رسائل الأدباء رسالة من جبرا ابراهيم الى ابنه الطالب سدير في مدرسة كلية بغداد

لا انكر عليك يا بني انني كلما تأملت ما في هذا العالم الفسيح من تناقضات وصعاب متزايدة، قلقت على مصيرك واخذت اتساءل عما ينتظرك في مستقبلك من جهد وصبر، من مقاومة وبراعة، ستحتاج اليها جميعاً لكي تعيش ايامك في شيء من الطمأنينة، كان آباؤنا فيما مضى لا يقلقون “أو هكذا كنا نراهم” يولد لهم الاطفال واحدا تلو الآخر، فيفرحون ويقولون: يأتي الطفل ويأتي رزقه معه، اما نحن، فقد عرفنا الصعاب وعرفنا العسر وعرفنا القلق وكلما منّ الله علينا بطفل فرحنا به، وجعلنا نتساءل ترى هل ستقسو عليه الايام والشدائد، كما عهدناها، وهل سيتمكن بالدرس، باعمال الفكر، بالتعاون مع الاخرين، من التغلب على كل ما يقسو عليه، أو ينال من همته؟
كلما نظرت اليك –تناوشتني افكار كهذه، ولكنني رغم هذه الشدائد والتناقضات جميعا اصر على التفاؤل انا لست ممن يزعمون ان آباءنا كانوا اسعد حالا منا، اني اعتقد ان لجيلك ان يكون اسعد حالا منا، بقدر ما استطعنا نحن تخطي حال آبائنا، بل واكثر، ولكن لابد من القول وانت في هذه السن –محاطاً بعنايتنا وتفانينا- انك ستجد ان في العالم شراً كثيراً يجب ان تقابله بحزن بالغ- وكذلك بقلب كبير قادر على الحب، الحب، مهما اظلمت سبل الحياة، هو السر الوحيد في القدرة على الصمود والتخطي، احب اهلك، احب امتك، احب وطنك: فهذا الثلاثي من الحب هو اول ما يجب ان يملأ قلبك وبغيره لن تجد قوة في مجابهة الدنيا، او هناءة تذكر في معاملتك مع الحياة.
عليك ان تقابل الظلام بفيض من نور، لا يكفي ان تقول ان الجحيم هو الاخرون: فالجحيم قد يكون فينا نحن ايضاً، وعلينا ان نتخلص منه ما استطعنا لتكون ازاءه كالاخرين حاملي وعد بالخير والخلاص.
لن تجد ذلك سهلاً، بالطبع، السهل هو ان يكون المرء سلبياً، مستسلماً، والنتيجة هي الخذلان والخيبة، فلا تبحث دائماً عما هو سهل: عليك دائماً بمجابهة الصعب باصرار، وأمل، ستجد ان التحديات في حياتك كثيرة، ولا بد ان تستجيب للتحديثات بصلابة وثقة، على ان تحافظ دائما على نقاوة جوهرك، على الايمان بنفسك، بأهلك، بأمتك، بوطنك، على الحب الذي تملأ به قلبك في مواجهة كل ما يتحداك.
والبقية، ان انت ادركت هذا، هي أن ترى ما في الحياة من جمال وروعة، الحياة هبة هائلة، فاجعلها نشوة لك، ولا تفسد جمالها وروعتها على الاخرين، ولسوف يفرحني ان تؤمن بامكانية السعادة لجيلك كله، بما تبديه من فكر “وتأتيه من عمل” وتساهم فيه من بناء، في ذلك وحده كرامة الانسان، وكرامتك أنت هي من كرامة أخيك، الحياة هبة هائلة، على الا تحسب انك تستطيع التمتع بها وكأنك جزيرة لوحدك، ليكن عالمك متصلاً بعضه ببعض، ولتكن الصلاة حلقات من الثقة والحب والايثار، تجد حينئذ ان الحياة تدر عليك ما ليس في حسبانك من الحسن، والبهجة، والفرح، ولعلك حينئذ تكون ايضاً مبدعاً لجديد رائع، تضيف به مأثرة اخرى الى مآثر قومك، وفي ذلك في نهاية المطاف، السعادة الحقة، والشرف الأكبر.
جبرا ابراهيم جبرا
والد الطالب سدير
احد طلاب الصف الرابع

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
رسائل الأدباء (ملف)
المشاهدات
603
آخر تحديث
أعلى