1- قرأت كتاب "قطب السرور..." قبل سنوات، بعد أن استعرته وأنا في لندن من بعض خزائن الكتب. فاستدركتُ أشياء كثيرة على محققه الأستاذ أحمد الجندي وعلى مؤلفه أبي إسحاق المعروف بالرقيق العديم وعلى ناسخه.
وجعلت استدراكي مختصرات معانٍ. وأنشأتُ قبل شهرين من مختصرات المعاني مقالة في نقد الكتاب، وقصرتُ شواهدي وشروحي فيها على ما في دفاترتي من نقول، وذلك لبُعدي، وأنا في مدينة شفيلد، من خزائن الكتب العربية، ثم كتب إليّ صديقي الأديب أحمد العلاونة من الأردن يخبرني بوجود نقد للكتاب وضعه الأستاذ رفيق فاخوري منشور في مجلة مجمع دمشق (مج 45/ج1). وتفضّل عَليّ بتصويره وإبراده إليّ، فاضطُررت إلى حذف قسم من مقالتي وهو الموافق لما قال به الأستاذ رفيق. وهذا الذي بين يدي القارئ هو الباقي منها، فإذا انتهض عزمٌ لإعادة طبع الكتاب فعسى أن يُستفاد من الصالح من نقدي هذا ونقد الأستاذ رفيق وأيّ نقد آخر استفادة تُصلح من متنه ومن تعليقات الأستاذ محققه. وقد بسطتُ القولَ في بعض المواطن قصداً إلى فائدة لغويةٍ أو نحويّةٍ أو أدبيّةٍ قد يستفيدها القارئ.
2- ص 12 قال المؤلف في عُليّة بنت المهدي: "وكانت تحبّ خادماً للرشيد يقال له "ظل" فتكني عنه، ومن ذلك قولها فيه:
أيا سروة البستان طال تشوّقي = فهل لي إلي ظلّ لديك سبيلُ؟"
فورد في النصّ "ظل" بالمعجمة مرتين، مرّة في قولِ المؤلف ومرّة في بيت الشعر. و"ظلّ" في قول المؤلف الصواب فيه "طَلٌّ" بالمهملة المفتوحة. كذلك هو في المراجع التي ذكرته ومنها "الفاضل ص121" للمبرد، وأفاد المبرّد أن الرشيد حلف عليها ألاّ تذكر اسمه، ثمَّ إنها قرأت ذات يوم في القرآن ومرّت بالآية: "فَإنْ لم يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ" فقرأتها: "فإن لم يُصبها وابلٌ فما نهى عنه أمير المؤمنين". أما الكناية عنه بـ"ظِلّ" بالمعجمة في بيت الشعر فلموضع السروة.
3- ص 38 "فأمر بإدخاله، فإذا رجل سياط رثّ الهيئة". وقال الأستاذ المحقق: "لم نعثر على كلمة سياط أو شياط من أوصاف الرجل، وقد تكون سباط من سبط وهو الطويل"، قلتُ: أراها تصحيف "سُـِـناط" بالسين المهملة فالنون. وهو من كان كوسجاً لا لحية له أصلاً أو كان خفيف العارض- وهي كلمة معروفة في الكتب، فمن ذلك قول ابن قتيبة في الشعر والشعراء (ص65) في مُجير الجراد حاريةَ بنِ مُرّ: "وكان سُـِـناطاً قصيراً حَمْش الساقين".
4- قول في "كَشْخان" ص 56: "واستغفال الرقيب بانتهاز الفرصة وإيقاع المكشحة بالمولى".
وقال الأستاذ المحقق: "المكشحة بالحاء من كشح له بالعداوة، عاداه. وكشح الرجل كوي الكشح. وبالخاء من كشخه أي قال له يا كشخان. والكشخان الدّيوث الذي لا غيرة له".
أ- قلتُ: أجاز بقوله هذا للمكشحة معنيين، أحدهما بالحاء المهملة، والآخر بالخاء المعجمة. وما هي إلاّ بالمعجمة بدلالة سياق الكلام. وإن كان وهم فأخذ بالمشكحة المهملة بعض الأخذ، فقد وهم أيضاً الأستاذ علي البجاوي إذ أخذ بالكشحان المهملة كلّ الأخذ، وذلك في تحقيقه الموشّح للمرزباني (ص561) في قول الأصمعي: "لو كنتُ ببلدي ما جَسَر هذا الكشحان أن يعرض عليّ هذا الشعر"، فقد قال فيه مفسّراً: "الكشح داء يصيب ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف". والصواب في عبارة الأصمعي "الكشخان" بالمعجمة، يدلّ على ذلك سياق الكلام.
ب- و"كشخان" كما في كتاب العين (4/155): "الديّوث، وهو دخيل لأنه ليس من كلام العرب". قلتُ: ويقال للمرأة "كشخانة"، قال البحتري (الديوان):
وكيف تٌجارى إلى غايةٍ
وأُمُّك كشخانةٌ من أبيكا؟
ووجدت الجاحظ يجمع كشخاناً على كشاخنة، قال، كما في رسائل الجاحظ (2/175): "مخارج بيوت الكشاخنة ترميهنّ في جُحور الزناة". ووقفت له على ثلاثة مصادر، منها الكَشْخ، كقول الجاحظ كما في رسائله (2/180): "ولم ينسُبُوا إلى الكَشْخ أهلها"، ومنها المكشخة، ما مرّ في نصّ قطب السرور، وهو بعد إصلاحه: "وإيقاع المكشخة بالمولى". ومنها الكشخنة، ذكره الجواليقي في المعرب من الكلام الأعجمي (ص329)، ويدلّ عليه فعلُهُ في قول عبدالصمد بن المعذّل (الأغاني 12/56 ساسي ):
لا تعجبي إن كنتِ كَشْخنتِهِ
فإنما كشخنتِ كشخانا
والفعل من الكشخ والمكشخة هو كَشَخَ، وعبّر عنه مؤلف قطب السرور في نصّه المذكور بـ"إيقاع المكشخة". والفعل من الكشخنةِ كَشْخَنَ. ومعنى كَشَخَهُ وكشخَنَهُ جعله ديّوثاً أو قال له يا ديّوث، ويُعرف ذلك من سياق الكلام.
ج- وقال الأستاذ أحمد محمد شاكر في المعرب للجواليقي ص329: "وكشّخه تكشُّخاً قال له يا كشخان" فجاء بصيغة للفعل على فَعَّلَ بتثقيل العين وبصيغة لمصدره على تَفَعُّل. ولا أدري من أين جاء بالذي قاله، ثمّ إن فَعَّلَ مصدره تفعيل لا تَفَعُّل، أما وطابي فقد نفضتُ الذي فيها، وقوله: قال له يا كشخان، كان يحسن أن يضاف إليه: "أو جعله كشخاناً"، يدل على ذلك بيت عبدالصمد بن المعذّل المذكور.
5- ص 73 ورد "خبر أبي الأصبغ وابنه" الأصبغ مع يحيى بن زياد ومطيع ابن إياس بالعين المهملة من أصبغ، وكُرّر الاسم مرات بالمهملة في الصفحة نفسها وفي التي تليها، وجاء في الخبر نفسه قول مطيع:
يا أبا الأصبغ لا زلتَ على
كلّ حال ناعماً مُتًّبَعا
وذلك كله تصحيف الأصبغ بالمعجمة، والخبر مذكور بالمعجمة في أخبار مطيع من كتاب الأغاني (ج 13 دار الكتب). وأيضاً كُنية أبي الأصبغ هذا واسم ابنه الأصبغ على الصواب في كتاب الديارات (ص254). وهو اسم معروف، وممن سُمّي به الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان (المحبّر ص438). والأصبغ بن مِحْصَن من فُرسان العرب (التنبيه للبكري ص64)، وأصبغ العِبادي وباسمه سُمّيت بِيْعه (الديارات- الذيل ص 349).
6- ص 81 لجميل بثينة:
ألا ليت أيام الصباء جديدُ
ودهراً تولّى يا بثين يعودُ
وقال الأستاذ المحقق: "الرواية الصحيحة كما ترى وكما وردت في الأغاني جزء 2 ص139 ساسي وهي: ألا ليت ريعان الشباب جديدُ". قلتُ: كان الأولى به أن يتثبّت في "الصباء" في البيت ثم يقول: "هو تحريف الصفاء" بالفاء. لأنّ عمله الأصلي هو تحقيق النص. والصفاء هي الرواية الصحيحة لورودها في طبعات ديوان جميل جميعاً، ومنها الطبعة التي حققها الدكتور حسين نصّار. وأشار محققها إلى اختلاف المراجع في رواية البيت.
7- قول في نسب أبي الفرج الأصبهاني: ص85 قال المؤلف: "وقال أبو الفرج الأصبهاني". وقال الأستاذ المحقق: "يصرّ مؤلف الكتاب على نعت أبي الفرج الأصبهاني بدلاً من الأصفهاني كما هو مشهور" قلتُ:
أ- الأشهر في أصبهان بالباء، وممن ذكرها بالباء أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم (1/163)، والسهيلي في الروض الأنف، وياقوت الحموي في معجم البلدان (1/206). وأورد ياقوت في معجمه هذا أبياتاً لبعضهم في أصبهان جاء فيها:
لستُ آسى من أصبهان على شي
ءٍ سوى مائها الرحيق الزلالِ
ويجوز أن يقال لها أصفهان بالفاء، ومعاقبة العرب بين الباء والفاء معروفة، ويُعين على ذلك أنهما من أحرف الشفة، فمن ذلك ما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى (1/160) من قولهم "في بلخ فلخ وفي أصبهان أصفهان". لذلك وردت في بعض كتب المبرد بالباء والفاء. وممّن فضّل الباء الفيروزآبادي في قاموسه والزبيدي في تاجه.
ب- وفوق ذلك كلّه أنّ أبا الفرج نفسه انتسب إليها بالباء – قال في مقدّمة كتابه الأغاني: "هذا كتاب ألفّه عليّ بن الحسين بن محمد القرشي الكاتب المعروف بالأصبهاني". كذلك ورد قوله في طبعات الأغاني جميعاً. وكذلك نسبه صديقه التنوخي بذكره في مواطن من كتابه الفرج بعد الشدّة نحو (4/402). وهذا هو المشهور في نسبته في أكثر الكتب التي ذكرتْها. فمن جعل الباء فاء في نسبته فأظنّه سها أو ترخّص. وممّن جعلها فاء الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في إشرافه على تحقيق الأغاني (الهيئة المصرية العامة)، وذلك في تقديمه الكتاب (ج1) وعلى جلد كل جزء طُبع من الكتاب، إنّ الأصبهاني بالباء نسب عُرف به، ولو كان خطأ لما استُحِبّ إصلاحه فكيف وهو الأصوب؟ على أنه لو انتسب أحد إلى أصفهان بالفاء، وعُرف بهذه النسبة، لم يُستحبّ جعلُها بالباء، لأنها نسبته التي عُرف بها، وقد انتسب غير واحد من العلماء إلى أصفهان بالفاء.
ج- أما قول الأستاذ المحقق: "يصرّ مؤلف الكتاب على نعت أبي الفرج الأصبهاني"، فليت شعري متى نُهي المؤلف عن فعله هذا ليُصِرّ عليه؟ وقوله: "على نعت أبي الفرج الأصبهاني" الفصيح فيه" ... بالأصبهاني".
8- التمييز بين عبدالرحمن بن الحكم وعبدالرحمن بن أم الحكم: ص 94 عزا المؤلف أبياتاً إلى عبدالرحمن بن أم الحكم، أولها:
وكأس ترى بين الإناء وبينها
قذى العين نازعتُ أُمّ أبانِ
والصواب أنها لعبدالرحمن بن الحكم كما في الكامل للمبرّد (1/60 ط. التقدّم). وقد خلط جماعة من المؤلفين بين اسمي هذين الرجلين فنسبوا هذه الأبيات وغيرها إلى عبدالرحمن بن أمّ الحكم خطأ مع أنه لم يكن شاعراً. وهو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان، كان مرذول القدر، مشنوء السيرة، وكان كما في الاشتقاق (ص302) "يعيّر بجدّتين له حبشيّتين يقال لهما البزبخ وواهص"(1)، ولاّه معاوية الكوفة فشكاه أهلها فعزله، وولاّه مصر فمنعه معاويةُ بن حديج من دخولها، ثم ولاّه الجزيرة. أما عبدالرحمن بن الحكم فأخو مروان بن الحكم، وكان له منزلته ورأيه بين بني أمية. وكان له دالّة على معاوية ربما جاوزت حدّاً، روى ثعلب في مجالسه (1/346) أنه أعطى ميّة، وهي مولاة لمعاوية، رُقعةً لترفعها إلى معاوية، فرفعتها إليه، فإذا فيها بيتان عملهما يزعم فيها كاذباً أنه ركب الفاحشة مع ميّة، وأفاد البلاذري في أنساب الأشراف (ق4 ج1ص22) أنّ معاوية نصح له أن يجتنب التشبيب بالنساء، وأن يزهد في المدح والهجاء، وحضّه على الفخر بمفاخر قومه، وعلى قول ما يزينه من أمثال، وشعره في كتب الأدب وغيرها ولا سيما الأغاني (ج 18) وقسمٌ منه في مهاجاة عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، والكتب التي وجدتها تعزو الأبيات المشار إليها خطأ إلى عبدالرحمن بن أم الحكم هي المحبَّر (ص278) والعقد الفريد (6/345) وأخبار النساء (ص27) وقطب السرور، ويجوز أن يكون مؤلف المحبّر وهو محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 هـ أوّلَ من سها في الاسم ثم توبع في سهوه ثقةً به، وركوناً إليه. ووهم المسعودي في مروج الذهب (3/16) فنسب شعراً غير المذكور آنفاً إلى عبدالرحمن بن أم الحكم بدلاً من عبدالرحمن بن الحكم. ووهم أبو هلال العسكري في الأوائل (ق2/25) على العكس، فذكر في مسألة تأريخية اسم عبدالرحمن بن الحكم بدلاً من عبدالرحمن بن أم الحكم. وأنا أوّل من فرّق بين هذين الاسمين، ونبّه على الوهم في الكتب التي ذكرتُها.
9- ص 98 لمسلم بن الوليد:
وكنتُ نديم الكأس حتى إذا طغت
نهاني عنها حبها أن أسوءها
تعوّضتُ منها ريق أحور عيطلِ
بِلمسي فلم أفتك ولم أتبتّلِ
وفي البيت الأول "أحور" تحريف "حوراء"، لذلك قال في البيت الثاني "حبّها" و"أسوءها". وفي البيت الثاني "بلمسي" بالياء تحريف "بلمس" بحذف الياء، ذلك بيّن في طبعات ديوان مسلم ومنها طبعة الدكتور سامي الدهان.
10- ص 108 ذكر المؤلف لأبي الشيص ثلاثة أبيات، وعلق عليها الأستاذ المحقق مسمياً إياها "قصيدة" والوجه "أبيات" أو "مقطّعة".
11- ص 126 أورد المؤلف لأبي الهندي:
قل للسري أبي قيس أتهجرنا
ودارنا أصبحت من داركم صدَدَا؟
و"أتهجرنا" الصواب فيها "أتوعدنا"، كما في كامل المبرّد أي أتهدّدنا، ولا يستقيم لِ "أتهجرنا" معنى مع الخبر المتصل بهذا الشعر، وهو مذكور في الكامل بوفاء.
12- قول في مُسْتَهْتَر: ص135: "وكان عروة بن الورد مشتهراً بالشراب". و"مشتهراً" بالشين تحريف "مُستَهْتَراً" بالسين وبعد الهاء تاء، والمُسْتَهْتَر بالشيء هو الذي لا يملك نفسه في محبته إيّاه وولوعه به. وتكرّر هذا التحريف في الكتاب، كما في ص167 في حارثة بن بدر الغداني: "وهو مُشتهرٌ بالشراب" وكما في ص171 في علي بن الخليل: "وكان مشتهراً بالشراب". ووقع نحو هذا التحريف في كتب أخرى دون أن يلتفت إليه محققوها. ومن مجيء "مُسْتَهْتَر" بلا تحريف ما جاء في رسالة ابن فضلان (ص156): "وهم مُسْتَهْتَرون بالنبيذ يشربونه ليلاً ونهاراً"، وما جاء في أنساب الأشراف (3/226): "وكان ابنُ هرمة مستهتراً بالنبيذ لا يصبر عنه". وقد يكون الاستهتار بغير ذلك، كالغناء كما في رسائل الجاحظ (2/364) أو بالنساء كما في الموازنة (ص321) أو بالغلمان كما في الأنباء في تأريخ الخلفاء (ص130) أو بالكلاب كما في كتاب الحيوان (2/82)، ومما سبّب التحريف بين اللفظين التشابه بين أحرفهما، وأنّ الأغلب فيمن يُسْتَهَتر بالشيء أن يُشْتَهَر به. ووجدتُ اللفظين مجتمعين في نصّ واحد، وقت تمّم أحدهما معنى الآخر، وذلك في الكتاب المسمّى "خطأ الحوادث الجامعة ص 106()": وكان مُشْتَهَراً بحب الغلمان والميل إليهم والاستهتار بهم"، والأصل في "استُهتِر بالشيء" أُهتِر به، ومنه قول بعضهم:
يريد قضاء المصر والمصرُ مُنكِرٌ
لكل مُراء مُهْتَرٍ بغلامٍ
13- قولٌ في "رؤوسهما وقلوبهما" وما أشبه: ص139 قال المؤلف: "فحلقا رؤوسهما وأقبلا وتلقّاهما الناس"، ولكنّ الأستاذ المحقق حذف "رؤوسهما" من قول المؤلف وأثبت مكانها "رأسيهما" وقال: "في الأصل: "رؤوسهما".
أ- وذلك منه حيفٌ على النصّ.
ب - ثم إن رؤوسهما هي اللغة الفصحى، وكأني به غاب عنه قوله تعالى: "وإن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما"، وقوله: "والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْديَهُمَا"، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة كما في سيرة ابن هشام (ق 2/600): "أما والله لولا أنّ الرُّسل لا تقتل لضربتُ أعناقكما". وقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كما في الإمامة والسياسية (1/23):"... وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما"، وأنشد ثعلب في مجالسه (1/323):
يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسَكُما وحيثما كنتما لُقّيتما رَشَدا
وفي رسالة لعبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية في تأريخ الطبري (5/380):"فقدّمتها فضربت أعناقهما وقد بعثت إليك برؤوسهما".
ج- وقال الفراء في هذه الجموع من معاني القرآن (1/306) بأنّ "كل شيء موحّد من خَلْق الإنسان إذا ذُكر مُضافاً إلى اثنين فصاعداً جُمع فقيل: قد هشمتُ رؤوسهما، وملأتُ ظهورهما وبطونهما ضرباً". وفي كتاب العين (7/ 328 سوء):"والعرب إذا أرادوا شيئين هما من خلقه في نفس الشيء نحو القلب واليد قالوا قلوبهما وأيدهما ونحو ذلك" و"الشيء" في قول كتاب العين أوسع من "الإنسان" في قول الفراء، لاتّساعه للإنسان وغيره، كالنِحي في خبر ذات النحيين، وهو كما في "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ص396":"وهي لا تدفع لحفظ أفواه النحيين".
د- ولم ينصّ الفراء ولا كتاب العين على ما يكون موحّداً مع الإنسان أو غيره وليس من خلقته، كالسيف، نحو ما جاء في "وقعة صفّين ص 281":"فضرباه بأسيافهما حتى بَرَد" وكالرَّحْل نحو "وضَعَعَا نحو " وَضَعَا رحالهما"، ذكره سيبويه في الكتاب (ص 206 ط. باريس) وال "يريد رَحْلي راحلتين"().
هـ- فالذي اختاره الأستاذ المحقق لم يكن من اختيار القدماء، على أنّ فيهم من استعمله، وذلك نادر، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العُبُط التي لا تُرْفَعُ
وما أورده القزّاز القيرواني في ما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 185) وهو:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى فيجبر منهاض الفؤاد المشغّف
وقال فيه: وكان الوجه أن يجمع الفؤاد. وما أورده النهرواني في الجليس الصالح الكافي (1/326) من قول العباس بن الأحنف:
فإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما راسا
ونبّه على أنّ رأسيهما "غير فصيح، وأيضا من النادر ما ذكره سيبيويه في كتابه (ص206) من أن يؤنس زعم أنّ رؤبة كان يقول: ما أحسن رأسيهما، ومن أن الراجز قال: ظهراهما مثلُ ظهور الترُسين. وأرى أن ما أتيت به من بيت أبي ذؤيب، وعبارة رؤبة، ورجز الراجز، والبيت الذي أورده القيرواني وبيت ابن الأحنف، كلّ أولئك مما ساعد في تدرّج التعبير من الجمع إل المثني، فقيل: رأساهما دون رؤوسهما، وقلباهما دون قلوبهما، وعُناقهما دون أعناقهما، وسيفاهما دون أسيافهما، واعتياد الأستاذ المحقق ما آل إليه هذا التدرج هو الذي جهله يحذف من متن الكتاب لفظاً فصيحاً ويثبت مكانه لفظاً دونه فصاحة.
