"نحن دائماً عالقون بين الرغبة والخوف"..
هذا الموضوع قديم، أو فلنقل مطروق، في الواقع لا أقدم فيه الجديد، لكني أبث اختلاط الأمر عليَّ، إذ يبدو أنني مُتنازع بين آيدولوجيا التاريخ، والروح الليبرالية. وهذه مسألة شائكة جداً، وتكون شائكة لأشخاص نشأوا كمحافظين مثلي. فالمسألة تقدير شخصي دائماً، فمهما حاولنا أن نكون محايدين إلا أننا لن نتمكن من ذلك، إذ حتى الحياد هو إنحياز إلى اللا إنحياز. إن روح المغامرة تخبو جذوتها مع مضي العمر، ونتجه دوماً إلى الأحكام القاطعة، فنحن نمضي حياتنا في استمرار دؤوب على ممارسة القضاء، وهذه ميزة تدبر الأشياء ومنحها تقييماً ما، أخلاقياً أو روحياً، أو في كثير من الأحيان بغير مبرر منطقي. وعلينا بل واجب علينا أن نحكم، لأن أي فعل إنساني يجب أن يسبقه حكم ما. سواء كان فعلاً إيجابياً أم سلباً بالإمتناع. وبغير حكم مسبق يكون الفعل الإنساني أهوجاً، ينسب إلى فاعله الجنون أو الطيش والعته.
فإذا كان علينا أن نحكم، فهذا يعني أن هناك معايير قبلية، (نفسية أو منطقية) نؤسس عليها حكمنا، سواء حكم بالجودة أو الرداءة، الخير أو الشر، الجمال أو القبح. وهكذا فنحن أمام إتجاهين متناقضين؛ إتجاه يثمِّن على المعايير، وإتجاه يطالب بلفظ المعايير. فهل هناك إتجاه ثالث، أي إتجاه وسطي؟ لا أعتقد..وسأحاول شرح وجهة نظري في هذه المسألة، وإن كان ذلك ليس بالأمر اليسير، فنقل الفكر عبر اللغة يحتاج لقدرة فائقة على التصوير بالدوال على محدوديتها.
أساساً، هناك جدل قديم حول الأدب، أي ماهيته، وتمييزه عن غيره من الأنشطة الإنسانية، ما الذي يجعل نصاً ما نصاً أدبياً ونصاً آخر ليس أدبيا؟ يسرد لنا تودروف ذلك النقاش المحتدم، فنحيل إليه منعاً للتكرار. ولكن هذه النسبية، هي التي يجب الإعتماد عليها في مسألة أخرى، أي مسألة الأدب بين التجريب والقداسة، أي عندما نضع إشتراطات للفعل الأدبي نفسه كي يكون أدباً وليس شيئاً آخر من جهة، وكي يكون جنساً أدبيا بذاته متميزاً عن غيره. المسيرة التاريخية للأدب تكشف عن تطوره، والتطور يعني خروج شروط ودخول شروط أخرى، وهذا بدوره يعني أن المتَّجَه الأدبي هو التجريب، بل والتجريب الأزلي. فمسيرة المسرح مثلاً؛ منذ المسرح اليوناني الأسطوري وحتى المسرح المعاصر والذي أصبح مسرحاً رقمياً، تدل بذاتها على اللا معيارية، فما يُسمى بالمسرح البديل (الرقمي) هل هو مسرح فعلاً، هل مسرح الشارع مسرح، هل المسرح الطليعي يظل مسرحاً، أم يمكن أن نطلق مسمىً مختلفاً لكل شكل من هذه الأشكال. إن هذا يذكرني بالأحزاب الشيوعية العربية، التي لا هي قادرة على القفز على مسلمات النظرية الماركسية، ولا هي قادرة على البقاء في المعايير القديمة، ومع ذلك تحتفظ باسمها كحزب شيوعي. إن العقائدية مناهضة للأدب، ودليلها هو تاريخ الأدب نفسه. الشعر الجاهلي والشعر العباسي ثم الشعر التقدمي، ثم الشعر الحداثي وما بعده. قبل قرابة عشر سنوات أو أكثر قرأت مقالا عنوانه النثر المشعور، ينتقد فيه كاتبه الشعر الحديث. فهو هنا يطبق إشتراطات الماضي متمسكاً بالمسمى الإطاري الذي يحتوي تلك الإشتراطات. وبالتالي؛ فخروج أي شرط أو دخول أي شرط جديد، يعني تغييراً يستوجب تغيير ذلك المسمى الإطاري، فبدلاً عن شعر النثر، يكون النثر المشعور. ما المانع من خلق أشكال جديدة للأدب، ولماذا يظل الإصرار على الأشكال القديمة: (شعر، رواية، قص، مسرح..الخ)؟ بالتأكيد لا يوجد مانع منطقي، ولكن هناك مانع أدبي، وهو تماماً كما حدث للأحزاب الشيوعية، التي تحتفظ بإسمها القديم حتى لا يموت التاريخ..وتماماً كما يرفض الكثير من العرب التطبيع مع إسرائيل حتى لا يموت التاريخ. وتماماً كالصدمة التي شعر بها المسلمون حينما رأوا الكعبة مغلقة بلا طائفين، ذلك الشعور النفسي بالإنتزاع من التاريخ، هو شعور يرتبط بالهوية، كتركيب وجه جديد لشخص ألِف وجهه القديم لعدة عقود. من السهل أن تجد شخصاً ينتقد عملاً أدبياً لعدم توفر شروطه التاريخية، وسيكون نقده صحيحاً وليس خاطئاً، ولكن الخطأ سيكون رأيا شخصياً محضاً. الرواية قصة طويلة، والقصة رواية صغيرة، والشعر قافية ووزن، والمسرح فضاء،..الخ.
والتجريب؟
يؤدي الإتجاه المحافظ إلى إبطاء وتيرة التجريب، لكنه لا يوقف مسيرته، فذات الجماهير التي كانت تخرج متذمرة من مسرحيات بيكيت العبثية، هي نفسها التي اشترت كل تذاكر مسرحياته فيما بعد. "إن الحياة تستمر"، هذه مقولة مستهلكة، ولكنها لا تستمر فقط بل تتقدم، إلى أين؟ لا أحد يدري؛ فذلك من علم الغيب. إن الجماهير لن تحتشد اليوم لسماع السيمفونيات، بل ستحتشد لسماع مطرب شعبي. والإيقاعات لم تبقَ محجورة في الماضي، والمسميات الموسيقية لم يعد بالإمكان حصرها، وكذلك أنواع الرقص (رغم محدودية قدرات الجسد الإنساني). وهكذا سيكون حال الأدب، الذي يمكن أن يتمدد، كما حدث له قديماً ومؤخراً، فأضحى هناك الأدب القضائي، وأدب السجون، وأدب الرحلات، والأدب السياسي، والأدب الرقمي...الخ. يبدو أن الحدود تتهاوى، مع ذلك فهي في الواقع تتكاثر، إن الأشياء تتداخل، وعندما تتداخل تتحول لهجين متميز عن والديه، كجدلية هيجل تماماً، تنقسم العلوم الطبيعية لهندسة وطب..الخ..وتنقسم الهندسة لأنواع، وتختلط بالفنون، فيكون هناك التصميم الهندسي، والتصميم نفسه يتملك أدواتاً جديدة، برامج رقمية، والفنون تستخدم ذات البرامج لخدمة الفن، فينتج عن ذلك السينما، ثم الأنيميشان، والسينما ثلاثية الأبعاد...يتداخل ذلك مع الموسيقى، فتضحى هناك موسيقى رقمية إلى جانب موسيقى الضوضاء hardstyle، موسيقى للشواطئ، وموسيقا لحانات الخمر، وموسيقى طبية، وموسيقى روحانية، تتكاثر الحدود، ويتحول التجريب من منهج لأسلوب حياة، ينتهي عصر التفكير النقدي ويدخل عصرالتفكير الأداتي، يصبح النقد نفسه عقيدة تاريخية، إذ لا يمكن نقد أي شيء، فالنقد إشتراطات مسبقة، والعالم لم يعد يعترف بالإشتراطات. يتحول البشر إلى جُزُر، تنقسم بدورها إلى جزر وجزر وجزر. يرفع كل فرد علم استقلاله على جزيرته. فيسقط النُّقَّاد في البحر منتحرين؛ إذ يتم إعلان موت النقد، بموت القداسة. ومع موت النقد، وموت الإشتراطات، وموت القداسة، يتأله كل فرد داخل جزيرته، وهنا يأتي اللاعب الأهم في كل هذا الضجيج.. اللاعب الذي سيحسم الفوضى، المهدي المنتظر، ألا وهو المال.
يلعب المال اليوم وغداً الدور الأساسي في تغيير المُتَّجَهات الأدبية والفنية، بل والمزاج العام (السياسي والرياضي والتجاري والفني والأدبي..الخ). والمال هنا يخدم نفسه، عندما يُسخِّر التجريب لمراكمة الأرباح، عبر التأثير على الرأي العام، وبالتالي السيطرة على العرض والطلب. هنا يلعب المال دور النُّقَّاد القديم، أي يعود لتاريخ المصطلح ذاته، الذي نحت من النقود، حين كان النقادون يمِيزون الدنانير الذهبية والدراهم الفضية الجيدة من القراضة (أي التي تم قرض أطرافها من الذهب أو الفضة). يعود النقد لماضيه المالي، فيحدد الاشتراطات والمعايير ويؤثر في الرأي العام والذوق الجماهيري لتسويق منتجاته. فيفقد الأدب (بل كل شيء) عذريته القديمة.
هكذا يمكننا أن نجزم، بأن الإتجاهات المحافظة، ستجد نفسها بعد قليل غريبة في عالمها. بل وتقليدية وبعيدة كل البعد عن الحراك الإنساني. وإزاء هذا كله، قد يتحول التاريخ نفسه إلى كوميديا مثيرة للضحك عندما يحاول البعض إستيراده إلى الحاضر.
هذا الموضوع قديم، أو فلنقل مطروق، في الواقع لا أقدم فيه الجديد، لكني أبث اختلاط الأمر عليَّ، إذ يبدو أنني مُتنازع بين آيدولوجيا التاريخ، والروح الليبرالية. وهذه مسألة شائكة جداً، وتكون شائكة لأشخاص نشأوا كمحافظين مثلي. فالمسألة تقدير شخصي دائماً، فمهما حاولنا أن نكون محايدين إلا أننا لن نتمكن من ذلك، إذ حتى الحياد هو إنحياز إلى اللا إنحياز. إن روح المغامرة تخبو جذوتها مع مضي العمر، ونتجه دوماً إلى الأحكام القاطعة، فنحن نمضي حياتنا في استمرار دؤوب على ممارسة القضاء، وهذه ميزة تدبر الأشياء ومنحها تقييماً ما، أخلاقياً أو روحياً، أو في كثير من الأحيان بغير مبرر منطقي. وعلينا بل واجب علينا أن نحكم، لأن أي فعل إنساني يجب أن يسبقه حكم ما. سواء كان فعلاً إيجابياً أم سلباً بالإمتناع. وبغير حكم مسبق يكون الفعل الإنساني أهوجاً، ينسب إلى فاعله الجنون أو الطيش والعته.
فإذا كان علينا أن نحكم، فهذا يعني أن هناك معايير قبلية، (نفسية أو منطقية) نؤسس عليها حكمنا، سواء حكم بالجودة أو الرداءة، الخير أو الشر، الجمال أو القبح. وهكذا فنحن أمام إتجاهين متناقضين؛ إتجاه يثمِّن على المعايير، وإتجاه يطالب بلفظ المعايير. فهل هناك إتجاه ثالث، أي إتجاه وسطي؟ لا أعتقد..وسأحاول شرح وجهة نظري في هذه المسألة، وإن كان ذلك ليس بالأمر اليسير، فنقل الفكر عبر اللغة يحتاج لقدرة فائقة على التصوير بالدوال على محدوديتها.
أساساً، هناك جدل قديم حول الأدب، أي ماهيته، وتمييزه عن غيره من الأنشطة الإنسانية، ما الذي يجعل نصاً ما نصاً أدبياً ونصاً آخر ليس أدبيا؟ يسرد لنا تودروف ذلك النقاش المحتدم، فنحيل إليه منعاً للتكرار. ولكن هذه النسبية، هي التي يجب الإعتماد عليها في مسألة أخرى، أي مسألة الأدب بين التجريب والقداسة، أي عندما نضع إشتراطات للفعل الأدبي نفسه كي يكون أدباً وليس شيئاً آخر من جهة، وكي يكون جنساً أدبيا بذاته متميزاً عن غيره. المسيرة التاريخية للأدب تكشف عن تطوره، والتطور يعني خروج شروط ودخول شروط أخرى، وهذا بدوره يعني أن المتَّجَه الأدبي هو التجريب، بل والتجريب الأزلي. فمسيرة المسرح مثلاً؛ منذ المسرح اليوناني الأسطوري وحتى المسرح المعاصر والذي أصبح مسرحاً رقمياً، تدل بذاتها على اللا معيارية، فما يُسمى بالمسرح البديل (الرقمي) هل هو مسرح فعلاً، هل مسرح الشارع مسرح، هل المسرح الطليعي يظل مسرحاً، أم يمكن أن نطلق مسمىً مختلفاً لكل شكل من هذه الأشكال. إن هذا يذكرني بالأحزاب الشيوعية العربية، التي لا هي قادرة على القفز على مسلمات النظرية الماركسية، ولا هي قادرة على البقاء في المعايير القديمة، ومع ذلك تحتفظ باسمها كحزب شيوعي. إن العقائدية مناهضة للأدب، ودليلها هو تاريخ الأدب نفسه. الشعر الجاهلي والشعر العباسي ثم الشعر التقدمي، ثم الشعر الحداثي وما بعده. قبل قرابة عشر سنوات أو أكثر قرأت مقالا عنوانه النثر المشعور، ينتقد فيه كاتبه الشعر الحديث. فهو هنا يطبق إشتراطات الماضي متمسكاً بالمسمى الإطاري الذي يحتوي تلك الإشتراطات. وبالتالي؛ فخروج أي شرط أو دخول أي شرط جديد، يعني تغييراً يستوجب تغيير ذلك المسمى الإطاري، فبدلاً عن شعر النثر، يكون النثر المشعور. ما المانع من خلق أشكال جديدة للأدب، ولماذا يظل الإصرار على الأشكال القديمة: (شعر، رواية، قص، مسرح..الخ)؟ بالتأكيد لا يوجد مانع منطقي، ولكن هناك مانع أدبي، وهو تماماً كما حدث للأحزاب الشيوعية، التي تحتفظ بإسمها القديم حتى لا يموت التاريخ..وتماماً كما يرفض الكثير من العرب التطبيع مع إسرائيل حتى لا يموت التاريخ. وتماماً كالصدمة التي شعر بها المسلمون حينما رأوا الكعبة مغلقة بلا طائفين، ذلك الشعور النفسي بالإنتزاع من التاريخ، هو شعور يرتبط بالهوية، كتركيب وجه جديد لشخص ألِف وجهه القديم لعدة عقود. من السهل أن تجد شخصاً ينتقد عملاً أدبياً لعدم توفر شروطه التاريخية، وسيكون نقده صحيحاً وليس خاطئاً، ولكن الخطأ سيكون رأيا شخصياً محضاً. الرواية قصة طويلة، والقصة رواية صغيرة، والشعر قافية ووزن، والمسرح فضاء،..الخ.
والتجريب؟
يؤدي الإتجاه المحافظ إلى إبطاء وتيرة التجريب، لكنه لا يوقف مسيرته، فذات الجماهير التي كانت تخرج متذمرة من مسرحيات بيكيت العبثية، هي نفسها التي اشترت كل تذاكر مسرحياته فيما بعد. "إن الحياة تستمر"، هذه مقولة مستهلكة، ولكنها لا تستمر فقط بل تتقدم، إلى أين؟ لا أحد يدري؛ فذلك من علم الغيب. إن الجماهير لن تحتشد اليوم لسماع السيمفونيات، بل ستحتشد لسماع مطرب شعبي. والإيقاعات لم تبقَ محجورة في الماضي، والمسميات الموسيقية لم يعد بالإمكان حصرها، وكذلك أنواع الرقص (رغم محدودية قدرات الجسد الإنساني). وهكذا سيكون حال الأدب، الذي يمكن أن يتمدد، كما حدث له قديماً ومؤخراً، فأضحى هناك الأدب القضائي، وأدب السجون، وأدب الرحلات، والأدب السياسي، والأدب الرقمي...الخ. يبدو أن الحدود تتهاوى، مع ذلك فهي في الواقع تتكاثر، إن الأشياء تتداخل، وعندما تتداخل تتحول لهجين متميز عن والديه، كجدلية هيجل تماماً، تنقسم العلوم الطبيعية لهندسة وطب..الخ..وتنقسم الهندسة لأنواع، وتختلط بالفنون، فيكون هناك التصميم الهندسي، والتصميم نفسه يتملك أدواتاً جديدة، برامج رقمية، والفنون تستخدم ذات البرامج لخدمة الفن، فينتج عن ذلك السينما، ثم الأنيميشان، والسينما ثلاثية الأبعاد...يتداخل ذلك مع الموسيقى، فتضحى هناك موسيقى رقمية إلى جانب موسيقى الضوضاء hardstyle، موسيقى للشواطئ، وموسيقا لحانات الخمر، وموسيقى طبية، وموسيقى روحانية، تتكاثر الحدود، ويتحول التجريب من منهج لأسلوب حياة، ينتهي عصر التفكير النقدي ويدخل عصرالتفكير الأداتي، يصبح النقد نفسه عقيدة تاريخية، إذ لا يمكن نقد أي شيء، فالنقد إشتراطات مسبقة، والعالم لم يعد يعترف بالإشتراطات. يتحول البشر إلى جُزُر، تنقسم بدورها إلى جزر وجزر وجزر. يرفع كل فرد علم استقلاله على جزيرته. فيسقط النُّقَّاد في البحر منتحرين؛ إذ يتم إعلان موت النقد، بموت القداسة. ومع موت النقد، وموت الإشتراطات، وموت القداسة، يتأله كل فرد داخل جزيرته، وهنا يأتي اللاعب الأهم في كل هذا الضجيج.. اللاعب الذي سيحسم الفوضى، المهدي المنتظر، ألا وهو المال.
يلعب المال اليوم وغداً الدور الأساسي في تغيير المُتَّجَهات الأدبية والفنية، بل والمزاج العام (السياسي والرياضي والتجاري والفني والأدبي..الخ). والمال هنا يخدم نفسه، عندما يُسخِّر التجريب لمراكمة الأرباح، عبر التأثير على الرأي العام، وبالتالي السيطرة على العرض والطلب. هنا يلعب المال دور النُّقَّاد القديم، أي يعود لتاريخ المصطلح ذاته، الذي نحت من النقود، حين كان النقادون يمِيزون الدنانير الذهبية والدراهم الفضية الجيدة من القراضة (أي التي تم قرض أطرافها من الذهب أو الفضة). يعود النقد لماضيه المالي، فيحدد الاشتراطات والمعايير ويؤثر في الرأي العام والذوق الجماهيري لتسويق منتجاته. فيفقد الأدب (بل كل شيء) عذريته القديمة.
هكذا يمكننا أن نجزم، بأن الإتجاهات المحافظة، ستجد نفسها بعد قليل غريبة في عالمها. بل وتقليدية وبعيدة كل البعد عن الحراك الإنساني. وإزاء هذا كله، قد يتحول التاريخ نفسه إلى كوميديا مثيرة للضحك عندما يحاول البعض إستيراده إلى الحاضر.