حضنتُ البُنَيَّة كما يحضن مُودِّعُُ أمَّهُ في لحظة فراقٍ غير مأمون العودة ,
لم تكن أكثر من قطعة خشب بين ذراعيَّ , هل بدأت تكبر !؟ تواصل التحديق في السقف , لعل العناكب العالقة تتحرك , نظرتُ إلى عينيها مُتَجَرِّعاً لامبالاة طفولة بريئة , وحدها في البيت لا تعرف وجهة سفري إلى بلاد بعيدة , تحاشينا التكتم , لا يبدو عليها اهتمام بالموقف , لمحتُ أمي تراود نفسها للتظاهر بالصبر, بينما عينُ زوجتي على يديَّ تمسكان بانفعال ظهر الطفلة إلى صدري ,
في سن الثامنة , تأخذ ملامح الأنثى في التبلور , رغم انكفاء وجهها بحضن كتفيَّ , كنتُ أتلمَّسُ تفاصيل استدارة زرقة البؤبؤ , بشرتها الناصعة لا تشبهها غير صورة "مريم" على الحائط منذ أربعين عاما , وعيتُ في سن العاشرة بوجود امرأة في البرواز , سموها مريم , تتوسط شمساً ذائبة الجنبات بأشعة أرجوانية , ثم عرفت أنها العذراء , ولم تكن في ذهني أية فكرة عن عذريتها الجنسية , أما " خديجة " , فقد كانت ساعتها وفي حدود علمي عذراء ,
هل سأجدها كذلك بعد غيبة خمس سنوات ,
ظلت أمِّي صامدة تقرأ في نظراتي حُرقة الافتراق , بينما ظلَّتْ نظرات زوجتي حادَّة تلتصق بابتسامة عريضة انفرجت لها أسارير الصغيرة ,
تطلعتْ إلى خدِّي تودُّ أن تقَبِّلُه , شفتاها الدافئتان , لم تلْحقا غير ذقني المُشوَّك ببداية نبْتِ شُعَـيْرات عمرها أقل من أسبوع ,
منذ أُبْلِغْتُ بموعد الرحيل إلى منفاي الاختياري , لم أفكِّر في تمرير موسى على وجهي ,
طالتِ الانتظارات , ولولا هذا العقد الذي كلَّف زوج أختي خمسة ملايين , لكنت إلى الآن أرشف مرارة الغد مُعَـطَّلاً بقوة القانون , ينُصُّ قرار عَزْلي عن الوظيفة , بعدم السماح لي بامتهان أي عمل في المؤسسات الحكومية , كم كنت أضحك من نفسي , حين أتذكَّر أنني لم أتقن عملاً يَدوياً واحداً ,لا أعرف كيف أمسكُ حتَّى بمطرقة ,
ظلت حرفتي الوحيدة الكتابة في جريدة الحزب , حتى كانت تلك المقالة التي قصمت ظهر البعير :
لا غالب إلا عصا الوزير .
هـلل الجميع لاجترائي , لكنهم لم يلبثوا أن نسوا اسمي و وجودي , تلك حكاية أخرى ,
تحركتْ " خديجة " تحاول الوقوف على قدميها , علا وجهُ زوجتي انشراحُُ بعد ضيق , وخجلاً من حضرة أمي, لم أضُمَّها إلى صدري كما كنتُ أفعل في خلوة الوصال , شددتُ على يدها بحرارة , أعلم قسوة انتظارها خمس سنوات إن بقيت في العمر بقية , كنت أتسَمَّعُ شكواها من عُقْم أحَديْنا , رغم تأكيد الطبيبة بأن المشكل ليس منها , لم تُشعِرني بأدنى حَرج , أكثر من مرة , تواعدنا على أن أعرض نفسي على الطبيب , لإجراء تحليلات السائل المنوي , لكن كل مرة , كان يطرأ عارض قاهر يحول دون ذلك , لحسن الحظ أنها كانت تعي الظروف وتتفهم تخلُّفي عن ذلك ,
انسحبت خديجة إلى المطبخ , ارتمتْ أمي على صدري فانحنيتُ لأقبلها , بينما كانت زوجتي تسرح خلف خطوات البُنَيَّة , أحسستُ كأنها القبلات الأخيرة, لم تكن نظراتُها إليها كتلك التي رمَتْها بها عينُ الرِّضا , حين جاءتْ بها أمُّها تعرضها علينا , لِسَتْر فِعْلتها خوفاً من العار , كما قالت .
محمد المهدي السقال / المغرب
لم تكن أكثر من قطعة خشب بين ذراعيَّ , هل بدأت تكبر !؟ تواصل التحديق في السقف , لعل العناكب العالقة تتحرك , نظرتُ إلى عينيها مُتَجَرِّعاً لامبالاة طفولة بريئة , وحدها في البيت لا تعرف وجهة سفري إلى بلاد بعيدة , تحاشينا التكتم , لا يبدو عليها اهتمام بالموقف , لمحتُ أمي تراود نفسها للتظاهر بالصبر, بينما عينُ زوجتي على يديَّ تمسكان بانفعال ظهر الطفلة إلى صدري ,
في سن الثامنة , تأخذ ملامح الأنثى في التبلور , رغم انكفاء وجهها بحضن كتفيَّ , كنتُ أتلمَّسُ تفاصيل استدارة زرقة البؤبؤ , بشرتها الناصعة لا تشبهها غير صورة "مريم" على الحائط منذ أربعين عاما , وعيتُ في سن العاشرة بوجود امرأة في البرواز , سموها مريم , تتوسط شمساً ذائبة الجنبات بأشعة أرجوانية , ثم عرفت أنها العذراء , ولم تكن في ذهني أية فكرة عن عذريتها الجنسية , أما " خديجة " , فقد كانت ساعتها وفي حدود علمي عذراء ,
هل سأجدها كذلك بعد غيبة خمس سنوات ,
ظلت أمِّي صامدة تقرأ في نظراتي حُرقة الافتراق , بينما ظلَّتْ نظرات زوجتي حادَّة تلتصق بابتسامة عريضة انفرجت لها أسارير الصغيرة ,
تطلعتْ إلى خدِّي تودُّ أن تقَبِّلُه , شفتاها الدافئتان , لم تلْحقا غير ذقني المُشوَّك ببداية نبْتِ شُعَـيْرات عمرها أقل من أسبوع ,
منذ أُبْلِغْتُ بموعد الرحيل إلى منفاي الاختياري , لم أفكِّر في تمرير موسى على وجهي ,
طالتِ الانتظارات , ولولا هذا العقد الذي كلَّف زوج أختي خمسة ملايين , لكنت إلى الآن أرشف مرارة الغد مُعَـطَّلاً بقوة القانون , ينُصُّ قرار عَزْلي عن الوظيفة , بعدم السماح لي بامتهان أي عمل في المؤسسات الحكومية , كم كنت أضحك من نفسي , حين أتذكَّر أنني لم أتقن عملاً يَدوياً واحداً ,لا أعرف كيف أمسكُ حتَّى بمطرقة ,
ظلت حرفتي الوحيدة الكتابة في جريدة الحزب , حتى كانت تلك المقالة التي قصمت ظهر البعير :
لا غالب إلا عصا الوزير .
هـلل الجميع لاجترائي , لكنهم لم يلبثوا أن نسوا اسمي و وجودي , تلك حكاية أخرى ,
تحركتْ " خديجة " تحاول الوقوف على قدميها , علا وجهُ زوجتي انشراحُُ بعد ضيق , وخجلاً من حضرة أمي, لم أضُمَّها إلى صدري كما كنتُ أفعل في خلوة الوصال , شددتُ على يدها بحرارة , أعلم قسوة انتظارها خمس سنوات إن بقيت في العمر بقية , كنت أتسَمَّعُ شكواها من عُقْم أحَديْنا , رغم تأكيد الطبيبة بأن المشكل ليس منها , لم تُشعِرني بأدنى حَرج , أكثر من مرة , تواعدنا على أن أعرض نفسي على الطبيب , لإجراء تحليلات السائل المنوي , لكن كل مرة , كان يطرأ عارض قاهر يحول دون ذلك , لحسن الحظ أنها كانت تعي الظروف وتتفهم تخلُّفي عن ذلك ,
انسحبت خديجة إلى المطبخ , ارتمتْ أمي على صدري فانحنيتُ لأقبلها , بينما كانت زوجتي تسرح خلف خطوات البُنَيَّة , أحسستُ كأنها القبلات الأخيرة, لم تكن نظراتُها إليها كتلك التي رمَتْها بها عينُ الرِّضا , حين جاءتْ بها أمُّها تعرضها علينا , لِسَتْر فِعْلتها خوفاً من العار , كما قالت .
محمد المهدي السقال / المغرب