إبراهيم أبوحماد المحامي - تأملات في القانون

حاجة للبشر، لتنظيمهم، وللسلطة التي تحتكر أدوات القهر أو تسعى حثيثة لتحقيق العدالة، وللاحتلال أدواته لتنظيم إدارة الموت والحياة، وللطبقة، وللعصابة التي تمارس النفوذ للسيطرة والاستطالة، والقانون شر يكمن فيه الخير، وخير يكمن فيه الشر، ذهني فكري أو آلي ميكانيكي. ولا يخلو من التفاعلية بتجدد النوازل، والقانون تلقي نفسي تأويلي يعتمد البرهان، وقوة الحجة، وحجة القوة.
كم قهرنا، وكم انصفنا، كم عاملنا بانسانية، وكم غرر بنا، كم خدعنا بأنه الحقيقة التي لا تنتهي، كم ظلم الفقراء رغم سعيهم له، واضر بالمخطئين بتكبير أخطائهم، كم أنت مرهق أيها القانون، كم اضحكتنا وابكيتنا، كم صغرت أخطاء الأخرين بلا محاكمات أو بمحاكمات صورية.
لا اسئلك، ولكني أتعجب لحالك، تثير السخرية بممارسة التقية، تثير الأسف حيث تطبق بانتقائية، والاستهجان حين توجيهك بتفسير معين لخدمة فلان أو علان. يتظاهرون باحترامك وينتهكوك، أنت لست مجرد، ولست عام، فاحيانا تخصص، وأخرى تكمم، وأخرى تبقى نصوص يعلوها الغبار، أو لا يراد لك أن تكون قويا نصا وتطبيقا.

لا تأبه بمن خالفك، لمن نقضك، فأنت قابل للتلون للتعديل، للسير وحيدا وسط الطريق، تتنازعك المصالح، فكل يدعي وصله بك.

أيها القانون، يا لعبة الكلمات، يا لعبة النفوذ، يا لعبة لشد الحبل، يا لعبة المصالح، لكل كلمة فيك أكثر من تفسير، تتعدد دلالاتك حتى التضاد، حتى التناقض.

أي انسجام تحمل بين ثناياك، فأنت الخديعة الكبرى، تقهر الفقير، وتعلي من شأن ذوي النفوذ، تطارد الفقراء وتشوه، وتفسر وتؤول لتناسب النفوس، لتناسب المقاييس، معاييرك تتغير، أي معيار يشوه، وقوة الكلمة أنت، وضعفها أنت، القانون ليس أنت، من يضعك؟من يفسرك؟ من ينتهكك، هو القانون، أنت المصالح، لا العدالة أنت، أنت أداة السيطرة.

أي سيادة لك، أنت المسود، ولي عنقك، ولا تموت، تتغير تتشكل، بلا روح، بلا معاناة، بلا ألم، أنت أداة الآلام، والأحزان أنت.
شيء لا يعرف، ولا يعرف، أنت المستورد والمستهلك، محير كلغز حزين في عالم اليوم والأمس، أنت اللاقانون أنت، اللاوجود أنت، اللاكائن أنت. أنت اللا أنت.
الخطيئة الكبرى قانون، فأي براءة منك، القلوب القاسية أنت، نفسرك حسب مصالحنا، نصوغ لا جوهرة، ولا شذرات من ذهب، تصوغك رغباتنا التي لا تنتهي، نبيع أنفسنا باسمك، ننتهك الكرامات لأجل سيادتك. فأي الذنوب ترتكب باسمك. ثم نتبرأ منك.
حاجتنا اليومية، مغالطتنا الأبدية، التفسير أداتنا المسالمة لنرتكب المحظورات، لنتخلص من عبء العدالة الثقيل.

أيها التفسير تتوه في ثناياك الحقيقة، ينهار نظامنا المعرفي، تتداعي الأحلام، ايها التفسير هذا ليس لك، تسييس الصغير حتى الايدلوجيا تطغى عليك، بلا مبررات، بتعقيدك، فأنت لست بسيط، بلا معنى للكلمات. أنت المتغير حتى الثمالة، أنت الكلمات في غير سياق.
نغتال الضعفاء والمهمشين والطفولة باسمك، ونتطهر باسمك، يا اسم الله، رحماك. مشينا في جنازة القانون غرباء، شعيناه، وهتفنا باسمه، طهرنا من عذاباته، ذرفنا على أحلامه الدموع، ونعيناه شهيدا، ونحن ضحاياه، ونحن أدواته، ونحن القاتلون باسمه. قاتلون ولكن أبرياء، مجرمون شرفاء.

لماذا ندافع عنك، مع كل التشبيهات والاستعارات والمجازات، مع تلك الصراحة والحقيقة الثابتة المطلقة، مع حتى نسبيتها، مع تكرارها واستمراريتها واطرادها، ألم تسرق أحلامنا، ألم تشردنا، ألم تجوعنا، ألم تقتلنا، أنت المجرم بثوب القانون، عزرائيل، بدون مسوغات، بلا مبررات.
الظلم بعينه أنت، أنت الكراهية بثوب ملاك، يا من خلقك المجاز والكلمات، وتخفي الحقيقة بثوب اللغات، يا متعب الخلق، ارحنا منك، فالبسطاء منهكين منك، صراعك الأبدي، حداثتك ليست لك، تنصر الأنذال أنت. بأي اللغااللغاتعت أنت؟ بأي روح أنت، اتملك كل الوجوه، وكل الشخصيات، من حاورك غير الصمت؟ من يملاء كل الفراغات التي أحدثتها تلك؟
من يملأ تلك الشفرات، والايماءات والايحاءات، ولغة العيون، .تقليب الأوراق، ما دبر في ليل كانون، وتساقطك كأوراق الخريف، وزهوك في شقائق نعمان الربيع، ننافقك بلا حياء، بلا خجل أو تورعات، من يفهم رسائلك تلك، كاحاديث النساء المغمغمة، تلك الاشارات والعلامات.
حاربتنا في الكلمات، وسعت مخيلتنا فمتطيناك، وزهت كلماتنا فوق كل التأويلات.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى