يونس عتيق الله - سَلِّموا النساء المفاتيح... و سننجح

عبر تسارع الزمن و تلاحق العصور، تتضح كثير من هفوات الإنسان و سقطاته. لقد خُلقنا لنعيش بسلام و لنؤسس لحياة الوفاق بين كل البشر، فسنة التدافع التي هي أصل في الوجود لا تعني بالمرة التصادم أو الصراع بقدر ما تعني التكامل، لكن ليس دائما يكون الجو صحوا فبين الفينة و الأخرى تحجب الغيوم ضوء الشمس، لعله تعبير مجازي يسري على التاريخ العربي، إننا نعيش اليوم زمن الغيوم، زمن استأسدت فيه ذكورة الجاهلين لتكسر نون النسوة في مخالفة صريحة لكل القواعد، و أظن أن الأمر يكاد يكون - أو هو كذلك - تَردٍّ أخلاقي و نكوص فكري صارخ عما كان عليه الحال قبل قرون في شبه الجزيرة العربية، إذ من الصور المشرقة في النقد البلاغي في العصر الجاهلي وجود امرأة و هي " أم جندب " تحكم بين علمين من أعلام الشعر بين امرئ القيس و علقمة بن عبدة و تُقبَل حكومتها، في إشارة واضحة إلى أن المرأة العربية ما كانت على الهامش.

إن المشكل قائم في العقل العربي اليوم الذي ألِف أن مكان المرأة أحد موضعين إما خِدر أو مطبخ و اتهامها بالقصور و عدم القدرة على العطاء. فإذا كان الأمر كذلك فلا يشرفني أن أكون عربيا، لأنني بذلك أحكم على مجتمعي بالتخلف الأبدي ما دام قد عطل جزءا كبيرا منه. و أكثر من ذلك يمكن أن أتساءل هل نحن فعلا مسلمون؟ و دافع ذلك سبب بسيط مفاده أن الإسلام الذي أعتنقه ليست فيه تلك الصور المُهينة للمرأة، لذلك من حقي أن أنتفض: أين الإسلام؟

فلقد أوقف الرسول صلى الله عليه و سلم جيشا بأكمله لعيون زوجه عائشة كي يبحث لها عن عقدها، من يستطيع فعل ذلك اليوم من الزعماء؟

ألم يكن صلى الله عليه و سلم يضع ركبته الشريفة لتطأها إحدى زوجاته كي تمتطي ناقتها؟ في إشارة راقية لما يعرف اليوم بفن الإتيكيت في التعامل مع النساء.

أ لم يكن يقول عن أم المؤمنين عائشة: قد رُزقت حبها، ألم يكن يقول عن فاطمة الزهراء: فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني.

و قبل ذلك بكثير ألم يعمل موسى عليه السلام على خدمة ابنتي شعيب من خلال السقاية لهما؟ كلها إشارات قوية لمكانة المرأة و علو قدرها.

و لِلَّذين يقولون أن صوت المرأة عورة، أقول كفى من التحامل و السذاجة، فعمر بن الخطاب كُلّفَ بمناقشة المهاجرات، أي كان هناك نقاش و كلام متبادل، ثم بيعتهن للنبي في بيعة العقبة و بيعة الرضوان، ضِف إلى ذلك فقه عائشة الذي كانت تفيد به الصحابة، و أمثلة ذلك كثيرة.

و بالرجوع إلى زمننا هذا، أريد أن أتساءل أيها الرجال أو ما بقي منكم إن كان في القوم بقية، لمَّا نتحدث عن الفساد و الاختلاسات المالية و أكل قوت الشعوب، أ ليس المتهم رجلا؟ حيث يمكن أن نسرد العشرات من الرجال الفاسدين في مراكز القرار، لكن من الصعب أن نجد هاته الآفة في النساء، لقد كان الإمام الغزالي رحمه الله بليغا لما قال في إحدى الندوات إذا صافحت المرأة رجلا نُقيم الدنيا و لا نقعدها، أما إذا نَهَب رجل خزينة الدولة لا يعتبر ذلك حدثا صارخا بذات المقدار.

إنه العقل الذكوري التافه الذي أصيب بالجمود، فالمرأة ليست متاعا يباع و يشترى و لا ديكورا تُزَيَّن به الجلسات و لا آلة إنجاب، بل هي المربية و العقل الراشد و السند الآمن، إنها طعم الحياة الذي إن فرطنا فيه حل الموت، و يكفي وجود الأم لندرك قيمة الحياة.

لقد رأينا حكومات يقودها الرجال و قوامها وزراء رجال على مدى عقود،فما كانت النتيجة إلا كما نرى، لذلك أظن أن الوقت حان لتغيير نمط التفكير و الإيمان بأن إشراك المرأة في في كل الشؤون بات ملحا، و لا أقصد الإشراك الصوري لدر الرماد في العيون، و لا إشراك المجاملة، إنما إشراك الثقة و الإيمان بعظمتها و بأنها مالكة كل الحلول.

أملي كبير في الوطن العربي أن أرى حكومات بقيادات نسائية، أملي كبير في أن يتقبل الرجل العربي ذلك و يدافع عنه بتحضر و رقي، أملي كبير في أن نعترف بأننا كنا مخطئين لما حاولنا التقدم بنصف المجتمع فقط. إذا كنا نقول: وراء كل رجل عظيم امرأة، فمن الطبيعي أن نقول: وراء كل وطن عظيم امرأة...

سيأتي يوم سندرك أننا لم نفهم ديننا جيدا، فمن كان يقول و يردد: إنهن ناقصات عقل، عليه أن ينظر إلى لوائح المتفوقين من الطُّلاب سيجد أغلبهم من الإناث، فإذا كُنَّ ناقصات عقل و تفَوَّقْن عليك فكيف بعقلك....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى