أمل الكردفاني - اختلال الأبعاد

ما هو الرسم المتقن، هو الذي يتقن بلاغته. ومن هنا تمردت مدارس عديدة على المدرسة التقليدية، والتي وَسَمَت الفن عموماً، حتى ظهور التعبيريين، والسورياليين، ومن قبلهم التكعيبيين..ثم عادت في الآونة الأخيرة المعايير التقليدية للفن، الذي يطابق الحقيقة، بما هي حقيقة مشاهدة. ويمكن إعتبار هذع العودة المفاجئة تعبيراً ما بعد حداثي، باعتباره أصولي المنهج. وهو إذ ذاك يعتمد على الأبعاد السليمة لأقصى حد لها، وكذا التجسيم الظلي. ورغم ذلك، فهذه العودة لم تجذب الجماهير إلا لأشهر فقط، ثم أعرضوا عنها، فالرسم على وجهه التطابقي الذي لا يختلف عن الصورة الفوتوغرافية، لا يكسر التوقعات، وكسر التوقعات هو أس الفن وجوهره. لذلك تبدأ الهجرة العكسية نحو السوريالية والرمزية، وبالتالي تتحطم الأبعاد، أو تختل كعملية مقصودة، ومؤثرة في نفس الوقت. كان فن الرسم الكاريكاتوري هو الذي اعتمد على خلخلة الأبعاد، للكشف عن تناقضات ومفارقات سياسية واجتماعية. فالمسؤول ذو الكرش الكبير والخدود المنتفخة، والنظرة الناعسة، يعبر عن الفساد، واستطالة الذراع والشفاه الممطوطة بأكبر من شكلها المعتاد، دلالة على الخيانة، والخبث. والمرأة التي تبدو كالبرميل، بحيث لا تتمتع بتقسيم جسدية جمالية، تشير للشر، والنكد، والتفكك الأسري، والأنف الكبير تعبر عن مجتمعات تراقب بعضها البعض وترفض احترام الحرية الفردية. وبشكل عام يبدو تكثيف إختلال الأبعاد مقترحاً للتركيز أكثر منه سخرية في الكاريكاتور. لقد مارس الفن عموماً هذه الخلخلة للأبعاد، ففن الرواية، لم يخلُ منه، لتظهر الروايات الكابوسية، والواقعية السحرية، وفي انتظار ما هو أكثر خلخلة لتلك الأبعاد التقليدية إثر نزعة رفض التجنيس الأدبي.. إذاً، فالأبعاد، ليست إعتباطية، بل تعكس توجه الفنان منذ البداية. أي باعتبارها كاشفة لانعكاسات الواقع سيكولوجياً، فالواقع لا يمكن التعبير عنه كما هو، لأن الصورة القشرية تخفي وراءها تعقيدات أكثر مما يمكن للفن أن يعبر عنها بأدواته المحدودة، لذلك فهو يستخدم تلك الأدوات إستخداماً متنوعاً وغير معتاد لكي يعبر عن واقع غير معتاد..أي عن التغيرات....
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى