لو ان حدثاً مفاجئاً غير حياتنا، فهل يعتبر هذا الحدث صدفةً ام قدراً محتوماً ؟؟ هذا ما قد يخطر في بال القارئ بعد ان ينهي قصة الليالي البيضاء للكاتب الروسي الكبير فيدور دوستويفسكي،
تعد قصة الليالي البيضاء من بواكير اعمال الكاتب الروسي الكبير فيدور دوستويفسكي والتي كتبها في فترة شبابه، وتحديداً عام ١٨٤٨، ويروي فيها احداث اربع ليالي من حياة بطلها، الذي لم يذكر لنا الكاتب طوال احداث القصة الى اسمه او عمله.
يعيش في مدينة بطرسبرج، ولكن ليس في أي مكان فيها، وانما في ركن من أركانها الغريبة صنعه من وهمة وخياله، حيث الشمس هناك ليست كالتي تطلع لكل الناس، وانما تسطع شمس أخرى، ذات ضياء خاص خلق لهذه الزاوية التائهة وحدها دون غيرها،.
وبالرغم من الوحدة التي يعيشها بطلنا فانه مقبلاً على الحياة، وبالرغم من كونه وحيداً زاوياً ليس له صديق في المدينة التي يسكنها منذ ثماني سنوات، فأنه يتخيل ان كل الوجوه التي لا يعرفها كانوا أصدقاء له، بل ان واجهات البيوت وجدرانها كانوا يكلمونه ويضحكون له ويبتسمون، ويشاركوه افراحهم ويشكون له آلامهم !!! وان سألتني أيكون مثل هذا ؟ فسأجيبك بنعم، اذا كان لك من العمر ستة وعشرون عاماً وتملك عين دوستويفسكي التي يرى من خلالها الحياة، وهذا حال بطلنا ،،، البِلا اسم .
في احدى ليالي مدينة بطرسبرج الجميلة التي تعود بطلنا ان يتسكع في شوارعها غارقا في احلامه، تأخذه قدماه العابثة الى احد الجسور ليخطف سمعه بكاء مكتوم ونشيج لفتاة تقف على الجسر، فيأخذه الفضول والحماسة اتجاهها لدرجة تجعلها يتبعها الى حيث تدفعه الصدفة والشهامة ان يكون منقذها من احد المارة الذي حاول الاعتداء عليها، فيتعرف بمن ستقلب له حياته رأسا على عقب.
(ناستنكا) الفتاة الفاتنة ذات السبعة عشر عاماً، والتي رسمها دوستويفسكي مختلفتةً عن معظم بطلات رواياته الباقية، بروحها الوثابة وحبها للحياة، وبإشراقة وجهها مع نقاء روحها، انها أول فتاة يعرفها بطلنا فترتجف يده امامها لا خوفاً وانما فرحاً ونشوةً، فلم يسبق له ان كلم فتاة من قبل بالرغم من كونه عاش كل عمره عاشق متوله، وللقارئ الكريم ان يسأل بمن توله وكيف وهو لم يعرف فتاة من قبل ؟؟؟
ان بطلنا كما يخبرنا بنفسه لم يتوله بأحد بعينه، وانما توله بالمثل الأعلى الذي تخيله ورسمه في عقله، فكم من قصة غرام عاشها واكتوى بنارها في أحلامه وخياله، فتركه هذا الوله عطشاناً يود ان يرتوي ولو بكلمتين اثنين من اي فتاة، حتى وان كانت كلمات اخوية، أي فتاة تهتم بمصيره، تثق بكلامه ولا تستخف به، ففي نهاية المطاف لا بد لكل انسان ان يجد ولو مكاناً يذهب اليه كما يخبرنا بذلك دوستويفسكي نفسه.
وتصر (ناستنكا) على ان تسمع تاريخه، فيخبرها بطلنا انه لا تاريخ فقد عاش هكذا بكل بساطة ،،، وحيداً حالماً منزوياً في ركنه يعيش في زاوية أحلامه و يجتر منها سبباً للحياة كأنه احد السلاحف التي تحمل بيوتها على ظهرها، فما الذي يريد من الحياة الواقعية ؟؟ فنحن لا نحيا الا قليلاً جداً ، لا نحيا الا بطيئاً جداً، ونحن لا نحيا الا حياة رتيبة جداً ، ونندب حظنا كل يوم غير راضين عنه ،،، فياله هذا الواقع البائس، هذا ما يجعل بطلنا غارقا في أحلامه بعيدا عن العالم الواقعي ،،، ولكنه لم يكن ليعلم ان الحياة على هذا المنوال ضارة مؤذية.
وياتي دور ناستنكا فتحكي لبطلنا قصتها مع جدتها واشاب الذي استأجر غرفة يسكن فيها عندهم وما نشأ بينهما من حب وعاطفة، وان وقوفها على الجسر كان بانتظار ان يوفي بوعده ويعود بعد سنة الى نفس هذا المكان الذي تقف فيه الان، فيختم قصة حبهما العذرية بالزواج، وقد عاد منذ ثلاثة أيام، دون ان يسأل عنها، فهل نكث عهده؟ ام انشغل بغيرها عنها؟ بل انه لم يعمد حتى الى كتابة رسالة يخبرها بوصوله وانه لازال على عهده، فما اقسى ذلك !!
تلك القسوة فوق قدرتة ناستنكا على الاحتمال،، الم يجد الوقت حتى لسطر ! لكلمة تريحها من شكها وعذابها وانتظارها، اشارة واحدة تكفي حتى لو اخبرتها انه في غير حاجة لها ولوجودها،،
ان فيض مشاعر بطلنا وخوفه من ضياع مشاعره الوليدة (ناستنكا) تدفعه الى البوح بكل ما يختلج في نفسه من هوى وغرام، فيصرخ انك تحطمين قلبي، انك تقتليني، أصبحت لا اطيق ان اصمت ولا بد ان أقول لك اخيراً كل ما بتخفي هنا في قلبي ،،، رغم اني لم اعرفك الا منذ أربعة ليالي الا اني احبك.
ان ناستنكا بعدما ادركت ان الوعد الذي انتظرته عاماً كاملاً لم يعد له وجود، وبعدما سمعت اعترافات حب نابع من قلب صادق، قررت ان تهرب من نفسها ومن غرامها الذي سينقضي ، لا بل انه انتقضو منذ الان واستحال ذكرى، وعد لا قيمة له، ادركت انها تكره من احتقرها ونبذها وتحب من احبها حباً صادقاً ،،
ادركت انها تحب بطلنا الذي تسير معه وهي متأبطة ذراعه حانية عليه بكل حب وغرام وليد، لتخبره انه خير ممن ذرفت عليه دموع الانتظار، نعم خيراً منه ، وانبل منه ، فان من استكثر عليها كلمةً في رسالة لا يستحق ان تهب له حياتها.
انها لسعادة لا توصف وهم يبنون قصورا من احلام تبني جدار سعادتهما بكلمات العشق الوليد، وقد اتحد مصيرهما لأول مرة والى الابد ،، نعم ان حياتها الحقيقية بدأت الان، وهي لا قيمة لها بعيدا عنه بل انها لن تستمر بدونه ،،،
وفي لحظة من صمت وذهول تطلق ناستنكا صرخة مكتومة كانها صيحة بعث المقابر، وتجمد في مكانها، تتأمل شاب وقف امامها فجأة تعلوه ابتسامة، وبحركة واحدة تنتزع يدها بقوةً من بطلنا وترتمي على هذا الشاب تعانقه، فمزقت بذلك كل عهود حبها الذي لاتزال حرارته مطبوعة على شفتيها، واستبدلت كل تلك العهود والاحلام بقبلة سريعة تركتها على خد بطلنا وتركته وحيداً واخذت بيد الشاب الذي تحب وذهبت بعيداً.
ان من كانت امنياته كلمتين من فتاة حتى ولو كانت كلمات اخوية اصبح اليوم عاشق خاسر لا يملك غير الجراح التي تنكئها الذكريات، ولكنه يقرر ان يغلق على نفسه باب عزلته، وان يهجر من هجرته، ولا يحمل غيوماً قاتمة الى سعادتها المضيئة الساجية، ولن يجعد ازهارها الندية التي ستضيفها الى ضفائرها السوداء يوم تجيئ مع من تحب الى الهيكل للزواج، واختار ان يبقى وحيداً في غرفته الهرمة، التي تملئها انسجة العنكبوت، في عزلة يقضي بها كل حياته.
تعد قصة الليالي البيضاء من بواكير اعمال الكاتب الروسي الكبير فيدور دوستويفسكي والتي كتبها في فترة شبابه، وتحديداً عام ١٨٤٨، ويروي فيها احداث اربع ليالي من حياة بطلها، الذي لم يذكر لنا الكاتب طوال احداث القصة الى اسمه او عمله.
يعيش في مدينة بطرسبرج، ولكن ليس في أي مكان فيها، وانما في ركن من أركانها الغريبة صنعه من وهمة وخياله، حيث الشمس هناك ليست كالتي تطلع لكل الناس، وانما تسطع شمس أخرى، ذات ضياء خاص خلق لهذه الزاوية التائهة وحدها دون غيرها،.
وبالرغم من الوحدة التي يعيشها بطلنا فانه مقبلاً على الحياة، وبالرغم من كونه وحيداً زاوياً ليس له صديق في المدينة التي يسكنها منذ ثماني سنوات، فأنه يتخيل ان كل الوجوه التي لا يعرفها كانوا أصدقاء له، بل ان واجهات البيوت وجدرانها كانوا يكلمونه ويضحكون له ويبتسمون، ويشاركوه افراحهم ويشكون له آلامهم !!! وان سألتني أيكون مثل هذا ؟ فسأجيبك بنعم، اذا كان لك من العمر ستة وعشرون عاماً وتملك عين دوستويفسكي التي يرى من خلالها الحياة، وهذا حال بطلنا ،،، البِلا اسم .
في احدى ليالي مدينة بطرسبرج الجميلة التي تعود بطلنا ان يتسكع في شوارعها غارقا في احلامه، تأخذه قدماه العابثة الى احد الجسور ليخطف سمعه بكاء مكتوم ونشيج لفتاة تقف على الجسر، فيأخذه الفضول والحماسة اتجاهها لدرجة تجعلها يتبعها الى حيث تدفعه الصدفة والشهامة ان يكون منقذها من احد المارة الذي حاول الاعتداء عليها، فيتعرف بمن ستقلب له حياته رأسا على عقب.
(ناستنكا) الفتاة الفاتنة ذات السبعة عشر عاماً، والتي رسمها دوستويفسكي مختلفتةً عن معظم بطلات رواياته الباقية، بروحها الوثابة وحبها للحياة، وبإشراقة وجهها مع نقاء روحها، انها أول فتاة يعرفها بطلنا فترتجف يده امامها لا خوفاً وانما فرحاً ونشوةً، فلم يسبق له ان كلم فتاة من قبل بالرغم من كونه عاش كل عمره عاشق متوله، وللقارئ الكريم ان يسأل بمن توله وكيف وهو لم يعرف فتاة من قبل ؟؟؟
ان بطلنا كما يخبرنا بنفسه لم يتوله بأحد بعينه، وانما توله بالمثل الأعلى الذي تخيله ورسمه في عقله، فكم من قصة غرام عاشها واكتوى بنارها في أحلامه وخياله، فتركه هذا الوله عطشاناً يود ان يرتوي ولو بكلمتين اثنين من اي فتاة، حتى وان كانت كلمات اخوية، أي فتاة تهتم بمصيره، تثق بكلامه ولا تستخف به، ففي نهاية المطاف لا بد لكل انسان ان يجد ولو مكاناً يذهب اليه كما يخبرنا بذلك دوستويفسكي نفسه.
وتصر (ناستنكا) على ان تسمع تاريخه، فيخبرها بطلنا انه لا تاريخ فقد عاش هكذا بكل بساطة ،،، وحيداً حالماً منزوياً في ركنه يعيش في زاوية أحلامه و يجتر منها سبباً للحياة كأنه احد السلاحف التي تحمل بيوتها على ظهرها، فما الذي يريد من الحياة الواقعية ؟؟ فنحن لا نحيا الا قليلاً جداً ، لا نحيا الا بطيئاً جداً، ونحن لا نحيا الا حياة رتيبة جداً ، ونندب حظنا كل يوم غير راضين عنه ،،، فياله هذا الواقع البائس، هذا ما يجعل بطلنا غارقا في أحلامه بعيدا عن العالم الواقعي ،،، ولكنه لم يكن ليعلم ان الحياة على هذا المنوال ضارة مؤذية.
وياتي دور ناستنكا فتحكي لبطلنا قصتها مع جدتها واشاب الذي استأجر غرفة يسكن فيها عندهم وما نشأ بينهما من حب وعاطفة، وان وقوفها على الجسر كان بانتظار ان يوفي بوعده ويعود بعد سنة الى نفس هذا المكان الذي تقف فيه الان، فيختم قصة حبهما العذرية بالزواج، وقد عاد منذ ثلاثة أيام، دون ان يسأل عنها، فهل نكث عهده؟ ام انشغل بغيرها عنها؟ بل انه لم يعمد حتى الى كتابة رسالة يخبرها بوصوله وانه لازال على عهده، فما اقسى ذلك !!
تلك القسوة فوق قدرتة ناستنكا على الاحتمال،، الم يجد الوقت حتى لسطر ! لكلمة تريحها من شكها وعذابها وانتظارها، اشارة واحدة تكفي حتى لو اخبرتها انه في غير حاجة لها ولوجودها،،
ان فيض مشاعر بطلنا وخوفه من ضياع مشاعره الوليدة (ناستنكا) تدفعه الى البوح بكل ما يختلج في نفسه من هوى وغرام، فيصرخ انك تحطمين قلبي، انك تقتليني، أصبحت لا اطيق ان اصمت ولا بد ان أقول لك اخيراً كل ما بتخفي هنا في قلبي ،،، رغم اني لم اعرفك الا منذ أربعة ليالي الا اني احبك.
ان ناستنكا بعدما ادركت ان الوعد الذي انتظرته عاماً كاملاً لم يعد له وجود، وبعدما سمعت اعترافات حب نابع من قلب صادق، قررت ان تهرب من نفسها ومن غرامها الذي سينقضي ، لا بل انه انتقضو منذ الان واستحال ذكرى، وعد لا قيمة له، ادركت انها تكره من احتقرها ونبذها وتحب من احبها حباً صادقاً ،،
ادركت انها تحب بطلنا الذي تسير معه وهي متأبطة ذراعه حانية عليه بكل حب وغرام وليد، لتخبره انه خير ممن ذرفت عليه دموع الانتظار، نعم خيراً منه ، وانبل منه ، فان من استكثر عليها كلمةً في رسالة لا يستحق ان تهب له حياتها.
انها لسعادة لا توصف وهم يبنون قصورا من احلام تبني جدار سعادتهما بكلمات العشق الوليد، وقد اتحد مصيرهما لأول مرة والى الابد ،، نعم ان حياتها الحقيقية بدأت الان، وهي لا قيمة لها بعيدا عنه بل انها لن تستمر بدونه ،،،
وفي لحظة من صمت وذهول تطلق ناستنكا صرخة مكتومة كانها صيحة بعث المقابر، وتجمد في مكانها، تتأمل شاب وقف امامها فجأة تعلوه ابتسامة، وبحركة واحدة تنتزع يدها بقوةً من بطلنا وترتمي على هذا الشاب تعانقه، فمزقت بذلك كل عهود حبها الذي لاتزال حرارته مطبوعة على شفتيها، واستبدلت كل تلك العهود والاحلام بقبلة سريعة تركتها على خد بطلنا وتركته وحيداً واخذت بيد الشاب الذي تحب وذهبت بعيداً.
ان من كانت امنياته كلمتين من فتاة حتى ولو كانت كلمات اخوية اصبح اليوم عاشق خاسر لا يملك غير الجراح التي تنكئها الذكريات، ولكنه يقرر ان يغلق على نفسه باب عزلته، وان يهجر من هجرته، ولا يحمل غيوماً قاتمة الى سعادتها المضيئة الساجية، ولن يجعد ازهارها الندية التي ستضيفها الى ضفائرها السوداء يوم تجيئ مع من تحب الى الهيكل للزواج، واختار ان يبقى وحيداً في غرفته الهرمة، التي تملئها انسجة العنكبوت، في عزلة يقضي بها كل حياته.