة مهمة ومكانها وسط "افليج الحمار" وفي نقطة ارتكاز الخيمة، وهي مصنوعة من صوف الضأن الأبيض وهو دائرة مفتولة يبلغ ارتفاعها أقل من شبر وهو أول مايراه من الخيمة القادم من بعيد وتُسمى هذه القطعة "الْگِنِّيَّة" على وزن الجِنِّيَة ويبدو أنها مشتقة من "أَگِنِّي" فيها إشارة للعلو والبروز، يدخل بها مسمار الحِمّار. والحِمّار على وزن "المِفتاح" وهو من خشب على شكل الصورة النمطيّة للقلب وبكلا جانبيه حفرة داخلية هي مرتكز إحدى ركيزتي الخيمة. وللخيمة ركيزتان طول الواحدة يقارب ثمانية أذرع وهما من شجرة نسميها "جَيْوَة" بجيم شديدة غير رخوة وهما أطول أثاث الخيمة وأقصر مافي أثاثها أوتادها الثمانية. وللخيمة ركيزتان قصيرتان تُسْمك بهما وقت هطول المطر وتسميان "اركايز التسافي"، وكان ذلك كافيا في الزمن الأول قبل تغيُّر المناخ ببداية السبعينيات حيث أصبحت الأمطار تأتي مصحوبة بعواصف ترابية تقتلع الخيام من خوالفها فطوّر الناس منظومة التصدي بست دعامات (أنال - ئِنايْلِنْ) من شَجَرٍ مغروسة ثلاثة منها بانتظام في المسافة بينها عَلى كل متّكإ. ويقوم الناس بالإضافة إلى ذلك بِفكّ وحلِّ الخوالف الأربعة من وذَائنها (أخرابها) وضمها للخيمة واستخدام دوارك لتثبيت الخيمة أكثر.
-سادسا: تكوين الخيمة وتجميع وحداتها من الفلائج وملحقاتها ونسميه "شَلّْ الخيمة" وتجتمع له النساء في جمعيتهن التعاونية " التّْوِيزَه". أهم فَليجة في الخيمة هي المركزية منها والتي تعتبر عمدة الخيمة ومركز توازنها، ونسميه "افليج الحِمّار" وأصغر خيمة تتكون من ثلاثة فلائج وحلَّالتين وأكبر خيمة للرُّحَّل تتكون من سبعة فلائج وحلَّالتين مع منطنبتين وتسمى الخيمة "العابْرَه"، ومعظم الخيام تتكون من خمسة فلائج وحلَّالتين وطولها خمسة عشر ذراعا واللّمسات الأخيرة في تكوين الخيمة تسمى "التمَطْرِيگْ" ويتم خلالها خياطة قلادة الخيمة حول "الحِمّار" وتركيب ثمانية "أخراب" وهي كالآذان للخيمة حيث يتم تركيب ثمانية حبال بها. أربعة حبال هي الظُّهور أو الظُّهْران وهي عمدة توازن الخيمة حيث أنها راكبة بفليجة الوسط "الحِمّار" وخُرْبان بحبليهما بالحلّالة الأمامية الغربية، وآخران بالحلّالة الورّانية الشرقية. والحبال الأربعة الأخيرة تُسمى "لِخوالِف" ولكل خالفة عود يرفعها يسمكها بطول ثلاثة أذرع إلى أربعة أذرع وبنهايته عودان صغيران بينهما زاوية كما بين السبابة والوسطى عند تفريقهما. ويسمى هذا العود بابا ونهايته فرع الباب ويدخل الفرع في أذن الخالفة (الخرب) وتسمك أو تُطرح حسب الحاجة من دخول الهواء أو حجب الشمس. وللخيمة ثمانية أوتاد من الخشب القوي ولايتجاوز طول الوتد شبرين وهو محدد ومذبب ويُدقّ في الأرض بصخرة قوية نسميها "أَمَرْزَبَّة" أو "الْمَعْرٓظْ"وتقول المرأة أثناء ذلك الدَّقِّ "الفتح ، الفتح...." وأما الحبال فهي أساسا كانت من جلد البقر ويسمى الواحد منها نِسْعَة. الخيمة قائمة منتصبة الهامة على شكل هرميّ ترفعها الركيزتان وتمسكها الحبال الثمانية متوازنة وأعلى نقطة فيها (الْگِنِّيَّة) ترتفع عن سطح الأرض ستة أذرع على الأقل.
الخيمة في منطقتنا تُبنى ولها مدخلان هما الغربي والشرقي، أما الغربي فيستخدم بالليل ووجه النهار حيث تُطرح الخالفتان الشرقيتان لحجب الشمس وفي منتصف النهار يتساوى المدخلان وترفع الخوالف الأربع للتهوية، وأما آخر النهار فيكون المدخل الشرقي أكثر نشاطا وحيوية وتطرح الخوالف الغربية، ومن المستهجن استخدام المدخل الشرقي بالليل ويعتبر ذلك تجسسا وتحسسا غير لائق.

***

- الحلقة العاشرة (الجزء الثاني)
مساكن الناس وبيوتهم ...

أثاث الخيمة:
-الدَّبَشُ ويتكون من "أرحّال" الذي يحمل الدبش وهو المرتكز لكل متاع الخيمة ومؤونة أهلها وزادهم.
تُحفظ الألواح الخشبية المستخدمة لحفظ القرآن مسندة إلى أعواد أرحّال من أمام وقد تنقل آخر النهار إلى أعواده من الجهة الشرقية حتى لا تقع عليها أشعة الشمس مباشرة. ويحفظ في الجزء الأمامي (گرن الدّْبَشْ الگِدَّامِي) كل الأمور التي لها علاقة بالحليب من مِرْوَبٍ بقدح المروب الذي يحفظ في "لِحْوَيْظْ" وبعدما يُمخضُ (ينْجٓفّْ) في الشَّكْوَةِ وتستخرج زبدته فهو "الشّْنِينْ" ويصب في "أسِلّاي". وفي جانب أرحّال الشرقي (گرن الدبش الورّاني) تُحفظ الزبدة في "الكُوزْ" وبعد إذابة الزبدة وتصفية الدهن فإنه يحفظ في "أگرط" أو في عِكَّة محفوظة في "أَگِرْمِي". أرحّال منتصب على أربع قوائم من الخشب الأحمر القوي وقد زيّنها النجار حتى أصبحت تحفة وعلية أربعة أعمدة تقرن بين القوائم الأربعة وبالإضافة إلى ثمانية أعواد أخرى من الخشب الأبيض مهمة جدا ولكن ليس الأساس عليها. أرحّال ينتصب شامخا ثابتا بأقصى شمال الخيمة، ويوضع حبل بطريقة فنية هندسية عليه ليكون كالشبك والأساس لباقي المتاع ويسمى حبل "ئجِتِيلْ" ويوضع فوقه غطاء من قماش أو جلد يسمى "ئجِتِيلْ" ويكون متدليا عن مستوى أعلى أرحّال ليجمع أكبر قدر ممكن من المتاع ثم توضع الأشياء الثمينة كالقماش "الخِنْطْ" والشاي الأخضر "أتاي" والسكر وباقي المؤونة من زرع ليست فيه الحاجة على المدى القريب وأما الاستهلاك اليومي من الزرع فإنه في "مزود" بأقصى جنوب الخيمة. الجانب الخلفي الشمالي من أرحّال يسمى "ؤُورَ الدبش" والجزء الموالي لمضاجع أهل الخيمة هو "دُونْ الدبش".
وأما الجزء العلوي فوق المؤونة فإنه مخصص لحفظ الهودج ومتعلقاته ويتكون من الْحِرْجِ "لِحْرَجْ" وهو للمرأة كالقَتَبِ للرجل ومعه ثلاث قطع فنية ثنتان مع جانبيه على ظهر البعير تسميان "ئِشِشايِنْ" وقطعة ثالثة كأنها لبدة مزدوجة توضع خلف سنام الجمل عند مؤخرة الحِرج. و"التِّيِزيَّاتِنْ" توضع "تزاية على مقدمة أرحّال فوق مكان الحليب والأخرى تقابلها في الطرف الآخر فوق مكان الدهن، والتزاية مصنوعة من جلد البقر ومحشوة بالأعشاب الجافة حشوا مُركزا وهي توضع على جانبي ظهر البعير حول الحِرج، هذه الثلاثة من ضمن مكونات الهودج. وقد يستخدم فم التزاية لحفظ بعض الأغراض المهمة وقد اشتهر في منطقتنا في غابر الزمن حفظ إناء من خشب لا يُخرج إلا إذا نزل بأهل الخيمة ضيف يُدخّن (يِكْمِي) ويسمون هذا الإناء "اگدح الكَمَّايْ" يسقونه فيه ولايشرب أحد فضل شرابه حتى إذا واصل مسيره غسلوا القدح جيدا واحتفظوا به في نفس المكان حتى يأتي "كمّايٌ" آخر.
السرير:
في الخيمة خط فاصل لا أحد يجلس فيه ولا يمكث فيه وهو ممر داخلي يفصل الجزء الشمالي عن الجنوبي منها، إنه "بين الركايز" أي مابين الركيزتين. ويوجد متكأ مصنوع من جريد نوع من النخل خاص بهذا الغرض، يسمى هذا المُتَّكَأ "الخَبْطَة" وقد يزيد طول الجريدة الواحدة عن أربعة أذرع. تُستخدم سيور جلد البقر للربط بين الجريد لتكوين الخبطة ونسجها والتي تسع لثلاثة أشخاص إلى أربعة. وتحتها خمسة أعمدة من الخشب الأبيض باتجاه تسعين درجة من اتجاه الجريد وكل عمود مرفوع عن الأرض بمسندين ارتفاع كل واحد منهما ذراع عن الأرض والمسند يسمى "تَوْتْلِيتْ" والجمع "تُوتلاتنْ"، والتوتليت من الخشب ولها قاعدة عريضة على شكل مستطيل وأما أعلاها ففيه فتحة هي مستند العمود وفي عنقها ثقب لدخول حبل يجمعها بأخواتها يوم الرحيل. هذا المُتَّكَأ الشمالي يسمى "خبطِتْ دون الدبشْ" على طرفها الشمالي الموالي للدبش صندوقان اثنان أحدهما مخصص لتخزين الكتب وهو محترم جدا وفي العادة يكون في المقدمة أي قريبا من المدخل الغربي للخيمة وبجواره صندوق "أتاي" الذي يتم به تخزين الشاي والسكر والمواعين الزائدة أو الفاخرة جدا والمخصصة للضيوف الكبار. والوعاء الذي تخزن فيه كؤوس أتاي الزجاجية مصنوع من عشبة قصبية لينة ومطاوعة للتشكيل مع قوتها وهو "الكُونْتِيَّة" وحقيبة الوالد التي يسافر بها فهي من جلد الغنم وتسمى "تاسِفْرة والجمع تِيسِفْرِنْ" هذه فوق الصناديق أو فوق الدبش من وسطه.
ويأتي مضجع رب الأسرة (مُولْ الخَيمة) مباشرة بعد الصناديق ولكن من النادر أن يضجع فيه نهارا ومن بعده يأتي مضجع ربة الأسرة (مُولاة الخيمة) ومن بعدها أصغر العيال فالأصغر وغالبا ينام مع الوالدين طفلان صغيران دون الرابعة فقط.
وأما المتّكأ الثاني فهو "الخبطة لَكْصَانيَّة" في الجزء الجنوبي من الخيمة وهي عادة بحجم أصغر من المُتّكإ الأول وهي أساسا مخصصة للبنات "الطَّافِلاتْ" إن كان لأهل الخيمة بنات وإلا فإنها للأولاد (العِيِّلْ)، وإن كانوا ذكرانا وإناثا أمكنهم النوم عليها ببعض الضوابط حتى إذا بلغ الولد السابعة فإنه يرفض بطبيعته النوم مع البنات وبالتالي ينام على المُتّكإ الملحق تحت الخيمة غربي "الخبطة لَكْصَانيَّة" عند الرؤوس وهذا الملحق عبارة عن خبطة على خمسة عُمُدٍ ملقاة على الأرض بانتظام من غير "تُوتْلاتِن" وإن كانت لها تُوتلاتنْ بالوضع الأفقي تحت العُمُدِ فتسمى "خبطة مُجَنْكْطَة" والطرف الجنوبي من متكإ البنات عليه مُظلِّلُ الهودج "لِخْطَيْرْ" وهو من عصي بيضاء يبلغ عددها اثنتي عشرة عصاً منها أربعة تُقيم الأركان الأربعة طويلة وتثنى من المنتصف عند تشكيلها وهي طرية حتى تجتمع العِصِيّ الأربع في رأس "لِخْطَيْرْ " ويستخدم يوم الرحيل فوق "التِّيِزيَّاتِنْ" ويظلل بقماش أبيض ويسمى حينها "الحِجْبَة". يحتوي لِخْطَيْرْ على وعاء الزرع الذي هو على شكل قربة من جلد البقر، تكون من جلد عجل صغير فتسمى "الظَّبْيَة" وإن كانت من جلد عجل كبير كانت "المِزْوِدْ" وعند جانبه الأمامي يوجد الرَّحْلُ ولوازمه وهو الآلة التي يركب فيها الرجل فوق الجمل "الرَّاحْلَه"
عند الناس هنا قواعد صحية عند النوم دأبوا عليها من قديم الزمان منها أن الإنسان ما ينبغي أن ينام على فراش يلامس الأرض مباشرة ولا تحت السماء من غير حائل بينه وبين السماء وأن لا ينام في أي ثياب ضاغطة عليه أو على جزء من جسمه بل لِيَنَمْ في دَرّاعَة فقط. وبالتالي لاينام أحد خارج الخيمة في "السَّمْرَه" ويسمون الهواء المفتوح من غير سقف "الگَهْوَه" كذلك.
الخيمة وماحولها من فضاء منظم جدا ولكل قطعة من المتاع مكانها المخصص لها. المدخل الأساسي هو الأمامي الغربي يسمى "مَنْحَر الخيمة" والمدخل الشرقي يسمى "سَهوة الخيمة" ومابين الخالفة والظهر يسمى "مَرْوَحْ" أي توجد أربعة مراوح وهناك "بين الظّهوره" واحد شمالي والآخر جنوبي. ويجتنب أهل الخيمة ما بين الركيزتين داخل الخيمة ومابين الظهورة خارجها فهي أماكن حسّاسة. ولِلْقِرَبِ آلة تُعَلَّقُ عليها ومكانها تحت المَرْوَحِ الأمامي جنب الدبش وهذه الآلة من تسعة أعواد ونسميها حمار القِرَبِ (احْمَارْ لِگْرِبْ). وقريبا من وتد الخالفة في نفس الجهة موضع الإكاف (أَجَفّْ) ولبدته مع حَبْلَيْهِ "أَبَطَّانْ و أَذَنَّابْ" ويوضع على جذع شجرة حيث في تلك البلاد لا يُتْرك شيء على الأرض مباشرة حتى لايكون مخبأً لعقربٍ أو حيّة.
وعلى بعد عشرين ذراعا من مروح الخيمة الأمامي الشمالي زريبة صغيرة لصغار الغنم "اللّغو" من مَعْزٍ وضأْنٍ وبجانبها قريبا من بابها موضع مِيلَغِ الكلب (وننطقها ميلغ على وزن مكتب) ويوضع قريبا من اللغو حتى يعرف الكلب اللغو واحدا واحدا ويألف الغنم وتألفه ويُدَرَّبُ الكلب تدريبا جيدا حيث لاينبح إلا الدابة الغريبة عن أهله ومن المُخجل لأهل الخيمة إن نبح كلبهم إنسانا وبالذات الضيوف. هو لا ينبح إلا متسللا رَآه بآخر الليل عند "سهوة الخيمة" أو وراء الدبش وأما الحركة عند "مَنْحَر" الخيمة فليس له التدخل فيها وإن نبح ضيفا نهره أصغر العيال فينزجر وإن عاد للنباح زجره أحد الكبار قائلا "امْشِ" فإن زاد نهره الوالد قائلا "امْرِگْ" وحينها يخرج من المراح هاربا للغابة ولا يعود إلا متسلّلا ليلا. وأما مُراح الغنم فمن خلف زريبة صغارها. وعلى بعد مائة ذراع من مروح الخيمة تأتي زريبة العجول ويأتي مُراح البقر وبالأخص الحلوب منه وأما الذي لايحلب منه نسميه "أٓمِرْكِي والجمع آمْرٓاكٓه أو ئِمِرْكٓانْ" فهو غالباعند الراعي.
"التَّادِيتْ" جمعها "تِيدَاتِنْ" إناء من خشب له مقبض وقاعدة وهو أسطواني، منه الصغير وهو مِحْلب الغنم والكبير منه للبقر موضعما عند بعد الحلب على شجرة صغيرة قرب الخيمة والشجر كثير جدا وفي كل مكان حول الخيمة. ومع "تاديت" البقر حبلان مهمان جدا طول كل واحد منهما ذراعان تقريبا، أحدهما "أكٓفّالْ" كالقيد الخلفي للبقرة فوق عرقوبيها أثناء الحلب والثاني يثبت به ولدها من رقبته مع ركبتها اليمنى في الجهة التي يأتي منها الحالب، والواحد من الحبلين يسمى "أَزَزّه" والجمع "ئِزِزَّاتِنْ"
أما المطبخ (المَنْصَبْ) فموضعه من الخيمة فحسَّاس جدا وتتحكم فيه أمور كثيرة منها موقع الخيمة الجغرافي في الحيّ "لفريگ" واتجاه الرياح حسب فصول السنة. توضع الأثافيّ "لِْمناصب" وهي من ثلاثة أحجار وقد تطورت وأصبحت ثلاث عِصِيٍّ من حديد ثلاثي الشكل وله ثلاثة أرجل ونسميه "ئِنَبْلُو"، توضع الأثافي في مكان يسهل مراقبته ولا تتأذّى أيّ خيمة من الحي بدخان طبخ خيمة أخرى والطبخ على الحطب أساسا. والقدر أو المرجل نسميه "الصَّابْرَه" ومعظم الأواني محلية الصنع من الشجر مثل شجرة "دَنبُو" و "يَطَّه".
قد يكون أهل الخيمة من أهل الشاي المتفنّنين فيه وبالتالي يحتاجون النعناع وهم بدو رُحَّل فتقوم إحدى البنات برعاية إناء به "طوبة من نعناع" ومن كل فترة تطحن من بعر الغنم شيئا تذُرُّه عليه.
ومن له خَيل يتخذ لها مَدْرَكًا في مكان مناسب بعناية فائقة ويكون تحت شجرة أو يبني لها عريشا ويسقيها الحليب صباحا ومساءً، ويكون مدركها بمكان تحت الأنظار خوفا عليها من الاختطاف أو أن تختلط بغيرها من خَيل دونها في القوة والأصالة فيتأثر نسلها ولهم طريقة قاسية للمحافظة على نسل الفرس وذلك بخياطتها من هناك ولايتركون إلا مكانا ضيقا لبول الفرس.
هذه عجالة عن الخيمة وهي الوحدة السكنية التي تكون الحي الكامل والذي نسميه "لفريگ" أو "أنوال" أو "الزّْمانْ" حسب حجمه وعدد الخيام فيه، وله نظام داخلي محكم وقوانين تحكمه دقيقة جدا وعلى الجميع الإذعان لها والرضوخ بالرضى والتسليم. ولعلنا نأتي ببعض التفصيل في ذلك في حلقة قادمة إن شاء الله....

***
===========

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى