ألف ليلة و ليلة محمد عطية - ليالي نجيب محفوظ

إن كنت لم تقرأ ألف ليلة وليلة الأصلية فثق أنك ستجد عوضًا عنها هنا، وإن كنت قد قرأتها فثق أنك ستجد ملاذًا أرحب وآفاقًا أعلى وكلمات لم يكتب مثلها الكثير من قبل في هذه الرواية، تبدأ الرواية بعفو شهريار عن شهرزاد بعد مرور ثلاثة أعوام – ألف ليلة – ويبدأ نجيب محفوظ في سرد وقائع عالمه الفذ – يحاكي هنا الأسطورة نفسها ويغازلها أحيانًا ويقارنها ويكتب أحيانًا أفضل مما كتب كل المجهولون في ألف ليلة وليلة الأصلية من أبد الزمان.

شهريار وشهرزاد نَص القصة وعمادها الأساسي يتبعهما “عبد الله البلخي” الشيخ الفقيه الإمام الصوفي المعلم – هنا يلعب دور البرءاة والطهر والنقاء فكل الأبطال تعلموا على يديه وسيصبح منهم الفاسق والصالح والطالح والخبيث من داخله والقبيح من خارجه.

ثم يجذبنا محفوظ – ككل مرة – إلى مقهى تدور فيه الحكايات، مفردات قصص وروايات نجيب محفوظ تحتاج إلى لغة راقية لم يكتب بها إلا القليلين ومقهى وحارة وذهن صاف ليستمتع وصفاء بال كي يربط كم الأحداث هذا ببعض.

تبدأ الحكاية بحكاية صنعان الجمالي الذي يظهر له عفريت طيب اسمه “قمقام” وشخص آخر اسمه “جمصة البلطي” وهو كبير الشرطة يظهر له عفريت آخر اسمه “سانجام”. وتستمر الليالي التي يشارك فيها لأول مرة بفعالية شهريار بشحمه ولحمه دون الاكتفاء بقطع الروؤس على أريكته والانسجام مع القص من جانب واحد إلى أن يدركه الصباح دومًا دون انتهاء الحكايات.

وتتشابك الأحداث وتتفرع الشخصيات ويشرك نجيب محفوظ “دينا زاد” أخت شهرزاد في الأحداث في لعبة من ألعاب “زرمبيحة” أحد أبطال الرواية وزوجها وهو من الشياطين الأشرار ويصعد نجيب محفوظ بوتيرة الأحداث ويجعل الجميع عراة أمام “عبد الله المجنون” وكان من قبل هو “الحمال الحبشي” ومن قبل كان “جمصة البلطي” وتأتي قصة أنيس الجليس التي يقع في شركها الجميع بما فيهم شهريار نفسه.

وتستمر الأحداث ليصبح لديك عدة فرق داخل الرواية: المستمرون من البداية بما فيهم الملاك الطيب “سحلول” تاجر المزادات والجن الطيب والشيطان والبشر ونواياهم.

ويختتم الرواية بالبكائين ويرحل شهريار تاركًا البلاد ليحكم مملكة أجمل لكن فراغ العين يجعله يبكي في النهاية ويقابلة في النهاية “عبد الله العاقل” – كان من قبل عبد الله المجنون والحبشي وجمصة البلطي – ويدله على مكان راحته، خاتمًا الرواية المذهلة بالمقطع التالي: “من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقًا، ولم يؤيس أحدًا من الوصول إليه، وترك الخلق في مفاوز التحير يركضون، وفي بحار الظن يغرقون، فمن ظن أنه واصل فاصله، ومن ظن أنه فاصل تاه، فلا وصول ولا مهرب عنه، ولا بد منه”.

الرواية مليئة بالرمز كعادة محفوظ، ومليئة بالإسقاطات التي لا يستطيع أن يغزلها هكذا سوى نجيب محفوظ فعلا. كونك لم تقرأ ألف ليلة وليلة الأصلية، ستعتبر تلك الرواية مدخلًا هامًا جدًا يقدم لك كل العوالم الأخرى التي تضمها ألف ليلة وليلة الأسطورية في كتاب مرمز مبسط يحكي لك سر الأبواب ويقدمها لك في عجالة دون الولوج في الرموز، وكونك قرأت ألف ليلة وليلة الأصلية سيجعلك تعتبر تلك الرواية مكملًا هامًا وجزءًا أخيرًا من أجزاء ألف ليلة وليلة التي لا تنتهي إلا وتبدأ من جديد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى