تقديم:
لقد قام المشروع الصهيوني على أساسين مرتبطين يكمل بعضهما الاخر. الاول قام على أرض فلسطين من خلال الاحتلال العسكري والتطهير العرقي والاستيطان والميز العنصري. والثاني قام على تأمين العمق الجغرافي والسياسي لهذا الكيان في محيطه الاقليمي المعادي. فالكيان الغاصب يعتبر أمنه الاقليمي يمتد إلى أي مكان تستطيع قوته العسكرية أن تطاله. ولتأمين محيطه الاقليمي ينهج الكيان الصهيوني سياسة العدوان والقوة الغاشمة ضد أمن أي بلد عربي أو مغاربي يدعم حقوق الشعب الفلسطيني ؛ أو يحاول أن يبني حدا أدنى من التنمية المستقلة تمكنه من التحكم في موارده في كل المجالات.
ويعمل الكيان الصهيوني بدون كلل على السير في كسب الرهان للتحول الى قوة اقليمية مهيمنة في هذه المنطقة من العالم. تتمتع في محيطها الجغرافي بكل سبل السيطرة والتوسع العسكري والاقتصادي والسياسي و التكنولوجي و العلمي، أي لتصبح القوة التي بدونها لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن السلم والحرب معا في المنطقة ( انظر مقالي بتاريخ 30/06/2020 ما حقيقة قرار الضم؟).
و المغرب بدوره يدخل في دائرة هذه المنطقة المستهدفة من الكيان الصهيوني، لأنه جزء من الامتداد الجغرافي والتاريخي لفلسطين المحتلة، بالإضافة لأسباب خاصة سوف أعرضها بتركيز، وهو موضوع القسم الاول من هذه المقالة. أما القسم الثاني فيركز على دور الكيان الصهيوني وسعيه إلى تحقيق وانجاح التطبيع الشامل مع المغرب رسميا وشعبيا كجزء من بناء مشروعه السياسي فيما يسمى بالشرق الاوسط الجديد.
القسم الاول: الجريمة المزدوجة للحركة الصهيونية في المغرب
. قامت علاقة الحركة الصهيونية بالمغرب منذ أول مؤتمر عالمي انعقد للحركة الصهيونية بسويسرا بتاريخ 1897، من أجل التخطيط لهدف رئيسي هو إعداد اليهود المغاربة وتربيتهم على العقيدة الصهيونية حتى يتم تنظيم تهجيرهم إلى فلسطين. هذا الهدف الذي استغرق عشرات السنين تمت ترجمته وانجاحه عبر مراحل مرتبطة أساسا بالأوضاع الداخلية في المغرب والدولية ..
في المرحلة الاولى وتمتد من 1897 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية: خصصت لنشر الدعاية الصهيونية و تأسيس الخلايا. و تم التأسيس بواسطة صهاينة أجانب مندوبين عن المؤتمر الصهيوني في المدن المغربية صويرة، تطوان، طنجة، مراكش. واعلن في المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901 عن حصيلة إنشاء التجمعات والخلايا الصهيونية بالمغرب. تم بعد ذلك انخرط في عملية التأسيس للخلايا الصهيونية الجديدة عدد من رجال الدين الأحبار البارزين من وسط اليهود المغاربة.
مع التوسع الاستعماري الفرنسي في المغرب عرف النشاط الصهيوني صعوبات بسببه في حينه، حيث كان الجنرال اليوطي يراهن على توظيف اليهود المغاربة لصالح مشروعه الاستعماري في المغرب. كما أن الإقامة العامة الفرنسية لم تنجز تغييرات إيجابية ملموسة في الوضع القانوني لليهود، بل على العكس قامت بتشديد رقابتها وتدخلها في حياة الطائفة اليهودية المغربية وحدت من استقلاليتها التي كانت تتمتع بها قبل الاستعمار.ونظرا لمعارضة الإقامة العامة الفرنسية للنشاط الصهيوني بالمغرب، فقد تكفل فرع المنظمة الصهيونية بلندن بالعمل على إعادة تنظيم العمل الصهيوني بالمغرب. لكن مع صدور وعد بلفور سنة 1917 وقرارات مؤتمر سان ريمو سنة 1920 أوجد مناخا محفزا عند اليهود المغاربة المهتمين بالنشاط الصهيوني.
إلا أن الانعطاف الكبير في النشاط الصهيوني بالمغرب حصل مع استقالة المقيم العام الجنرال اليوطي في سبتمبر 1925 ومجيء مقيم عام جديد ثيودور سنيغ الذي كان لا يشاطر مواقف المقيم السابق تجاه الحركة الصهيونية. تزامن ذلك مع قدوم تاجر بولوني اسمه "تيودور تورز" كممثل عن المنظمة الصهيونية العالمية للإشراف على تنظيم العمل بشكل مركزي في 1924، وأثمرت جهوده في 1926 بإصدار جريدة صهيونية محلية سميت(بـL` avenir Illustré المستقبل المصور ( يوم 22 يوليو 1926 والتي شكلت الذراع الإعلامي للنشاط الصهيوني المغربي. كما أعلن رسميا في مايو 1926 عن ترأس يهود مغاربة للجنة التنفيذية لفرع للمنظمة الصهيونية بفرنسا.– فرع المغرب. تم تواصل النشاط الصهيوني بالمغرب حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية حيث:
1- أصبح اليهود المغاربة يتابعون مباشرة أشغال المؤتمرات الصهيونية العالمية منذ 1921 إذ أرسلوا مندوبا إلى المؤتمر الثاني عشر.
2- رغم وجود حالات هجرة ليهود مغاربة قليلة فإن أولويات النشاط الصهيوني في المغرب كانت تحرص على تأجيل موضوع الهجرة إلى فلسطين وإعطاء الأولوية لهجرة يهود أوروبا . وضرورة التركيز في المغرب على قضايا الدعاية والإعلام وتعليم العبرية والتاريخ اليهودي من وجهة نظر الايديولوجيا الصهيونية وجمع التبرعات وتوسيع عملية تأسيس الخلايا في جميع المناطق التي توجد بها تجمعات لليهود المغاربة.
3- انعقاد مؤتمرات صهيونية في المغرب واقليمية سنوات (1936 و1937 و1938)واتخاذ قرارات تتماشى وتوجيهات المؤتمر الصهيوني العالمي.
4- قامت الدعاية الصهيونية بتركيز جهودها وسط الشباب المتعلم في المدارس الاسرائيلية التي أصبحت منتشرة في المغرب (حسب إحصاء 1960 بلغت 77 مدرسة يدرس فيها قرابة 30 ألف تلميذ فضلا عن 14 مدرسة متنقلة يدرس فيها 1394 تلميذا). كما تم رفع عدد الساعات المخصصة لتدريس العبرية والتربية الدينية في مدارسها. هؤلاء الشباب المتعلم من اليهود المغاربة هم الذين سيشكلون شبكات منظمة فيما بعد بقيادة الموساد لتنظيم عملية التهجير لليهود المغاربة لفلسطين العربية .
نستنتج في هذه المرحلة الاولى من النشاط الصهيوني وسط اليهود المغاربة بأنه كان في الغالب يتم بشكل علني لعدم وجود اية عراقيل تذكر داخل المغرب. فالمقاومة الشعبية المغربية للمستعمر الفرنسي والاسباني كانت في البداية طابعها العام مسلحا وتركزت في البوادي. أما المدن مهد الحركة الوطنية السياسية الحديثة فلم تنطلق إلا في أواخر الثلاثين من القرن الماضي ولم تعطي أهمية تذكر للنشاط الصهيوني في المغرب ولم تستوعب أهدافه.
في المرحلة الثانية وتمتد من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1963: بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر إرهاصات الاستعداد لإنشاء الدولة الصهيونية وأخذت قوة الحركة الصهيونية داخل اليهود المغاربة تقوى بحيث تمكنوا من "احتكار تمثيلية يهود المغرب في المؤتمر اليهودي العالمي بأتلانتك ستي في أميركا نوفمبر 1944.ومما ساعدهم على احتكار تمثيلية المغرب هو تحكمهم في عملية توزيع الإعانات الخارجية الموجهة لسكان الملاحات. وظهر آنذاك الدور الأميركي في دعم الصهيونية المغربية.
أدت هذه العوامل إلى ارتفاع وتيرة النشاط الصهيوني بالمغرب حيث تمت إعادة هيكلته من الناحية التنظيمية، ونظم مؤتمر لذلك بالدار البيضاء في يونيو 1946 حضره 50 وفدا من مجموع فروع المغرب، ونشطت الخلايا كما فتحت المنظمات الصهيونية العالمية فروعا لها بالمغرب، و أصبح الهدف الرئيسي هو عملية التهجير.
عند صدور قرار التقسيم وإعلان "دولة إسرائيل" في 1948 واندلاع حرب الجيوش العربية الاولى ضد الكيان الصهيوني الجديد، كان له صدى مباشر وعملي في المغرب، حيث تمثل في رد فعل المسلمين تجاه الأحداث في الإكثار من إقامة الصلوات في المساجد من أجل خلاص فلسطين العربية وانتصار الإسلام، وجمع التبرعات لفائدة المجاهدين، وتشجيع ذهاب المتطوعين "للتضحية في ساحة الشرف" والزيادة في حدة مقاطعة التجار اليهود.
أما اليهود فضاعفوا أيضا من صلواتهم وجمعهم للتبرعات، ومن المحاضرات حول الصهيونية، فتسارعت بذلك وتيرة ترحيل مجموعات كاملة منهم باتجاه فلسطين. حيث تم تهجير في هذا العام لوحده حوالي 77 ألفا، وأشرفت الوكالة اليهودية بالمغرب على تنظيم ذلك بفعالية منذ 1949، حيث أقيمت مراكز للهجرة والتي كان أهمها مركز "القادما" جنوب الدار البيضاء..
كانت محصلة هذا التمدد التنظيمي ارتفاع عدد منخرطي الحركة الصهيونية المغربية حتى عام 1956 لحوالي 23 ألفا أي 12% من مجموع اليهود من أصل مغربي، وهو رقم قياسي عالمي. وأصبح جهاز الموساد الاسرائيلي هو المشرف والمخطط لتنفيذ البرنامج المرتكز على هدف أولوية الهجرة وتأمينها بعد أن أصبحت تتم في السرية. هذا الاشراف الامني لجهاز الموساد الاسرائيلي كان يتم و يتوسع بالتنسيق والتعاون مع أجهزة الامن الفرنسي في المغرب تم من بعد مع أجهزة الامن المغربي التي ورثت تركته . وبعد حادثة الباخرة "ياخين" سنة 1963 أصبح تهجير اليهود المغاربة يتم بشكل رسمي بواسطة جوازات سفر جماعية تصدرها الادارة المغربية المعنية.
حسب إحصاءات الوكالة اليهودية فقد بلغ عدد المهاجرين المغاربة إلى فلسطين بين عامي 1948 و1963 ما يناهز 210347، يضاف إليهم اليهود الذين هاجروا باتجاه كل من فرنسا والولايات المتحدة وكندا والذين يقدر عددهم بحوالي 30 ألفا.
نستنتج من النشاط الصهيوني بالمغرب في المرحلة الثانية التي تركزت على عمليات التهجير لليهود من أصل مغربي
1- تعرض اليهود من أصل مغربي للاجتثاث شبه كلي من بيئتهم الاجتماعية في المدن و البوادي والمداشر، والى انكسار في ثقافتهم وعقيدتهم مما جعل "اليهودية المغربية كدين وثقافة" تنقرض تدريجيا وكليا من المغرب اما الشباب المهاجر و الاجيال اللاحقة فقد تم ادماجهم في المشروع الصهيوني بالكامل داخل الكيان الغاصب لمواصلة خدمة أهدافه ، .
2- ظهور معارضة للنشاط الصهيوني بالمغرب في صفوف الحركة الوطنية خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. أما اليهودية المغربية فلم تشهد معارضة للصهيونية مبكرة تذكر، ولم تظهر إلا بعد الاستقلال السياسي، واتسمت بالمحدودية العددية مع غياب زعماء اليهود والحاخامات عنها مما جعل تأثيرها شبه منعدم في صفوف اليهود المغاربة.
3- السؤال الاشكالي الذي طرحه الكاتب المغربي التقدمي إدمون عمران المليح حول تفسير ما سماه "الغموض الذي لا يزال قائما أمام هذه الحركة التهجيرية التي تستعصي أكثر أجزائها على كل تأويل عقلاني، خاصة أنه لم يكن هناك أي خطر حقيقي عاجل أو آجل يهدد وجود اليهود المغاربة، حتى في أشد الظروف حلكة عندما أعلن عن تأسيس دولة إسرائيل. لماذا، إذن، تلك الهجرة الواسعة، ولو أنها امتدت على عدة سنوات؟ لماذا هذه المأساة الصامتة، السرية، تحت تأثير رقابة ملتحمة بالأيدولوجية الصهيونية؟؟".
للجواب على هذا الاشكال حسب رأيي، قد يسعفنا في البحث علم النفس الاجتماعي الذي وضع أسسه سيغموند فرويد . فرويد الذي عاصر صعود الافكار النازية والفاشية والعنصرية والصهيونية في أوربا الغربية والشرقية وتأثيرها القوي على حركة الجماهير الصاعدة بعد الحرب العالمية الاولى، مكنته من الاهتمام بها و طرح بعض التساؤلات على سيكيولوجية الجماهير. انطلاقا من مفاهيم علم النفس الذي وضع أسسه. وقد قادته هذه الابحاث في أخر حياته إلى تأليف كتبه نذكر أهمها كتاب " علم النفس الجماعي وتحليل الانا " و كتاب " توعك في الحضارة " و وكتاب "موسى وديانة التوحيد". حيث يوضح مدي الاهمية والضخامة التي يمكن أن تتخذها الاوهام والعقائد اللاعقلانية على اللاوعي عند المجموعات ومنها الدينية، في ظروف تاريخية خاصة تتميز بالأزمات الكبري؛ وذلك بواسطة الدعاية والتحريض المنظمين. وليس من الغريب أن الأوساط الصهيونية لا زالت إلى اليوم تحقد علي سيغموند فرويد وتنعته بمعاداة السامية.
4- في عام 2015 قدر المؤتمر اليهودي العالمي أعداد اليهود المتبقين ل في الدار البيضاء بحوالي 1000 شخص، الصويرة 300 ، تليها مراكش حوالي 250 شخص، ومكناس حوالي 250 شخص، وطنجة حوالي 150 شخص، وفاس حوالي 150 شخص، وتطوان حوالي 100 شخص.
5- يجب أن لا ننسى أن الكيان الصهيوني قد واكبه في جميع مراحل تطوره، احتضان ودعم مباشر على جميع المستويات من طرف الامبريالية الانجليزية تم الفرنسية والالمانية. ومن بعد تولت الولايات المتحدة قيادة هذا الدور ولا زالت
هكذا خطط الكيان الصهيوني لجريمته وقام بتنفيذها وحقق كامل اهدافه وكان له ما اراد. اي الاجتثاث والتهجير القسري لليهود المغاربة من ارضهم. باعتبارهم كانوا مغاربة أمازيغ وليسوا وافدين كما تزعم الدعاية الصهيونية؛ اعتنقوا و عاشوا ومارسوا عقيدتهم اليهودية المميزة حسب تشريعاتهم ومؤسساتهم ومعارفهم الدينية، وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة والمشتركة مع عموم المغاربة وفق التحولات التاريخية التي مر بها المغرب. وهي تعد جريمة انسانية مكتملة الاركان لا يمكن ان تسقط بالتقادم. تفاصيلها هي الان اصبحت متاحة بعد ان اصبح جزء كبير من الارشيف الفرنسي الاستعماري بالمغرب في متناول الباحثين وايضا الوثائق التي رفع عنها السرية الكيان الغاصب وكذا وثائق المؤتمر اليهودي العالمي فضلا عن الابحاث والكتب المتوفرة
انها جريمة اولى في حق الشعب المغربي تمت من وراء ظهره ، وفي تغييب تام لإرادته. وجريمة تانية في حق الشعب الفلسطيني الذي تم اقتلاعه من ارضه، واغتصاب حقوقه الكاملة و استعمار ارضه من طرف مستوطنين قادمين من جميع بقع العالم. و طبعا من المغرب خدمة لمشروع استعماري استيطاني قام على اسطورة "احلال شعب بلا ارض فوق ارض بلا شعب"
القسم الثاني: الكيان الصهيوني وسياسة التطبيع الشامل في المغرب
وسائل العمل في التطبيع
ان وسائل العمل الذي يعتمدها الكيان الصهيوني في تنفيذ سياسة التطبيع الشامل في المغرب بمعنى التطبيع الرسمي مع السلطات المغربية والتطبيع الشعبي هي وسائل "العمل غير المباشرة".
في حدود معرفتي اول من استعمل هذا المفهوم في العالم العربي هو الكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في العديد من كتبه التي تناولت مباشرة "الصراع العربي الصهيوني". وسأشرح القصد من و"سائل العمل الغير مباشر".
في كتابه "اوراق السويس" الذي يتناول تفاصيل العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، وذلك بعد مرور 20 ستة على العدوان، بالاعتماد على وثائق اصبحت متاحة في الولايات المتحدة؛ يتحدث هيكل عن التحول الذي عرفه الحكم في الولايات المتحدة، او كيف اصبحت تحكم شؤون الامبراطورية في الخارج لتوطيد هيمنتها على شعوب العالم والتحكم في مصائرها. ويقول أنشئ مجلس الأمن القومي الأميركي بموجب قانون الأمن القومي رقم 80- 453 عام 1947، وأدخلت عليه تعديلات عام 1949، ثم ألحق بالمكتب التنفيذي للرئيس الأميركي كجزء من خطة إعادة الهيكلة. وقد نص على انشاء مجلس الامن القومي تابع لرئيس الجمهورية. مهمته " ان يعمل بكل الوسائل، وبواسطة وكالة المخابرات الامريكية وغيرها من اجهزة الامن القومي التي يقتضي الامر إنشاؤها على تحقيق الاهداف السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الامريكية على مستوى العالم". هذا القانون ادى إلى ان رئيس الجمهورية أصبحت له حكومتان. حكومة ظاهرة مسؤولة أمامه يحاسبها مجلس الكونغرس، وحكومة خفية مسؤولة امامه ولا يحاسبها احد. هذا القانون هو الذي ابتدع لأول مرة منصب مستشار الرئيس للأمن القومي الذي تمتل فيه كل اجهزة العمل الغير مباشر، او "لجنة الاربعين" التي توسعت واصبحت تضم ممثلي المركب المالي والصناعي العسكري .
بداية الاعمال القدرة التي دشنت بها عملها "أجهزة العمل غير المباشر" الامريكية، هي تنظيم الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المعادية، و من اشهرها: حكومة مصدق الوطنية في ايران سنة 1953، الحكومة التقدمية "لجكوبو أربينز" في غواتيمالا سنة 1954، الانقلاب على حكومة باتريس لومبومبا واغتياله سنة 1961، الانقلاب على حكومة سوكارنو سنة 1965 وتنظيم عمليّات القتل الجماعي والتطهير الشيوعي الإندونيسي، حيث تم قتل 500 ألف إلى مليون شخص، وبعض التقديرات وصلت إلى 2-3 مليون شخص وإلغاء الحزب الشيوعي الإندونيسي تماما كقوة سياسيّة، وبدء فترة ديكتاتورية رئاسة سوهارتو التي دامت ثلاثة عقود، الانقلاب على حكومة اليندي واغتياله في التشيلي سنة 1973. كذلك تنظيم الاغتيالات لعدد من قادة وزعماء حركة التحرر الوطني في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية؛ وغيرها كثير من مثل هذه الاعمال القدرة . وصارت هذه "الحكومة الخفية" تسمى بالدولة العميقة أو غيرها، لها وسائل التسليح والتمويل الخاصة خارج اية رقابة. وتلعب أدوارا مهمة في فترة اللاحرب عبر الحرب النفسية والدعاية والاعلام وصناعة الراي العام إلى الثورات الملونة او الحروب الهجينة. وفي فترة الحروب الكبيرة مثل العدوان على فيتنام وكمبوديا واللاووس والعراق ويوغسلافيا، افغانستان، وليبيا وسوريا...الخ.؛ فإن عمل هذه الاجهزة يتوازى مع اساليب الحروب المعروفة، وتركز على الاعمال القدرة التي تنفذ دون ان تترك اثرا.
لم تكن هذه الوسائل بدعة أمريكية أو منتوجها الخالص، فقد سبقتها بريطانيا الاستعمارية؛ حيث السلطة الحقيقية المتعلقة بالأمور الحساسة هي من اختصاص المخابرات M 16 ، وهيئة اركان الحرب الامبراطورية ووزارة الدفاع. وهي هيئات اكثر دواما واتصالا بالواقع من عمل الوزراء أو الحكومات أو المجالس النيابية المتعاقبة والمتغيرة.
أما الكيان الصهيوني باعتباره كيان قائم على الإحتراب ( إسبرطة الجديدة )، فإن راس الهرم فيه هو رئيس الوزراء على راس قيادة جماعية هي بمثابة قيادة اركان حرب دائمة الانعقاد . تحتل مؤسسة الجيش، والمؤسسات الأمنية في عملية صناعة القرار السياسي أمرا حاسما. أما العقيدة العسكرية فترتكز على الهواجس الأمنية من أجل “إسرائيل الملاذ الآمن لليهود” في مواجهة ”التهديدات الوجودية” وهي: صغر حجم السكان ،صغر المساحة الجغرافية، العداء الدائم مع المحيط الذي يشكل الامتداد التاريخي والجغرافي لفلسطين المحتلة . لذلك فصناعة القرار تحتاج إلى سياسيين محترفين، غالبيتهم يأتي من المؤسسة العسكرية والامنية. تبدو الحكومات المتعاقبة منذ 1948 كحكومة واحدة، لا تتأثر بتغيير الاشخاص؛ ويقتضي عملهم تامين الحصول على دعم الحلفاء والأصدقاء وعلى راسهم الولايات المتحدة الأمريكية من اجل:
• ضمان زيادة قوتها وتفوقها العسكري من اجل الهيمنة والتوسع،
• الدعم السياسي والاعلامي من اجل التغطية على جرائم الاحتلال والاستيطان والترانسفير والحصار والقتل بالنسبة للشعب الفلسطيني. والعدوان على الشعوب المجاورة
• توقيع معاهدات "سلام" مع انظمة الجوار والتطبيع مع مجتمعاتها،
وكان لا بد ان تنتقل خبرات "أجهزة العمل غير المباشر" المذكورة إلى دولة الكيان الصهيوني الصاعدة. وصار التعاون والتنسيق بينهم مع غيرهم من الحلفاء والاتباع جميعا يشكل القاعدة الثابتة.
سياسة التطبيع مع الحكم المغربي
ليس من الوارد عندي في هذا المقال عرض لسياسة التطبيع مع الحكم المغربي، فالدراسات والمصادر كثيرة ومتنوعة ومتاحة للباحث المهتم ( أشيد هنا بالعمل النضالي الذي تقوم به منظمة BDS لمقاطعة الكيان الصهيوني) ، ولا ازعم الكشف عن اشياء جديدة في الموضوع. فالأمر بات مثل علم فوق جبل كما يقال. ولكن سأركز على رهانات الكيان الصهيوني من سياسة التطبيع في هذه البقعة الجغرافية. و ما هي دوافعه الامنية والسياسية والاقتصادية والجيوسياسية.
1- المستوى السياسي والامني
عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني وليا للعهد، قال: "(...) لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل وأن أقبل عضويتها بالجامعة العربية (...) لأنها، على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها" (كتاب "ذاكرة ملك"، ص 245 الطبعة الفرنسية)
في مارس 2015، بعد 60 عام من عقد القمة العربية الثالثة عام 1965 بمدينة الدار البيضاء، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر التفاصيل الكاملة عن العلاقات السرية بين الموساد والمغرب، التي بدأت في أوائل الستينيات من القرن العشرين، على خلفية طلب المغرب من إسرائيل تقديم المساعدة للمغاربة في تصفية المعارض المغربي التقدمي المهدي بن بركة.
عن جريدة القدس العربي بتاريخ 02 مارس 2020 يقول المناضل الحقوقي اليهودي المغربي، سيون أسيدون الناشط في منظمة BDS لمقاطعة الكيان الصهيوني ، إن العلاقات المغربية الإسرائيلية موجودة منذ عقود ويوجد تطبيع ثنائي في جل القطاعات. وأكد أسيدون خلال مشاركته في البرنامج الحواري “في رواية أخرى” على قناة التلفزيون العربي على وجود تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والمغرب، ضاربا عدة أمثلة لذلك، من أبرزها التطبيع المخابراتي عندما سمح المغرب للمخابرات الإسرائيلية بالتجسس على القمة العربية التي نُظمت في مدينة الدار البيضاء في عام 1965.
وقال أسيدون إن المخابرات الإسرائيلية كانت حاضرة في الطابق الخامس الذي يقع فوق الطابق الرابع الذي كان مسرحا للقمة العربية آنذاك، واستمعت لكل ما كان يدور في الطابق السفلي، وكان ذلك بمشاركة من السلطات المغربية، التي كانت تهدف بالمقابل إلى اختطاف المهدي بن بركة. وقد أشار أسيدون إلى أن هذا هو التطبيع الأول بين المغرب وإسرائيل.
وأضاف أن المثال الثاني لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل يتجلى في التطبيع العسكري، حيث اقتنى المغرب أسلحة وتجهيزات عسكرية من إسرائيل، مشيرا إلى أن آخر تعامل في هذا الجانب هو اقتناء المغرب لثلاث طائرات بدون طيار من صنع إسرائيلي في الأسابيع الماضية.
وأكد أن التطبيع المغربي الإسرائيلي لا يقف عند التطبيع المخابراتي والعسكري، بل يمتد إلى قطاعات أخرى، من بينها الفلاحة والزراعة، حيث أشار إلى أن المغرب يعتمد على تجهيزات وبذور زراعية يتم جلبها من إسرائيل ويتم استعمالها في المغرب.
يمكن القول ان المغرب الرسمي ظلت تربطه علاقات امنية وسياسية مع الكيان الصهيوني، ولم تنقطع يوما حتى في أوج "الصراع العربي – الإسرائيلي" وغليان الشارع المغربي بهذا الخصوص. علما أن الموقف الرسمي المغربي المعلن عنه، قد تأسس منذ البداية على الانطلاق من دعم القضية الفلسطينية والتضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني...الخ. ويبرر المسؤولون المغاربة هذا الامر بسياسة الاعتدال والواقعية في التعامل مع "إسرائيل" كأمر واقع. وقد ظل الحكم المغربي يقدم نفسه كوسيط كوسيط في "الصراع العربي_ الإسرائيلي"، على مدى سنوات هذا الصراع. وقد لعب المغرب أدوارا جوهرية غير معلنة كوسيط (يمكن الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، إسحاق رابين، توجه مباشرة عقب توقيعه على اتفاق "غزة – أريحا" إلى الرباط لتقديم الشكر والامتنان للملك الراحل).
2- المستوى الاقتصادي والتجاري
جل الدراسات الإسرائيلية تؤكد أن أسواق المغرب ،الجزائر، تونس، ليبيا؛ تستهلك من المنتوجات الصناعية والزراعية ما يفوق 30 مليار دولار (300 مليار درهم) سنويا، وجل هذه المنتوجات تصل إليها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والبرتغال. والكيان بإمكانه تزويد مختلف الدول المغاربية بنفس البضائع وبكلفة أقل في حالة تكريس التطبيع معها. وتخلص جل الدراسات الإسرائيلية إلى أن الاستهلاك في هذه الدول في توسع مستمر، وسيظل كذلك، باعتبار أن الاقتصاديات المغاربية، في عمومها وجوهرها، ستبقى اقتصاديات استهلاكية على المدى المتوسط والبعيد أيضا، أي اقتصاديات متخلفة وتبعية ( التشديد من عندي).
حاليا هناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا ومستمرة التطور في جملة من القطاعات الاقتصادية وبالخصوص في المجال الزراعي والسياحي منذ سبعينيات القرن الماضي وشكلت اختراقا فيهما ( إحدى الدراسات أقرت بأن 85 بالمائة من الفلاحين المغاربة يستعملون البذور الإسرائيلية وتقنيات الري، إذ أضحى مثلا من الصعب بمكان التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي).
بالرغم من عدم وجود علاقات تجارية رسمية بين بلادنا والكيان الصهيوني، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية في تصاعد، بالاعتماد على "وسائل العمل غير المباشرة". كما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساهما في تمويل جزء كبير من اقتناء المنتوجات الإسرائيلية الزراعية بواسطة قروض منحت للمغرب، سيؤديها المواطن المغربي ضمن فواتير المديونية. كما أن من بين المساعدات الممنوحة للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي؛ يرصد جزء مهم منها لاقتناء تجهيزات الري الإسرائيلية والتقنيات والآليات والأدوات والمعدات المرتبطة بها.
و لا يفوت الكيان الصهيوني أي فرصة للاستثمار ببلادنا في القطاعات التي تحظى لديه بالأولوية. ولا يخفى على أحد أن هذه المصالح تساهم بشكل أو بآخر، في تمويل آلته الحربية.
هل أحتاج إلى التذكير هنا ان حكومة التناوب في عهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي الوزير الاول، تم الحكومات المتعاقبة تحت مختلف التسميات. لم تستطع توقيف استقبال المنتوجات والبضائع الإسرائيلية بالمغرب. بالرغم من الاحتجاجات الشعبية.و النداءات التي تم توجيهها من طرف جملة من الفعاليات الديمقراطية المغربية.
سياسة التطبيع "الشعبي"
يدرك الكيان الصهيوني من تجاربه مع الانظمة العربية التي تربطه معها اتفاقيات تنائيه ، أن هذه العلاقة محفوفة بالمخاطر. وأن التقدم في تحقيق انجازات ملموسة وثابتة في تعبيد طرق التطبيع لن يكون سالكا إلا بشرط أن يهشم الوعي الجمعي للشعوب العربية والمغاربية الذي يعتبر قضية فلسطين قضية مقدسة، وبناء ان جاز التعبير وعيا شعبيا متصالحا مع وجود الكيان العنصري بالمنطقة.
و يلعب الكثير من الاعلام الموجه الغربي والعربي في إطار "صناعة الرأي" الدور الرئيسي في التطبيع مع الوعي الشعبي، معتمدا على الخلط المتعمد بين "الصهيونية" كايديولوجية عنصرية للدولة والمجتمع الاسرائيلي، وبين الديانة اليهودية.
وبعد التشطيب على القرار الاممي رقم 3379 في سنة 1991 بدعم وتهديد من امريكا كقوة عظمى وحيدة، الذي اعتبر "الصهيونية شكل من اشكال العنصرية" ، تحت وعود زائفة بان "اسرائيل" سوف تلتزم بمسلسل السلام مع الفلسطينيين؛ فإن الكفة قد مالت لصالح الاعلام الموجه الغربي والعربي الذي يخدم البروباغندا الصهيونية. وانتقلت جوقة النخب المتصهينة من الدفاع إلى الهجوم. واصبح العداء "لاسرائيل" ينعت بالعداء للسامية ويواجه بالحقد والعقاب والتشويه. هكذا اصبح نضال الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقوقه فوق ارضه المحتلة، يحكم عليه "بمعاداة السامية" . أما جرائم الكيان الصهيوني/ النازية الجديدة، فتعتبر دفاعا عن النفس والسلام...الخ. وصار اليهود المعادين للصهيونية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، امثال: ناعوم تشومسكي و نورمان فرانكلستاين و شلومو صاند معادين أيضا للسامية. وتوسعت هذه الحملة الدعائية لتشمل الناشطين و الاطارات التي تنظم حملات المطالبة بمقاطعة دولة الكيان الصهيوني الاقتصادية والتجارية والتفافية والعلمية مثل منظمة BDS . واصبح في الاعلام العربي والمغاربي الموجه، الدعوة للتطبيع تعد وجهة نظر.
هذا هو المناخ العام الذي اصبحت تتحرك فيه سياسة الكيان الصهيوني للتطبيع عبر "وسائل العمل غير المباشر"، مستهدفة إحداث اختراقات في الوعي الشعبي المغربي بمكوناته الثقافية والاثنية. وإن الرهان على بعض اليهود الصهاينة من أصل مغربي سواء داخل الارض المحتلة أو خارجها، المقيمين في المغرب بصفة دائمة أو في الخارج ؛ يعد بمثابة قنطرة العبور للتطبيع وأداة من أدوات العمل غير المباشر. وفي هذا الصدد نرصد:
• الترويج بواسطة الاعلام، وبوسائل التواصل الجديدة وغيرها، لمنتوج سياحي اصبح يسمى "إحياء المشترك الثقافي اليهودي- الامازيغي المغربي" من اجل التسامح والسلام... وغيرها من الشعارات المزيفة. وهي وسيلة تمكن من تنظيم و إقامة مهرجانات ومواسم دينية وحفلات وغيرها في العديد من المدن المغربية، تمكن من تنشيط السياحة مع الكيان الصهيوني ومجيء صهاينة من اصل مغربي ادوا الخدمة العسكرية، أي مارسوا القتل والتعذيب بحق الشعب الفلسطيني، ويمكن ان ينالوا الجنسية المغربية إذا طالبوا بها وفق قانون الجنسية المغربي.
ولا بد من التأكيد ان هذا المشترك الثقافي اليهودي- الامازيغي المغربي" ، الذي كان حقا غنيا في حقب تاريخية، قد تم نسفه تماما بواسطة مسلسل التهجير القسري لليهود المغاربة في فترة الاستعمار الفرنسي وبداية الاستقلال السياسي. ولا يمكن استعادته والبناء عليه، لان من غادروا من اليهود المغاربة إلى فلسطين قد أصبحوا بعد عدة أجيال متصهينين عنصريين يشكلون جزءا من الالة الحربية في مشروع الكيان الصهيوني و مخططاته .
• استهداف المنظومة التعليمية والتربوية المغربية للمقررات التي تتناول قضية الشعب الفلسطيني. في البداية من خلال مراكز التعليم الاجنبية المتناسلة في بلدنا كالفطر. وهي مقررات تحاكي ما يدرس في البلدان الغربية لتلاميذ جلهم مغاربة يتم إعدادهم كنخب ستحتل مراكز لصنع القرار السياسي والاقتصادي. تم في القطاع التعليمي الخاص والعمومي في جميع اسلاكه؛ عبر مقررات تربوية جرى تطويعها حتى تلائم المرحلة المتميزة "بالسلام الامريكي" PAX AMERICA . وتتم الدعوة حاليا لاقحام "الهولوكست" في المقرر التعليمي، في حين ان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة تتعرض لحرب إبادة امام اعيننا من طرف امريكا وحليفتها اسرائيل وأنظمة عربية حليفة.
• لقد تنامى بالضرورة وسط هذا "المناخ التطبيعي" مع الكيان الصهيوني بعض " المثقفين والاكاديميين المغاربة" الذين يطلون بين الفينة والاخرى، برؤى وتصورات تدعي تارة الحداثة والتعدد والانسانوية وغيرها؛ لتبرير سلوكهم التطبيعي، وعقد لقاءات او المشاركة في منتديات أكاديمية جامعية من داخل الكيان الصهيوني. ونحن نعلم ان جل هذه الجامعات ومعاهد الابحاث والمنتديات والقائمين عليها، تشكل جزءا من المنظومة المسخرة للقتل والقمع والعنصرية الممارسة على الشعب الفلسطيني. ويجري في العديد من الاوساط الاكاديمية والعلمية الغربية حاليا التنادي لمقاطعاتها من منطلق أخلاقي وانساني حقا.
سأكتفي بهذا الرصد لأشكال وادوات الاستهداف الصهيوني للوعي الشعبي الذي يظل في وجدانه مناصرا لقضية الشعب الفلسطيني. فهناك عمل ومجهود قائم لا بد أن يتوسع ويتعمق من أجل الرصد لمواجهة سياسة التطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني وكشف أحابله.
انهي حديثي بالتركيز من خلال السؤال الذي طرحته كعنوان : لماذا الشعب المغربي يعتبر فلسطين المحتلة قضية وطنية؟ و هذا المقال اعتبره محاولة للإجابة بكثير من التركيز علي السؤال المذكور من خلال :
1- الجريمة التاريخية المزدوجة في حق الشعب المغربي أولا، والشعب الفلسطيني تانيا، التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم لا نها من الجرائم الانسانية، ونتائجها لا زالت مستمرة.
2- اعتبار الكيان الصهيوني والادوار التي قام ويقوم بها في المغرب من خلال "أشكال العمل الغير المباشر" عدوا مباشرا للشعب المغربي. الامر الذي يطرح على قوى التغيير في المغرب مهام جسيمة في مواجهة الزحف الصهيوني من أجل التطبيع الشامل. وإلى التعبئة والكشف عن الاحابيل الملتوية التي يتقنها الكيان الغاصب. و لان سياسة التطبيع الشامل وما ينتج عنها تجعل من الكيان الصهيوني طرفا معاديا لقضايا الشعب المغربي في التحرر الوطني من التبعية والتغيير الديمقراطي الشعبي، وضرب تطلعات الشعب المغربي في المساهمة في بناء إطار للتضامن والتعاون بين شعوب المغرب الكبير يدعم مصالحها في التنمية . وهذه عناوين لمصالح الجماهير الشعبية المغربية في الوجود والتقدم.
3- قضية الشعب الفلسطيني ودعم نضاله من أجل تحرير أرضه وإنجاز مشروعه لبناء فلسطين الديمقراطية ، ليس فقط كقضية انسانية واخلاقية؛ ولكن ايضا قضية مصير مشترك للشعوب العربية والمغاربية.
سعيد كنيش الصويرة في 19/08/2020
لقد قام المشروع الصهيوني على أساسين مرتبطين يكمل بعضهما الاخر. الاول قام على أرض فلسطين من خلال الاحتلال العسكري والتطهير العرقي والاستيطان والميز العنصري. والثاني قام على تأمين العمق الجغرافي والسياسي لهذا الكيان في محيطه الاقليمي المعادي. فالكيان الغاصب يعتبر أمنه الاقليمي يمتد إلى أي مكان تستطيع قوته العسكرية أن تطاله. ولتأمين محيطه الاقليمي ينهج الكيان الصهيوني سياسة العدوان والقوة الغاشمة ضد أمن أي بلد عربي أو مغاربي يدعم حقوق الشعب الفلسطيني ؛ أو يحاول أن يبني حدا أدنى من التنمية المستقلة تمكنه من التحكم في موارده في كل المجالات.
ويعمل الكيان الصهيوني بدون كلل على السير في كسب الرهان للتحول الى قوة اقليمية مهيمنة في هذه المنطقة من العالم. تتمتع في محيطها الجغرافي بكل سبل السيطرة والتوسع العسكري والاقتصادي والسياسي و التكنولوجي و العلمي، أي لتصبح القوة التي بدونها لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن السلم والحرب معا في المنطقة ( انظر مقالي بتاريخ 30/06/2020 ما حقيقة قرار الضم؟).
و المغرب بدوره يدخل في دائرة هذه المنطقة المستهدفة من الكيان الصهيوني، لأنه جزء من الامتداد الجغرافي والتاريخي لفلسطين المحتلة، بالإضافة لأسباب خاصة سوف أعرضها بتركيز، وهو موضوع القسم الاول من هذه المقالة. أما القسم الثاني فيركز على دور الكيان الصهيوني وسعيه إلى تحقيق وانجاح التطبيع الشامل مع المغرب رسميا وشعبيا كجزء من بناء مشروعه السياسي فيما يسمى بالشرق الاوسط الجديد.
القسم الاول: الجريمة المزدوجة للحركة الصهيونية في المغرب
. قامت علاقة الحركة الصهيونية بالمغرب منذ أول مؤتمر عالمي انعقد للحركة الصهيونية بسويسرا بتاريخ 1897، من أجل التخطيط لهدف رئيسي هو إعداد اليهود المغاربة وتربيتهم على العقيدة الصهيونية حتى يتم تنظيم تهجيرهم إلى فلسطين. هذا الهدف الذي استغرق عشرات السنين تمت ترجمته وانجاحه عبر مراحل مرتبطة أساسا بالأوضاع الداخلية في المغرب والدولية ..
في المرحلة الاولى وتمتد من 1897 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية: خصصت لنشر الدعاية الصهيونية و تأسيس الخلايا. و تم التأسيس بواسطة صهاينة أجانب مندوبين عن المؤتمر الصهيوني في المدن المغربية صويرة، تطوان، طنجة، مراكش. واعلن في المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901 عن حصيلة إنشاء التجمعات والخلايا الصهيونية بالمغرب. تم بعد ذلك انخرط في عملية التأسيس للخلايا الصهيونية الجديدة عدد من رجال الدين الأحبار البارزين من وسط اليهود المغاربة.
مع التوسع الاستعماري الفرنسي في المغرب عرف النشاط الصهيوني صعوبات بسببه في حينه، حيث كان الجنرال اليوطي يراهن على توظيف اليهود المغاربة لصالح مشروعه الاستعماري في المغرب. كما أن الإقامة العامة الفرنسية لم تنجز تغييرات إيجابية ملموسة في الوضع القانوني لليهود، بل على العكس قامت بتشديد رقابتها وتدخلها في حياة الطائفة اليهودية المغربية وحدت من استقلاليتها التي كانت تتمتع بها قبل الاستعمار.ونظرا لمعارضة الإقامة العامة الفرنسية للنشاط الصهيوني بالمغرب، فقد تكفل فرع المنظمة الصهيونية بلندن بالعمل على إعادة تنظيم العمل الصهيوني بالمغرب. لكن مع صدور وعد بلفور سنة 1917 وقرارات مؤتمر سان ريمو سنة 1920 أوجد مناخا محفزا عند اليهود المغاربة المهتمين بالنشاط الصهيوني.
إلا أن الانعطاف الكبير في النشاط الصهيوني بالمغرب حصل مع استقالة المقيم العام الجنرال اليوطي في سبتمبر 1925 ومجيء مقيم عام جديد ثيودور سنيغ الذي كان لا يشاطر مواقف المقيم السابق تجاه الحركة الصهيونية. تزامن ذلك مع قدوم تاجر بولوني اسمه "تيودور تورز" كممثل عن المنظمة الصهيونية العالمية للإشراف على تنظيم العمل بشكل مركزي في 1924، وأثمرت جهوده في 1926 بإصدار جريدة صهيونية محلية سميت(بـL` avenir Illustré المستقبل المصور ( يوم 22 يوليو 1926 والتي شكلت الذراع الإعلامي للنشاط الصهيوني المغربي. كما أعلن رسميا في مايو 1926 عن ترأس يهود مغاربة للجنة التنفيذية لفرع للمنظمة الصهيونية بفرنسا.– فرع المغرب. تم تواصل النشاط الصهيوني بالمغرب حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية حيث:
1- أصبح اليهود المغاربة يتابعون مباشرة أشغال المؤتمرات الصهيونية العالمية منذ 1921 إذ أرسلوا مندوبا إلى المؤتمر الثاني عشر.
2- رغم وجود حالات هجرة ليهود مغاربة قليلة فإن أولويات النشاط الصهيوني في المغرب كانت تحرص على تأجيل موضوع الهجرة إلى فلسطين وإعطاء الأولوية لهجرة يهود أوروبا . وضرورة التركيز في المغرب على قضايا الدعاية والإعلام وتعليم العبرية والتاريخ اليهودي من وجهة نظر الايديولوجيا الصهيونية وجمع التبرعات وتوسيع عملية تأسيس الخلايا في جميع المناطق التي توجد بها تجمعات لليهود المغاربة.
3- انعقاد مؤتمرات صهيونية في المغرب واقليمية سنوات (1936 و1937 و1938)واتخاذ قرارات تتماشى وتوجيهات المؤتمر الصهيوني العالمي.
4- قامت الدعاية الصهيونية بتركيز جهودها وسط الشباب المتعلم في المدارس الاسرائيلية التي أصبحت منتشرة في المغرب (حسب إحصاء 1960 بلغت 77 مدرسة يدرس فيها قرابة 30 ألف تلميذ فضلا عن 14 مدرسة متنقلة يدرس فيها 1394 تلميذا). كما تم رفع عدد الساعات المخصصة لتدريس العبرية والتربية الدينية في مدارسها. هؤلاء الشباب المتعلم من اليهود المغاربة هم الذين سيشكلون شبكات منظمة فيما بعد بقيادة الموساد لتنظيم عملية التهجير لليهود المغاربة لفلسطين العربية .
نستنتج في هذه المرحلة الاولى من النشاط الصهيوني وسط اليهود المغاربة بأنه كان في الغالب يتم بشكل علني لعدم وجود اية عراقيل تذكر داخل المغرب. فالمقاومة الشعبية المغربية للمستعمر الفرنسي والاسباني كانت في البداية طابعها العام مسلحا وتركزت في البوادي. أما المدن مهد الحركة الوطنية السياسية الحديثة فلم تنطلق إلا في أواخر الثلاثين من القرن الماضي ولم تعطي أهمية تذكر للنشاط الصهيوني في المغرب ولم تستوعب أهدافه.
في المرحلة الثانية وتمتد من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1963: بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر إرهاصات الاستعداد لإنشاء الدولة الصهيونية وأخذت قوة الحركة الصهيونية داخل اليهود المغاربة تقوى بحيث تمكنوا من "احتكار تمثيلية يهود المغرب في المؤتمر اليهودي العالمي بأتلانتك ستي في أميركا نوفمبر 1944.ومما ساعدهم على احتكار تمثيلية المغرب هو تحكمهم في عملية توزيع الإعانات الخارجية الموجهة لسكان الملاحات. وظهر آنذاك الدور الأميركي في دعم الصهيونية المغربية.
أدت هذه العوامل إلى ارتفاع وتيرة النشاط الصهيوني بالمغرب حيث تمت إعادة هيكلته من الناحية التنظيمية، ونظم مؤتمر لذلك بالدار البيضاء في يونيو 1946 حضره 50 وفدا من مجموع فروع المغرب، ونشطت الخلايا كما فتحت المنظمات الصهيونية العالمية فروعا لها بالمغرب، و أصبح الهدف الرئيسي هو عملية التهجير.
عند صدور قرار التقسيم وإعلان "دولة إسرائيل" في 1948 واندلاع حرب الجيوش العربية الاولى ضد الكيان الصهيوني الجديد، كان له صدى مباشر وعملي في المغرب، حيث تمثل في رد فعل المسلمين تجاه الأحداث في الإكثار من إقامة الصلوات في المساجد من أجل خلاص فلسطين العربية وانتصار الإسلام، وجمع التبرعات لفائدة المجاهدين، وتشجيع ذهاب المتطوعين "للتضحية في ساحة الشرف" والزيادة في حدة مقاطعة التجار اليهود.
أما اليهود فضاعفوا أيضا من صلواتهم وجمعهم للتبرعات، ومن المحاضرات حول الصهيونية، فتسارعت بذلك وتيرة ترحيل مجموعات كاملة منهم باتجاه فلسطين. حيث تم تهجير في هذا العام لوحده حوالي 77 ألفا، وأشرفت الوكالة اليهودية بالمغرب على تنظيم ذلك بفعالية منذ 1949، حيث أقيمت مراكز للهجرة والتي كان أهمها مركز "القادما" جنوب الدار البيضاء..
كانت محصلة هذا التمدد التنظيمي ارتفاع عدد منخرطي الحركة الصهيونية المغربية حتى عام 1956 لحوالي 23 ألفا أي 12% من مجموع اليهود من أصل مغربي، وهو رقم قياسي عالمي. وأصبح جهاز الموساد الاسرائيلي هو المشرف والمخطط لتنفيذ البرنامج المرتكز على هدف أولوية الهجرة وتأمينها بعد أن أصبحت تتم في السرية. هذا الاشراف الامني لجهاز الموساد الاسرائيلي كان يتم و يتوسع بالتنسيق والتعاون مع أجهزة الامن الفرنسي في المغرب تم من بعد مع أجهزة الامن المغربي التي ورثت تركته . وبعد حادثة الباخرة "ياخين" سنة 1963 أصبح تهجير اليهود المغاربة يتم بشكل رسمي بواسطة جوازات سفر جماعية تصدرها الادارة المغربية المعنية.
حسب إحصاءات الوكالة اليهودية فقد بلغ عدد المهاجرين المغاربة إلى فلسطين بين عامي 1948 و1963 ما يناهز 210347، يضاف إليهم اليهود الذين هاجروا باتجاه كل من فرنسا والولايات المتحدة وكندا والذين يقدر عددهم بحوالي 30 ألفا.
نستنتج من النشاط الصهيوني بالمغرب في المرحلة الثانية التي تركزت على عمليات التهجير لليهود من أصل مغربي
1- تعرض اليهود من أصل مغربي للاجتثاث شبه كلي من بيئتهم الاجتماعية في المدن و البوادي والمداشر، والى انكسار في ثقافتهم وعقيدتهم مما جعل "اليهودية المغربية كدين وثقافة" تنقرض تدريجيا وكليا من المغرب اما الشباب المهاجر و الاجيال اللاحقة فقد تم ادماجهم في المشروع الصهيوني بالكامل داخل الكيان الغاصب لمواصلة خدمة أهدافه ، .
2- ظهور معارضة للنشاط الصهيوني بالمغرب في صفوف الحركة الوطنية خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. أما اليهودية المغربية فلم تشهد معارضة للصهيونية مبكرة تذكر، ولم تظهر إلا بعد الاستقلال السياسي، واتسمت بالمحدودية العددية مع غياب زعماء اليهود والحاخامات عنها مما جعل تأثيرها شبه منعدم في صفوف اليهود المغاربة.
3- السؤال الاشكالي الذي طرحه الكاتب المغربي التقدمي إدمون عمران المليح حول تفسير ما سماه "الغموض الذي لا يزال قائما أمام هذه الحركة التهجيرية التي تستعصي أكثر أجزائها على كل تأويل عقلاني، خاصة أنه لم يكن هناك أي خطر حقيقي عاجل أو آجل يهدد وجود اليهود المغاربة، حتى في أشد الظروف حلكة عندما أعلن عن تأسيس دولة إسرائيل. لماذا، إذن، تلك الهجرة الواسعة، ولو أنها امتدت على عدة سنوات؟ لماذا هذه المأساة الصامتة، السرية، تحت تأثير رقابة ملتحمة بالأيدولوجية الصهيونية؟؟".
للجواب على هذا الاشكال حسب رأيي، قد يسعفنا في البحث علم النفس الاجتماعي الذي وضع أسسه سيغموند فرويد . فرويد الذي عاصر صعود الافكار النازية والفاشية والعنصرية والصهيونية في أوربا الغربية والشرقية وتأثيرها القوي على حركة الجماهير الصاعدة بعد الحرب العالمية الاولى، مكنته من الاهتمام بها و طرح بعض التساؤلات على سيكيولوجية الجماهير. انطلاقا من مفاهيم علم النفس الذي وضع أسسه. وقد قادته هذه الابحاث في أخر حياته إلى تأليف كتبه نذكر أهمها كتاب " علم النفس الجماعي وتحليل الانا " و كتاب " توعك في الحضارة " و وكتاب "موسى وديانة التوحيد". حيث يوضح مدي الاهمية والضخامة التي يمكن أن تتخذها الاوهام والعقائد اللاعقلانية على اللاوعي عند المجموعات ومنها الدينية، في ظروف تاريخية خاصة تتميز بالأزمات الكبري؛ وذلك بواسطة الدعاية والتحريض المنظمين. وليس من الغريب أن الأوساط الصهيونية لا زالت إلى اليوم تحقد علي سيغموند فرويد وتنعته بمعاداة السامية.
4- في عام 2015 قدر المؤتمر اليهودي العالمي أعداد اليهود المتبقين ل في الدار البيضاء بحوالي 1000 شخص، الصويرة 300 ، تليها مراكش حوالي 250 شخص، ومكناس حوالي 250 شخص، وطنجة حوالي 150 شخص، وفاس حوالي 150 شخص، وتطوان حوالي 100 شخص.
5- يجب أن لا ننسى أن الكيان الصهيوني قد واكبه في جميع مراحل تطوره، احتضان ودعم مباشر على جميع المستويات من طرف الامبريالية الانجليزية تم الفرنسية والالمانية. ومن بعد تولت الولايات المتحدة قيادة هذا الدور ولا زالت
هكذا خطط الكيان الصهيوني لجريمته وقام بتنفيذها وحقق كامل اهدافه وكان له ما اراد. اي الاجتثاث والتهجير القسري لليهود المغاربة من ارضهم. باعتبارهم كانوا مغاربة أمازيغ وليسوا وافدين كما تزعم الدعاية الصهيونية؛ اعتنقوا و عاشوا ومارسوا عقيدتهم اليهودية المميزة حسب تشريعاتهم ومؤسساتهم ومعارفهم الدينية، وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة والمشتركة مع عموم المغاربة وفق التحولات التاريخية التي مر بها المغرب. وهي تعد جريمة انسانية مكتملة الاركان لا يمكن ان تسقط بالتقادم. تفاصيلها هي الان اصبحت متاحة بعد ان اصبح جزء كبير من الارشيف الفرنسي الاستعماري بالمغرب في متناول الباحثين وايضا الوثائق التي رفع عنها السرية الكيان الغاصب وكذا وثائق المؤتمر اليهودي العالمي فضلا عن الابحاث والكتب المتوفرة
انها جريمة اولى في حق الشعب المغربي تمت من وراء ظهره ، وفي تغييب تام لإرادته. وجريمة تانية في حق الشعب الفلسطيني الذي تم اقتلاعه من ارضه، واغتصاب حقوقه الكاملة و استعمار ارضه من طرف مستوطنين قادمين من جميع بقع العالم. و طبعا من المغرب خدمة لمشروع استعماري استيطاني قام على اسطورة "احلال شعب بلا ارض فوق ارض بلا شعب"
القسم الثاني: الكيان الصهيوني وسياسة التطبيع الشامل في المغرب
وسائل العمل في التطبيع
ان وسائل العمل الذي يعتمدها الكيان الصهيوني في تنفيذ سياسة التطبيع الشامل في المغرب بمعنى التطبيع الرسمي مع السلطات المغربية والتطبيع الشعبي هي وسائل "العمل غير المباشرة".
في حدود معرفتي اول من استعمل هذا المفهوم في العالم العربي هو الكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في العديد من كتبه التي تناولت مباشرة "الصراع العربي الصهيوني". وسأشرح القصد من و"سائل العمل الغير مباشر".
في كتابه "اوراق السويس" الذي يتناول تفاصيل العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، وذلك بعد مرور 20 ستة على العدوان، بالاعتماد على وثائق اصبحت متاحة في الولايات المتحدة؛ يتحدث هيكل عن التحول الذي عرفه الحكم في الولايات المتحدة، او كيف اصبحت تحكم شؤون الامبراطورية في الخارج لتوطيد هيمنتها على شعوب العالم والتحكم في مصائرها. ويقول أنشئ مجلس الأمن القومي الأميركي بموجب قانون الأمن القومي رقم 80- 453 عام 1947، وأدخلت عليه تعديلات عام 1949، ثم ألحق بالمكتب التنفيذي للرئيس الأميركي كجزء من خطة إعادة الهيكلة. وقد نص على انشاء مجلس الامن القومي تابع لرئيس الجمهورية. مهمته " ان يعمل بكل الوسائل، وبواسطة وكالة المخابرات الامريكية وغيرها من اجهزة الامن القومي التي يقتضي الامر إنشاؤها على تحقيق الاهداف السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الامريكية على مستوى العالم". هذا القانون ادى إلى ان رئيس الجمهورية أصبحت له حكومتان. حكومة ظاهرة مسؤولة أمامه يحاسبها مجلس الكونغرس، وحكومة خفية مسؤولة امامه ولا يحاسبها احد. هذا القانون هو الذي ابتدع لأول مرة منصب مستشار الرئيس للأمن القومي الذي تمتل فيه كل اجهزة العمل الغير مباشر، او "لجنة الاربعين" التي توسعت واصبحت تضم ممثلي المركب المالي والصناعي العسكري .
بداية الاعمال القدرة التي دشنت بها عملها "أجهزة العمل غير المباشر" الامريكية، هي تنظيم الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المعادية، و من اشهرها: حكومة مصدق الوطنية في ايران سنة 1953، الحكومة التقدمية "لجكوبو أربينز" في غواتيمالا سنة 1954، الانقلاب على حكومة باتريس لومبومبا واغتياله سنة 1961، الانقلاب على حكومة سوكارنو سنة 1965 وتنظيم عمليّات القتل الجماعي والتطهير الشيوعي الإندونيسي، حيث تم قتل 500 ألف إلى مليون شخص، وبعض التقديرات وصلت إلى 2-3 مليون شخص وإلغاء الحزب الشيوعي الإندونيسي تماما كقوة سياسيّة، وبدء فترة ديكتاتورية رئاسة سوهارتو التي دامت ثلاثة عقود، الانقلاب على حكومة اليندي واغتياله في التشيلي سنة 1973. كذلك تنظيم الاغتيالات لعدد من قادة وزعماء حركة التحرر الوطني في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية؛ وغيرها كثير من مثل هذه الاعمال القدرة . وصارت هذه "الحكومة الخفية" تسمى بالدولة العميقة أو غيرها، لها وسائل التسليح والتمويل الخاصة خارج اية رقابة. وتلعب أدوارا مهمة في فترة اللاحرب عبر الحرب النفسية والدعاية والاعلام وصناعة الراي العام إلى الثورات الملونة او الحروب الهجينة. وفي فترة الحروب الكبيرة مثل العدوان على فيتنام وكمبوديا واللاووس والعراق ويوغسلافيا، افغانستان، وليبيا وسوريا...الخ.؛ فإن عمل هذه الاجهزة يتوازى مع اساليب الحروب المعروفة، وتركز على الاعمال القدرة التي تنفذ دون ان تترك اثرا.
لم تكن هذه الوسائل بدعة أمريكية أو منتوجها الخالص، فقد سبقتها بريطانيا الاستعمارية؛ حيث السلطة الحقيقية المتعلقة بالأمور الحساسة هي من اختصاص المخابرات M 16 ، وهيئة اركان الحرب الامبراطورية ووزارة الدفاع. وهي هيئات اكثر دواما واتصالا بالواقع من عمل الوزراء أو الحكومات أو المجالس النيابية المتعاقبة والمتغيرة.
أما الكيان الصهيوني باعتباره كيان قائم على الإحتراب ( إسبرطة الجديدة )، فإن راس الهرم فيه هو رئيس الوزراء على راس قيادة جماعية هي بمثابة قيادة اركان حرب دائمة الانعقاد . تحتل مؤسسة الجيش، والمؤسسات الأمنية في عملية صناعة القرار السياسي أمرا حاسما. أما العقيدة العسكرية فترتكز على الهواجس الأمنية من أجل “إسرائيل الملاذ الآمن لليهود” في مواجهة ”التهديدات الوجودية” وهي: صغر حجم السكان ،صغر المساحة الجغرافية، العداء الدائم مع المحيط الذي يشكل الامتداد التاريخي والجغرافي لفلسطين المحتلة . لذلك فصناعة القرار تحتاج إلى سياسيين محترفين، غالبيتهم يأتي من المؤسسة العسكرية والامنية. تبدو الحكومات المتعاقبة منذ 1948 كحكومة واحدة، لا تتأثر بتغيير الاشخاص؛ ويقتضي عملهم تامين الحصول على دعم الحلفاء والأصدقاء وعلى راسهم الولايات المتحدة الأمريكية من اجل:
• ضمان زيادة قوتها وتفوقها العسكري من اجل الهيمنة والتوسع،
• الدعم السياسي والاعلامي من اجل التغطية على جرائم الاحتلال والاستيطان والترانسفير والحصار والقتل بالنسبة للشعب الفلسطيني. والعدوان على الشعوب المجاورة
• توقيع معاهدات "سلام" مع انظمة الجوار والتطبيع مع مجتمعاتها،
وكان لا بد ان تنتقل خبرات "أجهزة العمل غير المباشر" المذكورة إلى دولة الكيان الصهيوني الصاعدة. وصار التعاون والتنسيق بينهم مع غيرهم من الحلفاء والاتباع جميعا يشكل القاعدة الثابتة.
سياسة التطبيع مع الحكم المغربي
ليس من الوارد عندي في هذا المقال عرض لسياسة التطبيع مع الحكم المغربي، فالدراسات والمصادر كثيرة ومتنوعة ومتاحة للباحث المهتم ( أشيد هنا بالعمل النضالي الذي تقوم به منظمة BDS لمقاطعة الكيان الصهيوني) ، ولا ازعم الكشف عن اشياء جديدة في الموضوع. فالأمر بات مثل علم فوق جبل كما يقال. ولكن سأركز على رهانات الكيان الصهيوني من سياسة التطبيع في هذه البقعة الجغرافية. و ما هي دوافعه الامنية والسياسية والاقتصادية والجيوسياسية.
1- المستوى السياسي والامني
عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني وليا للعهد، قال: "(...) لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل وأن أقبل عضويتها بالجامعة العربية (...) لأنها، على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها" (كتاب "ذاكرة ملك"، ص 245 الطبعة الفرنسية)
في مارس 2015، بعد 60 عام من عقد القمة العربية الثالثة عام 1965 بمدينة الدار البيضاء، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر التفاصيل الكاملة عن العلاقات السرية بين الموساد والمغرب، التي بدأت في أوائل الستينيات من القرن العشرين، على خلفية طلب المغرب من إسرائيل تقديم المساعدة للمغاربة في تصفية المعارض المغربي التقدمي المهدي بن بركة.
عن جريدة القدس العربي بتاريخ 02 مارس 2020 يقول المناضل الحقوقي اليهودي المغربي، سيون أسيدون الناشط في منظمة BDS لمقاطعة الكيان الصهيوني ، إن العلاقات المغربية الإسرائيلية موجودة منذ عقود ويوجد تطبيع ثنائي في جل القطاعات. وأكد أسيدون خلال مشاركته في البرنامج الحواري “في رواية أخرى” على قناة التلفزيون العربي على وجود تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والمغرب، ضاربا عدة أمثلة لذلك، من أبرزها التطبيع المخابراتي عندما سمح المغرب للمخابرات الإسرائيلية بالتجسس على القمة العربية التي نُظمت في مدينة الدار البيضاء في عام 1965.
وقال أسيدون إن المخابرات الإسرائيلية كانت حاضرة في الطابق الخامس الذي يقع فوق الطابق الرابع الذي كان مسرحا للقمة العربية آنذاك، واستمعت لكل ما كان يدور في الطابق السفلي، وكان ذلك بمشاركة من السلطات المغربية، التي كانت تهدف بالمقابل إلى اختطاف المهدي بن بركة. وقد أشار أسيدون إلى أن هذا هو التطبيع الأول بين المغرب وإسرائيل.
وأضاف أن المثال الثاني لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل يتجلى في التطبيع العسكري، حيث اقتنى المغرب أسلحة وتجهيزات عسكرية من إسرائيل، مشيرا إلى أن آخر تعامل في هذا الجانب هو اقتناء المغرب لثلاث طائرات بدون طيار من صنع إسرائيلي في الأسابيع الماضية.
وأكد أن التطبيع المغربي الإسرائيلي لا يقف عند التطبيع المخابراتي والعسكري، بل يمتد إلى قطاعات أخرى، من بينها الفلاحة والزراعة، حيث أشار إلى أن المغرب يعتمد على تجهيزات وبذور زراعية يتم جلبها من إسرائيل ويتم استعمالها في المغرب.
يمكن القول ان المغرب الرسمي ظلت تربطه علاقات امنية وسياسية مع الكيان الصهيوني، ولم تنقطع يوما حتى في أوج "الصراع العربي – الإسرائيلي" وغليان الشارع المغربي بهذا الخصوص. علما أن الموقف الرسمي المغربي المعلن عنه، قد تأسس منذ البداية على الانطلاق من دعم القضية الفلسطينية والتضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني...الخ. ويبرر المسؤولون المغاربة هذا الامر بسياسة الاعتدال والواقعية في التعامل مع "إسرائيل" كأمر واقع. وقد ظل الحكم المغربي يقدم نفسه كوسيط كوسيط في "الصراع العربي_ الإسرائيلي"، على مدى سنوات هذا الصراع. وقد لعب المغرب أدوارا جوهرية غير معلنة كوسيط (يمكن الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، إسحاق رابين، توجه مباشرة عقب توقيعه على اتفاق "غزة – أريحا" إلى الرباط لتقديم الشكر والامتنان للملك الراحل).
2- المستوى الاقتصادي والتجاري
جل الدراسات الإسرائيلية تؤكد أن أسواق المغرب ،الجزائر، تونس، ليبيا؛ تستهلك من المنتوجات الصناعية والزراعية ما يفوق 30 مليار دولار (300 مليار درهم) سنويا، وجل هذه المنتوجات تصل إليها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والبرتغال. والكيان بإمكانه تزويد مختلف الدول المغاربية بنفس البضائع وبكلفة أقل في حالة تكريس التطبيع معها. وتخلص جل الدراسات الإسرائيلية إلى أن الاستهلاك في هذه الدول في توسع مستمر، وسيظل كذلك، باعتبار أن الاقتصاديات المغاربية، في عمومها وجوهرها، ستبقى اقتصاديات استهلاكية على المدى المتوسط والبعيد أيضا، أي اقتصاديات متخلفة وتبعية ( التشديد من عندي).
حاليا هناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا ومستمرة التطور في جملة من القطاعات الاقتصادية وبالخصوص في المجال الزراعي والسياحي منذ سبعينيات القرن الماضي وشكلت اختراقا فيهما ( إحدى الدراسات أقرت بأن 85 بالمائة من الفلاحين المغاربة يستعملون البذور الإسرائيلية وتقنيات الري، إذ أضحى مثلا من الصعب بمكان التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي).
بالرغم من عدم وجود علاقات تجارية رسمية بين بلادنا والكيان الصهيوني، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية في تصاعد، بالاعتماد على "وسائل العمل غير المباشرة". كما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساهما في تمويل جزء كبير من اقتناء المنتوجات الإسرائيلية الزراعية بواسطة قروض منحت للمغرب، سيؤديها المواطن المغربي ضمن فواتير المديونية. كما أن من بين المساعدات الممنوحة للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي؛ يرصد جزء مهم منها لاقتناء تجهيزات الري الإسرائيلية والتقنيات والآليات والأدوات والمعدات المرتبطة بها.
و لا يفوت الكيان الصهيوني أي فرصة للاستثمار ببلادنا في القطاعات التي تحظى لديه بالأولوية. ولا يخفى على أحد أن هذه المصالح تساهم بشكل أو بآخر، في تمويل آلته الحربية.
هل أحتاج إلى التذكير هنا ان حكومة التناوب في عهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي الوزير الاول، تم الحكومات المتعاقبة تحت مختلف التسميات. لم تستطع توقيف استقبال المنتوجات والبضائع الإسرائيلية بالمغرب. بالرغم من الاحتجاجات الشعبية.و النداءات التي تم توجيهها من طرف جملة من الفعاليات الديمقراطية المغربية.
سياسة التطبيع "الشعبي"
يدرك الكيان الصهيوني من تجاربه مع الانظمة العربية التي تربطه معها اتفاقيات تنائيه ، أن هذه العلاقة محفوفة بالمخاطر. وأن التقدم في تحقيق انجازات ملموسة وثابتة في تعبيد طرق التطبيع لن يكون سالكا إلا بشرط أن يهشم الوعي الجمعي للشعوب العربية والمغاربية الذي يعتبر قضية فلسطين قضية مقدسة، وبناء ان جاز التعبير وعيا شعبيا متصالحا مع وجود الكيان العنصري بالمنطقة.
و يلعب الكثير من الاعلام الموجه الغربي والعربي في إطار "صناعة الرأي" الدور الرئيسي في التطبيع مع الوعي الشعبي، معتمدا على الخلط المتعمد بين "الصهيونية" كايديولوجية عنصرية للدولة والمجتمع الاسرائيلي، وبين الديانة اليهودية.
وبعد التشطيب على القرار الاممي رقم 3379 في سنة 1991 بدعم وتهديد من امريكا كقوة عظمى وحيدة، الذي اعتبر "الصهيونية شكل من اشكال العنصرية" ، تحت وعود زائفة بان "اسرائيل" سوف تلتزم بمسلسل السلام مع الفلسطينيين؛ فإن الكفة قد مالت لصالح الاعلام الموجه الغربي والعربي الذي يخدم البروباغندا الصهيونية. وانتقلت جوقة النخب المتصهينة من الدفاع إلى الهجوم. واصبح العداء "لاسرائيل" ينعت بالعداء للسامية ويواجه بالحقد والعقاب والتشويه. هكذا اصبح نضال الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقوقه فوق ارضه المحتلة، يحكم عليه "بمعاداة السامية" . أما جرائم الكيان الصهيوني/ النازية الجديدة، فتعتبر دفاعا عن النفس والسلام...الخ. وصار اليهود المعادين للصهيونية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، امثال: ناعوم تشومسكي و نورمان فرانكلستاين و شلومو صاند معادين أيضا للسامية. وتوسعت هذه الحملة الدعائية لتشمل الناشطين و الاطارات التي تنظم حملات المطالبة بمقاطعة دولة الكيان الصهيوني الاقتصادية والتجارية والتفافية والعلمية مثل منظمة BDS . واصبح في الاعلام العربي والمغاربي الموجه، الدعوة للتطبيع تعد وجهة نظر.
هذا هو المناخ العام الذي اصبحت تتحرك فيه سياسة الكيان الصهيوني للتطبيع عبر "وسائل العمل غير المباشر"، مستهدفة إحداث اختراقات في الوعي الشعبي المغربي بمكوناته الثقافية والاثنية. وإن الرهان على بعض اليهود الصهاينة من أصل مغربي سواء داخل الارض المحتلة أو خارجها، المقيمين في المغرب بصفة دائمة أو في الخارج ؛ يعد بمثابة قنطرة العبور للتطبيع وأداة من أدوات العمل غير المباشر. وفي هذا الصدد نرصد:
• الترويج بواسطة الاعلام، وبوسائل التواصل الجديدة وغيرها، لمنتوج سياحي اصبح يسمى "إحياء المشترك الثقافي اليهودي- الامازيغي المغربي" من اجل التسامح والسلام... وغيرها من الشعارات المزيفة. وهي وسيلة تمكن من تنظيم و إقامة مهرجانات ومواسم دينية وحفلات وغيرها في العديد من المدن المغربية، تمكن من تنشيط السياحة مع الكيان الصهيوني ومجيء صهاينة من اصل مغربي ادوا الخدمة العسكرية، أي مارسوا القتل والتعذيب بحق الشعب الفلسطيني، ويمكن ان ينالوا الجنسية المغربية إذا طالبوا بها وفق قانون الجنسية المغربي.
ولا بد من التأكيد ان هذا المشترك الثقافي اليهودي- الامازيغي المغربي" ، الذي كان حقا غنيا في حقب تاريخية، قد تم نسفه تماما بواسطة مسلسل التهجير القسري لليهود المغاربة في فترة الاستعمار الفرنسي وبداية الاستقلال السياسي. ولا يمكن استعادته والبناء عليه، لان من غادروا من اليهود المغاربة إلى فلسطين قد أصبحوا بعد عدة أجيال متصهينين عنصريين يشكلون جزءا من الالة الحربية في مشروع الكيان الصهيوني و مخططاته .
• استهداف المنظومة التعليمية والتربوية المغربية للمقررات التي تتناول قضية الشعب الفلسطيني. في البداية من خلال مراكز التعليم الاجنبية المتناسلة في بلدنا كالفطر. وهي مقررات تحاكي ما يدرس في البلدان الغربية لتلاميذ جلهم مغاربة يتم إعدادهم كنخب ستحتل مراكز لصنع القرار السياسي والاقتصادي. تم في القطاع التعليمي الخاص والعمومي في جميع اسلاكه؛ عبر مقررات تربوية جرى تطويعها حتى تلائم المرحلة المتميزة "بالسلام الامريكي" PAX AMERICA . وتتم الدعوة حاليا لاقحام "الهولوكست" في المقرر التعليمي، في حين ان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة تتعرض لحرب إبادة امام اعيننا من طرف امريكا وحليفتها اسرائيل وأنظمة عربية حليفة.
• لقد تنامى بالضرورة وسط هذا "المناخ التطبيعي" مع الكيان الصهيوني بعض " المثقفين والاكاديميين المغاربة" الذين يطلون بين الفينة والاخرى، برؤى وتصورات تدعي تارة الحداثة والتعدد والانسانوية وغيرها؛ لتبرير سلوكهم التطبيعي، وعقد لقاءات او المشاركة في منتديات أكاديمية جامعية من داخل الكيان الصهيوني. ونحن نعلم ان جل هذه الجامعات ومعاهد الابحاث والمنتديات والقائمين عليها، تشكل جزءا من المنظومة المسخرة للقتل والقمع والعنصرية الممارسة على الشعب الفلسطيني. ويجري في العديد من الاوساط الاكاديمية والعلمية الغربية حاليا التنادي لمقاطعاتها من منطلق أخلاقي وانساني حقا.
سأكتفي بهذا الرصد لأشكال وادوات الاستهداف الصهيوني للوعي الشعبي الذي يظل في وجدانه مناصرا لقضية الشعب الفلسطيني. فهناك عمل ومجهود قائم لا بد أن يتوسع ويتعمق من أجل الرصد لمواجهة سياسة التطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني وكشف أحابله.
انهي حديثي بالتركيز من خلال السؤال الذي طرحته كعنوان : لماذا الشعب المغربي يعتبر فلسطين المحتلة قضية وطنية؟ و هذا المقال اعتبره محاولة للإجابة بكثير من التركيز علي السؤال المذكور من خلال :
1- الجريمة التاريخية المزدوجة في حق الشعب المغربي أولا، والشعب الفلسطيني تانيا، التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم لا نها من الجرائم الانسانية، ونتائجها لا زالت مستمرة.
2- اعتبار الكيان الصهيوني والادوار التي قام ويقوم بها في المغرب من خلال "أشكال العمل الغير المباشر" عدوا مباشرا للشعب المغربي. الامر الذي يطرح على قوى التغيير في المغرب مهام جسيمة في مواجهة الزحف الصهيوني من أجل التطبيع الشامل. وإلى التعبئة والكشف عن الاحابيل الملتوية التي يتقنها الكيان الغاصب. و لان سياسة التطبيع الشامل وما ينتج عنها تجعل من الكيان الصهيوني طرفا معاديا لقضايا الشعب المغربي في التحرر الوطني من التبعية والتغيير الديمقراطي الشعبي، وضرب تطلعات الشعب المغربي في المساهمة في بناء إطار للتضامن والتعاون بين شعوب المغرب الكبير يدعم مصالحها في التنمية . وهذه عناوين لمصالح الجماهير الشعبية المغربية في الوجود والتقدم.
3- قضية الشعب الفلسطيني ودعم نضاله من أجل تحرير أرضه وإنجاز مشروعه لبناء فلسطين الديمقراطية ، ليس فقط كقضية انسانية واخلاقية؛ ولكن ايضا قضية مصير مشترك للشعوب العربية والمغاربية.
سعيد كنيش الصويرة في 19/08/2020