المقدمة
يناقش النص القصصي ليل الضفة الطويل، قضية جدلية خاصة في اتفاق أوسلو الفلسطيني مع الكيان، فكما يذكر أفنان القاسم في مقدمة النص " موقف البقال ضد الحل ومعه ليطلق سراح أخيه السجين" ويشير إلى تناقضات المجتمع الفلسطيني وتشظيه، وتشظي الكاتب في النص القصصي إلى ضمير المخاطب أنت، وضمير الغائب هو(1993: 5).
ولما كانت الذات متشظية في النص، على غرار غنائية الشعر الجاهلي، مما يطرح مسألة الاقتناع والاقناع فيما يحفل فيه النص من حجاج لذات والأنا والأخر، فالأنا مرتبطة في الأخر(2016: دراوشة: 12)، إلا أن النص موضوع الدراسة يتعرض لأزمة الذات الفردية والجمعية العربية والفلسطينية، فالنص قصصي سياسي، ينماز بالحوار والحجاج والجدل، ويشكل رؤية نفسية لمدركات الوجود الفلسطيني الرازخ تحت نير الاستعمار في مواجهة سلطة الحكم الذاتي في اللادولة واللاثورة، وسلطة الاحتلال.
ولقد اختار الباحث النص نظرا لصلاحيته لدراسة الحجاج، كونه مقدم من أستاذ جامعي متخصص في اللغة العربية في جامعة النجاح(https://staff.najah.edu/ar/profiles/2147/)، مما يثري النص، وكون الكاتب يعيش حالة يومية لواقع النص، ولكون القضية الفلسطينية تشكل حيز هام في الوجدان العربي الإسلامي.
ولذا فإن الاشكالية المطروحة في هذه الدراسة تتعلق بكيفية تكوين مدركات الحجاج وتناقضاته وآلياته في النص؟ وبالبناء عليه فالباحث يسعى للإجابة عن التساؤل التالي:
ما آليات تشكل الحجاج في النص، وأدواته؟
ولذلك اتبع الباحث المنهجية الاستنباطية، لتطبيق نظرية الحجاج لبيرلمان وتيتكا وديكروعلى المدونة محل الدراسة، اضافة للمنهج الوصفي لحداثة المدونة، ولوصف الحجاج المُوظف فيها، ولعلاج القصور في المنهج الوصفي فلقد استخدم الباحث التفكير الناقد لنقد نظرية الحجاج.
ولقد اعتمدت الدراسة على عدد من المصادر منها النص القصصي وكتابات الكاتب المنشورة على موقع الشابكة أعلاه، وعلى عدد من المراجع منها الخطاب والحجاج لأبي بكر العزاوي، والبلاغة الجديدة لعبدالله صولة.
المحور الأول: الفعل الكلامي les actes de language
الفعل الكلامي هو البداية التأسيسية لنظرية الحجاج (سورة مريم: 31)، ورائدها اوستين، حيث أن الأفعال منجز لفظي تداولي تأثيري في الواقع، ويتضح ذلك في كتابه how to do thing with word? كيف نصنع الأشياء بالكلمات؟ والتي ترجمت للعبارة الفرنسية، quand -dir-e c,est faire متى قلنا فعلنا. ولقد استأنف تلميذه سيرل serale جهود اوستن اللغوية في هذه النظرية. والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من التداولية، و نجد جذورها في تراثنا العربي لدى الأصوليين و الجاحظ والقرطاجني، ومن المعاصرين طه عبدالرحمن ومحمد العمري.(إكرام:الرواية الصهيونية: 24).
ولقد ساهم أيضا في هذه النظرية التي تحدد أن المعنى مقرون في استعمال الكلام، كل من فينجشتاين وهوسرل و هابرماس (الرواية الصهيونية: 167و210)، ولكل منه مخطط لدلالة على الأفعال الكلامية.
وللرواية خصوصية في الأفعال الخطابية نظرا لأنها شعرية انزياحية عدولية، ولذا فالأفعال تأثيرية انجازية مباشرة في الاطار السلوكي والحجاجي التفسيري، وغير انجازية وغير مباشرة في ملفوظاتها الانفعالية كالسخرية والخوف والغضب والتلميحات والاستعارات التي تتضمن تعدد المعنى، ومسائل الاستلزام الحواري( الرواية الصهيونية: 2016) و(سورة مريم: 101).
ولإقناع المتلقي يوظف الكاتب في نصصه القصصي ليل الضفة الطويل الفعل الكلامي في خط زمني أفقي، إلا أن هذا الخط تتخلله عمليات إدراكية لأفعال مثل التذكر، في رجوع زمني، يكسر الزمن الطبيعي، ليشظى الزمن ويتشتت ومثال ذلك تصحو...تتمتم....تنظر ...تبصر....تنهض ....ترتشف...
وبذلك يتحقق التناص في مدونة الأسطة و قصيدة محمود درويش اللاحقة عليه (لاعب النرد) حين يقول:
امشي أهرول اركض اصعد أنزل....يغمى علي.
وكذلك قصيدة أبو الطيب المتنبي.
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
ولذا فإن استخدام الجمل الفعلية ليتناسب والسياق العاطفي والانفعالات التي نجدها في النص، الذي أخذ على عاتقه نقد وكشف سلبيات المجتمع الفلسطيني والفعل الوطني المقاوم من بداياته النضالية إلى خيبات الأمل الماثلة للعيان من تنازلات مجانية عبر اتفاق أوسلو متوج بالانقسام الفلسطيني وتشظي الشعب الفلسطيني المنقسم والمختلف سياسيا واجتماعيا وجغرافيا.
وإن الأفعال في النص القصصي للمؤلف في الزمن الصرفي الحالي، وإن كان زمنه الفعلي في الماضي، وتتردد الأفعال بين الايجابية والسلبية، فتصحو وتتمتم ايجابية، ولا يعجبك وتهرب وتغفو وتقرأ بلا شهية، تهمس: هذه المستوطنات حبلى. تعبر عن السلبية.
وهذا يدلل على تشظي شخصية الكاتب، إذ يقيم حوارا مع نفسه، ويستهزئ بالأفعال الكلامية بالقيادة التفاوضية لعملية السلام وذلك لتبدل مواقفها، ففي عملية تذكر ادراكية لمواقف ياسر عرفات، الذي يغير موقفه فجأة من أمريكا المعادية إلى الحياد والصداقة.
فمثلا " فاوض ياسر عبد ربه والرفاق على بيع أنفسهم أولا .......ليفاوضوا على بيع فلسطين"، وهذا يدلل على مجانية وعبثية المفاوضات فمن باع نفسه سيبيع وطنه، ويذكر الكاتب أفعال تدل على الخوف مثل هرب همس خاف، ويوظف الاستعارات في نصه فالمستوطنات حبلى، وتغيير المواقف يدل على أنها مثل تغيير الملابس سريعة ومتقلبة. وبيع النفس يدلل على بيع الوطن والاتجار فيه. (1و2و3).
ولذا فاستخدام الكاتب للأفعال غير انجازي غير مباشر. يقصد به الكاتب احداث الصدمة من أفعال السخرية ليهزئ بعملية السلام ومآلتاها، وبشكل يعبر عن مرارة وخيبة الأمل بالنخب السياسة التي تحولت لمقاولين في ظل عملية السلام الموهومة.
المحور الثاني: السلالم الحجاجية
إن مفهوم السلالم الحجاجية يعني ترتيب الحجج بشكل تدريجي يؤدي بالنتيجة إلى الانتقال من حجة إلى أخرى أقوى منها؛ لإقناع المتلقي.
ووفقا لديكرو فإن السلم الحجاجي يعتمد على ثلاثة قوانين وهي كالآتي:
1- قانون النفي:
والنفي: تقابل في الحجج فإثباتها يؤدي إلى نتيجة، ونفيها يؤدي إلى نتيجة مغايرة. فمثلا يصف الكاتب في مقارنة تجرؤ الجنود الصهاينة على اقتحام المدن بين الليل والنهار ""لو يأتون ليلا والناس نيام" فيجيبه الآخر: " إنهم يخشون من هجومات ليلية بالرصاص والقنابل".(4)
لذا فتواجد الجنود الصهاينة ليلا يؤدي إلى تعرضهم لهجمات مسلحة، ولذلك يحضرون نهارا لتجنبها، ويقتبس الكاتب مقولة صهيونية عند رؤية جرود الجبال "حيثما يكون العرب تكون الصحراء".(4)
مما يدلل على نفي الاهتمام الصهيوني بما يعتري هذه الجبال الجرداء من عوامل طبيعية أو غير طبيعية تجعلها متصحرة، وفي النفي الضمني يدلل على رعايتهم واهتمامهم في الساحات الخضراء في فلسطين المحتلة.
2- قانون القلب
ولا يجد الباحث أن هذا القانون يختلف عن القانون السابق واللاحق وأنه من قبيل التزيد.
3- قانون الخفض (د. حمدي منصور جودي ص 1 – ص 6)
فوفق هذا القانون فإن من يملك الأكثر يملك الأقل، وهذه القاعدة المنطقية لا تتناسب والنص القصصي، فسلطة الاحتلال تملك أن تتجاوز الحد الأعلى، وتملك القتل لأتفه الأسباب وبدم بارد.
يهمس أحد الركاب :
"معهم الحق في ذلك" ويتذكر القانون الذي سنوه حديثًا : "إن عدم التوقف أو تجاوز السيارة العسكرية يمنح الحق للجنود بإطلاق الرصاص على الآخرين". تفكر: وماذا لو ضرب طفل ما، شاب ما، حجرًا على هذه السيارة الآن". تتخيل رصاصة اخترقت الحافلة التي تقلها وأصابتك. وفجأة تنتقل إلى الكرسي المقابل، تبتعد عن الجهة المطلة على الشارع الذي تسير عليه الدورية. تتذكر ما ألم بالشاب الذي كان واقفًا بالقرب من مدخل البناية التي يوجد فيها مقر الصليب
الأحمر. وتحزن لما ألم به: " إنه عاجز عن الحركة الآن." لم يضرب حجرًا عليهم، لقد جاءته الرصاصة فأصابت عموده الفقري. وها هو الآن قعيد البيت. (5)
فالوقوف على قارعة الطريق أو أمام المنزل في حضرة السيارة العسكرية ينتج عنه الموت. فالاحتلال يضع قواعد الحد الأدنى للحرية، والضبط البوليسي للشعب الفلسطيني، وتجاوز الحد الأدنى المسموح به يعني الموت، ولذا فالاحتلال ينصب نفسه قابضا للأرواح، ويدير الموت، ولا يسمح بالحد الأدنى للحياة، وانما إدارة العقوبات، التي لا تميز بين طفل وكهل، والتنفيذ العقابي ميداني
المحور الثالث: الروابط الحجاجيةlinks the argumentative
إن الروابط الحجاجية تربط بين متغيرين(رسائل الإمام علي:86)، بحيث تعالج هذه الروابط إدراج الحجاج وإدراج النتائج والتعارض والتساوق الحجاجي، بحيث تدلل على كشف قصد المتكلم بشكل تداولي في الاستعمال والتفاعل بما يتضمنها من خصائص نفسية(الحجاج في شعر المتنبي: 1و2).
1- الروابط المدرجة للحجاج
الروابط المدرجة للحجاج هي ما يستهل به المؤلف بنيته الحجاجية مثل ل، إن، أن، لقد، وهي حاضرة في التراث العربي باسم نحو الأدوات، إلا أن الأدوات تتضمن أيضا عوامل حجاجية مثل الاستفهام، ولا تعتبر كل الأدوات روابط حجاجية
ويجد الباحث بأن هذه الروابط متواترة في حجج الكاتب في النص القصصي، ومثال ذلك " إن أمريكا هي بلد محايداً، ثم غير رأيه) (1)وهذ النص مقتبس عن ياسر عرفات، والذي يحاول تأكيد الخبر، بحيادية أمريكا لإقناع المتلقي بعملية السلام، ولذلك فالكاتب يواجه السلطة باعتباره مثقف عضوي وهيمنة فرض نمط واحد المتمثل بعملية السلام للسير عليه (l'orientation)، ولذا يوظف اللغة بترابطاتها لتقديم اعتراض على حجة السلطة من نبض الشارع الفلسطيني.
فالمتغيرين في الجملة هما أمريكا والحياد، إلا أن الكاتب يتبعها بالتساوق الحجاجي، إذ تغير الشخصية الروائية الثانوية –ياسر عرفات- وجهة نظرها، لتكون أمريكا صديقة، ليعزز اقناع الجمهور بعملية السلام، إلا أن هذه الحجة من وجهة نظر الكاتب ترد على سبيل السخرية، إذ أن نبض الشارع الفلسطيني يخالف ذلك، وبالنتيجة فإن النص القصصي في إطار السياق النصي يصرح بهذه السخرية من تأكيد ياسر عرفات على مصداقية أمريكا، ولذلك فإن لدينا بنية حجاجية تتكون من ادعاء واعتراض ونتيجة، فالادعاء أمريكا محايدة والاعتراض أمريكا عدوة، والنتيجة بأن وجهة النظر الرسمية تتهافت على السفارة الأمريكية، مما يولد تناقضات مع نبض الشارع الفلسطيني، ويحدث دلالات نسبية غير قطعية.
ويذكر الكاتب في النص " لقد وصلنا إلى مرحلة لا أعتقد أننا سنبرأُ منها." و" لقد" وإن كانت مستهلة ومدرجة للحجاج، إلا أنها هنا تظهر مدرجات نتائج الحجاج، إذ أن الأنا الجماعية الفلسطينية لا تبرأ؛ بسبب ما عم النفوس من تناقضات ولغط، ويبين الكاتب سلبيات الأنا الجماعية بوصف المدينة الفلسطينية فضاء مكاني يتضمن شخوص يتسم بعدم النظافة، مما يشكل عائق أمام عملية التحرر الوطني الفلسطيني، خاصة في مجتمع دولي يسعى لإطفاء نور شمعة حركة التحرير الوطني الفلسطيني، بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، حتى أن الشارع الفلسطيني يعلم أن ما يقوله ياسر عرفات بأنه سيحرر القدس؛ ينذر بفشل جديد ومصيبة جديدة ستحل في الشعب الفلسطيني
ويورد الكاتب روابط مثل أن وإن في اطار الروابط المدرجة للحجاج، ومثال ذلك ان تفطر الفول فأنت فتحاوي. وان تأكل الحمص فانت حماس. وتحمد الله انه لا يوجد جبنة حتى لا تتهم بانك جبهاوي. تتذكر الشعارات التي كتبت على مطالع أدراج البنايات. نايف حواتمة. ناتف حواجبه. جبهة ديمقراطية. جبنة دانماركية. ياسر عبد ربه. ياسر عبد ياسر.حشف. جش.
وهنا يجد الباحث قصور نظرية الحجاج أمام الحجاج الساخر، والذي يطلق تعميمات في تصنيف المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية التي يطول بها ليل الاحتلال، فالتصنيف السياسي يعتمد على اختبار تذوق الطعام، وهو تعبير ساخر يدلل على الحالة المزرية التي بلغها العقل الجمعي الفلسطيني.
"لقد أصبح الفصيل الآخر هو الاحتلال للفصيل. حماس عدوها فتح. وفتح عدوها حماس. وياسر عبد ربه عدو نايف حواتمه. والأخير عدو الأول. وأصبحت فلسطين هي الأخ القائد الرمز."
وهنا لقد حاضرة كمدرجة للحجاج لا مدرجة لنتائج الحجاج، وتدلل على أن تناقضات الصراع الفلسطيني الفلسطيني، تفوق الصراع الخارجي الفلسطيني العربي، مما يدل على مراجعة نقدية للواقع السياسي الفلسطيني، وتنبؤ باتساع الفجوة، وأن الوحدة الوطنية هشة تعصف بها المصالح الذاتية النخبوية الضيقة.
2- الروابط المدرجة للنتائج مثل لهذا وحتى ومثال ذلك "ترتشف القهوة. تقرأ الجريدة من جديد، وتنظر إلى الساعة فتجد أنها تقترب من الثامنة. ترتدي ملابسك. تجهز الفطور وتستمع إلى مغنية ثانية، وتعقب : "على المرء أن يكون تافهًا جدًا في هذه الحياة حتى يحياها" فحتى هنا مدرجة للنتائج
3- روابط التعارض الحجاجي مثل لكن، إذ أن الباحث لم يستخدم أو ينوع من أدوات التعارض الحجاجي مثل بل، إذ يذكر الباحث " وتجرب الاتصال بالإدارة الأمريكية الطبيب الخبير والمختص ولكنك تتردد، فأمريكا هي عدونا، وأنت كنت باستمرار ضد الحديث معها. ولكنك تسخر من ذلك" وهنا التعارض ظاهري وخاصة في الجملة الثانية، ففي الجملة الأولى تجرب لكن تتردد، وفي الجملة الثانية تفسيرية كنت ضد ولكنك تسخر(1)
4- روابط التساوق الحجاجي مثل ثم، و، أو، حيث يذكر
تصحو من النوم، تتذكر كوابيس الليلة، تتمتم كلامًا غامضًا، تنظرعبر الشباك إلى الخارج فتبصر الضوء الذي تسرب بعضه إلى داخل غرفتك.تفتح المذياع لتستمع إلى شيء ما. تغني مغنية. تقول كلامًا ما. تحرك إبرة المذياع باحثًا عن محطة أخرى، فلا يعجبك صوت المذيع. تغلق المذياع وتنظرإلى الخارج من جديد، ثم تغفو قليلا ، ولذلك يغلب على الأفعال في النص الاتصال بدون رابط لوحدة العمل ( الخطابي : لسانيات الخطاب) ( لا أحد يعرف متى يمون أو يصبح كسيحا) (24)
5- روابط التفسير الحجاجي
يناقش النص القصصي ليل الضفة الطويل، قضية جدلية خاصة في اتفاق أوسلو الفلسطيني مع الكيان، فكما يذكر أفنان القاسم في مقدمة النص " موقف البقال ضد الحل ومعه ليطلق سراح أخيه السجين" ويشير إلى تناقضات المجتمع الفلسطيني وتشظيه، وتشظي الكاتب في النص القصصي إلى ضمير المخاطب أنت، وضمير الغائب هو(1993: 5).
ولما كانت الذات متشظية في النص، على غرار غنائية الشعر الجاهلي، مما يطرح مسألة الاقتناع والاقناع فيما يحفل فيه النص من حجاج لذات والأنا والأخر، فالأنا مرتبطة في الأخر(2016: دراوشة: 12)، إلا أن النص موضوع الدراسة يتعرض لأزمة الذات الفردية والجمعية العربية والفلسطينية، فالنص قصصي سياسي، ينماز بالحوار والحجاج والجدل، ويشكل رؤية نفسية لمدركات الوجود الفلسطيني الرازخ تحت نير الاستعمار في مواجهة سلطة الحكم الذاتي في اللادولة واللاثورة، وسلطة الاحتلال.
ولقد اختار الباحث النص نظرا لصلاحيته لدراسة الحجاج، كونه مقدم من أستاذ جامعي متخصص في اللغة العربية في جامعة النجاح(https://staff.najah.edu/ar/profiles/2147/)، مما يثري النص، وكون الكاتب يعيش حالة يومية لواقع النص، ولكون القضية الفلسطينية تشكل حيز هام في الوجدان العربي الإسلامي.
ولذا فإن الاشكالية المطروحة في هذه الدراسة تتعلق بكيفية تكوين مدركات الحجاج وتناقضاته وآلياته في النص؟ وبالبناء عليه فالباحث يسعى للإجابة عن التساؤل التالي:
ما آليات تشكل الحجاج في النص، وأدواته؟
ولذلك اتبع الباحث المنهجية الاستنباطية، لتطبيق نظرية الحجاج لبيرلمان وتيتكا وديكروعلى المدونة محل الدراسة، اضافة للمنهج الوصفي لحداثة المدونة، ولوصف الحجاج المُوظف فيها، ولعلاج القصور في المنهج الوصفي فلقد استخدم الباحث التفكير الناقد لنقد نظرية الحجاج.
ولقد اعتمدت الدراسة على عدد من المصادر منها النص القصصي وكتابات الكاتب المنشورة على موقع الشابكة أعلاه، وعلى عدد من المراجع منها الخطاب والحجاج لأبي بكر العزاوي، والبلاغة الجديدة لعبدالله صولة.
المحور الأول: الفعل الكلامي les actes de language
الفعل الكلامي هو البداية التأسيسية لنظرية الحجاج (سورة مريم: 31)، ورائدها اوستين، حيث أن الأفعال منجز لفظي تداولي تأثيري في الواقع، ويتضح ذلك في كتابه how to do thing with word? كيف نصنع الأشياء بالكلمات؟ والتي ترجمت للعبارة الفرنسية، quand -dir-e c,est faire متى قلنا فعلنا. ولقد استأنف تلميذه سيرل serale جهود اوستن اللغوية في هذه النظرية. والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من التداولية، و نجد جذورها في تراثنا العربي لدى الأصوليين و الجاحظ والقرطاجني، ومن المعاصرين طه عبدالرحمن ومحمد العمري.(إكرام:الرواية الصهيونية: 24).
ولقد ساهم أيضا في هذه النظرية التي تحدد أن المعنى مقرون في استعمال الكلام، كل من فينجشتاين وهوسرل و هابرماس (الرواية الصهيونية: 167و210)، ولكل منه مخطط لدلالة على الأفعال الكلامية.
وللرواية خصوصية في الأفعال الخطابية نظرا لأنها شعرية انزياحية عدولية، ولذا فالأفعال تأثيرية انجازية مباشرة في الاطار السلوكي والحجاجي التفسيري، وغير انجازية وغير مباشرة في ملفوظاتها الانفعالية كالسخرية والخوف والغضب والتلميحات والاستعارات التي تتضمن تعدد المعنى، ومسائل الاستلزام الحواري( الرواية الصهيونية: 2016) و(سورة مريم: 101).
ولإقناع المتلقي يوظف الكاتب في نصصه القصصي ليل الضفة الطويل الفعل الكلامي في خط زمني أفقي، إلا أن هذا الخط تتخلله عمليات إدراكية لأفعال مثل التذكر، في رجوع زمني، يكسر الزمن الطبيعي، ليشظى الزمن ويتشتت ومثال ذلك تصحو...تتمتم....تنظر ...تبصر....تنهض ....ترتشف...
وبذلك يتحقق التناص في مدونة الأسطة و قصيدة محمود درويش اللاحقة عليه (لاعب النرد) حين يقول:
امشي أهرول اركض اصعد أنزل....يغمى علي.
وكذلك قصيدة أبو الطيب المتنبي.
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
ولذا فإن استخدام الجمل الفعلية ليتناسب والسياق العاطفي والانفعالات التي نجدها في النص، الذي أخذ على عاتقه نقد وكشف سلبيات المجتمع الفلسطيني والفعل الوطني المقاوم من بداياته النضالية إلى خيبات الأمل الماثلة للعيان من تنازلات مجانية عبر اتفاق أوسلو متوج بالانقسام الفلسطيني وتشظي الشعب الفلسطيني المنقسم والمختلف سياسيا واجتماعيا وجغرافيا.
وإن الأفعال في النص القصصي للمؤلف في الزمن الصرفي الحالي، وإن كان زمنه الفعلي في الماضي، وتتردد الأفعال بين الايجابية والسلبية، فتصحو وتتمتم ايجابية، ولا يعجبك وتهرب وتغفو وتقرأ بلا شهية، تهمس: هذه المستوطنات حبلى. تعبر عن السلبية.
وهذا يدلل على تشظي شخصية الكاتب، إذ يقيم حوارا مع نفسه، ويستهزئ بالأفعال الكلامية بالقيادة التفاوضية لعملية السلام وذلك لتبدل مواقفها، ففي عملية تذكر ادراكية لمواقف ياسر عرفات، الذي يغير موقفه فجأة من أمريكا المعادية إلى الحياد والصداقة.
فمثلا " فاوض ياسر عبد ربه والرفاق على بيع أنفسهم أولا .......ليفاوضوا على بيع فلسطين"، وهذا يدلل على مجانية وعبثية المفاوضات فمن باع نفسه سيبيع وطنه، ويذكر الكاتب أفعال تدل على الخوف مثل هرب همس خاف، ويوظف الاستعارات في نصه فالمستوطنات حبلى، وتغيير المواقف يدل على أنها مثل تغيير الملابس سريعة ومتقلبة. وبيع النفس يدلل على بيع الوطن والاتجار فيه. (1و2و3).
ولذا فاستخدام الكاتب للأفعال غير انجازي غير مباشر. يقصد به الكاتب احداث الصدمة من أفعال السخرية ليهزئ بعملية السلام ومآلتاها، وبشكل يعبر عن مرارة وخيبة الأمل بالنخب السياسة التي تحولت لمقاولين في ظل عملية السلام الموهومة.
المحور الثاني: السلالم الحجاجية
إن مفهوم السلالم الحجاجية يعني ترتيب الحجج بشكل تدريجي يؤدي بالنتيجة إلى الانتقال من حجة إلى أخرى أقوى منها؛ لإقناع المتلقي.
ووفقا لديكرو فإن السلم الحجاجي يعتمد على ثلاثة قوانين وهي كالآتي:
1- قانون النفي:
والنفي: تقابل في الحجج فإثباتها يؤدي إلى نتيجة، ونفيها يؤدي إلى نتيجة مغايرة. فمثلا يصف الكاتب في مقارنة تجرؤ الجنود الصهاينة على اقتحام المدن بين الليل والنهار ""لو يأتون ليلا والناس نيام" فيجيبه الآخر: " إنهم يخشون من هجومات ليلية بالرصاص والقنابل".(4)
لذا فتواجد الجنود الصهاينة ليلا يؤدي إلى تعرضهم لهجمات مسلحة، ولذلك يحضرون نهارا لتجنبها، ويقتبس الكاتب مقولة صهيونية عند رؤية جرود الجبال "حيثما يكون العرب تكون الصحراء".(4)
مما يدلل على نفي الاهتمام الصهيوني بما يعتري هذه الجبال الجرداء من عوامل طبيعية أو غير طبيعية تجعلها متصحرة، وفي النفي الضمني يدلل على رعايتهم واهتمامهم في الساحات الخضراء في فلسطين المحتلة.
2- قانون القلب
ولا يجد الباحث أن هذا القانون يختلف عن القانون السابق واللاحق وأنه من قبيل التزيد.
3- قانون الخفض (د. حمدي منصور جودي ص 1 – ص 6)
فوفق هذا القانون فإن من يملك الأكثر يملك الأقل، وهذه القاعدة المنطقية لا تتناسب والنص القصصي، فسلطة الاحتلال تملك أن تتجاوز الحد الأعلى، وتملك القتل لأتفه الأسباب وبدم بارد.
