البارحة شاهدت لقاء قديماً مع آلتوسير، وكالعادة كان سؤال أهمية الفلسفة قائماً. وكالعادة، كانت الإجابة غامضة. البعض إعتبر التفلسف حقاً، ولكن ما هي حدود هذا التفلسف. إنني كشخص لم أدرس فلسفة، من حقي أن أعرف، ماهي الفلسفة، لأنني وجدت إطاران للفلسفة، الفلسفة المثالية، أو التي تبحث عن قوانين كلية متعالية، والفلسفة الشمولية، أي فلسفة في كل الحقول المعرفية، بحيث لم أعد قادراً على التمييز بين الفلسفة وعلم الإجتماع، أو الفلسفة والأنثروبولوجي أو الفلسفة والسياسة، أو الفلسفة والقانون، أو الفلسفة والعلوم الطبيعية أو الفلسفة والأداب والفنون.
قد تملك الفلسفة منهجا خاصاً عندما تطرح تلك العلوم من وجهة فلسفية، ولكن ألن تكون أقل موثوقية عندما تواجه حقلاً مستقلاً بتاريخه وسيرورته وصيرورته؟ مثلاً؛ تناول فوكو العقاب، وخاصة في القرن الثامن عشر، لقد قرأت هذا المؤلَّف، وهو على ما له من قيمة توثيقية، إلا أنه أقل من أي كتاب متخصص في علم العقاب penology . علم العقاب، الذي يدرس كل ما يتعلق بالعقاب الجنائي، قانونيا (قاعدياً)، و(معيارياً)؛ أي عبر تداخل التخصصات الأخرى كعلم الاجتماع الجنائي، وعلم السياسة الجنائية، وعلم النفس الشرعي،..الخ. وعندما تحدث دولوز عن عمومية القاعدة القانونية في مؤلفه التكرار والاختلاف (على ما أتذكر)؛ في سطرين أو ثلاثة، كان ذلك أقل ما يمكن أن يقوله مؤلف من مؤلفات المدخل للقانون. وإن كنت لا أعرف موضع الفلسفة من باقي العلوم، كالطب والنفس والفيزياء والتاريخ والجغرافيا، إلا أنني أعتقد بأن الأمر لن يختلف كثيراً.
ما دعاني لقراءة الفلسفة نفسه، كان متعلقاً بفلسفة اللغة، لتعالقها بالقانون، ومع ذلك فهذه الفلسفة، ألا تدخل في كل علوم اللغة؟ كوحدة من ضمن بناء كامل لحقل معرفي واحد؟
هنا يمكننا ان نتساءل: هل دي سوسير فيلسوف أم لساني؟ هل كلود ليفي اشتراوس فيلسوف أم عالم آنثروبولوجي؟ هل لاكان فيلسوف أم عالم نفس؟ ..الخ.. طبعا لا نستطيع أن نطرح ذات السؤال، على الفلسفة ما قبل نيتشه: فكانط فيلسوف، وديكارت كذلك، وهيجل وأفلاطون ..الخ. لكن هل أرسطو فيلسوف؟ هل ابن رشد فيلسوف؟
الربط بين الفلسفة والفلاسفة لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن الزعم بأن الفلسفة شيء والفلاسفة شيء آخر. فكلاهما في لزوم دائم؟ وبالتالي يظل سؤال ما هي الفلسفة قائماً ولكن الأهم منه، مافائدة الفلسفة، عندما تفقد نقطة ارتكازها؟
ليست الجدلية هنا، متأسسة على آراء مناهضي الفلسفة، ككونت وغيره، ولكن، تمركزها كعلم. دعنا مثلاً ننظر للمنهج الدراسي للفلسفة في الجامعات، سنجد أن المنهج يبدأ من فروع تبدو مترابطة، ولكنها في الواقع ليست كذلك. فقد يبدو علم المنطق الصوري مرتبطاً بالفلسفة، ولكنه في الواقع مرتبط بالفكر عموماً، سواء الفقه القانوني، أو الاستدلال السوسيولوجي أو غيره..الفلسفة السياسية، هي أكثر تقعيداَ عندما تدرَّس في كلية العلوم السياسية منها في كلية الآداب قسم الفلسفة..وليست بعيدة عن ذلك فلسفة الجمال، إذ هي أقرب لكليات الفنون الجميلة، وفلسفة اللغة..الخ. يمكننا أن نوزع أغلب مقررات الفلسفة على كليات أخرى، وسنجدها تحقق فوائد أقوى لأنها سترتبط بالعلم نفسه وفي سياقه ومسيرته. يمكن للفلسفة على هذا الأساس أن تكون ثقافة عامة ولكن ليست كلية قائمة بذاتها. خاصة بعد إنهيار الفلسفات القديمة منذ الفلاسفة الذريين والسفسطائيين وما تلاهم.
لم يقوض الحضارة الإسلامية إلا انشغالها بالفلسفة، بدلاً عن العلوم الطبيعية والإنسانية، كالهندسة والطب والقانون..الخ. فما الذي استفاده المتكلمة من نظريات الفيض ووحدة الوجود وخلافه؟ وكم كانت ستكون فائدة ابن رشد أكبر لو انشغل بعلم واحد، بدلاً عن أن يكون فيلسوفاً ومتكلماَ وطبيباً وفلكياً وفقيهاً..الخ. لقد أضاعو قروناً طويلة في جدال حول قضايا لا أهمية لها، كصفات الله وخلق القرآن..الخ، وأتخذت كسلاح سياسي بعد هذا كله.
الفيلسوف في عصرنا هذا هو المثقف. والثقافة ليست علماً، بل معرفة قطوف من أشجار المعرفة المتعددة. ومصطلح ثقافة ومثقف نفسه له مطولات من الجدل بحيث أضحى غير مُمسَك به.
الخلاصة: وهو رأيي الشخصي، أنه لا حاجة بنا للفلسفة التي تدرس تدريساً مركزياً، لأنها ستكون كالكوب، نصفه مملوء بالشراب والآخر بضوء الشمس كما قال درويش.
قد تملك الفلسفة منهجا خاصاً عندما تطرح تلك العلوم من وجهة فلسفية، ولكن ألن تكون أقل موثوقية عندما تواجه حقلاً مستقلاً بتاريخه وسيرورته وصيرورته؟ مثلاً؛ تناول فوكو العقاب، وخاصة في القرن الثامن عشر، لقد قرأت هذا المؤلَّف، وهو على ما له من قيمة توثيقية، إلا أنه أقل من أي كتاب متخصص في علم العقاب penology . علم العقاب، الذي يدرس كل ما يتعلق بالعقاب الجنائي، قانونيا (قاعدياً)، و(معيارياً)؛ أي عبر تداخل التخصصات الأخرى كعلم الاجتماع الجنائي، وعلم السياسة الجنائية، وعلم النفس الشرعي،..الخ. وعندما تحدث دولوز عن عمومية القاعدة القانونية في مؤلفه التكرار والاختلاف (على ما أتذكر)؛ في سطرين أو ثلاثة، كان ذلك أقل ما يمكن أن يقوله مؤلف من مؤلفات المدخل للقانون. وإن كنت لا أعرف موضع الفلسفة من باقي العلوم، كالطب والنفس والفيزياء والتاريخ والجغرافيا، إلا أنني أعتقد بأن الأمر لن يختلف كثيراً.
ما دعاني لقراءة الفلسفة نفسه، كان متعلقاً بفلسفة اللغة، لتعالقها بالقانون، ومع ذلك فهذه الفلسفة، ألا تدخل في كل علوم اللغة؟ كوحدة من ضمن بناء كامل لحقل معرفي واحد؟
هنا يمكننا ان نتساءل: هل دي سوسير فيلسوف أم لساني؟ هل كلود ليفي اشتراوس فيلسوف أم عالم آنثروبولوجي؟ هل لاكان فيلسوف أم عالم نفس؟ ..الخ.. طبعا لا نستطيع أن نطرح ذات السؤال، على الفلسفة ما قبل نيتشه: فكانط فيلسوف، وديكارت كذلك، وهيجل وأفلاطون ..الخ. لكن هل أرسطو فيلسوف؟ هل ابن رشد فيلسوف؟
الربط بين الفلسفة والفلاسفة لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن الزعم بأن الفلسفة شيء والفلاسفة شيء آخر. فكلاهما في لزوم دائم؟ وبالتالي يظل سؤال ما هي الفلسفة قائماً ولكن الأهم منه، مافائدة الفلسفة، عندما تفقد نقطة ارتكازها؟
ليست الجدلية هنا، متأسسة على آراء مناهضي الفلسفة، ككونت وغيره، ولكن، تمركزها كعلم. دعنا مثلاً ننظر للمنهج الدراسي للفلسفة في الجامعات، سنجد أن المنهج يبدأ من فروع تبدو مترابطة، ولكنها في الواقع ليست كذلك. فقد يبدو علم المنطق الصوري مرتبطاً بالفلسفة، ولكنه في الواقع مرتبط بالفكر عموماً، سواء الفقه القانوني، أو الاستدلال السوسيولوجي أو غيره..الفلسفة السياسية، هي أكثر تقعيداَ عندما تدرَّس في كلية العلوم السياسية منها في كلية الآداب قسم الفلسفة..وليست بعيدة عن ذلك فلسفة الجمال، إذ هي أقرب لكليات الفنون الجميلة، وفلسفة اللغة..الخ. يمكننا أن نوزع أغلب مقررات الفلسفة على كليات أخرى، وسنجدها تحقق فوائد أقوى لأنها سترتبط بالعلم نفسه وفي سياقه ومسيرته. يمكن للفلسفة على هذا الأساس أن تكون ثقافة عامة ولكن ليست كلية قائمة بذاتها. خاصة بعد إنهيار الفلسفات القديمة منذ الفلاسفة الذريين والسفسطائيين وما تلاهم.
لم يقوض الحضارة الإسلامية إلا انشغالها بالفلسفة، بدلاً عن العلوم الطبيعية والإنسانية، كالهندسة والطب والقانون..الخ. فما الذي استفاده المتكلمة من نظريات الفيض ووحدة الوجود وخلافه؟ وكم كانت ستكون فائدة ابن رشد أكبر لو انشغل بعلم واحد، بدلاً عن أن يكون فيلسوفاً ومتكلماَ وطبيباً وفلكياً وفقيهاً..الخ. لقد أضاعو قروناً طويلة في جدال حول قضايا لا أهمية لها، كصفات الله وخلق القرآن..الخ، وأتخذت كسلاح سياسي بعد هذا كله.
الفيلسوف في عصرنا هذا هو المثقف. والثقافة ليست علماً، بل معرفة قطوف من أشجار المعرفة المتعددة. ومصطلح ثقافة ومثقف نفسه له مطولات من الجدل بحيث أضحى غير مُمسَك به.
الخلاصة: وهو رأيي الشخصي، أنه لا حاجة بنا للفلسفة التي تدرس تدريساً مركزياً، لأنها ستكون كالكوب، نصفه مملوء بالشراب والآخر بضوء الشمس كما قال درويش.