كلمة «كيتش» تعني موقف الشخص الذي يُريد أن ينال إعجاب الآخرين بأيّ ثمن، أن ينال إعجاب أكبر عددٍ من الناس. لكي ينال المرء إعجاب الآخرين، عليه أن يُؤيد ما يودّ الجميع سماعه، عليه أن يكون في خدمة الأفكار الجاهزة. الكيتش هو ترجمة بلاهة الأفكار الجاهزة إلى لغة الجمال والوجدان...
م.كونديرا
لا شك أننا سنُبخس معظم كتّابنا قيمتهم لو أننا اكتفينا بالنظر إلى الجهود التي يبذلونها في نشر مؤلفاتهم على أنها تقتصر على تأليف الكتب، وتتوقّف عند كتابتها. ذلك أن مهمتهم لا تنحصر في ذلك فحسب، فهم يقومون بوظائف مُتعدّدة تكون وراء رواج الكتاب، هي التي تحدّد نشره وانتشاره، بل قيمته ولغاته ومكانته.
لا ريب في أن هذه المهام العِظام تكلّف صاحبها من الوقت والعناء أضعاف الجهود التي يتطلّبها مجرّد متابعة الإنتاج الفكري، ومسايرة الإبداع الأدبي. فهي تتطلّب من الكاتب أن يغدو مؤسّسة متعدّدة الاختصاصات، ومقاولة تسهر على وضع الكِتاب ونشره ونقده وترجمته وتقديمه وتلخيصه وتفسيره، وإثبات قيمته، وإقناع القارئ بقراءته.
من الطبيعي، والحالة هذه، أن يلجأ الكاتب إلى الإعلام، إِنْ لم يتلبّسْ هو نفسه شخصية رجل الإعلام. وعلى أيّة حال فلا محيد له من أن يجد نفسه على اتّصال بجميع وسائل الاتصال، قديمها وحديثها، فيبحث عنها قبل أن تبحث عنه، وعياً منه أنها هي التي أصبحت «تؤلف المؤلفين»، وتصنع الكتّاب وتنشر صورهم، وتعلن عن مؤلفاتهم، فتلخّصها وتقدّمها وتروّج لها، بل إنها قد تعمل على أن تغني عن قراءتها فتجعلها مقروءة من غير أن تُقرأ.
لا عجب إذاً أن نُفاجأ بعدد النّدوات التي تُعقد لـ«قراءة» الكِتَاب بمجرّد أن يُغادر المطبعة، وربما حتى قبل أن يصل إلى المكتبات، بحيث لا يكون قد رأى الكتاب بعدُ إلا من سيقدّمه خلال الندوة، وهكذا يُصغي الجمهور إلى «قراءات نقديّة» لكتاب لم يقرأه بعد، ويتعرّف على نماذج للتلقّي قد تؤطّر كيفية تلقّيه، إن لم تحدّدها التّحديد النهائي.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن الكاتب يظلّ يشعر أن كل هذه الندوات تظلّ عاجزة عن التعريف بالكتَاب خارج الحقل اللغوي الذي كُتِبَ داخله. لذا سرعان ما يتنبّه أنّ عليه أيضاً أن يبحث عن مترجمين ينقلون ما خطّت يده، لا للتعريف بالكتاب عند ثقافات أخرى، وإنّما أساساً للرفع من قيمته عند من يقرؤونه في لغته الأصلية، وإقناعهم بأن هذا الذي يقرؤونه قد «أجازته» اللغات السيّدة و«استضافته»، وأنه غدا مُعترفاً به.
لكن أكبر اعتراف، وأكثره جدوى، يبقى، بلا أدنى شكّ، اعتراف الجوائز، لذا فلا مفرّ لصاحبنا من أن يبحث عن «مكافآت» لعلّها تُعوّض كل الجهود التي بذلها. ولا شك أنّ ذلك يقتضي منه أوّلاً وقبل كل شيء، أن يكون على دراية بجغرافية الجوائز الأدبية والفكرية، والمراكز التي تعلن عنها، والهيئات التي ترصدها، ولجان التحكيم التي تسهر على منحها. وقد لا يجد حرجاً في أن يقدّم كتابه إلى هيئات تتباين اتجاهاتها الفكرية، وتتعارض اختياراتها الأيديولوجية، المهمّ أن يحظى الكتاب بـ«اسم» الجائزة، إذ إنّ من شأن ذلك أن يجرّ إليه أضعافها، مادام اسم الجائزة سيجد صداه في سوق الكتب، فيُدرج الكتاب ضمن «أقوى المبيعات».
هل من حقنا، والحالة هذه، ألّا نعترف لمعظم كتّابنا بهذه الجهود الجبّارة، وبكونهم أكثر من مجرّد «مؤلفي» كتب؟ الظاهر أن لا مفرّ لنا من أن نسلم أيضاً بأنهم قناصو إعلاميين، وباحثون عن مترجمين، ومتصيدو جوائز.. جُلّ كتّابنا ليسوا مجرّد كتّاب، بل هم مديرو «علاقات عامة»، وأصحاب مقاولات، وأنصار كيتش.
م.كونديرا
لا شك أننا سنُبخس معظم كتّابنا قيمتهم لو أننا اكتفينا بالنظر إلى الجهود التي يبذلونها في نشر مؤلفاتهم على أنها تقتصر على تأليف الكتب، وتتوقّف عند كتابتها. ذلك أن مهمتهم لا تنحصر في ذلك فحسب، فهم يقومون بوظائف مُتعدّدة تكون وراء رواج الكتاب، هي التي تحدّد نشره وانتشاره، بل قيمته ولغاته ومكانته.
لا ريب في أن هذه المهام العِظام تكلّف صاحبها من الوقت والعناء أضعاف الجهود التي يتطلّبها مجرّد متابعة الإنتاج الفكري، ومسايرة الإبداع الأدبي. فهي تتطلّب من الكاتب أن يغدو مؤسّسة متعدّدة الاختصاصات، ومقاولة تسهر على وضع الكِتاب ونشره ونقده وترجمته وتقديمه وتلخيصه وتفسيره، وإثبات قيمته، وإقناع القارئ بقراءته.
من الطبيعي، والحالة هذه، أن يلجأ الكاتب إلى الإعلام، إِنْ لم يتلبّسْ هو نفسه شخصية رجل الإعلام. وعلى أيّة حال فلا محيد له من أن يجد نفسه على اتّصال بجميع وسائل الاتصال، قديمها وحديثها، فيبحث عنها قبل أن تبحث عنه، وعياً منه أنها هي التي أصبحت «تؤلف المؤلفين»، وتصنع الكتّاب وتنشر صورهم، وتعلن عن مؤلفاتهم، فتلخّصها وتقدّمها وتروّج لها، بل إنها قد تعمل على أن تغني عن قراءتها فتجعلها مقروءة من غير أن تُقرأ.
لا عجب إذاً أن نُفاجأ بعدد النّدوات التي تُعقد لـ«قراءة» الكِتَاب بمجرّد أن يُغادر المطبعة، وربما حتى قبل أن يصل إلى المكتبات، بحيث لا يكون قد رأى الكتاب بعدُ إلا من سيقدّمه خلال الندوة، وهكذا يُصغي الجمهور إلى «قراءات نقديّة» لكتاب لم يقرأه بعد، ويتعرّف على نماذج للتلقّي قد تؤطّر كيفية تلقّيه، إن لم تحدّدها التّحديد النهائي.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن الكاتب يظلّ يشعر أن كل هذه الندوات تظلّ عاجزة عن التعريف بالكتَاب خارج الحقل اللغوي الذي كُتِبَ داخله. لذا سرعان ما يتنبّه أنّ عليه أيضاً أن يبحث عن مترجمين ينقلون ما خطّت يده، لا للتعريف بالكتاب عند ثقافات أخرى، وإنّما أساساً للرفع من قيمته عند من يقرؤونه في لغته الأصلية، وإقناعهم بأن هذا الذي يقرؤونه قد «أجازته» اللغات السيّدة و«استضافته»، وأنه غدا مُعترفاً به.
لكن أكبر اعتراف، وأكثره جدوى، يبقى، بلا أدنى شكّ، اعتراف الجوائز، لذا فلا مفرّ لصاحبنا من أن يبحث عن «مكافآت» لعلّها تُعوّض كل الجهود التي بذلها. ولا شك أنّ ذلك يقتضي منه أوّلاً وقبل كل شيء، أن يكون على دراية بجغرافية الجوائز الأدبية والفكرية، والمراكز التي تعلن عنها، والهيئات التي ترصدها، ولجان التحكيم التي تسهر على منحها. وقد لا يجد حرجاً في أن يقدّم كتابه إلى هيئات تتباين اتجاهاتها الفكرية، وتتعارض اختياراتها الأيديولوجية، المهمّ أن يحظى الكتاب بـ«اسم» الجائزة، إذ إنّ من شأن ذلك أن يجرّ إليه أضعافها، مادام اسم الجائزة سيجد صداه في سوق الكتب، فيُدرج الكتاب ضمن «أقوى المبيعات».
هل من حقنا، والحالة هذه، ألّا نعترف لمعظم كتّابنا بهذه الجهود الجبّارة، وبكونهم أكثر من مجرّد «مؤلفي» كتب؟ الظاهر أن لا مفرّ لنا من أن نسلم أيضاً بأنهم قناصو إعلاميين، وباحثون عن مترجمين، ومتصيدو جوائز.. جُلّ كتّابنا ليسوا مجرّد كتّاب، بل هم مديرو «علاقات عامة»، وأصحاب مقاولات، وأنصار كيتش.