14- عَوْد إلى سهو ابن السكّيت: ص 145 للنابغة الذبياني:
إحدى بِليّ وما هام الفؤاد بها إلاّ السفاهَ وإلا ذُكرةً حُلُما
وقال الأستاذ المحقق في "بَلِيّ":"مثلُ غني قبيلة". قلتُ: "بلِيّ" ههنا جمع بليّة وهي المحنة، أضيف إلى ياء المتكلم فصار "بلِيَّ". وجمع بليّة على بليّ كجمع مطيّة على مطِيِّ وركِيّة على ركِيّ. وكنتُ قلتُ بنحو من ذلك في مقالة لي في هذه المجلة عند استدراكي على ابن السكّيت تفسيره "بليِّ" في بيت النابغة المذكور بقوله:"من بني القين بن جسر" (العدد 38 ص 315- 316). وأضيف ههنا دليلاً يقوّي من استدراكي ذاك، وهو أنّ أبا تّمام جمع بليّة على بَلِيّ في قوله (الاقتضاب للبطلوسي 2/197).
ألاويل الشّجِيِّ من الخلِيِّ وبالي الربعِ من إحدى بلِيِّ
فربع الحبيب لبال من إحدى بلِيّ أبي تمام، أي من إحدى محنه، وهو جمع خلت منه معاجم اللغة، وحقّه أن يثبت في حواشي المعاجم القديمة, وفي متون المعاجم الحديثة، كالمعجم الكبير والوسيط وأيضاً نظير بليّة وبليّ، ودية وودِيّ.
جاء في وصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه،"وأن لا يبيع من أولاد نخل هذه القرى وَدِيّة".
وقال الشريف الرضي مفسراً:
20- ص262 جاء في الكَرْم: "وإذا أُخذت أطراف ورقة الغصن وجُففّت وأُخذ منها وزن ثلاثة دراهم ..." وهو نصّ فيه تصحيفان، أحدهما "ورقة" بالهاء المعجمة مصحّفة عن "وَرَقِهِ" بالهاء المهملة، أي وَرَق الكَرْم، والآخر "الغصن" بالصاد والنون مصحّفة عن "الغضّ" بالضاد المعجمة المثقلة. فمن شك في قولي فليعتبر النصّ يجد التصحيفين واضحين. وكيف تزِنُ أطرافُ ورقة الكرم الواحدة إذا جففت ثلاثة دراهم؟
21- تعدّي نفع بحرف الجرّ: ص 262 قال المؤلف في ورق الكرم المجفّف إنه إذا أخذ مع السكّر "نفع من القروح الكائنة في الصدر"، وقال الأستاذ المحقق: "يلاحظ أن المؤلف أو الناسخ يعدّيان فعل (نفع) بـ(من) والصحيح أنه يتعدّى بالباء" واستشهد بمحيط المحيط، قلتُ:
أ- قول المؤلف صحيح، والمخطِّئُ مُخْطِئ، فتعدّي نفع في نحو هذا الموضع يكون بأحد حرفين، "مِن" وهو الذي استعمله المؤلف، و"اللام". وفي كتب الطب شواهد لذلك لا يقوم لإحصائها المحصي، وأنا ناقل ههنا بعضها من كتاب الحاوي في الطب للرازي، فأما "مِن" ففي (4/29): "الزراوند المدحرج إذا شُرب بماء نفع من عرق النّسا". وفي (9/60): "الباقلّى متى طبخ بخلّ وماء وأكل بقشره نفع من قروح المعى". وفي (12/2): "الحمّص متى تُضمّد به بعد طبخه بالماء نفع من القروح السرطانيّة". وأما (اللام) ففي (1/240): "ومما يعظم نفعه للشقيقة التي من الصفراء أن يُطعم باكراً خبزاً وخلاً وماءً"، وفي (9/69) عنوان هو "دواء نافع لوجع البطن". أما الباء التي أشار إليها فتستعمل مع (نفع) في موضع آخر، فقولك: نفعني الدواء من الزكام أو للزكام يصحّ أن يكون بديلاً منه قولك: نُفعِتُ بالدواء من الزكام أو للزكام. أو انتفعت به وأظنّ أنه لم يتثبّت فيما قصد إليه العالم الجليل مؤلف محيط المحيط فيما قاله في معجمه هذا في "نفع"، أقول قولي هذا على بعد المعجم مني، وتعذّر وقوفي على ما فيه.
ب- وقول الأستاذ المحقق "يلاحظ أن المؤلف أو الناسخ يعدّيان فعل نفع بـ(من)" فيه نظر من جهتين. إحداهما قوله "يعدّيان" الفصيح فيه "يعدي" لأن الفعل واقع من واحد بدلالة العطف بأو. والأخُرى قوله "يعدّيان فعلَ نَفَع" الأَولى فيه "... الفعلَ نَفَع" ولا مسوّغ لإضافة المبدل منه إلى البدل.
22- قولٌ في حذف الياء من "ثمانٍ": ص320 للأعشى:
ولقد شربتُ ثمانياً وثمانياُ
وثمان عشرة واثنتين وأربعا
وقال الأستاذ المحقق في "ثمان عشرة": "كذا في الأصل"، وكأنه أنكر حذف الياء من "ثمان". ولم يرجع إلى الديوان فالياء فيه أيضاً محذوفة، وذلك من الفصيح. وكان الحريري خطّأ حذفها في درّة الغوّاص (ص74) قال: "ويقولن عندي ثمان نسوة وثمان عشرة جارية وثمانمائة درهم، فيحذفون الياء من ثمان في هذه المواطن الثلاثة، والصواب إثباتها ... لأن الياء في ثمان ياء المنقوص، وياء المنقوص تثبت في حال الإضافة وحالة النصب ... فأما قول الأعشى:
ولقد شربتُ ثمانياً وثمانياُ
وثمان عشرة واثنتين وأربعا
فإنه حذف الياء لضرورة الشعر"، وفي تخطئة الحريري نظر، فبعد حذف الياء في قول الأعشى حُذفت في مواطن من كتب الحديث. ففي رياض الصالحين للنووي (ص293) ورد حديث فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها في الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو منقول من صحيح مسلم، جاء فيه: "فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلّى ثمان ركعات"، وفي التاج الجامع للأصول (2/355) أنّ الحارث بن قيس، رضي الله عنه، قال: "أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر أربعاً"، رواه أبو داود. وحُذفت في قول لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كما في جامع البيان للطبري (3/456)، قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لثمان عشرة مضت من رمضان ...". وحُذفت في قول لابن عباس، رضي الله عنه، في جامع البيان أيضاً (13/38) وهو: "فوجد ريح قميصه على مسيرة ثمان ليالٍ". وفي رواية أُخرى: "فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليالٍ". وأيضاً حُذفت في قولٍ له أورده النيسابوري في غرائب القرآن وهو "ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده". وممن حذفها من المولّدين الجاحظ، قال في الحيوان (7/181): "أُعطي كسرى أبرويز ثمان عشرة خَصْلة لم يُعطَها ملكٌ قطُّ"، والمصعب الزبيري في نسب قريش (ص101) قال في عثمان، رضي الله عنه: "قُتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة". وأورد السيد علي خان في طراز اللغة قول الشاعر (الجاسوس على القاموس ص501):
لها ثمانٌ أربعٌ حسانُ
وأربعٌ فكلها ثمانُ
والمسعودي في مروج الذهب (4/166) وحمزة بن الحسن الأصفهاني في "تأريخ سني ملوك الأرض والأنبياء ص 61"، وعلي بن أحمد البغدادي في "المختارات في الطب ص 38"، ثم إن اللغوي ابن سيده حذفها في المحكم (2/6 درع) قال: "وقيل هي ليلة ست عشرة وسبع عشرة وثمان عشرة"، وذكر الجواليقي في شرح أدب الكاتب (ص259) قول الأعشى المذكور وقال: "وثماني عشرة تثبت فيها الياء تارة وتحذف أُخرى"، قلتُ: قول الجواليقي يوهم أنها تحذف في حال تركيبها دون إفرادها، والنصوص التي قدّمتها تجيز الحذف في الحالين، وعندي أن الأصل في حذف يائها الاختصار، ونحو ذلك وقع على ياءات أسماء منقوصة كالزابي والبازي والعاصي من عمرو بن العاصي، فقالوا الزابُ والبازُ والعاصُ، ومنهم من رأى أن يقال في "ثمان" عند تنوينها وهي مفردة منصوبة "ثمانياً"، لذلك أُخذ على المغيرة بن حبناء قوله:
وإلاّ جُبْتُ نُعْنُها بقولٍ
يصيّره ثماناً في ثمانِ
قال الأزهري فيه كما في التكملة والذيل والصلة (3/368): "وقوله: ثماناً في ثمانِ لحن عند النحويين، والكلام الجيد ثمانياً، وإن رُوي: يصيّره ثمانٍ في ثمانِ، على لغة من يقول: رأيتُ قاضٍ كان جائزاً"(). ومنهم من رأى أن يقال "ثماناً" ومنهم السيد علي خان في "طراز اللغة" كما في "الجاسوس على القاموس ص 500".
23- ص 323 ذكر المؤلف خبراً في المأمون مع أبي محمد اليزيدي جاء فيه: "فقال المأمون في حديثه سَداد من عَوَز، فقال له اليزيدي: أخطأت إنما يقال ههنا سِداد من عَوَز ومنه قول العرجي:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسِداد ثغرِ
فقال له: مقبول منك يا أبا محمد، فلما انصرف وصحا من سكره كتب إليه معتذراً:
أنا المذنبُ الخطّاءُ والعفُو واسعٌ
ولو لم يكن ذنبٌ لما عُرف العفُو
إلى آخر الأبيات والخبر، وقد وهم المؤلف فلفّق الخبر من خبرين مختلفين، أحدهما أنّ إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ - لا أباه كما ذكر المؤلف – جادل المعتصم في حدّة بحضرة المأمون، في مجلس نبيذ. فلما كان الغدّ أرسل إبراهيمُ إلى المأمون بالأبيات المشار إليها يعتذر فيها إليه. وذلك مذكور بتفصيل في الأغاني (20/252) الهيئة المصرية العامة، وفي معجم الأدباء (2/99-100). والخبر الآخر أنّ النضر بن شُميل استدرك على المأمون قوله سَداد من عَوَز بفتح السين، وكان استدراكه إيماء، مع أدب رفيع، وتواضع مستفيض، واستشهد بقول العرجي المذكور. ولم ينزعج منه المأمون، بل استحبّ ذلك منه، ووصله بصلة سنيّة. ولم يكن ثمّة مجلس نبيذ، ولا كان النضر ممن يشربه. والخبر مذكور في معجم الأدباء ( 20/239- 240 ) وغيره.
24- ص 321 نسب المؤلف ثلاثة أبيات إلى الفرزدق، وهي:
اسقني خمساً وخمساً
من عقار كدم الجو
واسقِ هذين ثلاثين
وثلاثاً واثنتين
فِ بحرّ الكلبتين
يروحا فرِحَيْن
وقد وهم المؤلف في ذلك، فليس هذا الشعر من نمط شعر الفرزدق، ولم يرد في أي طبعة من طبعات ديوانه، وإن كان الفرزدق صرّح بفُسوُقه أحياناً فإنه لم يصرّح بشربه الخمر أو النبيذ، ولا عُرف أنه شرب أيّاً منهما.
25- ص 362 لأبي الهندي:
إن كنتَ ندماني أبا مالكً
من قهوة صهباء كرخيّة
فاسقِ أبا الهندي بالكُنْدُرَه
تأخذ بالرأس وبالحنجره
وفسّر الأستاذ المحقق "الكندرة" بأنها "ضرب من الأحذية وليست من كلام العرب"، هكذا، ومرجعه في ذلك محيط المحيط، وغريب أن يرتضي الأستاذ المحقق لنفسه اختيار هذا المعنى للكلمة، وكيف نصدّق أنّ أبا الهندي سأل نديمه أن يسقيه الخمر بالحذاء؟ ثم إن الكندرة بمعنى الحذاء لم تكن مستعملة زمن أبي الهندي ولا بعده بمئات سنين. ومعاجم اللغة تُنبئنا أنّ معنى الكندرة ما غلظ من الأرض وارتفع، ومكان البازي الذي يهيّأ له من خشب ونحوه، واللُّبانُ وهو ضرب من العلك، ثم زيد عليها في عصورنا الحديثة معنى الحذاءِ، على أنه عامي دخيل. ويجوز أن تكون الكندرة محرّفة عن "الكَوْثَرَة" مؤنث "كَوْثَر" وهو الكثير، فإن صحّ ذلك كانت الكوثرة مما غفلت عنه معاجم اللغة، أو مما أغفلته للدلالة عليه من المذكّر وهو "كوثر"، وعندئذ يكون أبو الهندي سأل نديمه أن يسقيه كثيراً بلا عدّ للكؤوس. وإنما قلت ذلك لأني أجد لكوثرة أصلاً لدى العامة من العراقيين، وهو "كُوْتْرَه" بضم فسكون فسكون ففتح، وبقلب الكاف كافاً فارسية والثّاء تاءً، فمن المألوف عندهم أن ينادي البائع أحياناً على بضاعته في آخر النهار، ولا سيّما البقال: "كُوْتْرَه" يريد أبيعها كثيرةً ورخيصةً بلا وزن، أي جزافاً، وسأظل مجوّزاً ما ذكرت من معنى إلاّ أن أقف على ما يثنيني عنه.
26- ص 370 في رسالة لأبي شراعة إلى بعضهم: "أستنسئ الله في أجلك، وأستعينه من المحذور فيك وأستعينه على شكر ما وهب من النعمة بك"، فكُرّرت "أستعينه" بالنون في هذا النص المحكم البليغ، وأجد أنّ "أستعينه" الأولى تحريف "أستعيذه" بالذال. ومما يؤيد ذلك أنها متلوّة بِـ"من" و"المحذور".
27- ص 376- 377 جاءت عبارةُ: "لأبي شراعة: "وبعدها بيتان من الشعر مختلّا الوزن وقد أُجريا مجرى النثر على هذا النحو: "تدب خلال ضلوع الفتى دبيب ريا الروضة المنعش إذا فتحت عبقت بريا البنفسج والمردقش". وقد أعدت ترتيبهما موزونين على هذا النحو:
تدبّ خلال ضلوع الفتى
إذا فُتحتْ "بيننا" عبّقت
دبيب "شذا" الروضة المنعشِ
بريّا البنفسج والمَرْقُشِ
ولإقامة الوزن حذفتُ "ريّا" من البيت الأول وأثبت مكانها "شذا"، وأضفتُ "بيننا" إلى البيت الثاني، وحذفتُ فيه الدال من المردقشِ. والمرقُش والمردقُش هو المردقوش، نوع من الورد، فارس معرب، كان يكثر استعماله في مجالس اللهو والفرح، وهو فارسي معرّب، والاسم الأعجمي يجوز فيه تغيير لفظة، كقول النابغة الذبياني:
جلّاءَ محكمةٍ من نسج سلَّامِ
فيه الرماحُ وفيه كلّ سابغةٍ
أراد داودَ أبا سليمان فلم يستقم له الشعر فقال سلّام.
28- ص 400 للسرادق الدهلي:
تَدَعْهُ قليل القلبِ والسمعِ والبَصَرْ
ومن يكُ نهباً للّيالي ومرهّا
وأظَنّ "الدهلي" بالدال المهملة تصحيف "الذهلي" بالمعجمة. وقال الأستاذ المحقق في "قليل القلب": "وقد تكون الكلمة عليل القلب". قلت: أرجح أن تكون "قليل" محرّفة عن "كليل". وتحريف الكاف قافاً معروف، ومنه قول أبي عطاء السندي (الأغاني 17/337 الهيئة المصرية العامة):
فصرتُ كالمقتَبَل العاني
صادَ فؤادي بعدما قد سلا
فعندي أن كالمقتَبَل تحريف "كالمكتَبَل" أي كالمقيَّد، ومنه قول النابغة الشيباني (مجالس ثعلب 2/95):
كأنني مُوثق في القِدّ مُكْتَبَلُ
أهذي بها في منامي وهي نازحةٌ
وسبب التحريف توهم الناسخ عند الإملاء عليه لقرب مخرج الكاف من القاف، وهما لذلك قد يتعاقبان في بعض الألفاظ، نحو كُشِطت وقُشِطت (سرّ الصناعة ص 280) ونحو الكَرْكَرَة والقرقرة (القاموس: كرّ).
29- ص411 لعطارد الفزاري:
يفلن أنامل الرجل القصيرِ
فبتّ أرى الكواكبَ دانياتٍ
وجوّز الأستاذ المحقق أن تكون "يفلن" بالفاء محرّفة عن "ينلن" بالنون، ولا أراها إلاّ بالنون.
وقال: "وفل يفل فلياً، هكذا، وإنما يقال وفل وفلاً كوعد وعداً ووصف وصفاً".
30- ص440 "خبر جذيمة الوضّاح وعربدته على نديميه مَلَك وعقل". وضبُطت "مَلَك" بفتح ففتح، وهو تحريف "مالك" بالألف بعد الميم. وفيهما يقول أبو فراس الهذلي (تأريخ الطبري 1/617)/
نديما صفاءٍ مالكٌ وعقيلُ
ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا
31- ص 458 ورد قوله تعالى: "ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سُكراً ورزقاً حسناً"، وضُمّت السين من: "سُكراً". والصواب "سَكَراً" بفتح ففتح، وهو ما يسكر من خمر وشراب. ولم أرَ في كتب القراءات قراءة بضم السين. ولم يذكرها ابن جني في كتابه المحتسب في شواذ القراءات.
32- ص 493: "فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها– فقمتُ إلى مهراس لنا فضربتُهُ بأسفله حتى تكسّر"، وقال الأستاذ المحقق في "المهراس": "وعاء كانت توضع فيه الخمر". قلتُ: المهراس ليس مما توضع فيه الخمر، وإنما هو وعاء تُدقّ فيه الحبوب وغيرها، ويقال له الهاوون أو المنحاز، ويُتخذ من الحجر أو المعدن أو الخشب، وذلك بحسب بيئة من يصنعه، ويدلّ النص على أنّ الخمر كانت في الجرار، فضُربت الجرار بأسفل المهراس– وأسفله أثقل من أعلاه– فتكسّرت. لذلك أجد العبارة "فضربتُهُ بأسفله حتى تكسّر" محرّفة عن "فضربتُها بأسفله حتى تكسّرت".
33- ص 538 ذكر المؤلف لابن المعتز:
وارتاح لمّا الإصباح قد نُشِرا
تذكّر القصفَ في غُمّى فما صبرا
وحذف الأستاذ المحقق "القصف" وأثبت مكانها "الصُّبح"، وقال: "وفي الأصل: تذكّر القصف". ولا حقّ له في تغيير النص، و"القصف" أقرب إلى سياق المعنى، والمراد به اللهو والشرب وقد يمتد إلى المجون، ومنه قول بعضهم:
في بحر داجيةٍ وقَصْفِ
وتبيت تلهو غارقاً
34- ص 614 لابن المعتز:
في خّده عقاربُ لا تسري
من سُبَح قد قيدت بعطرِ
و"سُبَح" بالحاء وبضم الأول وفتح الثاني جمع سُبحة. وهي تصحيف "سَبَج" بالجيم، و بفتح الأول والثاني، والسَبَحَ كما في الجواهر للبيروني (ص199) حجر أسود حالك صقيل رخو جدّاً تأكل النار فيه، وهو كما في معجم استينجاس (ص732) فارسي معرّب "شبه" وفي اللسان "سبه" وهو تصحيف، وكُني في هذا الرجز عن العذار بعقارب من سَبَج لسواد الشَّعر، وممّن كنى عن الشعر الأسود بالسبّج صُر ّدُرّ، قال (الديوان ص 219):
فرعيَ خَلّى مكانها السَّبَجا
ليت الذي نظم اللآلئ في
ويُتّخذ من السَّبج السُّبج- وممن ذكر سُبحة السَّبَجَ الخبز أرزي (التحف والهدايا ص53):
بسبُحةٍ من سَبَجٍ مُعْجِبِ()
بعثتُ يا بدر بني يعرُبِ
35- ص680 للحسين بن الضحّاك:
سحرة أحوى أحمّ كالحُمَمِ
حتى إذا نفّس المقدّسُ في
برواية: "نفّس" بالفاء، وقال فيها الأستاذ المحقق: "كذا في الأصل"، وقلتُ: هي تصحيف" نقّس" بالقاف، أي نقر الناقوس، وجاء بعد صفحة:
س ونجوى حمامة وحمامِ
هاجني للصبوح نقرُ النواقيـ
ونقر النواقيس هو التنقيس:
36- ص 720 لتميم بن المعزّ في الخمر:
من رِقّة الفهم وسحر البيات
أدقّ محسوساً إذا صُفّقتْ
و "رقة الفهم" فيها الراء من "رقّة" محرّفة عن "دِقّة" بالدال. وجاءت "دقة الفهم" ههنا للمدح، وكذلك هو حال "دقة" مع "الفهم"، كقول الجاحظ (ثلاث رسائل ص71 ت، فتكل): "عذب اللفظ، دقيق الفهم، لطيف الحس". وكقول البحتري يمدح محمد بن عبدالملك الزيّات (تأريخ بغداد 2/343):
ـهَ والواثقَ بن الرشيد
دقّ فهماً وجلّ حلماً فأرضى اللـ
وقد تجيء "دِقة" للذم ولكن مع غير "الذهن" كدقّةِ الخُلُق، ودقّةِ الأصل، وليس هذا موضع التمثيل لها، والتحريف بين "دَقَّ" و"رَقَّ" كثير، ولي مقالة نشرتها في هذه المجلة (العدد 30) عنوانها "تمييز الدقيق من الرقيق" ميّزت فيها بين اللفظين، وجعلت لكل واحد منهما حدّاً واضحاً.
