رشا الفوال - تقزيم الآخرين لرأب الصدع النرجسي في ديوان: النسوان للشاعر عمرو الشيخ.. قراءة أدبية من منظور التحليل النفسي

مقدمة لابد منها:

تباين الفلاسفة فى تفسير الكتابات الأدبية فنجد البعض نحى منحى ميتافيزيقى فقالوا أن الأديب شخص ملبوس بالجن أو مشمول بالعناية الإلهيه، وذهب البعض إلى أن الكاتب شاذ نفسيًا ولكنه شذوذ إلى أعلى وأنه مجنون جنون لا يدفع إلى الإنحطاط، وفى كتاب " فرويد" الأول عام 1895م " دراسات حول الهيستريا" أشار إلى أن الأدب والتحليل النفسى يشتغلان بنفس الطريقة فهما يقرآن الإنسان فى حياته اليومية وداخل تاريخه؛ فالكاتب يقدم نفسه باعتباره نصًا تنسجه الانفعالات، ثم جاء " جان بيلمان" الذى أعاد قراءة " فرويد" وفحص العلاقة بين التحليل النفسى والأدب ليخرج لنا بمنهج جديد إسمه " التحليل النصى" الذى يسمح بالإنتقال من الإهتمام بمؤلف العمل إلى العمل نفسه، فالشاعر: عمرو عبد الفتاح الشيخ من مواليد مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة عام 1971م / صدر له سبعة دواوين شعرية هى : ديوان قصائد تسعى وأخرى تصل عام 2011م، وديوان المملوك عام 2013م، وديوان أساطير الأولين عام 2014م، وديوان المقامات عام 2014م، وديوان عادة الشعر يصل متأخرًا عام 2016م، وديوان بتوقيت النزيف عام 2017م، وديوان النسوان عام 2018م
والمصطلح الذى اعتمدنا عليه فى دراستنا هو مصطلح النرجسية Nergisic
حيث عرفها ( دمونو) بأنها " إفتتان الفرد بجسده أو أنانيته أو حبه لذاته"(1)
وعرفها ( روهدولت ومورف) أنها " تقدير الذات بدرجة عالية جدًا"(2)
وعرفها (الشربينى) بأنها " الشعور بالعظمة والإحساس بأهمية الذات والتميز"(3)
_ " فإذا كُنا نريد التعرف على الكآبة من الداخل علينا بقراءة الكُتاب المبدعين"

***

" ثمة شىء من الصحة فى الفكرة التى تتمسك بها مدرسة " فرويد" وهى أن الفنانين نرجسيون بلا استثناء، وحياة المبدع لا يمكن إلا أن تكون حافلة بالصراعات ؛ لأن فى داخله قوتين فهو من ناحية إنسان يسعى لتحقيق السعادة والراحة فى الحياة ومن ناحية ثانية مسكون بهوى طاغ إلى الخلق والإبداع الذى قد يذهب به غلى حد القضاء على كل شهوة شخصية"(4)؛ فالإنسانية استعانت منذ القدم بوسيلتين تمكنانها من تحقيق التكيف هما المعرفة العلمية والتعبير الفنى، كما أن الدراسة النفسية للأدب تنظر للإنتاج الأدبى باعتباره نشاطًا نفسيًا، والبحث فى الجوانب النفسية يعنى البحث فى الإنسان من الداخل، من هنا لاحظنا أن ( الصراع النفسى) فى الديوان قُسم بين بطل رئيسى ( الشاعر) وبطل إضافى ( القصائد) وبطل مزيف ( النسوان) وبطل مُعارض ( الأنا الأعلى)، كما أن الإبداع فى الكتابة يتسع لــ ثلاث ظواهر :طاقة راغبة وسلسلة مفككه من الانفعالات ومحكى، فالشاعر هو حجرة النوم والعرائس والأوهام، نجد أيضًا الترميز الذى ينتمى إلى اللاوعى فيتم فى سبيله تجنيد مجموعة من المشاهد والذكريات والتصورات، فنجد الشاعر لا يفصل بين أولئك اللذين يعانون من الخيانه واللذين يرتكبونها ( هنا الجندر نسق تنظيمى اجتماعى يحدد الطريقة التى يبدع بها) لذلك سنجد ثلاثة نماذج رئيسية تدور حول معنى الجندر: الجندر كطبع بمعنى الجنس الذى يميز الجسد حيث شخصية الفرد ورغباته وحاجاته وقدراته الناتجة عن عوامل بيولوجيه، والجندر بمعنى المحيط الثقافى للجنس، والجندر كبنية اجتماعية وهذا هو طريق التحدى الأعظم فى الديوان، فرسائل الديوان ليست موقوفة على عناوين فحسب بل إن الرسالة الواحدة تتضمن دلالات نفسية مهمة، فمن أجل مغازلة المتلقى كان على قصائد الديوان أن تستغرق بعمق فى عرض وجهة نظر الشاعر وأحواله النفسية من خلال المشاهد واللقطات والحوار هنا نكتشف المكبوتات التى تحرك عملية الكتابة بحكم المؤثرات الضاغطة ولنبدأ من الخاتمة، فالشاعر مجرد جثة محنطه مقرها القلب والزهور التى تحاوطه مازالت جميلة ( ما دامت الرغبة المكبوتة سلفًا قد تحولت إلى نصوص)
_" من الممكن الحصول على حل للصراع بين القوى الكابته والقوى المكبوته بتحويل طاقة القوى المكبوتة نحو أهداف أخرى"

***

يقول " يونج" أن سبب الإبداع الفنى يتجلى فى قلة اتزان الحياة النفسية لدى الشاعر و محاولة الحصول على اتزان جديد ،هنا يتفاعل الكاتب بعدة طرق فقد يؤجل الكتابة فيقول الشاعر: ( ليس لدى شىء آخر أفعله حتى أعود صـــــ11) أو قد يصبح عصبيًا ( الإنتظار وسط الغرباء يحتم علينا التبرم حينًا ، والتشاجر حينًا، وبعض الكذب حينًا، الروح تختنق صـــــ10و11) ، وقد يكرس الكثير من الوقت للقلق حول كيفية تنشيط الكتابة والسيطرة على الضغوط ( الإنتظار وسط الغرباء يحتم عليك التسلية حينًا، والصمت حينًا ، والأحاديث السخيفة حينًا، والتحديق فى السقف حينًا صــــ10 ) ومن الممكن أن ينتقل إلى لذة البحث عن صخب جنسى يهيمن " كمحفز للكتابة" فيقول ( ربما يمكن لجسد أنثى ما أن يؤجل الملل والغضب قليلًا صــ11) فبمجرد ظهور جسد الأنثى يتم تفعيل ( أنا) الكاتب وفرضها على الآخرين فيقول ( تأففتم ؟ استوقفتكم كلمة جسد؟ صــــ11)
_ " تسعى القراءة النفسية إلى مواجهة النص بافتراضات معرفية"

***

الشاعر فى محاولاته المتعددة لتبرير التعاسة قد تنتابه الغرابة حين يفقد توازنه الإجتماعى والشخصى فيلجأ إلى آلية تحقق له التوازن كما قال ( آدلر) فيمجد ذاته التى يبدأ من خلالها فى تعرية الجميع ليتخلص من إحساسه بالذنب ( متلذذًا متشفيًا صــــ المقدمة) فيقول أنه ( يشم رائحة الخائنات كماسوشى صــــ8) فالشاعر هنا يجد راحته فى توجيه العدوان ويمكن هنا " فهم الارتباط بين النزعة التسلطية والخوف من الحرية"؛ فهو يريد أن ينتشى بالمرأة كما لو كانت صوت فيروز، يريد أن يلتهمها كما لو كانت شوكولاته أو يقطفها ويستمتع برائحتها(رائحة الخيانة) وكلها رغبات فيها ارتداد لمرحلة فميه، فالتحرر من الرغبات على أساس أن الحاجات التى لم نستطع أن نشبعها ينبغى أن نستغنى عنها ( لحل الصراع) أو نتركها تدفعنا إلى مداومة البحث عن طرق أخرى للوصول فنرى الشاعر يحاول إثبات براءته فيقول ( دون أى صرح يكشفن عن سيقانهن صــــ50) ومنها إلى محاولة إدعاء الفضيلة باللجوء إلى النزعة الصوفية فيقول ( ملائكة حول قصيداتى_ كولى_ لايرث العهد على يده أحد_ أن تتكرر معجزتى_ الحضرة فى قلبى تتسع صــــ84) فنراه ( افتتح معبدًا آمنًا للتائبات المغمورات صــــ178) " فيوجه بعض النرجسيين طاقاتهم نحو إخفاء حبهم لأنفسهم حيث يرتدون قناع الخضوع ويشتركون فى سلوكيات غير أنانية مثل القيام بأعمال إنسانية عديدة كوسيلة لإخفاء نرجسيتهم"(5) هنا ترتبط الكتابة بالتوازن النفسى استنادًا لقول " فرويد" أن هناك طريقًا يؤدى من الخيال إلى الواقع مرة أخرى فالكاتب ذو ( طبيعة انطوائية)، وليس بينه وبين ( العصاب) مسافة طويلة لأنه انسان تدفعه حاجات غريزية مُلحة فهو يتوق إلى حب النساء"، " إلا أنه قام بكبت هذة المشاعر مما أدى إلى تكوين شخص يبدو من الخارج مثالى وخاضع لإرادة المجتمع ويتم لاحقًا إزاحة هذة المشاعر العدوانية المكبوته نحو اولئك الذين يحسبهم الشاعر أقليات أو يتسمون بالدونية مما يفصح عن التعصب العنصرى " فنرى الشاعر الذى ( أتى من بلاد كل مافيها لا ينص على الحب صــ) الشاعر الذى(يشبه الربيع الزائف الذى لا تستمر معه وردة صـــ) بقائه وسط الغرباء يشعره بالإختناق والملل ، الشاعر الذى ( يعود إلى البيت من أحد الشوارع الجانبية حتى لا تصادفه امرأة أخرى لاتكترث إلى وقاره صــــ19) تلك المرأة التى كان يراها ( فوق منصة التكريم صــــ) نراه يعود ( من زقاق جانبى ضيق صـــ21) هنا نرى أن تمرده على الحياه يعود فى الأساس إلى عدم قدرته على التكيف وتوهم اضطهاد الناس له/هذا ماينطق به إبداعه " فالكتابه الإبداعية باعتبارها نوع من التسامى تتجه بالطاقة البشرية نحو نشاط فى نظر البعض يمثل نشاط انسحابى" فيقول الشاعر ( وضع قلبه مكان وجهه) و(وضع قلبه بين ساقيه صـــــ166)
_ " تقزيم الآخرين كأسلوب لرأب الصدع النرجسى على المستويات السلوكية"

***

" تنسب النرجسية Narcissism إلى نرجس فى الأسطورة اليونانية، الذى أغرم بنفسه ويقول علماء النفس أن النرجسية اتجاه عقلى يمكن أن يحول بين الفرد وبين إحراز النجاح فى إقامة علاقات سوية متوازنة مع الآخرين، فمن سمات النرجسى الشعور بالعظمة فى الخيال والسلوك فضلًا عن الحساسية المفرطة ف الرؤية والتقييم للآخرين كما أنه يحمل جزءًا كبيرًا من الأنانية(6)، و" نرجس" كان وسيمًا ، حُكم عليه أن يتعذب كما يُعذِب عشيقاته وأن يُفتتن بجماله، النرجسية هنا تعنى افتتان الشاعر بذاته، ذاته التى يعريها أمامنا ويصف لنا كيف أنه رجل تتهافت عليه النسوان فهو يوقظ فيهن الرغبة فيقول: ( اصطفت قصائده على باب غرفة النوم صــــ25) ، ويقول ( الشعراء لا يصطحبون قلوبهم إلى غرف النوم صـــ26) و( القصائد تحمل الذكريات صـــ) و( العرايا حبيسات فى القصائد صـــ) وبما أن النرجسية تشمل الجانب الإنفعالى فى الشخصية نجد أن النرجسى يمتلك شعورًا مبالغًا فيه بالأهمية ويتوقع من الآخرين أن يجدوه مميزًا فيقول(لو انحنت لاكتشفت أكثر من آت مجهض مهجور)، ( لو انحنت مرة واحدة صـــ52)، " كما أن الأشخاص المرتفعون على النرجسية لديهم كفاحات شخصية للسيطرة والتحكم فى الأشخاص"(7)، وللنرجسية علاقة بالإستعراض أمام الآخر والتى تتجلى على المستوى العقلانى فى محاولات تقزيمه والتقليل من شأنه والسخرية منه على مستوى السلوك فيقول ( العبوة أخفتها مساحيق كثيرة وعليها غطاء صـــ95) ليسخر من قدرة المرأة على التلون واستخدام الحيل ويقول ( هل تعرف خوف الراهبة من الشوق صـــ115) كما نلاحظ الميل لإزاحة سلوك الإستعراء Exhibitionism وهو سلوك يتم فى أوقات الكرب العاطفى (8) فيقول ( حدثهم عن العاريات القبيحات الفاجرات صــــ116) الشاعر هنا يقوم بتشويهات دفاعية لتسكين حدة ذلك القلق وإزاحتها التى تظهر فى صورة جسدية نفسية وتمرد نفسى على الذات واسقاطها على الأخريات فيقول ( يحمل قلبًا كعربة النساء فى المترو) (عربة مترو لاتحمل وجهه أو محطة وصول صــــ38) " هنا تتضح العوامل الوجدانية الكامنة خلف العنصرية لأن الشخص العنصرى يؤكد هويته بإنكار وجود الأخر وتشويهه وتسمى تلك اللحظات بلحظات الإسترداد الذاتى ، والشاعر ( يعرض فقرته عاريًا صـــ46) الاستعراضية مستمرة والاستعراضية دائمًا يقابلها النظارية فيقول ( أمامى قصيدة ناقصة صــــ60) ويقول : ( بطرف عينى أتأمل ساقى فتاه تداعب خصلاتها صـــ76) ، ويقول: ( عندما تخيلهم عراة بلا دموع صـــ113) ويقول: ( على قلبها يمامتان) و(نجنا من العُش الغبى صـــ144) ويقول : ( فلا يليق أن تقضى بقية عمرك عارية صـــ150) ويقول: ( هلا جئت أمامى صـــ35) ولأن الشاعر نرجسى لا يجب أن يذعن للحب نراه مهزوم لأنه غير قادر على التخلص من أفكار مثل ( يجب) أو ( ينبغى) أو ( يتحتم) ولذلك فالقصيدة ( المرأة) لا تتحقق إلا باستقبال الجمهور لها، ورغم افتنان الشاعر بجسده إلا أنه مهزوم يتمنى أن تنحنى امرأته " وهنا الإنحناء له دلالة سلوكية تتجلى فى الرضوخ لأوامره مثلًا أو طاعته ودلالة جنسية أيضًا تتجلى فى الإمتثال لرغباته" ولذلك بدأ الشاعر التوحد بالنسوان فى قوله ( المنهزمون فى الغربه يمكنهم أن يصنعوا مستقبلًا محتملًا وتاريخًا لطيفًا صـــ107) فالآتى مجهض ومهجور لأنه بلا تاريخ محدد والمرأة التى لا ترتدى دبلة الزواج ولا تهتم بوجودها هى المرأة التى تتبادل معه ضمادات وكمادات التغافل
_ " الإنفعال والتأزم النفسى مستمر، يستبد بالشاعر ليصف لنا حاله المأساوى"

***

" يقول ( برجسون) : أن جوهر الإبداع هو الانفعال، ويعرف الانفعال بأنه هزة عاطفية فى النفس ويؤكد على ضرورة التفرقة بين نوعين من الانفعال : الانفعال السطحي ( العاطفة) التى تلى فكرة أو صورة فتكون الحالة الانفعالية ناتجة عن حالة عقلية ، وانفعال عميق لاينجم عن تصور بلا يكون هو نفسه سببًا لبزوغ عدة تصورات وهذا هو جوهر الإبداع (9 )؛ فتتجسد عصابية الشاعر من خلال تفريغ الرغبات المكبوته فهناك دائمًا تفاعل بين حياته وتخيلاته وأحلامه فالإبداع يشبه الحلم من حيث أنه انفلات من الرقابة ومن حيث أن الصور فيه صور رمزية فيقول: ( امرأة القصيدة تهرب لى بعض الخيال صـــ126) ويقول: ( القصيدة وسيلة لاصطياد النساء صــ132) ( سفاح لا ينقصه إلا أن تطالعه المرأة بوجه " هانبيال ليكتير" وأن تتعاطف معه طبيبة نفسية ) ويقول متوحدًا بالأنثى ( حين همت به أزعجه جدًا أن تستدرجه العارية ليتعرى مثلها صــــــ25) الأنثى فقط هى القادرة على ترويض " الأنا الأعلى" فيقول: ( أنثى تخترق شفرة الضمير صـــ115) ويقول ( بإشارة من إصبعها صــــ32) كما نلاحظ بزوغ المتخيل وثنائية الوجدان حيث يقول ( صعد وانطلق فى نهرين لفتاة قديمة تغزل الاحلام الصغيرة ، وقديسة تطير لاتطأ القصائد إلا المكتوبة على أوراق النقود صـــــ25) ويقول ( واحدًا فى الغرفة والآخر من وراء حجاب صـــ50) ويقول : ( ليلًا لاتسمح غرفته بانبعاث صوتين:صوت كرباج السؤال كيف لم تشم رائحتهن من قبل؟ وصوت محاولة غلق ثياب إحداهن )هنا يتجلى صراع الشاعر بين الواقع المادى والخيال القديم لتبدأ عزلة الشاعر من جديد ، هو الذى يملك ( قلب لا يخلع ملابسه ولا ينفتح ولا ينتصب صـــ36) وقصائده أيضًا ( لا تنفتح ولا تخلع ملابسها صـــ40) فالكل يغادر ( لايبقى غيرى وقصيدى صـــ70) " هنا شخصية الشاعر النرجسية تعانى من اضطراب فى الإحساس بالذات، حيث يحتاج النرجسى لإعجاب متصل من الآخرين فيتأرجح فى تقويماته لذاته بين الشعور بالعظمة وعدم الكفاءة "(10) ، فلا يصلح فى أدوار البطولة، لأنه ( لا يشبه الركاب ولا القطار ولكنه يشبه القضبان صـــ77) ( يشبه التاريخ الذى لا يذله إلا الساسه والنسوان صـــ59) فيقول أيضًا فى محاولة لتعميم إحساسه ( الشعراء عديمو الخبرة) و( لايصلح اطلاقًا أحد منهم أن يتحمل دور بطولة صــ71) الشاعر الذى ( لا يبقى أثر منه غير قصيدات تثبت بيقين فشله كممثل صـــ72) الشاعر الذى يبدأ بالوسيلة ليكف عن الفعل " الإزاحه"، والإزاحة حيلة دفاعية تعنى إعادة تمثيل الإنفعالات المحبوسة تجاه الأشخاص أو المواقف أو الأفكار بغير الأشخاص والأفكار والمواقف الأصلية التى سبقت الانفعال"(11) فيتخذ من الورد وسيلة لصيد الفريسة ويطوع الشِعر كأداة تقوم عنه بقد القمصان من قبل ومن دبر صــ98 ، هنا أيضًا نرى التناقض فالشاعر يُحب ليعرف ثم يكتب الشِعر كوسيلة ليعرف معرفة أخرى تؤكد له أنه مهزوم ( وأن الوردة كل ليلة بعد انتهاء رقصتها تمسح المساحيق وتعود إلى الطين صـــ140) نرى الشاعر الذى لايصلح للموت ولا للحياة ، يصلح فقط للإنتظار لأنه أحمق صــــ156، ( الشاعر ذلك الأحمق صـــ121) يصلح للتوحد تمامًا مع الشيخ الذى انحنت أمامه الفتاه لتمسك بالدجاجة صــ117 وللإنحناء هنا دلالة جنسية حيث أنها أيقظت كل ديوكه ، الشاعر الذى يخشى الزمن والمسافة والمغامرة والفراق لا يجد أمامه حل سوى الدخول إلى ( معبد شعره صــ142) " ووفقًا لنظرية الأنماط فى الشخصية فقد تحدث ( فرويد) عن الشخصية القضيبية التى يعرف صاحبها بنرجسيته وطموحه غير الواقعى الذى يجعله عرضة للإحباطات المستمرة "(12) فيصبح كل من المكان والمساء والقصيدة من أجل(نزف جديد صـــ157) فالشاعر ينسف الهالة التقديسية للرموز الدينية ليثبت لنا أن المجتمع فى كبت دائم فيقول : ( هل تعرف خوف الراهبة من الشوق؟ من المُهر الذى يقسم الآباء أنهم لم يروه ليلًا يرج حوائط الدير صــــ115) ويقول : ( الأسقف فى كامل هيئته يتمتم على مخزون صلوات الموتى صـــ119) ويقول : ( عند سماع قصة " دميانه والأربعين" من حقها أن تضطرب فهذا كان أول اجتماع مغلق مع فخامته صــــ120) الشاعر الذى ترك مُتع الحياة الواقعية سعيًا وراء أهدافة الخيالية فيقول ( النصف المجاور لها صار مُتحفًا واستقبالًا للحالات الشعرية الطارئة صـــ179) كما أن الواقع المادى لم يهتم بقلبه ( قصيدته) ( التى فى المنتصف ريشة لا صعود ولا هبوط ولا بقاء صــــ186) " ومن الصفات المصاحبة للإنتاج الإبداعى حالات التوتر والقلق الشديدين ، فإذا اختل اتزان الأنا يندفع المبدع فى نشاطه إلى إعادة الاتزان"(13) ولذلك جاءت نصوصه لتثأر له فيقول : ( صار لديه مايكفى من القصائد لترقيع قلبه صـــ177) فالبنت التى أحبها : ( اختفت فى زحام الوقت صـــ59) لذلك نجده يخشى الزحام والأماكن المفتوحة
( البنت تشبه الحياه التى توهمها فى خيباته السابقة صـــ160) الشاعر الذى يخاف الظلام والموتى يلجأ إلى الموت لأن الواقع يعتبر البكاء والحب ضعفًا وعيبًا صـــ187 ، الشاعر المحنط يكمل ماتبقى من حياته كجسد من أجل زهراته الثلاثه صــــ192 ، يقول ( دى لاكروا) : أن الشعر لانهاية له وإنما يفرض الشاعر النهاية ليقطعه وإن كانت إجابات الشعراء أنفسهم اختلفت مع هذا الرأى فمنهم من قال" أن القصيدة هى التى تفرغ منى ولست أنا الذى يفرغ منها ، وقال آخر " دائمًا تنتهى القصيدة كما تنتهى العملية الجنسية" أى أن نهاية القصيدة تحتمها طبيعة فعل الإبداع والتوتر الذى يدفع الشاعر إليه فنحن عندما نبدأ فعل ينشأ لدينا توتر لا ينخفض إلا ببلوغ الفعل نهايته وبما أن (التسامى) هو العملية التى تسمح بانطلاق ( الليبدو) إلى أهداف غير شبقية رفيعة القيمة من الناحية الإجتماعية ، فنجد أن تسامى الشاعر فقد معناه عندما اشترط ابدال الهدف ( القلب والوجه) وهذه هى الآلية التى اتخذها الشاعر ليحل ( الصراع) ويخفض التوتر" وتطلق تسمية ( التسامى) على النزوة بمقدار تحولها إلى هدف جديد غير جنسى ، حيث تستهدف موضوعات ذات قيمة اجتماعية"(14) فالتسامى بالذات هو جوهر الوجود ، وهنا يتضح أن اللغة ومفراداتها التى يستخدمها الشاعر أداة زمانية فيها تستبان ما لدى المرء من دوافع انسانية وماتنزع إليه نفسه من نوازع فيها التسامى وفيها الإبداع فالإنسان الذى يعانى هنا هو نفسه الإنسان الذى يبدع
_ "السادية مازوخية لاواعية"

***

وفقًا لما يراه " فرويد" فإن ( السادية) ناتجه من حدوث تشويه للعنصر العدوانى فى الشخصية ويرى أن السادية فعل ذكورى بحت كما أنه يفسرها بأنها انحراف ينحصر عامة فى استمداد اللذة الجنسية مما يلحق بالغير من ألم بدنى ونفسى مثل التجريح والإذلال والإهانة والتقزيم كما أن الشخص السادى مصاب بجنون العظمة والاستهزاء بالآخرين"(15)، بينما يقول " إيرك فروم" أن النزعات ( السادومازوخيه) موجوده عند كل البشر بدرجات متفاوته والعامل الخفى فى هذة العلاقة هو تبعية كل طرف للآخر واعتماده عليه وأن الشخص السادى يعتمد على المازوخى لتحقيق نشوته مثلما يعتمد المازوخى عليه وإن كان السادى يخفى هذا الإعتماد"وتكون الذات هى المركز الذى تدور حوله أحلام الشخص النرجسى ؛إذ يدرك الذات على أنها جيدة وفعالة وقوية وأن الآخرين يعملون على الاستجابة للرغباته وتحقيق ملذاته"(16) ؛ فالسيطرة والخضوع عنصران موجودان فى معظم قصائد الديوان فالشاعر " متلذذًا متشفيًا" و" يشم رائحة الخائنات كماسوشى محترف صــــ8" السادومازوخيه هنا تتجلى فى استمتاع الشاعر بعذاب نفسه وعذاب الأخريات معه فى آن واحد، كما تتضح فلسفة الشاعر فى تلقى الألم والمعاناه أو التسبب فيهما فالتضحية واليأس والواجب واللامبالاه فى كفه والشعور بالعظمه والفخر وتعظيم الأنا فى مقابل تقزيم الأخريات فى كفه أخرى فيقول الشاعر" أحيانًا أتألم لأننى لن أستطيع أن أقول لك فى فراش الموت مثلما قال " ديستوفيسكى" لزوجته : لم أخنك حتى فى ضميرى صــــ30" ، هذا الشاعر متعدد العلاقات كما يدعى يمعن فى تعذيب نفسه فنراه يقول : " كلما صوبت محترفه صدرها نام مسدسه فى حضن حزامه على الأرض وادعين مغمضين صـــ39" هنا المسدس له دلالة جنسية والنوم على الأرض يحمل دلالات الهزيمة والإستسلام والسادية ضد الذات أيضًا، كما أن لعب أدوار الإمتثال والعجز تقدم شكلًا من أشكال الهروب من الشعور بالذنب، هكذا حاول الكاتب الحصول على حل للصراع بين القوى الكابته والقوى المكبوته(17)، وكل قصائد الديوان تؤكد على الدور الكبير الذى تلعبه عمليات مراقبة العالم والذات ، نعود فنقول أن الكاتب استطاع ان يفرق فى الكتابة بين مرحلتين؛ الأولى هى مرحلة ادراكه للواقع وسلوكيات الجماعة السيكولوجية حوله ( النحن) والثانية هى مرحلة ابرازه هذا المدرك لأعين أخرى غير عينه لما يتمتع به من رهافة الحواس والتعلق بقيمة السعى لمعرفة الشىء فى فرديته التى لايشبه فيها غيره ، فنحن إزاء النوع السيكولوجى من الإبداع الذى يتصالح فيه الظاهر والباطن، وادراك الذوات الأخرى فى حالة فريدة من الكشف عن المعانى وإزاحة الستار عن واقع انشغلنا عن رؤيته بحواجز الحياة(18)



_ الهوامش:
***********
1 _ Domino,G.(1994).Assessment Of Creativity With The ACL:An Empirical Comparison Of Four Scales.Creativity Research Journal,(7)
2 _ Rhodewalt,F.Madrian,J&Cheney,S.(1998).Narcissism Self Knowledge Orgnization,And Emotional Reactivity: The Effect Of daily experience on self esteem and affect personality and social psychology Bulletin,24
3 _ لطفى الشربينى،(ب.ت)،" معجم مصطلحات الطب النفسى"، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، الكويت
4_ ك.غ.يونغ (1997)" علم النفس التحليلى"،ترجمة : نهاد خياط، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سورية
5 _ خالد عبد الغنى (2018)،" الذات والموضوع "
6 _ طارق بن على الحبيب (2004)،" سمات الشخصية المتطرفة"،أبحاث مؤتمر الحوار الوطنى السعودى ، إسلام أونلاين
7 _ Emmons,R.A(1989).Exploring The Relationship Between Motives And Traits:The Case Of Narcissism,In D.M.Buss&N.CONTOR(Eds)
8 _ رأفت السيد عسكر(2009)،"علم النفس الاكلينكى: التشخيص والتنبؤ فى ميدان الاضطرابات النفسية والعقلية، ص 225
9 _ Bergson,H,LEnergie Spiriluelle,Paris:Alcan,Cd.(1939).Art"L Effort Intellectuel"
10 _ Murray,(1938),Raskin&Hall,(1979),Explorations in personality,New York:Ox Ford University Press
11 _ عبد العلى الجسمانى (1981)،" سيكولوجية الإبداع فى الحياة"، ط1، وكالة المطبوعات، الكويت
12 _ سوسن شاكر مجيد(2015)،" اضطرابات الشخصية :أنماطها_قياسها"،ط2، دار صفاء للنشر والتوزيع ، عمان
13 _ عماد عبد الرحيم زغلول ،و على فالح الهنداوى(2014)،" مدخل إلى علم النفس"، دار الكتاب الجامعى، الإمارات العربية المتحدة
14 _ لابلانش،جن بونطاليس، وجن برترند(1967)،" معجم مصطلحات التحليل النفسى"،ترجمة مصطفى حجازى، ط2، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ص 146
15 _ ثائر أحمد غبارى، وخالد محمد أبو شعيرة(2015)،" سيكولوجيا الشخصية"، مكتبة المجتمع العربى للنشر والتوزيع ، عمان
16_ عبد الرقيب أحمد البحيرى(1987)،" دراسة فى ضوء التحليل النفسى"، كلية التربية، جامعة أسيوط، ط1، دار المعارف، ص 79
17 _ روجيه باستيد(1998)،"سيكولوجية التحليل النفسى"،دار الحداثة، بيروت، ص 17
18 _ سامى الدروبى(د.ت)،"علم النفس والأدب"، ط2، دار المعارف، القاهرة
* نشرت في مجلة علم النفس العلمية المحكمة عام 2019م


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى