مصطفى فودة - قراءة لقصة " صافرات بعيدة" للاستاذ سمير الفيل

صافرات بعيدة
سمير الفيل.

( إنه الانحدار الهائل. الانحدار الذي يخطف قلبه خطفا. عنق من المرمر ، وقلادة من الزمرد الأخضر.
زمرد مشطوف بعناية فائقة ، يتلألأ في كل مرة ينعكس عليه الضوء.
شعر بتماسك عجيب ، وهو يلمسها ، ويؤكد لها دون أن يرتب الكلام أنه لن يتركها حتى لو كانت كنوز قارون في الجانب الآخر من البحر .
فكرة السفر صارت بعيدة عن تفكيره ، ولما طوقها بذراعيه قبل خمسة أشهر شعر بالعطر يدوخه فداخ .
كانت المرة الأولى التي يلمح فيها بريق الزمرد في الظلام . هذا مستحيل فعليا ، ربما شعاع من ضوء القمر سقط على الفص الكريم فتوهج .
في ميناء بعيد يسمى " نابولي " كانت صافرات البواخر تنهش قلبه . أما الجوع فقد راح يحرك معدته في تقلصات غريبة رغم خيوط الأسبجتي بالمايونيز .
كانت في نفس اللحظة تقف بكل كبريائها المجروح في الشرفة تحدق في ظلال كثيفة تحط على شجرة التوت التي أثمرت منذ أسابيع ثمرة لذيذة سوداء . تحرك في أحشائها جنين . تدرك أن سنوات قد تمضي كالسكين على عنقها قبل أن يعود من إبحاره ليرى ابنه.)


قراءة مصطفى فودة لقصة صافرات بعيدة للاستاذ سمير الفيل
1-نحن امام نص مكثف قصير لكنه من العيار الثقيل فنيا يدل عنوانه على السفر والبعاد والشوق وهو يومئ الى موضوع النص واستطيع أن أقول بان محور النص أو بنائه يقوم على السفروالحنين ، ورغم أن النص يبدأ من الواقع الاأن بطله يتمرد على هذا الواقع ويرنو الى السفر الى الضفة الاخرى من البحر حيث المال والغنى فى معتقده تاركا زوجته بعد خمسة اشهر من الزواج رغم وعده لها بعدم السفر ولو كانت كنوز قارون فى الجانب الاخر من البحر 2- يبدأ السرد بتيار وعى الزوج والحبيب وهو فى ميناء نابولى بايطاليا شاعرا بالحنين الى زوجته بعنقها المرمر وعليه قلادة من الزمرد الاخضر بل تذكر عطر امرأته الذى شمه من قبل فداخ حبا وعشقا ، وينتقل السرد الى الزوجة التى تهيم عشقا وحنينا الى زوجها وفى نفس اللحظة تقف الزوجة بشرفة منزلها ناظرة الى شجرة التين التى أثمرت ثمرتها وفى نفس الوقت تحرك فى أحشائها جنين وللقارئ أن يوأول شجرة التوت بانها معادل موضوعى او شخصى للزوجة ففى الوقت التى اثمرت الشجرة ثمرتها اللذيذة تكون الزوجة تحرك فى أحشائها طفل سيكون جميلا ولذيذا مثل ثمرة الشجرة . 3- توقف النص كثيرا امام عقد الزمرد التى ترتديه الزوجة ( قلادة من الزمرد الاخضر - يتلألأ فى كل مرة ينعكس عليه الضوء - يلمح بريق الزمرد فى الظلام - ربما شعاع من ضوء القمر سقط على الفص الكريم فتوهج ) والزمرد نوع من الاحجار الكريمة وقيل أنه لا يوجد به شوائب مرئية فهو يعتبر بلا عيوب وروى عنه كثير من الاساطير والمأثورات الشعبية فقيل أنه يحفظ من يرتديه من كثير من الامراض ويستخدم لمساعدة النساء عند الولادة ويطرد الارواح الشريرة والحفاظ على عفة مرتديه ومن ثم من الممكن ايضا ان يكون الزمرد فى النص معادل شخصى للزوجة المحبة لزوجها المتطلعة لعودته من سفره 4- اللغة والصور الابداعية : كانت اللغة فى هذا النص مكون رئيسى فى بناء النص فعبرت باقتدار عن الحب والحنين واللهفة من كل من الزوجة والزوج للآخر وكانت بسيطة منسابة كالماء كما حفلت بصور ابداعية جميلة وفى خدمة النص مثل (يخطف قلبه خطفا - عنق من المرمر - صافرات البواخر تنهش قلبه - سنوات قد تمضى كالسكين _ شعاع من ضوء القمر - يتلألأ - كنو قارون - بريق الزمرد - شعر بالعطر) 5 - الزمان والمكان : كان عنصرا الزمان والمكان من العناصر الهامة فى بناء النص فالزوج سافر الى ميناء نابولى بايطاليا عقب زواجه بخمسة اشهر بعد وعد لها بأنه لن يتركها حتى لو كانت كنوز قارون فى الجانب الاخر من البحر فكان ذلك الشوق الجياش والتطلع الى لقاء كل منهما للآخر ، وكان عنصر المكان فى القصة هاما أيضا إذ انه صور الزوج فى ميناء نابولى وكانت صافرات البواخر تنهش قلبه وفى نفس اللحظة صور الزوجة تقف بكبريائها المجروح فى الشرفة تحدق فى شجرة التوت وهو تصوير بديع اشبه بالمشاهد السينمائية الرفيعة ، وأخيرا أقول أن الاستاذ سمير الفيل قدم لنا نصا قصيرا مكتنزا من الفن الخالص منطلقا كعادته من الواقع والبيئة المحيطة به الى أفق انسانى رحيب . (قراءة مصطفى فودة )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى