إبراهيم أبوحماد - سيميائية ودرامية الموروث الصوفي في الشعر العربي الحديث قصيدة " مذكرات الصوفي بشر الحافي" لصلاح عبد الصبور أنموذجا

أهمية الدراسة
الأدب الصوفي يتضمن الشعرية نثرا ونظما، والصوفية نظام معرفي له مجالاته ومحدداته في النظر الفكري الماثل في الأعمال الأدبية لابن عربي، والنظر الوجداني الماثل في شعر ابن الفارض ، والأدب الصوفي تطور من الفردانية الذاتية إلى نموذج العقل العرفاني الجمعي بتعددية فكرية، دلالتها في الطرق والمدارس الصوفية المرتبطة في الصراع الأيوبي السني من جهة، والمد الشيعي الفاطمي من جهة أخرى في الشام ومصر، وهو صراع على الرموز الوجدانية من ثمثلات ظاهريات الأمكنة من أولياء وخانقيات ومساجد ، هذه السيميائيات العلاماتية التي تفسر الفضاء الثقافي العربي، وللأدب الصوفي راهنيته الحالية في مواجهة الارهاب من جهة التوظيف السياسي، لأن الصوفية هي الحب الإلهي فيقول ابن عربي:
أدين بدين الحب أنَى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
ونجد دولة الاحتلال الصهيوني تتذرع بحرية الأديان، وترتكب جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، ولذا فإن الشعر الصوفي من الممكن توظيفه في عالم الصورة التي تبين حقيقة الشعب العربي المحب للسلم، والذي تعايشت على أرضه الأديان السماوية وغير السماوية، وقدمت نموذجا إنسانيا على خلاف جرائم الاستعمار الأوروبي.
مشكلة الدراسة
تلقى الأدب الصوفي المعاصر من النقاد المحدثين يوسف زيدان وأدونيس في مقاربة بين الصوفية والسريالية، اللتان تشكلان ثورة على الواقع والعقل الكلاسيكي، وتناول أمين عودة مقاربة بين ابن عربي وبيرس في نظام العلامات الثلاثي المتجاوز لنظام العلامات السوسيري، فنظام العلامات البيرسي يؤسس ثلاث علامات الدال والمؤول والمدلول ، ولقد وُظف التراث الصوفي في "الرواية العرفانية" ومثالها " قواعد العش الأربعون" لإليف شافاك تناول الأدب الصوفي، ومنها في الشعر قصيدة "مذكرات الصوفي بشر الحافي"، ويتضح بأن صلاح عبد الصبور يقارن بين التراث المادي والثقافي، إذ إن التراث المادي يصان ويحفظ ويرمم لتتجلى جمالياته، ولذلك فالتراث الثقافي أيضا لا يقطع معه، ولا يستحضره كما سلف بلغته وبنيته، ولكن ينزع إلا جمالياته التي تفسر الحاضر، وبذلك فهو يتلقى ويؤول التراث، وبالنتيجة فإن الشعرية برؤيته أساس العمل الأدبي، فأولية المسرح شعرية، وبناء عليه فإن للغة التراثية مستوى مختلف للغة المعاصرة ، إذ إن اللغة الشعرية تنضوي في الاستعمال المعاصر بقصد تحقيق مستوى بلاغي تواصلي، ولذا فإن تلقي صلاح عبد الصبور للموروث الصوفي يُشكل رؤية شعرية حداثية جديرة بالوقوف عليها، وبيان كنهها وجوهرها.

أسئلة الدراسة:
وللإجابة على إشكالية الدراسة، فإنه من الممكن صوغها بالتساؤل التالي:
ما التقنيات الشعرية التي وظفها الشاعر في قصيدة " مذكرات الصوفي بشر الحافي؟
نظرية الدراسة:
إن النظريات التي تنهض عليها الدراسة النقدية تستلهم ما يلي:
1- النظرية السيميائية فالعالم الصوفي علامات تفسر ثقافة الشعر الصوفي المعرفية والوجدانية.
2- نظرية الدراما الشعرية: إذ إن الشاعر استخدم تقنيات الدراما في القصيدة مثل القناع والكولاج والمونولوج والديالوج.
منهجية الدراسة:
1- المنهج الوصفي وذلك بالوقوف على وصف العلامات الشعرية في القصيدة، والدراما الشعرية المستخدمة فيها.
2- المنهج التحليلي وذلك بتحليل القصيدة سيميائيا ودراميا، وتفكيكها، وإعادة بنائها بالنقد الشعري.
روافد الدراسة:
تعتمد هذه الدراسة على القصيدة محل البحث، والمحاكاة للدراسات الواردة في المتن، من دراسات بسام قطوس، وأمين عودة، وعبد الرحمن بدوي، وجميع الدراسات الأخرى الواردة في التوثيقات، والتي أعانتني على هذا الإنجاز النقدي.
خطة الدراسة:
1- السيميائية في قصيدة مذكرات الصوفي بشر الحافي.
2- الدراما الشعرية في قصيدة مذكرات الصوفي بشر الحافي .
المحور الأول: السيمائية الصوفية
السيميائية: حالات ثقافية تفسر الأشياء بأشكال رمزية، وهي وسيط يعمل في سنن ثقافية، لإدراك العالم الخارجي، فهي تفسير للأشياء بالكلمات التي تحل محل الأحاسيس والأشياء والأعضاء لتعبر عنها بالكلمات ، ولذا فإن السيميائية منفتحة على الخطاب الفلسفي والديني والفكري، فاللغة مجموعة من الأنظمة الرمزية ضمن الخطاب الأسطوري والفلسفي 000الثقافي النسقي المتخفي وراء العلامات التي تماطل المعنى، والسيميائية مصطلح معرب من الفرنسية، والسيموطيقا مصطلح معرب من الإنكليزية؛ بسبب اشكالية الترجمة إلى العربية، وللسيمولوجيا منظرين كما بينا سابقا من دوسوسير وبيرس بأبعادها الثلاثية: البعد التركيبي، والبعد الدلالي، والبعد التداولي البراغماتي التأويلي، وبين بارت بأنها جزء من اللسانيات؛ لأنها جزء من اللغة التي تحرر الدلالة وفكرة اللعب والتوليد داخل النص.
وفي سيمولوجيا الثقافة لدى جماعة موسكو- تارتو ولوتمان وأوسبانسكي، وإيفانوف وطوبوروف، فالظواهر الثقافية موضوعات تواصلية وأنساق دلالية، ولذا ربطوا بين الدال والمدلول والمرجع الثقافي، وفي سيمياء التواصل التي يمثلها بريتو ومونان وبويسنس فالعلاقة تتكون من وحدة ثلاثية المبنى: الدال والمدلول والقصد، ولها محورين هما: محور التواصل اللساني الكلامي وغير اللساني في الملصقات الدعائية، ومحور العلامة في الإشارة كأعراض المرض والمؤشر كإشارة المرور والأيقوني وهو عبارة عن علامة تدل على شئ تربطه علاقة مماثلة بشئ أخر، والرمز الذي يعنونه موريس ب"علامة العلامة" والدال على شئ ليس له وجه أيقوني مثل الفرح والعدل والخوف وكل الشعارات والصفات.
وقدم أمبرتو إيكو في كتابه العلامة تحليل المفهوم وتاريخه بأن كل مؤول وحدة دلالية ثقافية تنتظم في نسق ومستويات وتصنيفات، والنسق يفكك بالثقافة مهما كانت طبيعته ( كلام، موضوعات، سلوك، سلع، أفكار، قيم، أحاسيس، إيماءات) وهذا الشكل السيميائي العلمي للأنثربولوجيا ، ويقدم إيكو نقدا للوحدة الدلالية البيرسية المنطقية، ولا يشكل إيكو وحدة ثلاثية كما ذكر أمين عودة، وإنما بنائية رباعية: ماثول/ مدلول، مؤول يفسر العلامة الأولى أو من الفكرة المتولدة عن سلسلة من العلامات، والعماد الذي يشكل خصائص العلامة " الأيقونة الذهبية" والموضوع، وما الكلمة إلا علامة، والشيء وجه أخر للعلامة، مما يدلل على تطابق الفكر واللغة، ولا شيء خارج اللغة .
ولذا فالعالم الصوفي يتكون من كلمات وأشياء تشكل سيميائيات لتفسير العالم، سواء باللغة الشعرية والنثرية، والطقوس كالرقص الصوفي والسلوك ومدارج السالكين إلى الله، والوجدانيات التي تفسر هذا العالم، وما العبادات والصيام والشعائر الدينية إلا ظواهر لعالم خفي، ولذا يعرف تفسيرهم للقرآن بالتفسير الإشاري، وعليه فآيات القرآن والصلاة وعددها ووقتها لها تفسيرات إشارية، وبذلك فإن العالم الصوفي يفسر الوجود وغايته، ويمنحه معنى، ويبحث عن الخلاص، ويمنح اللغة الشعرية تفسيرات مغايرة للمعنى المعجمي، وفقا لمقولة النفري: " إذا اتسعت الفكرة ضاقت العبارة، وبذلك يشكل حقلا دلاليا للسيميائيات، ولذلك وجد لهذا العالم الصوفي معجما خاصا به يتجاوز الواقع والعقل لعالم من الوجدان والذوق والإيمان والحقيقة النهائية، ولكن أين نحن من الإنسان الكامل، وعلم الأسرار ، وبذلك فالعالم الصوفي لا يندرج ضمن ثنائيات، إذ يضاف إليه تفسير ديناميكي نهائي، فالمؤول والتواصل والعلامات ثابته في الصوفية.
وبذلك تناقش الدراسة شواهد من قصيدة صلاح عبد الصبور" مذكرات الصوفي بشر بن الحافي"(1931-1981) صحفي وشاعر وناقد وقاص ومترجم مصري، ولد في الزقازيق، درس اللغة العربية وآدابها في جامعة فؤاد، وتقلد مناصب عديدة في النشر منها رئيس هيئة الكتاب، وشغل منصب ملحق ثقافي في السفارة المصرية في الهند، وتأثر في الأدب الصوفي ووظف الصوفيان الحلاج و بشر بن الحافي كأقنعة في عالمه الشعري والمسرحي . إذ تتناول الدراسة سيميائية العنوان، والمربع السيميائي، والرمز الصوفي، والتذويت والجمع الأسطوري.
1-سيميائية العنوان
العنونة عتبة النص وتحيل على سيميائية الدلالة النصية، فيقال: المكتوب يقرأ من عنوانه، وقد تدلل على براعة الاستهلال في المطلع الشعري غير المعنون، وللسيمياء معنى في العربية يرادف العلامات، فالوسم مأخوذ من الاسم، فقال تعالى" سيماهم في وجوههم من أثر السجود" ، "والخيل المسومة" وقال لبيد:
وغداة قاع القرنتين أتينهم زُجلا يُلُوحُ خلالها التَّسويم
أي المعلمة المُطهمة الرائعة، والعنوان مادته "عنن وعنا" هو الظاهر والاعتراض من عنَ في قول امرئ القيس:
فعنً لنا سرب كأن نعاجه عذارى عليهن الملاءُ ظاهر
ويرادف الاستلال والأثر والتلميح، وعنونة الكتاب أي صَرفتُه إليه، وهو اقتصاد لغوي ويحيل إلى مرجع ثقافي، وبالنتيجة فالعنوان يتعالق مع النص, فيقييد التأويل أو يزيده فرطا وسعة بوظائف انفعالية ومرجعية وانتباهية وميتالغوية .
وفي القصيدة موضوع الدراسة تحيل إلى جنس القصيدة، بأنها مذكرات وعملية استدعاء للشخصية الصوفية" بشر الحافي" وتداخل النثر بالشعر، في زمن الليبرالية التي حولت الإنسان إلى ذئب اقتصادي افتقد إلى الرضا والسعادة والقناعة، فتجف الحياة والزرع ويحتبس المطر، إذ يقول الشاعر:
حين فقدنا الرضى
بما يريد القضا
لم تنزل الأمطار
لم تُورِق الأشجار لم تلمع الأثمار
حين فقدنا الرضا
ففي هذه الدفقة الشعرية المقطع يتناول العقلية الأداتية التي تسيطر على الطبيعة وتسخرها لمصالحها البائسة، الفضيلة التي تنتهج نهجا اقتصاديا يدمر البيئة، ويحقق الإنسان المغترب عن واقعه، كذيل لرأسمال، هذه القصيدة وردت في الديوان الثالث للشاعر" أحلام الفارس القديم" عام 1964والتي كانت سببا في تطور رؤية الشاعر في مسرحيته" مأساة الحلاج"، مما ينبئ الشاعر عن أزمة النظام الاقتصادي الاشتراكي في عهد جمال عبدالناصر، وبأن النظام الاقتصادي الاشتراكي لم يفارق الاغتراب الإنساني، إذ لم تحقق الكفاية للحاجات البشرية، ولم تنصف المبدع، وكيف ذلك وقد تحول السوق إلى الانفتاح والعولمة في مصر، مما يصدم أفق التوقع لدى القارئ.
فيقول الشاعر:
ونزلنا نحو السوق أنا والشيخ
كان الإنسان الأفعى يجهد أن يلتف على الإنسان الكركي
...
واهتز السوق بخطوات الإنسان الفهد
قد جاء ليبقر بطن الإنسان الكلب
إن هذه الصور الوحشية الغرائبية تدلل على مفارقات الصوفي المسالم المحب في زمن السوق، فالإنسان الكركي صورة لطائر بشع، وتصوير الانسان بالكلب الاقتصادي، الذي ينهش لحم أخيه الإنسان في داروينية اجتماعية قاتلة بشعة.
وبذلك فالعنوان يولد مفارقة القصيدة بين الوجدانية الروحية الصوفية، والعالم المادي، الذي يفارقه الصوفي، ليعالج اغترابه، ولا يتحداه مثل الحلاج الذي يواجه القتل السياسي، فالصوفي يفارق القيادات التي لا تفارقه وتريد توظيفه في اللعبة السياسية، لتضاعف معاناة الصوفي وضياعه في العصر الراهن، لتكون سلسة في العنوان الأكبر لديوانه" أحلام الفارس القديم" فالشاعر من ضيق حريته يلجأ لأفق الشعر، ولأحلامه التي يتنفس فيها إبداعه، مؤمنا بالكلمة، ليحيا بها، ويواجه بصمت وحشية السوق، وبتمرد الحلاج في مأساته.
وفي السيميائية التركيبية فمذكرات خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه، والصوفي نعت، وبشر الحافي بدل مطابق، والحافي نعت، فدلالة تركيب العنوان تفيد بتقديم الخبر للتدلل على الكشف العاجل للمتلقي، وكأنه يُقدم مذكرات حقيقية يشغلك بها، ويقربها من نفسك.

2- المربع السيميائي
آلية لتحليل النصوص لتجسد المرئـــي المتمفصـــل في مقولـــة دلالية، كمـــا يمكن اســـتخراجها على ســـبيل المثـــال من عالم خطـــاب معطـــى، في مقولة تمثل الجوهر في مســـتوى أكثـــر عمقا ، ولذا فهو ممثل حالات التضاد والتناقض والاقتضاء أو التضمين.
الإنسان الصوفي بشر الحافي--------------------------الحيوان الاقتصادي الإنساني
العرفانية >----------------------------------------------- المادية
فعلاقة التضاد بين الصوفي والإنسان المعاصر
والتناقض بين المادية والعرفانية
والتضمين والاقتضاء بين الصوفي العرفاني والحيوان الاقتصادي الإنساني المادي، مما تشكل ثنائيات متناقضة، تحكم عبثية العالم، ولامنطقيته، والخلاص بالموت من حالة الاغتراب التي يحياها الإنسان في المجتمع الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي.
3-الرمز الصوفي بين التذويت والجمع الأسطوري.
الرمز كما ذكرنا سابقا "علامة العلامات" في الخوف والحب والدين، والصفات، بقصد انجاز تجربته الشعرية، وتدفق الرؤى الشعرية، وبيان المواقف الذهنية والفنية، ولقد ورد مفهوم الرمز المصطلحي في النقد القديم لدى قدامه بن جعفر في كتابيه نقد النثر والشعر بمسمى" الإشارة الأدبية"، وكذلك ناقش أرسطو وفرويد ويونج مصطلح الرمز، وفي مقدمة القصيدة يبين صلاح عبدالصبور بأن أبو نصر بشر بن الحارث، طلب الحديث، وسمع سماعا كثيرا، ثم مال إلى التصوف، ومشى يوما في السوق، فأفزعه الناس، فخلع نعليه، وانطلق يجري في الرمضاء، فلم يدركه أحد ، وبذلك فأبو بشر الحافي قناع للرفض والذهاب إلى المعنى الإنساني، وصناعة وجود مغاير لاقتصاديات السوق بتوجهاتها المختلفة.
والصوفي بشر الحافي قناع أسطوري رمزي يتخذه الشاعر صوتا لنبرة موضوعية، بحيث يحدد موقفه من عصره، وهذا القناع الأسطوري يوظف فنيا لا دينيا ليمنح عمقا للقصيدة، وبالنتيجة تعالج موضوعات الحب والحزن والصوفية والموت ، فالشاعر حلمه اصلاح العالم، ديناميكي غير ساكن، في مقاربة الشاعر بالنبي والفيلسوف، لذا فهو مسكون بالحب والحزن، بحيث يستخدم النموذج الأسطوري لتعبير عن هذه الموضوعات، والصوفي زاهد في الدنيا يلبس المرقعات، صبور، مبتعد عن السلطان وجاهه، دائم الحزن شديد الفكرة إذا ذكر الله أجهش بالبكاء، كنزه القناعة‘ فالدنيا استراحة، ولذا يدعو الشاعر للرضا بالقدر فيقول:
حين فقدنا الرضا
حين فقدنا الضحكا
تفجرت عيوننا ...بُكا
حين فقدنا هدأة الجنب
على فراش الرضا الرحب
نام على الوسائد
شيطان بغض فاسد
مما يدل على الحزن العميق الذي يعتري الشاعر لفقد الرضا، مما أفقد الإنسان الضحك، وراحة البال، لذا فالسأم والضجر ظاهر عميق واضح، وهذه الدنيا البشعة، صورة شيطان يُفسد الناس، ويزرع بينهم البغض، والكراهية والحقد.
ويقول تظل حقيقة في القلب توجعه وتضنيه
...
تعالى الله، أنت وهبتنا هذا العذاب والآلام
فالإنسان حمل الخطيئة، وهذا الخلاص شقاء وآلم، والإنسان مُضنى، مُعنى القلب، موجوع بآلم لا ينته، لذا يطلب الخلاص والموت، إذ يقول:
لرأيت الدنيا مولودا بشعا
وتمنيت الموت
...
تعالى الله، هذا الكون موبوء، ولا برء
ولو ينصفنا الرحمن عجل نحونا بالموت
تعالى الله، هذا الكون، لا يصلحه شيء
فأين الموت، أين الموت، أين الموت
فبشر الحافي يلح على طلب الموت، لأن الكون موبوء، يستعجل طلبه، وينزه الله، فالإنسان أفسد الأرض، ولا يصلحها شيء، فالحب لا يكون إلا بالرضا والقناعة والزهد، والتكفير عن الخطيئة، والرضا بالقدر، وبذلك يصلح البشر.

المحور الثاني: الدراما الشعرية:
الدراما الشعرية: تُعنى بالارتقاء بالتعبير الذاتي إلى أفق موضوعي بمسرحة القصيدة، واستخدام التقنيات الدرامية في المدونة الشعرية، بحيث تنصر العناصر الدرامية في الشكل الشعري متجاوزة الجنس الأدبي، بما يشكل تداخل للأجناس الأدبية، وبالنتيجة التعبير عن التيمة الوجدانية بصهر الشخصيات فنيا للتعبير عن الصراع الدرامي، وستناقش الدراسة بعض التقنيات الدرامية في القصيدة محل الدراسة ومنها القناع الصوفي، والحدث الدرامي والحوار الدرامي والكولاج.
1-القناع الصوفي
استخدم الشاعر القناع الصوفي للتعبير عن رفضه للواقع المادي الماثل للشاعر، وذلك باستخدام شخصية بشر الحافي، التي تمثل الصوفي الزاهد والرضا بالقدر، في ظل توحش الإنسان، وفقدانه للروحانيات، إذ يتصرف الإنسان يطريقة غير عقلانية، مفتقدة للمنطق، فالشيخ الصوفي ينقد النزعة الاستهلاكية البشرية، وبهذا فإنه يحمل نزق تشاؤمي في نزعة أسطورية رافضة لهذه الهيمنة الشمولية على الفكر الإنساني المتوحش، الذي افتقد كل حرياته واستخدام حواسه‘ إذ يقول:
احرص الّا تسمع
احرص الّا تنظر
احرص الّا تلمس
احرص الّا تتتكلم
قف
مما يدلل على عبثية الحياة، فمع توقف الحواس والفكر، يصبح الكلام عبثي بلا معنى، فيقول:
ولأنك لا تدري معنى الألفاظ، فأنت تناجزني بالألفاظ
اللفظ حجر
اللفظ منية
فإذا ركبت كلاما فوق كلام
من بينهما استولدت كلام
لرأيت الدنيا بشعا
وتمنيت الموت
أرجوك
الصمت
الصمت
فتكرار اللفظ والصمت والموت والكلام في سياق عبثي، مما يعني عدم وجود معنى للحياة ليستحضر القناع الصوفي وهذه الشخصية لتعبر عن رؤية الشاعر في محاولة لإيجاد هذا المعنى ولرفض هذه العبثية.
2- الحدث الدرامي
والحدث معادل موضوعي لفكرة عبثية الحياة واليأس منها، للبحث عن معنى لهذا الوجود أمام اقتصاد السوق، وضياع الإنسان واغترابه، فاستخدام الأفعال المضارعة يريد، تنزل، تورق، تلمع، والنفي بلم في بداية القصيدة ينبئ بجفاف الحياة، والسأم المستمر، حتى يرسم صورة عجائبية لهذا الحدث شيطانية، فيقول:
تشوهت أجنة الحبالى في البطون
الشعرُ ينمو في مغاور العيون
والذقن معقود على الجبين
جيل من الشياطين
جيل من الشياطين
ولذا يبدأ الحدث بهذه الصورة البشعة، وتترابط أحداث المسرحة الشعرية بتشكيل الحبكة في سرد للأحداث بطريقة مباشرة فالشيخ بسام يقول:
" يا بشرُ.. اصبر
دنيانا أجمل مما تذكر
ها أنت ترى الدنيا من قمة وجدك
لا تبصر إلا الأنقاض السوداء"
فهذا السرد المباشر لأفكار الشيخ بسام، يذكرها الشاعر مقتبسة لشخصية ثانوية، يتأزم فيها الصراع في ذات الشاعر وعالمه الخارجي المادي، ليقول:
ونزلنا نحو السوق أنا والشيخ
كان الإنسان أفعى...
يا شيخي بسام الدين
قل لي .. " أين الإنسان.. الإنسان؟
شيخي بسام الدين يقول:
" اصبر ...سيجيئ
سيهل على الدنيا يوما ركبه"
مما يعني حالة التيه للشيوخ الحكماء، ليحل الأزمة بالاغتراب فعدد الأيام موبوءة، والأسابيع خمسة، والأشهر ثلاثة عشر، وبهذا الانزياح يكسر الزمن ويعمق الغربة الإنسانية فيقول:
الإنسان الإنسان عبر من أعوام
...
حفر الحصباء، نام
وتغطى بالآلام
لتنتهي الأزمة نهاية مفجعة باستمرار الآلام دون خلاص، فالصراع الوجودي المادي لا يمكن جسره إلى بالهروب والهزيمة والانتظار .
3-الكولاج
إذ تعبر القصيدة عن قص ولصق للأفكار الوجودية في الموت والخلاص والخطيئة والانتظار والاغتراب الإنساني في أعمال هربرت ماركيوز الانسان ذو البعد الواحد، والفلسفة الوجودية التي شاعت في قترة كتابة القصيدة، مما دفع الشاعر لتقديم عمله الشهير للصوفي المتمرد المناهض للسلطة الحلاج.

الخاتمة
وفي نهاية هذه الدراسة، تخلص النتائج وال والتوصيات إلى ما يلي:
النتائج
وظف الشاعر صلاح عبدالصبور الرمز الصوفي والتقنيات الدرامية لتعبير عن تمثلاته لهذا العالم.
التوصيات
دراسة أعماله الأدبية بالتقنيات الدرامية، لبيان الصراعات التي عير عنها فنيا.



قائمة الأعمال المقتبسة
1- السرحان، نوال، إشراف نبيل حداد، العناصر الدرامية في شعر خالد المحادين، جامعة آل البيت، اللغة العربية وآدابها2011.
2- حجازين، رشا، إشراف سامح الرواشدة، اتجاهات الرمز في شعر صلاح عبدالصبور، جامعة مؤتة، قسم اللغة العربية 2010.
3- صلاح عبد الصبور، أحلام الفارس القديم، متاح على الشابكة العنكبوتية.
file:///C:/Users/OAH/Downloads/%D9%85.
4- الجرجاني، أبو بكر، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود شاكر : القاهرة، مطبعة المدني، ط3 1992.
5- -نادية بو شقرة: مباحث في السيمياء السردية: الأمل للطباعة والنشر، تيزي وزو، الجزائر، د. ط , 2008.
6- خطاب رواية امرأة الغائب للروائي مهدي عيسى الصقر دراسة سيميائية م. د. إشراق كامل، https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=126070.
7- تفسير الطبري مادة خيل مسومة، متاح على الشابكة العنكبوتية.
8- سيمياء العنوان، بسام قطوس: وزارة الثقافة الأردنية، 2002.
9- وأدونيس الصوفية والسريالية: دار الساقي متاح على الشابكة العنكبوتية. وزكي مبارك، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق: مدينة نصر، هندواي، 2012، متاح على الشابكة العنكبوتية.
10- عبدالرحمن بدوي، تاريخ التصوف الإسلامي من البداية حتى النهاية: القرن الثاني، إعداد فوزي ربيع، الميزان للنشر والتوزيع، 2017.
11مكتبةالاسكندرية صلاح عبد الصبورhttps://www.bibalex.org/libraries/Presentation/Static/Abdelsabour.pdf
11- إيكو، أُمبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ترجمة سعيد بنكراد راجعه سعيد الغانمي: الدار البيضاء، المركز الثقافي ط ،2010
12- قطوس، بسام، دليل النظرية النقدية المعاصرة: مناهج وتيارات: عمان، فضاءات للنشر والتوزيع، 2016.
13- الهيئة الوطنية للاعلام، حديث الذكريات: أمينة صبري والشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، 27/8/2015.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى