عندما تموت... وسيحدث ذلك يوماً ما، إن عاجلاً أم آجلاً... فالأمر سيحدث حتماً...
عندما تموت، ستلاحظ حدوث تغيّر طفيف فقط، ولكن كل شيء سيبدو كما هو تقريباً. ستستيقظ، وتنظّف أسنانك، تقبّل زوجتك وأطفالك وتودّعهم، وتمضي إلى العمل. هناك حركة مرور أقل من المعتاد. ستلاحظ أنّ مبناك فارغاً تقريباً من السكان وكأنّ الجميع في إجازة. ولكن كل من معك في العمل موجودون هنا، وهم يرحبون بك بلطف وكياسة. ستشعر بشعبية غريبة. كل شخص تقابله سيصبح شخصاً تعرفه تمام المعرفة. وفي مرحلة ما، سيخطر ببالك فوراً أنّ هذه هي الآخرة: العالم مكوّن من الأشخاص الذين قابلتهم من قبل وتعرفهم مسبقاً.
إنهم جزء ضئيل جداً من سكّان العالم _حوالي ٠.٠٠٠٠٢ في المائة_ لكنهم يبدون كثيرين بالنسبة لك.
يتّضح أنّ الأشخاص الذين تتذكّرهم فقط هم الموجودون هنا. لذا فالمرأة التي تشاركت معها نظرة خاطفة في مكان عام قد تكون موجودة أو غير موجودة. معلّمك في الصف الثاني موجودٌ هناك أيضاً، مع معظم طلاب الفصل. والداك، أبناء عمومتك، وطيف أصدقائك على مدار السنوات. كل عشيقاتك ومعجباتك حبيباتك السابقات. مديرك، وجدّاتك، والنادلة التي قدّمت لك وجبة الغداء بالمطعم كل يوم، هؤلاء اللواتي واعدتهنّ، أو اللواتي كِدتَ تواعدهُن، أو اللواتي اشتيهتنّ وتقت للقائهن. إنها فرصة رائعة لقضاء وقت ممتع مع الآلاف من معارفك، لتعزيز علاقاتك معهم، والتعويض مع أولئك الذين افترقت عنهم.
وبعد عدّة أسابيع من ذلك فقط، سيطغى على روحك شعور بالأسى.
ستتسائل ما هو الأمر المختلف عندما تتنزّه في الحدائق الجميلة الهادئة برفقة صديق أو صديقين، مع عدم وجود غرباء يزينون مقاعد الحديقة الفارغة بعشوائية. لن ترى عائلة غريبة عنك ترمي فتات الخبز للبط العائم فوق البحيرة وتتبادل الابتسامات معهم. وعندما تدخل في شارع ستلاحظ عدم وجود حشود من الناس، ولا مبانٍ تعُجُّ بالعمّال، ولا مدن بعيدة مزدحمة، ولا مستشفيات تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ليلاً نهاراً مع مرضى وممرضين وأطقم طبية وإسعافية. لن ترى قطارات تعوي ليلاً تحمل ركّاباً متأخرين في طريقهم إلى منازلهم. قلّة قليلة من الأجانب.
ستبدأ في التفكير في كل الأمور غير المألوفة بالنسبة إليك. ستدرك أنك لم تكن تعرف أبداً كيف تذيب المطاط لتصنع إطارات. والآن ستجد هذه المصانع متوقف عن العمل وفارغة من العمال. لم تكن تعرف أبداً كيف تصنع رقاقة من السيليكون من رمال الشاطئ، وكيف تطلق الصواريخ إلى خارج الغلاف الجوي، وكيف تزرع الزيتون أو ترصف السكك الحديدية. والآن هذه الصناعات مغلقة وفارغة.
الحشود الغائبة ستجعلك تشعر بالوحدة. وستبدأ في الشكوى من كل الأشخاص الذين تقابلهم، أو يمكن أن تقابلهم. لكن لا أحد يستمع إليك أو يتعاطف معك، لأنّ ذلك ما اخترته بالضبط عندما كنت على قيد الحياة.
Sum: Forty Tales from the Afterlives
Eagleman, David
(ترجمة إبراهيم قيس جركس)
عندما تموت، ستلاحظ حدوث تغيّر طفيف فقط، ولكن كل شيء سيبدو كما هو تقريباً. ستستيقظ، وتنظّف أسنانك، تقبّل زوجتك وأطفالك وتودّعهم، وتمضي إلى العمل. هناك حركة مرور أقل من المعتاد. ستلاحظ أنّ مبناك فارغاً تقريباً من السكان وكأنّ الجميع في إجازة. ولكن كل من معك في العمل موجودون هنا، وهم يرحبون بك بلطف وكياسة. ستشعر بشعبية غريبة. كل شخص تقابله سيصبح شخصاً تعرفه تمام المعرفة. وفي مرحلة ما، سيخطر ببالك فوراً أنّ هذه هي الآخرة: العالم مكوّن من الأشخاص الذين قابلتهم من قبل وتعرفهم مسبقاً.
إنهم جزء ضئيل جداً من سكّان العالم _حوالي ٠.٠٠٠٠٢ في المائة_ لكنهم يبدون كثيرين بالنسبة لك.
يتّضح أنّ الأشخاص الذين تتذكّرهم فقط هم الموجودون هنا. لذا فالمرأة التي تشاركت معها نظرة خاطفة في مكان عام قد تكون موجودة أو غير موجودة. معلّمك في الصف الثاني موجودٌ هناك أيضاً، مع معظم طلاب الفصل. والداك، أبناء عمومتك، وطيف أصدقائك على مدار السنوات. كل عشيقاتك ومعجباتك حبيباتك السابقات. مديرك، وجدّاتك، والنادلة التي قدّمت لك وجبة الغداء بالمطعم كل يوم، هؤلاء اللواتي واعدتهنّ، أو اللواتي كِدتَ تواعدهُن، أو اللواتي اشتيهتنّ وتقت للقائهن. إنها فرصة رائعة لقضاء وقت ممتع مع الآلاف من معارفك، لتعزيز علاقاتك معهم، والتعويض مع أولئك الذين افترقت عنهم.
وبعد عدّة أسابيع من ذلك فقط، سيطغى على روحك شعور بالأسى.
ستتسائل ما هو الأمر المختلف عندما تتنزّه في الحدائق الجميلة الهادئة برفقة صديق أو صديقين، مع عدم وجود غرباء يزينون مقاعد الحديقة الفارغة بعشوائية. لن ترى عائلة غريبة عنك ترمي فتات الخبز للبط العائم فوق البحيرة وتتبادل الابتسامات معهم. وعندما تدخل في شارع ستلاحظ عدم وجود حشود من الناس، ولا مبانٍ تعُجُّ بالعمّال، ولا مدن بعيدة مزدحمة، ولا مستشفيات تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ليلاً نهاراً مع مرضى وممرضين وأطقم طبية وإسعافية. لن ترى قطارات تعوي ليلاً تحمل ركّاباً متأخرين في طريقهم إلى منازلهم. قلّة قليلة من الأجانب.
ستبدأ في التفكير في كل الأمور غير المألوفة بالنسبة إليك. ستدرك أنك لم تكن تعرف أبداً كيف تذيب المطاط لتصنع إطارات. والآن ستجد هذه المصانع متوقف عن العمل وفارغة من العمال. لم تكن تعرف أبداً كيف تصنع رقاقة من السيليكون من رمال الشاطئ، وكيف تطلق الصواريخ إلى خارج الغلاف الجوي، وكيف تزرع الزيتون أو ترصف السكك الحديدية. والآن هذه الصناعات مغلقة وفارغة.
الحشود الغائبة ستجعلك تشعر بالوحدة. وستبدأ في الشكوى من كل الأشخاص الذين تقابلهم، أو يمكن أن تقابلهم. لكن لا أحد يستمع إليك أو يتعاطف معك، لأنّ ذلك ما اخترته بالضبط عندما كنت على قيد الحياة.
Sum: Forty Tales from the Afterlives
Eagleman, David
(ترجمة إبراهيم قيس جركس)