* تحقيق الأستاذ أحمد الجندي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق
majma.org.jo
كتاب قطب السرور في أوصاف الخمور
مجمع اللغة العربية الأردني - الاهتمام باللغة العربية وقضاياها
وجعلت استدراكي مختصرات معانٍ. وأنشأتُ قبل شهرين من مختصرات المعاني مقالة في نقد الكتاب، وقصرتُ شواهدي وشروحي فيها على ما في دفاترتي من نقول، وذلك لبُعدي، وأنا في مدينة شفيلد، من خزائن الكتب العربية، ثم كتب إليّ صديقي الأديب أحمد العلاونة من الأردن يخبرني بوجود نقد للكتاب وضعه الأستاذ رفيق فاخوري منشور في مجلة مجمع دمشق (مج 45/ج1). وتفضّل عَليّ بتصويره وإبراده إليّ، فاضطُررت إلى حذف قسم من مقالتي وهو الموافق لما قال به الأستاذ رفيق. وهذا الذي بين يدي القارئ هو الباقي منها، فإذا انتهض عزمٌ لإعادة طبع الكتاب فعسى أن يُستفاد من الصالح من نقدي هذا ونقد الأستاذ رفيق وأيّ نقد آخر استفادة تُصلح من متنه ومن تعليقات الأستاذ محققه. وقد بسطتُ القولَ في بعض المواطن قصداً إلى فائدة لغويةٍ أو نحويّةٍ أو أدبيّةٍ قد يستفيدها القارئ.
2- ص 12 قال المؤلف في عُليّة بنت المهدي: "وكانت تحبّ خادماً للرشيد يقال له "ظل" فتكني عنه، ومن ذلك قولها فيه:
أيا سروة البستان طال تشوّقي = فهل لي إلي ظلّ لديك سبيلُ؟"
فورد في النصّ "ظل" بالمعجمة مرتين، مرّة في قولِ المؤلف ومرّة في بيت الشعر. و"ظلّ" في قول المؤلف الصواب فيه "طَلٌّ" بالمهملة المفتوحة. كذلك هو في المراجع التي ذكرته ومنها "الفاضل ص121" للمبرد، وأفاد المبرّد أن الرشيد حلف عليها ألاّ تذكر اسمه، ثمَّ إنها قرأت ذات يوم في القرآن ومرّت بالآية: "فَإنْ لم يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ" فقرأتها: "فإن لم يُصبها وابلٌ فما نهى عنه أمير المؤمنين". أما الكناية عنه بـ"ظِلّ" بالمعجمة في بيت الشعر فلموضع السروة.
3- ص 38 "فأمر بإدخاله، فإذا رجل سياط رثّ الهيئة". وقال الأستاذ المحقق: "لم نعثر على كلمة سياط أو شياط من أوصاف الرجل، وقد تكون سباط من سبط وهو الطويل"، قلتُ: أراها تصحيف "سُـِـناط" بالسين المهملة فالنون. وهو من كان كوسجاً لا لحية له أصلاً أو كان خفيف العارض- وهي كلمة معروفة في الكتب، فمن ذلك قول ابن قتيبة في الشعر والشعراء (ص65) في مُجير الجراد حاريةَ بنِ مُرّ: "وكان سُـِـناطاً قصيراً حَمْش الساقين".
4- قول في "كَشْخان" ص 56: "واستغفال الرقيب بانتهاز الفرصة وإيقاع المكشحة بالمولى".
وقال الأستاذ المحقق: "المكشحة بالحاء من كشح له بالعداوة، عاداه. وكشح الرجل كوي الكشح. وبالخاء من كشخه أي قال له يا كشخان. والكشخان الدّيوث الذي لا غيرة له".
أ- قلتُ: أجاز بقوله هذا للمكشحة معنيين، أحدهما بالحاء المهملة، والآخر بالخاء المعجمة. وما هي إلاّ بالمعجمة بدلالة سياق الكلام. وإن كان وهم فأخذ بالمشكحة المهملة بعض الأخذ، فقد وهم أيضاً الأستاذ علي البجاوي إذ أخذ بالكشحان المهملة كلّ الأخذ، وذلك في تحقيقه الموشّح للمرزباني (ص561) في قول الأصمعي: "لو كنتُ ببلدي ما جَسَر هذا الكشحان أن يعرض عليّ هذا الشعر"، فقد قال فيه مفسّراً: "الكشح داء يصيب ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف". والصواب في عبارة الأصمعي "الكشخان" بالمعجمة، يدلّ على ذلك سياق الكلام.
ب- و"كشخان" كما في كتاب العين (4/155): "الديّوث، وهو دخيل لأنه ليس من كلام العرب". قلتُ: ويقال للمرأة "كشخانة"، قال البحتري (الديوان):
وكيف تٌجارى إلى غايةٍ
وأُمُّك كشخانةٌ من أبيكا؟
ووجدت الجاحظ يجمع كشخاناً على كشاخنة، قال، كما في رسائل الجاحظ (2/175): "مخارج بيوت الكشاخنة ترميهنّ في جُحور الزناة". ووقفت له على ثلاثة مصادر، منها الكَشْخ، كقول الجاحظ كما في رسائله (2/180): "ولم ينسُبُوا إلى الكَشْخ أهلها"، ومنها المكشخة، ما مرّ في نصّ قطب السرور، وهو بعد إصلاحه: "وإيقاع المكشخة بالمولى". ومنها الكشخنة، ذكره الجواليقي في المعرب من الكلام الأعجمي (ص329)، ويدلّ عليه فعلُهُ في قول عبدالصمد بن المعذّل (الأغاني 12/56 ساسي ):
لا تعجبي إن كنتِ كَشْخنتِهِ
فإنما كشخنتِ كشخانا
والفعل من الكشخ والمكشخة هو كَشَخَ، وعبّر عنه مؤلف قطب السرور في نصّه المذكور بـ"إيقاع المكشخة". والفعل من الكشخنةِ كَشْخَنَ. ومعنى كَشَخَهُ وكشخَنَهُ جعله ديّوثاً أو قال له يا ديّوث، ويُعرف ذلك من سياق الكلام.
ج- وقال الأستاذ أحمد محمد شاكر في المعرب للجواليقي ص329: "وكشّخه تكشُّخاً قال له يا كشخان" فجاء بصيغة للفعل على فَعَّلَ بتثقيل العين وبصيغة لمصدره على تَفَعُّل. ولا أدري من أين جاء بالذي قاله، ثمّ إن فَعَّلَ مصدره تفعيل لا تَفَعُّل، أما وطابي فقد نفضتُ الذي فيها، وقوله: قال له يا كشخان، كان يحسن أن يضاف إليه: "أو جعله كشخاناً"، يدل على ذلك بيت عبدالصمد بن المعذّل المذكور.
5- ص 73 ورد "خبر أبي الأصبغ وابنه" الأصبغ مع يحيى بن زياد ومطيع ابن إياس بالعين المهملة من أصبغ، وكُرّر الاسم مرات بالمهملة في الصفحة نفسها وفي التي تليها، وجاء في الخبر نفسه قول مطيع:
يا أبا الأصبغ لا زلتَ على
كلّ حال ناعماً مُتًّبَعا
وذلك كله تصحيف الأصبغ بالمعجمة، والخبر مذكور بالمعجمة في أخبار مطيع من كتاب الأغاني (ج 13 دار الكتب). وأيضاً كُنية أبي الأصبغ هذا واسم ابنه الأصبغ على الصواب في كتاب الديارات (ص254). وهو اسم معروف، وممن سُمّي به الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان (المحبّر ص438). والأصبغ بن مِحْصَن من فُرسان العرب (التنبيه للبكري ص64)، وأصبغ العِبادي وباسمه سُمّيت بِيْعه (الديارات- الذيل ص 349).
6- ص 81 لجميل بثينة:
ألا ليت أيام الصباء جديدُ
ودهراً تولّى يا بثين يعودُ
وقال الأستاذ المحقق: "الرواية الصحيحة كما ترى وكما وردت في الأغاني جزء 2 ص139 ساسي وهي: ألا ليت ريعان الشباب جديدُ". قلتُ: كان الأولى به أن يتثبّت في "الصباء" في البيت ثم يقول: "هو تحريف الصفاء" بالفاء. لأنّ عمله الأصلي هو تحقيق النص. والصفاء هي الرواية الصحيحة لورودها في طبعات ديوان جميل جميعاً، ومنها الطبعة التي حققها الدكتور حسين نصّار. وأشار محققها إلى اختلاف المراجع في رواية البيت.
7- قول في نسب أبي الفرج الأصبهاني: ص85 قال المؤلف: "وقال أبو الفرج الأصبهاني". وقال الأستاذ المحقق: "يصرّ مؤلف الكتاب على نعت أبي الفرج الأصبهاني بدلاً من الأصفهاني كما هو مشهور" قلتُ:
أ- الأشهر في أصبهان بالباء، وممن ذكرها بالباء أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم (1/163)، والسهيلي في الروض الأنف، وياقوت الحموي في معجم البلدان (1/206). وأورد ياقوت في معجمه هذا أبياتاً لبعضهم في أصبهان جاء فيها:
لستُ آسى من أصبهان على شي
ءٍ سوى مائها الرحيق الزلالِ
ويجوز أن يقال لها أصفهان بالفاء، ومعاقبة العرب بين الباء والفاء معروفة، ويُعين على ذلك أنهما من أحرف الشفة، فمن ذلك ما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى (1/160) من قولهم "في بلخ فلخ وفي أصبهان أصفهان". لذلك وردت في بعض كتب المبرد بالباء والفاء. وممّن فضّل الباء الفيروزآبادي في قاموسه والزبيدي في تاجه.
ب- وفوق ذلك كلّه أنّ أبا الفرج نفسه انتسب إليها بالباء – قال في مقدّمة كتابه الأغاني: "هذا كتاب ألفّه عليّ بن الحسين بن محمد القرشي الكاتب المعروف بالأصبهاني". كذلك ورد قوله في طبعات الأغاني جميعاً. وكذلك نسبه صديقه التنوخي بذكره في مواطن من كتابه الفرج بعد الشدّة نحو (4/402). وهذا هو المشهور في نسبته في أكثر الكتب التي ذكرتْها. فمن جعل الباء فاء في نسبته فأظنّه سها أو ترخّص. وممّن جعلها فاء الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في إشرافه على تحقيق الأغاني (الهيئة المصرية العامة)، وذلك في تقديمه الكتاب (ج1) وعلى جلد كل جزء طُبع من الكتاب، إنّ الأصبهاني بالباء نسب عُرف به، ولو كان خطأ لما استُحِبّ إصلاحه فكيف وهو الأصوب؟ على أنه لو انتسب أحد إلى أصفهان بالفاء، وعُرف بهذه النسبة، لم يُستحبّ جعلُها بالباء، لأنها نسبته التي عُرف بها، وقد انتسب غير واحد من العلماء إلى أصفهان بالفاء.
ج- أما قول الأستاذ المحقق: "يصرّ مؤلف الكتاب على نعت أبي الفرج الأصبهاني"، فليت شعري متى نُهي المؤلف عن فعله هذا ليُصِرّ عليه؟ وقوله: "على نعت أبي الفرج الأصبهاني" الفصيح فيه" ... بالأصبهاني".
8- التمييز بين عبدالرحمن بن الحكم وعبدالرحمن بن أم الحكم: ص 94 عزا المؤلف أبياتاً إلى عبدالرحمن بن أم الحكم، أولها:
وكأس ترى بين الإناء وبينها
قذى العين نازعتُ أُمّ أبانِ
والصواب أنها لعبدالرحمن بن الحكم كما في الكامل للمبرّد (1/60 ط. التقدّم). وقد خلط جماعة من المؤلفين بين اسمي هذين الرجلين فنسبوا هذه الأبيات وغيرها إلى عبدالرحمن بن أمّ الحكم خطأ مع أنه لم يكن شاعراً. وهو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان، كان مرذول القدر، مشنوء السيرة، وكان كما في الاشتقاق (ص302) "يعيّر بجدّتين له حبشيّتين يقال لهما البزبخ وواهص"(1)، ولاّه معاوية الكوفة فشكاه أهلها فعزله، وولاّه مصر فمنعه معاويةُ بن حديج من دخولها، ثم ولاّه الجزيرة. أما عبدالرحمن بن الحكم فأخو مروان بن الحكم، وكان له منزلته ورأيه بين بني أمية. وكان له دالّة على معاوية ربما جاوزت حدّاً، روى ثعلب في مجالسه (1/346) أنه أعطى ميّة، وهي مولاة لمعاوية، رُقعةً لترفعها إلى معاوية، فرفعتها إليه، فإذا فيها بيتان عملهما يزعم فيها كاذباً أنه ركب الفاحشة مع ميّة، وأفاد البلاذري في أنساب الأشراف (ق4 ج1ص22) أنّ معاوية نصح له أن يجتنب التشبيب بالنساء، وأن يزهد في المدح والهجاء، وحضّه على الفخر بمفاخر قومه، وعلى قول ما يزينه من أمثال، وشعره في كتب الأدب وغيرها ولا سيما الأغاني (ج 18) وقسمٌ منه في مهاجاة عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، والكتب التي وجدتها تعزو الأبيات المشار إليها خطأ إلى عبدالرحمن بن أم الحكم هي المحبَّر (ص278) والعقد الفريد (6/345) وأخبار النساء (ص27) وقطب السرور، ويجوز أن يكون مؤلف المحبّر وهو محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 هـ أوّلَ من سها في الاسم ثم توبع في سهوه ثقةً به، وركوناً إليه. ووهم المسعودي في مروج الذهب (3/16) فنسب شعراً غير المذكور آنفاً إلى عبدالرحمن بن أم الحكم بدلاً من عبدالرحمن بن الحكم. ووهم أبو هلال العسكري في الأوائل (ق2/25) على العكس، فذكر في مسألة تأريخية اسم عبدالرحمن بن الحكم بدلاً من عبدالرحمن بن أم الحكم. وأنا أوّل من فرّق بين هذين الاسمين، ونبّه على الوهم في الكتب التي ذكرتُها.
9- ص 98 لمسلم بن الوليد:
وكنتُ نديم الكأس حتى إذا طغت
نهاني عنها حبها أن أسوءها
تعوّضتُ منها ريق أحور عيطلِ
بِلمسي فلم أفتك ولم أتبتّلِ
وفي البيت الأول "أحور" تحريف "حوراء"، لذلك قال في البيت الثاني "حبّها" و"أسوءها". وفي البيت الثاني "بلمسي" بالياء تحريف "بلمس" بحذف الياء، ذلك بيّن في طبعات ديوان مسلم ومنها طبعة الدكتور سامي الدهان.
10- ص 108 ذكر المؤلف لأبي الشيص ثلاثة أبيات، وعلق عليها الأستاذ المحقق مسمياً إياها "قصيدة" والوجه "أبيات" أو "مقطّعة".
11- ص 126 أورد المؤلف لأبي الهندي:
قل للسري أبي قيس أتهجرنا
ودارنا أصبحت من داركم صدَدَا؟
و"أتهجرنا" الصواب فيها "أتوعدنا"، كما في كامل المبرّد أي أتهدّدنا، ولا يستقيم لِ "أتهجرنا" معنى مع الخبر المتصل بهذا الشعر، وهو مذكور في الكامل بوفاء.
12- قول في مُسْتَهْتَر: ص135: "وكان عروة بن الورد مشتهراً بالشراب". و"مشتهراً" بالشين تحريف "مُستَهْتَراً" بالسين وبعد الهاء تاء، والمُسْتَهْتَر بالشيء هو الذي لا يملك نفسه في محبته إيّاه وولوعه به. وتكرّر هذا التحريف في الكتاب، كما في ص167 في حارثة بن بدر الغداني: "وهو مُشتهرٌ بالشراب" وكما في ص171 في علي بن الخليل: "وكان مشتهراً بالشراب". ووقع نحو هذا التحريف في كتب أخرى دون أن يلتفت إليه محققوها. ومن مجيء "مُسْتَهْتَر" بلا تحريف ما جاء في رسالة ابن فضلان (ص156): "وهم مُسْتَهْتَرون بالنبيذ يشربونه ليلاً ونهاراً"، وما جاء في أنساب الأشراف (3/226): "وكان ابنُ هرمة مستهتراً بالنبيذ لا يصبر عنه". وقد يكون الاستهتار بغير ذلك، كالغناء كما في رسائل الجاحظ (2/364) أو بالنساء كما في الموازنة (ص321) أو بالغلمان كما في الأنباء في تأريخ الخلفاء (ص130) أو بالكلاب كما في كتاب الحيوان (2/82)، ومما سبّب التحريف بين اللفظين التشابه بين أحرفهما، وأنّ الأغلب فيمن يُسْتَهَتر بالشيء أن يُشْتَهَر به. ووجدتُ اللفظين مجتمعين في نصّ واحد، وقت تمّم أحدهما معنى الآخر، وذلك في الكتاب المسمّى "خطأ الحوادث الجامعة ص 106()": وكان مُشْتَهَراً بحب الغلمان والميل إليهم والاستهتار بهم"، والأصل في "استُهتِر بالشيء" أُهتِر به، ومنه قول بعضهم:
يريد قضاء المصر والمصرُ مُنكِرٌ
لكل مُراء مُهْتَرٍ بغلامٍ
13- قولٌ في "رؤوسهما وقلوبهما" وما أشبه: ص139 قال المؤلف: "فحلقا رؤوسهما وأقبلا وتلقّاهما الناس"، ولكنّ الأستاذ المحقق حذف "رؤوسهما" من قول المؤلف وأثبت مكانها "رأسيهما" وقال: "في الأصل: "رؤوسهما".
أ- وذلك منه حيفٌ على النصّ.
ب - ثم إن رؤوسهما هي اللغة الفصحى، وكأني به غاب عنه قوله تعالى: "وإن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما"، وقوله: "والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْديَهُمَا"، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة كما في سيرة ابن هشام (ق 2/600): "أما والله لولا أنّ الرُّسل لا تقتل لضربتُ أعناقكما". وقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كما في الإمامة والسياسية (1/23):"... وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما"، وأنشد ثعلب في مجالسه (1/323):
يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسَكُما وحيثما كنتما لُقّيتما رَشَدا
وفي رسالة لعبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية في تأريخ الطبري (5/380):"فقدّمتها فضربت أعناقهما وقد بعثت إليك برؤوسهما".
ج- وقال الفراء في هذه الجموع من معاني القرآن (1/306) بأنّ "كل شيء موحّد من خَلْق الإنسان إذا ذُكر مُضافاً إلى اثنين فصاعداً جُمع فقيل: قد هشمتُ رؤوسهما، وملأتُ ظهورهما وبطونهما ضرباً". وفي كتاب العين (7/ 328 سوء):"والعرب إذا أرادوا شيئين هما من خلقه في نفس الشيء نحو القلب واليد قالوا قلوبهما وأيدهما ونحو ذلك" و"الشيء" في قول كتاب العين أوسع من "الإنسان" في قول الفراء، لاتّساعه للإنسان وغيره، كالنِحي في خبر ذات النحيين، وهو كما في "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ص396":"وهي لا تدفع لحفظ أفواه النحيين".
د- ولم ينصّ الفراء ولا كتاب العين على ما يكون موحّداً مع الإنسان أو غيره وليس من خلقته، كالسيف، نحو ما جاء في "وقعة صفّين ص 281":"فضرباه بأسيافهما حتى بَرَد" وكالرَّحْل نحو "وضَعَعَا نحو " وَضَعَا رحالهما"، ذكره سيبويه في الكتاب (ص 206 ط. باريس) وال "يريد رَحْلي راحلتين"().
هـ- فالذي اختاره الأستاذ المحقق لم يكن من اختيار القدماء، على أنّ فيهم من استعمله، وذلك نادر، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العُبُط التي لا تُرْفَعُ
وما أورده القزّاز القيرواني في ما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 185) وهو:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى فيجبر منهاض الفؤاد المشغّف
وقال فيه: وكان الوجه أن يجمع الفؤاد. وما أورده النهرواني في الجليس الصالح الكافي (1/326) من قول العباس بن الأحنف:
فإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما راسا
ونبّه على أنّ رأسيهما "غير فصيح، وأيضا من النادر ما ذكره سيبيويه في كتابه (ص206) من أن يؤنس زعم أنّ رؤبة كان يقول: ما أحسن رأسيهما، ومن أن الراجز قال: ظهراهما مثلُ ظهور الترُسين. وأرى أن ما أتيت به من بيت أبي ذؤيب، وعبارة رؤبة، ورجز الراجز، والبيت الذي أورده القيرواني وبيت ابن الأحنف، كلّ أولئك مما ساعد في تدرّج التعبير من الجمع إل المثني، فقيل: رأساهما دون رؤوسهما، وقلباهما دون قلوبهما، وعُناقهما دون أعناقهما، وسيفاهما دون أسيافهما، واعتياد الأستاذ المحقق ما آل إليه هذا التدرج هو الذي جهله يحذف من متن الكتاب لفظاً فصيحاً ويثبت مكانه لفظاً دونه فصاحة.
14- عَوْد إلى سهو ابن السكّيت: ص 145 للنابغة الذبياني:
إحدى بِليّ وما هام الفؤاد بها إلاّ السفاهَ وإلا ذُكرةً حُلُما
وقال الأستاذ المحقق في "بَلِيّ":"مثلُ غني قبيلة". قلتُ: "بلِيّ" ههنا جمع بليّة وهي المحنة، أضيف إلى ياء المتكلم فصار "بلِيَّ". وجمع بليّة على بليّ كجمع مطيّة على مطِيِّ وركِيّة على ركِيّ. وكنتُ قلتُ بنحو من ذلك في مقالة لي في هذه المجلة عند استدراكي على ابن السكّيت تفسيره "بليِّ" في بيت النابغة المذكور بقوله:"من بني القين بن جسر" (العدد 38 ص 315- 316). وأضيف ههنا دليلاً يقوّي من استدراكي ذاك، وهو أنّ أبا تّمام جمع بليّة على بَلِيّ في قوله (الاقتضاب للبطلوسي 2/197).
ألاويل الشّجِيِّ من الخلِيِّ وبالي الربعِ من إحدى بلِيِّ
فربع الحبيب لبال من إحدى بلِيّ أبي تمام، أي من إحدى محنه، وهو جمع خلت منه معاجم اللغة، وحقّه أن يثبت في حواشي المعاجم القديمة, وفي متون المعاجم الحديثة، كالمعجم الكبير والوسيط وأيضاً نظير بليّة وبليّ، ودية وودِيّ.
جاء في وصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه،"وأن لا يبيع من أولاد نخل هذه القرى وَدِيّة".
وقال الشريف الرضي مفسراً:
20- ص262 جاء في الكَرْم: "وإذا أُخذت أطراف ورقة الغصن وجُففّت وأُخذ منها وزن ثلاثة دراهم ..." وهو نصّ فيه تصحيفان، أحدهما "ورقة" بالهاء المعجمة مصحّفة عن "وَرَقِهِ" بالهاء المهملة، أي وَرَق الكَرْم، والآخر "الغصن" بالصاد والنون مصحّفة عن "الغضّ" بالضاد المعجمة المثقلة. فمن شك في قولي فليعتبر النصّ يجد التصحيفين واضحين. وكيف تزِنُ أطرافُ ورقة الكرم الواحدة إذا جففت ثلاثة دراهم؟
21- تعدّي نفع بحرف الجرّ: ص 262 قال المؤلف في ورق الكرم المجفّف إنه إذا أخذ مع السكّر "نفع من القروح الكائنة في الصدر"، وقال الأستاذ المحقق: "يلاحظ أن المؤلف أو الناسخ يعدّيان فعل (نفع) بـ(من) والصحيح أنه يتعدّى بالباء" واستشهد بمحيط المحيط، قلتُ:
أ- قول المؤلف صحيح، والمخطِّئُ مُخْطِئ، فتعدّي نفع في نحو هذا الموضع يكون بأحد حرفين، "مِن" وهو الذي استعمله المؤلف، و"اللام". وفي كتب الطب شواهد لذلك لا يقوم لإحصائها المحصي، وأنا ناقل ههنا بعضها من كتاب الحاوي في الطب للرازي، فأما "مِن" ففي (4/29): "الزراوند المدحرج إذا شُرب بماء نفع من عرق النّسا". وفي (9/60): "الباقلّى متى طبخ بخلّ وماء وأكل بقشره نفع من قروح المعى". وفي (12/2): "الحمّص متى تُضمّد به بعد طبخه بالماء نفع من القروح السرطانيّة". وأما (اللام) ففي (1/240): "ومما يعظم نفعه للشقيقة التي من الصفراء أن يُطعم باكراً خبزاً وخلاً وماءً"، وفي (9/69) عنوان هو "دواء نافع لوجع البطن". أما الباء التي أشار إليها فتستعمل مع (نفع) في موضع آخر، فقولك: نفعني الدواء من الزكام أو للزكام يصحّ أن يكون بديلاً منه قولك: نُفعِتُ بالدواء من الزكام أو للزكام. أو انتفعت به وأظنّ أنه لم يتثبّت فيما قصد إليه العالم الجليل مؤلف محيط المحيط فيما قاله في معجمه هذا في "نفع"، أقول قولي هذا على بعد المعجم مني، وتعذّر وقوفي على ما فيه.
ب- وقول الأستاذ المحقق "يلاحظ أن المؤلف أو الناسخ يعدّيان فعل نفع بـ(من)" فيه نظر من جهتين. إحداهما قوله "يعدّيان" الفصيح فيه "يعدي" لأن الفعل واقع من واحد بدلالة العطف بأو. والأخُرى قوله "يعدّيان فعلَ نَفَع" الأَولى فيه "... الفعلَ نَفَع" ولا مسوّغ لإضافة المبدل منه إلى البدل.
22- قولٌ في حذف الياء من "ثمانٍ": ص320 للأعشى:
ولقد شربتُ ثمانياً وثمانياُ
وثمان عشرة واثنتين وأربعا
وقال الأستاذ المحقق في "ثمان عشرة": "كذا في الأصل"، وكأنه أنكر حذف الياء من "ثمان". ولم يرجع إلى الديوان فالياء فيه أيضاً محذوفة، وذلك من الفصيح. وكان الحريري خطّأ حذفها في درّة الغوّاص (ص74) قال: "ويقولن عندي ثمان نسوة وثمان عشرة جارية وثمانمائة درهم، فيحذفون الياء من ثمان في هذه المواطن الثلاثة، والصواب إثباتها ... لأن الياء في ثمان ياء المنقوص، وياء المنقوص تثبت في حال الإضافة وحالة النصب ... فأما قول الأعشى:
ولقد شربتُ ثمانياً وثمانياُ
وثمان عشرة واثنتين وأربعا
فإنه حذف الياء لضرورة الشعر"، وفي تخطئة الحريري نظر، فبعد حذف الياء في قول الأعشى حُذفت في مواطن من كتب الحديث. ففي رياض الصالحين للنووي (ص293) ورد حديث فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها في الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو منقول من صحيح مسلم، جاء فيه: "فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلّى ثمان ركعات"، وفي التاج الجامع للأصول (2/355) أنّ الحارث بن قيس، رضي الله عنه، قال: "أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر أربعاً"، رواه أبو داود. وحُذفت في قول لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كما في جامع البيان للطبري (3/456)، قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لثمان عشرة مضت من رمضان ...". وحُذفت في قول لابن عباس، رضي الله عنه، في جامع البيان أيضاً (13/38) وهو: "فوجد ريح قميصه على مسيرة ثمان ليالٍ". وفي رواية أُخرى: "فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليالٍ". وأيضاً حُذفت في قولٍ له أورده النيسابوري في غرائب القرآن وهو "ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده". وممن حذفها من المولّدين الجاحظ، قال في الحيوان (7/181): "أُعطي كسرى أبرويز ثمان عشرة خَصْلة لم يُعطَها ملكٌ قطُّ"، والمصعب الزبيري في نسب قريش (ص101) قال في عثمان، رضي الله عنه: "قُتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة". وأورد السيد علي خان في طراز اللغة قول الشاعر (الجاسوس على القاموس ص501):
لها ثمانٌ أربعٌ حسانُ
وأربعٌ فكلها ثمانُ
والمسعودي في مروج الذهب (4/166) وحمزة بن الحسن الأصفهاني في "تأريخ سني ملوك الأرض والأنبياء ص 61"، وعلي بن أحمد البغدادي في "المختارات في الطب ص 38"، ثم إن اللغوي ابن سيده حذفها في المحكم (2/6 درع) قال: "وقيل هي ليلة ست عشرة وسبع عشرة وثمان عشرة"، وذكر الجواليقي في شرح أدب الكاتب (ص259) قول الأعشى المذكور وقال: "وثماني عشرة تثبت فيها الياء تارة وتحذف أُخرى"، قلتُ: قول الجواليقي يوهم أنها تحذف في حال تركيبها دون إفرادها، والنصوص التي قدّمتها تجيز الحذف في الحالين، وعندي أن الأصل في حذف يائها الاختصار، ونحو ذلك وقع على ياءات أسماء منقوصة كالزابي والبازي والعاصي من عمرو بن العاصي، فقالوا الزابُ والبازُ والعاصُ، ومنهم من رأى أن يقال في "ثمان" عند تنوينها وهي مفردة منصوبة "ثمانياً"، لذلك أُخذ على المغيرة بن حبناء قوله:
وإلاّ جُبْتُ نُعْنُها بقولٍ
يصيّره ثماناً في ثمانِ
قال الأزهري فيه كما في التكملة والذيل والصلة (3/368): "وقوله: ثماناً في ثمانِ لحن عند النحويين، والكلام الجيد ثمانياً، وإن رُوي: يصيّره ثمانٍ في ثمانِ، على لغة من يقول: رأيتُ قاضٍ كان جائزاً"(). ومنهم من رأى أن يقال "ثماناً" ومنهم السيد علي خان في "طراز اللغة" كما في "الجاسوس على القاموس ص 500".
23- ص 323 ذكر المؤلف خبراً في المأمون مع أبي محمد اليزيدي جاء فيه: "فقال المأمون في حديثه سَداد من عَوَز، فقال له اليزيدي: أخطأت إنما يقال ههنا سِداد من عَوَز ومنه قول العرجي:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسِداد ثغرِ
فقال له: مقبول منك يا أبا محمد، فلما انصرف وصحا من سكره كتب إليه معتذراً:
أنا المذنبُ الخطّاءُ والعفُو واسعٌ
ولو لم يكن ذنبٌ لما عُرف العفُو
إلى آخر الأبيات والخبر، وقد وهم المؤلف فلفّق الخبر من خبرين مختلفين، أحدهما أنّ إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ - لا أباه كما ذكر المؤلف – جادل المعتصم في حدّة بحضرة المأمون، في مجلس نبيذ. فلما كان الغدّ أرسل إبراهيمُ إلى المأمون بالأبيات المشار إليها يعتذر فيها إليه. وذلك مذكور بتفصيل في الأغاني (20/252) الهيئة المصرية العامة، وفي معجم الأدباء (2/99-100). والخبر الآخر أنّ النضر بن شُميل استدرك على المأمون قوله سَداد من عَوَز بفتح السين، وكان استدراكه إيماء، مع أدب رفيع، وتواضع مستفيض، واستشهد بقول العرجي المذكور. ولم ينزعج منه المأمون، بل استحبّ ذلك منه، ووصله بصلة سنيّة. ولم يكن ثمّة مجلس نبيذ، ولا كان النضر ممن يشربه. والخبر مذكور في معجم الأدباء ( 20/239- 240 ) وغيره.
24- ص 321 نسب المؤلف ثلاثة أبيات إلى الفرزدق، وهي:
اسقني خمساً وخمساً
من عقار كدم الجو
واسقِ هذين ثلاثين
وثلاثاً واثنتين
فِ بحرّ الكلبتين
يروحا فرِحَيْن
وقد وهم المؤلف في ذلك، فليس هذا الشعر من نمط شعر الفرزدق، ولم يرد في أي طبعة من طبعات ديوانه، وإن كان الفرزدق صرّح بفُسوُقه أحياناً فإنه لم يصرّح بشربه الخمر أو النبيذ، ولا عُرف أنه شرب أيّاً منهما.
25- ص 362 لأبي الهندي:
إن كنتَ ندماني أبا مالكً
من قهوة صهباء كرخيّة
فاسقِ أبا الهندي بالكُنْدُرَه
تأخذ بالرأس وبالحنجره
وفسّر الأستاذ المحقق "الكندرة" بأنها "ضرب من الأحذية وليست من كلام العرب"، هكذا، ومرجعه في ذلك محيط المحيط، وغريب أن يرتضي الأستاذ المحقق لنفسه اختيار هذا المعنى للكلمة، وكيف نصدّق أنّ أبا الهندي سأل نديمه أن يسقيه الخمر بالحذاء؟ ثم إن الكندرة بمعنى الحذاء لم تكن مستعملة زمن أبي الهندي ولا بعده بمئات سنين. ومعاجم اللغة تُنبئنا أنّ معنى الكندرة ما غلظ من الأرض وارتفع، ومكان البازي الذي يهيّأ له من خشب ونحوه، واللُّبانُ وهو ضرب من العلك، ثم زيد عليها في عصورنا الحديثة معنى الحذاءِ، على أنه عامي دخيل. ويجوز أن تكون الكندرة محرّفة عن "الكَوْثَرَة" مؤنث "كَوْثَر" وهو الكثير، فإن صحّ ذلك كانت الكوثرة مما غفلت عنه معاجم اللغة، أو مما أغفلته للدلالة عليه من المذكّر وهو "كوثر"، وعندئذ يكون أبو الهندي سأل نديمه أن يسقيه كثيراً بلا عدّ للكؤوس. وإنما قلت ذلك لأني أجد لكوثرة أصلاً لدى العامة من العراقيين، وهو "كُوْتْرَه" بضم فسكون فسكون ففتح، وبقلب الكاف كافاً فارسية والثّاء تاءً، فمن المألوف عندهم أن ينادي البائع أحياناً على بضاعته في آخر النهار، ولا سيّما البقال: "كُوْتْرَه" يريد أبيعها كثيرةً ورخيصةً بلا وزن، أي جزافاً، وسأظل مجوّزاً ما ذكرت من معنى إلاّ أن أقف على ما يثنيني عنه.
26- ص 370 في رسالة لأبي شراعة إلى بعضهم: "أستنسئ الله في أجلك، وأستعينه من المحذور فيك وأستعينه على شكر ما وهب من النعمة بك"، فكُرّرت "أستعينه" بالنون في هذا النص المحكم البليغ، وأجد أنّ "أستعينه" الأولى تحريف "أستعيذه" بالذال. ومما يؤيد ذلك أنها متلوّة بِـ"من" و"المحذور".
27- ص 376- 377 جاءت عبارةُ: "لأبي شراعة: "وبعدها بيتان من الشعر مختلّا الوزن وقد أُجريا مجرى النثر على هذا النحو: "تدب خلال ضلوع الفتى دبيب ريا الروضة المنعش إذا فتحت عبقت بريا البنفسج والمردقش". وقد أعدت ترتيبهما موزونين على هذا النحو:
تدبّ خلال ضلوع الفتى
إذا فُتحتْ "بيننا" عبّقت
دبيب "شذا" الروضة المنعشِ
بريّا البنفسج والمَرْقُشِ
ولإقامة الوزن حذفتُ "ريّا" من البيت الأول وأثبت مكانها "شذا"، وأضفتُ "بيننا" إلى البيت الثاني، وحذفتُ فيه الدال من المردقشِ. والمرقُش والمردقُش هو المردقوش، نوع من الورد، فارس معرب، كان يكثر استعماله في مجالس اللهو والفرح، وهو فارسي معرّب، والاسم الأعجمي يجوز فيه تغيير لفظة، كقول النابغة الذبياني:
جلّاءَ محكمةٍ من نسج سلَّامِ
فيه الرماحُ وفيه كلّ سابغةٍ
أراد داودَ أبا سليمان فلم يستقم له الشعر فقال سلّام.
28- ص 400 للسرادق الدهلي:
تَدَعْهُ قليل القلبِ والسمعِ والبَصَرْ
ومن يكُ نهباً للّيالي ومرهّا
وأظَنّ "الدهلي" بالدال المهملة تصحيف "الذهلي" بالمعجمة. وقال الأستاذ المحقق في "قليل القلب": "وقد تكون الكلمة عليل القلب". قلت: أرجح أن تكون "قليل" محرّفة عن "كليل". وتحريف الكاف قافاً معروف، ومنه قول أبي عطاء السندي (الأغاني 17/337 الهيئة المصرية العامة):
فصرتُ كالمقتَبَل العاني
صادَ فؤادي بعدما قد سلا
فعندي أن كالمقتَبَل تحريف "كالمكتَبَل" أي كالمقيَّد، ومنه قول النابغة الشيباني (مجالس ثعلب 2/95):
كأنني مُوثق في القِدّ مُكْتَبَلُ
أهذي بها في منامي وهي نازحةٌ
وسبب التحريف توهم الناسخ عند الإملاء عليه لقرب مخرج الكاف من القاف، وهما لذلك قد يتعاقبان في بعض الألفاظ، نحو كُشِطت وقُشِطت (سرّ الصناعة ص 280) ونحو الكَرْكَرَة والقرقرة (القاموس: كرّ).
29- ص411 لعطارد الفزاري:
يفلن أنامل الرجل القصيرِ
فبتّ أرى الكواكبَ دانياتٍ
وجوّز الأستاذ المحقق أن تكون "يفلن" بالفاء محرّفة عن "ينلن" بالنون، ولا أراها إلاّ بالنون.
وقال: "وفل يفل فلياً، هكذا، وإنما يقال وفل وفلاً كوعد وعداً ووصف وصفاً".
30- ص440 "خبر جذيمة الوضّاح وعربدته على نديميه مَلَك وعقل". وضبُطت "مَلَك" بفتح ففتح، وهو تحريف "مالك" بالألف بعد الميم. وفيهما يقول أبو فراس الهذلي (تأريخ الطبري 1/617)/
نديما صفاءٍ مالكٌ وعقيلُ
ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا
31- ص 458 ورد قوله تعالى: "ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سُكراً ورزقاً حسناً"، وضُمّت السين من: "سُكراً". والصواب "سَكَراً" بفتح ففتح، وهو ما يسكر من خمر وشراب. ولم أرَ في كتب القراءات قراءة بضم السين. ولم يذكرها ابن جني في كتابه المحتسب في شواذ القراءات.
32- ص 493: "فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها– فقمتُ إلى مهراس لنا فضربتُهُ بأسفله حتى تكسّر"، وقال الأستاذ المحقق في "المهراس": "وعاء كانت توضع فيه الخمر". قلتُ: المهراس ليس مما توضع فيه الخمر، وإنما هو وعاء تُدقّ فيه الحبوب وغيرها، ويقال له الهاوون أو المنحاز، ويُتخذ من الحجر أو المعدن أو الخشب، وذلك بحسب بيئة من يصنعه، ويدلّ النص على أنّ الخمر كانت في الجرار، فضُربت الجرار بأسفل المهراس– وأسفله أثقل من أعلاه– فتكسّرت. لذلك أجد العبارة "فضربتُهُ بأسفله حتى تكسّر" محرّفة عن "فضربتُها بأسفله حتى تكسّرت".
33- ص 538 ذكر المؤلف لابن المعتز:
وارتاح لمّا الإصباح قد نُشِرا
تذكّر القصفَ في غُمّى فما صبرا
وحذف الأستاذ المحقق "القصف" وأثبت مكانها "الصُّبح"، وقال: "وفي الأصل: تذكّر القصف". ولا حقّ له في تغيير النص، و"القصف" أقرب إلى سياق المعنى، والمراد به اللهو والشرب وقد يمتد إلى المجون، ومنه قول بعضهم:
في بحر داجيةٍ وقَصْفِ
وتبيت تلهو غارقاً
34- ص 614 لابن المعتز:
في خّده عقاربُ لا تسري
من سُبَح قد قيدت بعطرِ
و"سُبَح" بالحاء وبضم الأول وفتح الثاني جمع سُبحة. وهي تصحيف "سَبَج" بالجيم، و بفتح الأول والثاني، والسَبَحَ كما في الجواهر للبيروني (ص199) حجر أسود حالك صقيل رخو جدّاً تأكل النار فيه، وهو كما في معجم استينجاس (ص732) فارسي معرّب "شبه" وفي اللسان "سبه" وهو تصحيف، وكُني في هذا الرجز عن العذار بعقارب من سَبَج لسواد الشَّعر، وممّن كنى عن الشعر الأسود بالسبّج صُر ّدُرّ، قال (الديوان ص 219):
فرعيَ خَلّى مكانها السَّبَجا
ليت الذي نظم اللآلئ في
ويُتّخذ من السَّبج السُّبج- وممن ذكر سُبحة السَّبَجَ الخبز أرزي (التحف والهدايا ص53):
بسبُحةٍ من سَبَجٍ مُعْجِبِ()
بعثتُ يا بدر بني يعرُبِ
35- ص680 للحسين بن الضحّاك:
سحرة أحوى أحمّ كالحُمَمِ
حتى إذا نفّس المقدّسُ في
برواية: "نفّس" بالفاء، وقال فيها الأستاذ المحقق: "كذا في الأصل"، وقلتُ: هي تصحيف" نقّس" بالقاف، أي نقر الناقوس، وجاء بعد صفحة:
س ونجوى حمامة وحمامِ
هاجني للصبوح نقرُ النواقيـ
ونقر النواقيس هو التنقيس:
36- ص 720 لتميم بن المعزّ في الخمر:
من رِقّة الفهم وسحر البيات
أدقّ محسوساً إذا صُفّقتْ
و "رقة الفهم" فيها الراء من "رقّة" محرّفة عن "دِقّة" بالدال. وجاءت "دقة الفهم" ههنا للمدح، وكذلك هو حال "دقة" مع "الفهم"، كقول الجاحظ (ثلاث رسائل ص71 ت، فتكل): "عذب اللفظ، دقيق الفهم، لطيف الحس". وكقول البحتري يمدح محمد بن عبدالملك الزيّات (تأريخ بغداد 2/343):
ـهَ والواثقَ بن الرشيد
دقّ فهماً وجلّ حلماً فأرضى اللـ
وقد تجيء "دِقة" للذم ولكن مع غير "الذهن" كدقّةِ الخُلُق، ودقّةِ الأصل، وليس هذا موضع التمثيل لها، والتحريف بين "دَقَّ" و"رَقَّ" كثير، ولي مقالة نشرتها في هذه المجلة (العدد 30) عنوانها "تمييز الدقيق من الرقيق" ميّزت فيها بين اللفظين، وجعلت لكل واحد منهما حدّاً واضحاً.
* تحقيق الأستاذ أحمد الجندي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق
majma.org.jo
كتاب قطب السرور في أوصاف الخمور
مجمع اللغة العربية الأردني - الاهتمام باللغة العربية وقضاياها