محمد وقيدي - الثقافة الإفريقية والتنوع الثقافي

1) وضع الثقافة الإفريقية .
جدل الوحدة والاختلاف الذي يحكم الوضع الإنساني العام هو ذاته الذي ينطبق على الثقافة حيث يكون الأمر متعلقا بالعلاقة بين كونية القيمة الثقافية وبين تنوعها عند الانتقال من حضارة إلى أخرى أو من مجتمع إلى آخر. هذا هو الإطار الذي نتناول ضمنه الآن الثقافة الإفريقية كواحدة من الثقافات التي يتشكل منها التنوع الثقافي في العالم المعاصر، علما بأن اهتمامنا بالثقافة الإفريقية ينبثق من كوننا مجتمعا ينتمي إلى القارة الإفريقية، وينبثق كذلك عن الأخذ والعطاء بين ثقافتنا والثقافة الإفريقية على العموم.
مرجعياتنا في الحديث عن الثقافة الإفريقية متعددة أولها وعينا بالانتماء الإفريقي للبلد الذي ننتمي إليه، ووعينا بأن هذا الانتماء يندمج ضمن مكونات المجتمع وتعبيراته الثقافية المختلفة. كان من أول الأعمال التي اطلعنا عليها وقائع المناظرة الثقافية الأولى التي انعقدت بالجزائر سنة 1969، وهذا تاريخ ذو دلالة خاصة للقارة الإفريقية. فقد انعقدت المناظرة متزامنة أو متفاوتة بوقت قصير مع حصول كثير من البلدان الإفريقية على استقلالها السياسي،فكانت وقائعها ومحاورها بمثابة البحث عن استقلال آخر هو الاستقلال الثقافي الذي ازداد الوعي لدى الأفارقة بأنه المظهر الأعمق لتحرربلدان القارة.كان الأفارقة في ذلك الوقت مايزالون يبحثون عن التوجه الذي ينبغي أن يسير فيه عملهم لكي يكون استقلالهم تاما.(1)
نسجل، من جهة ثانية،أن المناظرة التي نتحدث عنها تمت بحضور عدد من القادة الأفارقة، وهو ماجعلها اجتماعا من أعلى مستوى لمناقشة المسألة الثقافية في إفريقيا وتبادل الخبرات في موضوعها. ولأجل ذلك، فقد كان ما أسفرت عنه المداولات في تلك المناظرة بمثابة ميثاق حول الثقافة الإفريقية تبنته في الوقت ذاته أسمى منظمة في القارة في ذلك الوقت وهي منظمة الوحدة الإفريقية. لقد فتحت المناظرة باب التعاون الإفريقي في مجال الثقافة. لاننسى، مع ذلك، إشكال تنفيذ قرارات المناظرة الثقافية الإفريقية، والآتية من جملة من الصعوبات التي تطرح على البلدان الإفريقية، كما لانغفل أن التعاون يقتضي علاقات جيدة مستمرة بين البلدان الإفريقية، وهو شرط لم يكن دائما متوفرا بفعل النزاعات التي تقوم بين تلك البلدان والتي كان من عواقبها حلول مشكلات أخرى محل الأولوية التي تعوق ذلك التنفيذ وتجعل القارة الإفريقية بعيدة عما رسمته لذاتها من بناء ثقافي لابد منه لإعطاء الاستقلال السياسي بعده الحقيقي.
نلاحظ، كذلك، أن الاتفاق حول ماهية الثقافة الإفريقية لم يكن قائما، وأنه كانت هناك عدة مواقف ووجهات نظر متباعدة نسبيا بعضها عن البعض الآخر إلى حد الظهور بمظهر التعارض في بعض الحالات. ونرى أن هذا الأمر طبيعي لأن الاختلاف حول موضوع مثل الثقافة يكون نابعا عن اختلافات في التطور والمشكلات المطروحة على كل بلد. وفوق ذلك فإن مناظرة واحدة حول موضوع واسع لايمكن أن تصل مباشرة إلى اتفاق حول موضوعها، خاصة وأن تجارب البلدان الإفريقية كانت متنوعة بصدد هذه المسألة. وفي نظرنا،فإن الإشكالات التي ظهر بصددها خلاف تستحق التعرف عليها وإعادة التفكير فيها. هناك، في نظرنا، خلفيات سياسية وفلسفية تقي الضوء على الاختلافات القائمة.
لم تمنع الاختلافات التي ظهرت خلال المناظرة الإفريقية الأولى حول الثقافة من الاتفاق حول الأهمية التي تكتسيها المسألة الثقافية بالنسبة للبلدان الإفريقية التي كانت حديثة عهد بالاستقلال والتي كانت تتوق إلى احتلال مكانتها ضمن العالم المعاصر، وكان ضمن ذلك سعيها إلى تقديم تراثها الثقافي باعتباره جزءا من الإبداع الثقافي العالمي. وهذا الاتفاق حول أهمية المسألة الثقافية نقطة ارتكاز بالنسبة لتناول هذه المسألة في الوقت الحاضر.(2)
كان هناك وعي بأن العمل من أجل الحفاظ على التراث الثقافي للشعوب الإفريقية مظهر للحفاظ على هوية تلك الشعوب.كما أن سياسة بعث الثقافة الخاصة بالبلدان الإفريقية جزء من التحرر من آثار الهيمنة الاستعمارية السابقة.ودون إنكار قيمة المظاهر الأخرى لتحرر البلدان التي خضعت للتجربة الاستعمارية، فإن العمل العميق من أجل استعادة المجال الثقافي هو أعمق سياسة للتحرر من آثار الهيمنة السابقة.لقد بذلت السلطة الاستعمارية في البلدان الإفريقية التي خضعت لها على طمس وإقصاء العناصر المختلفة المميزة للثقافة في كل بلد إفريقي،وفرض بديل عنهايتشكل من عناصر الثقافة التي تعود إلى القوة المهيمنة، فكانت الثقافة بذلك وسيلة لدعم الأشكال الأخرى من الهيمنة.لكن الأمر لايطرح بالنسبة للأفارقة بنفس الصيغة السابقة،إذ تصبح الثقافة الوطنية في كل بلد مظهرا من مظاهر التحرر من الهيمنة السابقة.
مهما كانت شروط الثقافة الإفريقية اليوم، فإن من مطالب الأفارقة، ومن المطلوب منهم أيضا، العمل على القيام بكل المجهودات والخطوات التي تؤهل ثقافاتهم الوطنية لكي تظهر بوصفها جزءا من التنوع الثقافي الذي يوجد لدى الشعوب التي تعيش على أمل السلام في كل جهات العالم الاستفادة من ثرائه.
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الإفريقي - ملف
المشاهدات
838
آخر تحديث
أعلى