يهمس أحد الركاب :
"معهم الحق في ذلك" ويتذكر القانون الذي سنوه حديثًا : "إن عدم التوقف أو تجاوز السيارة العسكرية يمنح الحق للجنود بإطلاق الرصاص على الآخرين". تفكر: وماذا لو ضرب طفل ما، شاب ما، حجرًا على هذه السيارة الآن". تتخيل رصاصة اخترقت الحافلة التي تقلها وأصابتك. وفجأة تنتقل إلى الكرسي المقابل، تبتعد عن الجهة المطلة على الشارع الذي تسير عليه الدورية. تتذكر ما ألم بالشاب الذي كان واقفًا بالقرب من مدخل البناية التي يوجد فيها مقر الصليب
الأحمر. وتحزن لما ألم به: " إنه عاجز عن الحركة الآن." لم يضرب حجرًا عليهم، لقد جاءته الرصاصة فأصابت عموده الفقري. وها هو الآن قعيد البيت. (5)
فالوقوف على قارعة الطريق أو أمام المنزل في حضرة السيارة العسكرية ينتج عنه الموت. فالاحتلال يضع قواعد الحد الأدنى للحرية، والضبط البوليسي للشعب الفلسطيني، وتجاوز الحد الأدنى المسموح به يعني الموت، ولذا فالاحتلال ينصب نفسه قابضا للأرواح، ويدير الموت، ولا يسمح بالحد الأدنى للحياة، وانما إدارة العقوبات، التي لا تميز بين طفل وكهل، والتنفيذ العقابي ميداني
المحور الثالث: الروابط الحجاجيةlinks the argumentative
إن الروابط الحجاجية تربط بين متغيرين(رسائل الإمام علي:86)، بحيث تعالج هذه الروابط إدراج الحجاج وإدراج النتائج والتعارض والتساوق الحجاجي، بحيث تدلل على كشف قصد المتكلم بشكل تداولي في الاستعمال والتفاعل بما يتضمنها من خصائص نفسية(الحجاج في شعر المتنبي: 1و2).
1- الروابط المدرجة للحجاج
الروابط المدرجة للحجاج هي ما يستهل به المؤلف بنيته الحجاجية مثل ل، إن، أن، لقد، وهي حاضرة في التراث العربي باسم نحو الأدوات، إلا أن الأدوات تتضمن أيضا عوامل حجاجية مثل الاستفهام، ولا تعتبر كل الأدوات روابط حجاجية
ويجد الباحث بأن هذه الروابط متواترة في حجج الكاتب في النص القصصي، ومثال ذلك " إن أمريكا هي بلد محايداً، ثم غير رأيه) (1)وهذ النص مقتبس عن ياسر عرفات، والذي يحاول تأكيد الخبر، بحيادية أمريكا لإقناع المتلقي بعملية السلام، ولذلك فالكاتب يواجه السلطة باعتباره مثقف عضوي وهيمنة فرض نمط واحد المتمثل بعملية السلام للسير عليه (l'orientation)، ولذا يوظف اللغة بترابطاتها لتقديم اعتراض على حجة السلطة من نبض الشارع الفلسطيني.
فالمتغيرين في الجملة هما أمريكا والحياد، إلا أن الكاتب يتبعها بالتساوق الحجاجي، إذ تغير الشخصية الروائية الثانوية –ياسر عرفات- وجهة نظرها، لتكون أمريكا صديقة، ليعزز اقناع الجمهور بعملية السلام، إلا أن هذه الحجة من وجهة نظر الكاتب ترد على سبيل السخرية، إذ أن نبض الشارع الفلسطيني يخالف ذلك، وبالنتيجة فإن النص القصصي في إطار السياق النصي يصرح بهذه السخرية من تأكيد ياسر عرفات على مصداقية أمريكا، ولذلك فإن لدينا بنية حجاجية تتكون من ادعاء واعتراض ونتيجة، فالادعاء أمريكا محايدة والاعتراض أمريكا عدوة، والنتيجة بأن وجهة النظر الرسمية تتهافت على السفارة الأمريكية، مما يولد تناقضات مع نبض الشارع الفلسطيني، ويحدث دلالات نسبية غير قطعية.
ويذكر الكاتب في النص " لقد وصلنا إلى مرحلة لا أعتقد أننا سنبرأُ منها." و" لقد" وإن كانت مستهلة ومدرجة للحجاج، إلا أنها هنا تظهر مدرجات نتائج الحجاج، إذ أن الأنا الجماعية الفلسطينية لا تبرأ؛ بسبب ما عم النفوس من تناقضات ولغط، ويبين الكاتب سلبيات الأنا الجماعية بوصف المدينة الفلسطينية فضاء مكاني يتضمن شخوص يتسم بعدم النظافة، مما يشكل عائق أمام عملية التحرر الوطني الفلسطيني، خاصة في مجتمع دولي يسعى لإطفاء نور شمعة حركة التحرير الوطني الفلسطيني، بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، حتى أن الشارع الفلسطيني يعلم أن ما يقوله ياسر عرفات بأنه سيحرر القدس؛ ينذر بفشل جديد ومصيبة جديدة ستحل في الشعب الفلسطيني
ويورد الكاتب روابط مثل أن وإن في اطار الروابط المدرجة للحجاج، ومثال ذلك ان تفطر الفول فأنت فتحاوي. وان تأكل الحمص فانت حماس. وتحمد الله انه لا يوجد جبنة حتى لا تتهم بانك جبهاوي. تتذكر الشعارات التي كتبت على مطالع أدراج البنايات. نايف حواتمة. ناتف حواجبه. جبهة ديمقراطية. جبنة دانماركية. ياسر عبد ربه. ياسر عبد ياسر.حشف. جش.
وهنا يجد الباحث قصور نظرية الحجاج أمام الحجاج الساخر، والذي يطلق تعميمات في تصنيف المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية التي يطول بها ليل الاحتلال، فالتصنيف السياسي يعتمد على اختبار تذوق الطعام، وهو تعبير ساخر يدلل على الحالة المزرية التي بلغها العقل الجمعي الفلسطيني.
"لقد أصبح الفصيل الآخر هو الاحتلال للفصيل. حماس عدوها فتح. وفتح عدوها حماس. وياسر عبد ربه عدو نايف حواتمه. والأخير عدو الأول. وأصبحت فلسطين هي الأخ القائد الرمز."
وهنا لقد حاضرة كمدرجة للحجاج لا مدرجة لنتائج الحجاج، وتدلل على أن تناقضات الصراع الفلسطيني الفلسطيني، تفوق الصراع الخارجي الفلسطيني العربي، مما يدل على مراجعة نقدية للواقع السياسي الفلسطيني، وتنبؤ باتساع الفجوة، وأن الوحدة الوطنية هشة تعصف بها المصالح الذاتية النخبوية الضيقة.
2- الروابط المدرجة للنتائج مثل لهذا وحتى ومثال ذلك "ترتشف القهوة. تقرأ الجريدة من جديد، وتنظر إلى الساعة فتجد أنها تقترب من الثامنة. ترتدي ملابسك. تجهز الفطور وتستمع إلى مغنية ثانية، وتعقب : "على المرء أن يكون تافهًا جدًا في هذه الحياة حتى يحياها" فحتى هنا مدرجة للنتائج
3- روابط التعارض الحجاجي مثل لكن، إذ أن الباحث لم يستخدم أو ينوع من أدوات التعارض الحجاجي مثل بل، إذ يذكر الباحث " وتجرب الاتصال بالإدارة الأمريكية الطبيب الخبير والمختص ولكنك تتردد، فأمريكا هي عدونا، وأنت كنت باستمرار ضد الحديث معها. ولكنك تسخر من ذلك" وهنا التعارض ظاهري وخاصة في الجملة الثانية، ففي الجملة الأولى تجرب لكن تتردد، وفي الجملة الثانية تفسيرية كنت ضد ولكنك تسخر(1)
4- روابط التساوق الحجاجي مثل ثم، و، أو، حيث يذكر
تصحو من النوم، تتذكر كوابيس الليلة، تتمتم كلامًا غامضًا، تنظرعبر الشباك إلى الخارج فتبصر الضوء الذي تسرب بعضه إلى داخل غرفتك.تفتح المذياع لتستمع إلى شيء ما. تغني مغنية. تقول كلامًا ما. تحرك إبرة المذياع باحثًا عن محطة أخرى، فلا يعجبك صوت المذيع. تغلق المذياع وتنظرإلى الخارج من جديد، ثم تغفو قليلا ، ولذلك يغلب على الأفعال في النص الاتصال بدون رابط لوحدة العمل ( الخطابي : لسانيات الخطاب) ( لا أحد يعرف متى يمون أو يصبح كسيحا) (24)
5- روابط التفسير الحجاجي
إبراهيم أبوحماد المحامي - الحجاج في النص القصصي- ليل الضفة الطويل أنموذجا ج 1
إبراهيم أبوحماد المحامي - الحجاج في النص القصصي- ليل الضفة الطويل أنموذجا ج 1
www.ahewar.org