(هل لحياتنا أي معنى أو غاية؟)
صحيح، لا أحد يدري. ولكن _شخصياً_ أشكّ في ذلك.
نمضي أيامنا، ظانّين أننا نؤدّي أعمالاً مهمة، نقلق بشأن مشاكلنا، وجميع مشاكل العالم من حولنا. نعتقد بأننا ندرك ما الذي يجري حولنا، نبقى سجناء عوالمنا الصغيرة والضئيلة، ونكاد لا نتوقّف ولو قليلاً لنتأمّل تفاهة كل ذلك وعبثيته.
نعيش حيواتنا اليومية، اجتماعات عمل، ندرس لساعات وساعات، نعمل كالدواب لنتلقّى أجراً، وربما نحاول تغيير العالم ولو قليلاً. ولكنّ الحقيقة هي اننا لينا سوى كمشة من اللحم والعظم، نلفّ الكون على متن صخرة حقيرة، نخلق ضجيجاً حول مشاكلنا ومشاغلنا التافهة.
سأطلب من أي شخص يقرأ هذا المقال الآن أن يتوقّف ويتفكّر لبرهة، ما الذي يعطي حياتك معنى؟... هل أنت تعيش لهدف أو غاية؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل هذا هدفك وغايتك أنت شخصياً، أم هدف أقنعك به شخصٌ آخر؟؟!!!!!!
بصفتنا بشراً، فإننا نتوق للمعنى في حياتنا. نبحث عن المعنى والهدف في عدّة أماكن مختلفة، البعض يختار الدين، البعض الآخر يبحث عنه في السياسة، أو يجد غايته في تغيير حياة الآخرين. لكن مع ذلك علينا أن نعترف أنّ جميع هذه الأفكار ما هي إلا وسائل اخترعها البشر من أجل التأقلم مع النقص الحاد للمعنى الذي تبعثه فينا الحياة.
الآن يمكنني بسهولة تسجيل نقطة لصالح "العدمية"، ولكن لو مضيتُ في هذا الطريق، لوجب عليّ أن أطلب منك قتل نفسك فوراً، ولكني لا أؤيد ذلك قطعاً.
أنا أعتبر نفسي "وجودياً". لا أعتقد أنّ الحياة تتضمّن أي معنى غير ذلك الذي نضفيه نحن. يمكنني أن أكون عدمياً ببساطة، لكنني أعتقد طالما أننا بتنا في هذا الموضع، فيجب علينا على الأقل أن نفعل شيئاً، أليس كذلك؟
# جذور الوجودية
لو نظرنا إلى تاريخ الجنس البشري ككل، نرى أنّ الوجودية لك تظهر سوى مؤخراً.
لقرون طويلة، كان يُعتقد بشكل عام أنّ كل كائن حي على وجه الأرض يعيش وفق هدف معيّن أو غاية محددة منحه إياها إله ما، أو الكون نفسه، أو مهما يكن. كانت هذه النظرية تعرف "بالجوهرية" [وهي الاعتقاد بأنّ جميع الموجودات تتمتّع بخصائص جوهرية كامنة لأيمكن اكتشافها أو معرفتها إلا بالعقل]. وهي الفكرة التي تقول أننا جميعاً نمتلك جوهراً علينا العيش وفقه من أجل أن نحيا حياة سليمة، وأنّ هذا الجوهر قد مُنِحَ لنا قبل مجيئنا إلى هذا العالم حتى.
ثم جاء القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما تمّ هضم المُثُل والأفكار التي عاشت بها البشرية لآلاف السنين وبصقها من قبل العديد من عمالقة المفكّرين والفلاسفة الجدد. ومن بينهم مانت هناك أسماء كبيرة أمثال فريدريك نيتشه وألبير كامو ومارتن هيدغر، الذين قدّموا لما فلسفات مثل "العدمية" و"العبثية" وطالبونا مساءلة جوهر الوجود والكينونة نفسها.
تقترح الفلسفة العدمية أنّ الحياة لا تنطوي على أي معنى مهما كان، مهما فعلنا، وليس هناك أي سبيل لتغيير هذه الحقيقة. لذا يمكننا ألا نقوم بشيء، أو ننخرط في أعمال وتصرفات مدمّرة. أمّا العبثية فتصرّح بعبثية البحث المحال واللامجدي عن معنى وسط محيط العَبَث واللامعنى من حولنا. وتبدو هذه السمة واضحة في رواية "الغريب" لألبير كامو.
وقد تمّت صياغة هذه الأفكار للمرة الأخيرة على يديّ جان بول سارتر في القرن العشرين، وهكذا جاءت الفلسفة النهائية للوجود: الوجودية.
# لماذا الوجودية هي الفلسفة الوحيدة التي تصلُح لأن نحيا وفقها؟
تنصّ الفلسفة الوجودية على أنّ حياتنا لا تتضمّن أي معنى متأصّل أًو غاية متأصّلة فيها، بل إنّ المعنى الذي نخلقه نحن ونضفيه على حياتنا هو الذي يمنحنا الحسّ بالمعنى. وهذا المعنى لا وجود له إلا في وعينا، أمّا الكون، أو الإله، أو العالم، فلا يبالي بما نقوم به.
هذه الفكرة تمنحنا جوهرياً الحرية القصوى لنحيا حياتنا بالطريقة التي نرغب بها، إذ لا توجد شيفرة أخلاقية مطلقة متأصلة في الكون علينا اتباعها، فنحن نمتلك السيطرة الكاملة على رغباتنا وأفعالنا. أرى أنّ على الناس أن يأخذوا هذه الفكرة كنقطة إيجابية بدلاً من أن تكون سلبية. نعم، ((الحياة لا معنى لها))، ولكن لماذا يجب أن يكون هذا شيئاً سلبياً. ما أن نتقبّل هذه الفكرة، يمكننا أن نعيش حياتنا بحرية، نفعل ما يسرّنا، طالما أنّ المجتمع يسمح لنا بذلك.
أعتقد أنك لو أردت أن تعتنق ديانة معينة، أو إيديولوجيا سياسية ما تستطيع من خلال أن تضفي معنى على حياتك، هيا قُمْ بذلك، فكما سبق وقلتُ، هذه حياتك، وبإمكانك أن تفعل ما تشاء. ولكني أعتقد شخصياً أنّ هذا السبيل ليس الطريق الصحيح للجميع، فأنت بذلك تقبل بوجود سلطة أو مرجعية "غير موجودة أصلاً". فهناك أشخاص مصلي ومثلك تماماً قاموا باختراع هذه المنظومات الدينية والسياسية. أشخاص _مثلي ومثلك بالضبط_ لا يعرفون للحياة أي معنى. عليك أن تخلق معناك الخاص لحياتك.
يقول ألبير كامو: ((المعنى الحقيقي للحياة هو اي ما تفعله يحفظك من قتل نفسك))
صحيح تماماً، يمكنك أن تمون عدمياً، وتسترخي على أريكتك ظانّاً أنك أذكى من الجميع لاكتشافك أنّ الحياة لا تحمل أي معنى. ولكن في الحقيقة هذا الموقف لا يقودك إلا إلى الأسى والحزن لبقية حياتك. بالإشفاق على نفسك، فإنك ستقضي كل يوم في حياتك متسائلاً "ما الهدف من كل ذلك". وستغدو دوماً على حافة الانتحار.
علينا على الأقل أن نبذل قصارى جهدنا بالبحث عمّا سيضفي المعنى على حياتنا، ويمنحنا الشعور بالسعادة المراوغة.
حاول إتقان عملك، مساعدة الآخرين وتغيير حياتهم نحو الأفضل، أو حاول عيش حياتك بكافة أبعادها قدر استطاعتك بكل بساطة.
علينا جميعاً أن نفترض أننا لا نملك سوى حياةً واحدة لنحياها، لأنّ لا أحد يملك الإجابة من أجلك، فجميع الناس على وجه الأرض جاهلون ولا يملكون اي فكرة عن معنى الحياة بقدرك. لذا كرّس حياتك لفعل شيء يُلهيك عن إدراك الخواء والعبث المتأصّل في وجودنا.
ترجمة إبراهيم جركس
المصدر
Why Existentialism is the Only Philosophy That Makes Any Sense
صحيح، لا أحد يدري. ولكن _شخصياً_ أشكّ في ذلك.
نمضي أيامنا، ظانّين أننا نؤدّي أعمالاً مهمة، نقلق بشأن مشاكلنا، وجميع مشاكل العالم من حولنا. نعتقد بأننا ندرك ما الذي يجري حولنا، نبقى سجناء عوالمنا الصغيرة والضئيلة، ونكاد لا نتوقّف ولو قليلاً لنتأمّل تفاهة كل ذلك وعبثيته.
نعيش حيواتنا اليومية، اجتماعات عمل، ندرس لساعات وساعات، نعمل كالدواب لنتلقّى أجراً، وربما نحاول تغيير العالم ولو قليلاً. ولكنّ الحقيقة هي اننا لينا سوى كمشة من اللحم والعظم، نلفّ الكون على متن صخرة حقيرة، نخلق ضجيجاً حول مشاكلنا ومشاغلنا التافهة.
سأطلب من أي شخص يقرأ هذا المقال الآن أن يتوقّف ويتفكّر لبرهة، ما الذي يعطي حياتك معنى؟... هل أنت تعيش لهدف أو غاية؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل هذا هدفك وغايتك أنت شخصياً، أم هدف أقنعك به شخصٌ آخر؟؟!!!!!!
بصفتنا بشراً، فإننا نتوق للمعنى في حياتنا. نبحث عن المعنى والهدف في عدّة أماكن مختلفة، البعض يختار الدين، البعض الآخر يبحث عنه في السياسة، أو يجد غايته في تغيير حياة الآخرين. لكن مع ذلك علينا أن نعترف أنّ جميع هذه الأفكار ما هي إلا وسائل اخترعها البشر من أجل التأقلم مع النقص الحاد للمعنى الذي تبعثه فينا الحياة.
الآن يمكنني بسهولة تسجيل نقطة لصالح "العدمية"، ولكن لو مضيتُ في هذا الطريق، لوجب عليّ أن أطلب منك قتل نفسك فوراً، ولكني لا أؤيد ذلك قطعاً.
أنا أعتبر نفسي "وجودياً". لا أعتقد أنّ الحياة تتضمّن أي معنى غير ذلك الذي نضفيه نحن. يمكنني أن أكون عدمياً ببساطة، لكنني أعتقد طالما أننا بتنا في هذا الموضع، فيجب علينا على الأقل أن نفعل شيئاً، أليس كذلك؟
# جذور الوجودية
لو نظرنا إلى تاريخ الجنس البشري ككل، نرى أنّ الوجودية لك تظهر سوى مؤخراً.
لقرون طويلة، كان يُعتقد بشكل عام أنّ كل كائن حي على وجه الأرض يعيش وفق هدف معيّن أو غاية محددة منحه إياها إله ما، أو الكون نفسه، أو مهما يكن. كانت هذه النظرية تعرف "بالجوهرية" [وهي الاعتقاد بأنّ جميع الموجودات تتمتّع بخصائص جوهرية كامنة لأيمكن اكتشافها أو معرفتها إلا بالعقل]. وهي الفكرة التي تقول أننا جميعاً نمتلك جوهراً علينا العيش وفقه من أجل أن نحيا حياة سليمة، وأنّ هذا الجوهر قد مُنِحَ لنا قبل مجيئنا إلى هذا العالم حتى.
ثم جاء القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما تمّ هضم المُثُل والأفكار التي عاشت بها البشرية لآلاف السنين وبصقها من قبل العديد من عمالقة المفكّرين والفلاسفة الجدد. ومن بينهم مانت هناك أسماء كبيرة أمثال فريدريك نيتشه وألبير كامو ومارتن هيدغر، الذين قدّموا لما فلسفات مثل "العدمية" و"العبثية" وطالبونا مساءلة جوهر الوجود والكينونة نفسها.
تقترح الفلسفة العدمية أنّ الحياة لا تنطوي على أي معنى مهما كان، مهما فعلنا، وليس هناك أي سبيل لتغيير هذه الحقيقة. لذا يمكننا ألا نقوم بشيء، أو ننخرط في أعمال وتصرفات مدمّرة. أمّا العبثية فتصرّح بعبثية البحث المحال واللامجدي عن معنى وسط محيط العَبَث واللامعنى من حولنا. وتبدو هذه السمة واضحة في رواية "الغريب" لألبير كامو.
وقد تمّت صياغة هذه الأفكار للمرة الأخيرة على يديّ جان بول سارتر في القرن العشرين، وهكذا جاءت الفلسفة النهائية للوجود: الوجودية.
# لماذا الوجودية هي الفلسفة الوحيدة التي تصلُح لأن نحيا وفقها؟
تنصّ الفلسفة الوجودية على أنّ حياتنا لا تتضمّن أي معنى متأصّل أًو غاية متأصّلة فيها، بل إنّ المعنى الذي نخلقه نحن ونضفيه على حياتنا هو الذي يمنحنا الحسّ بالمعنى. وهذا المعنى لا وجود له إلا في وعينا، أمّا الكون، أو الإله، أو العالم، فلا يبالي بما نقوم به.
هذه الفكرة تمنحنا جوهرياً الحرية القصوى لنحيا حياتنا بالطريقة التي نرغب بها، إذ لا توجد شيفرة أخلاقية مطلقة متأصلة في الكون علينا اتباعها، فنحن نمتلك السيطرة الكاملة على رغباتنا وأفعالنا. أرى أنّ على الناس أن يأخذوا هذه الفكرة كنقطة إيجابية بدلاً من أن تكون سلبية. نعم، ((الحياة لا معنى لها))، ولكن لماذا يجب أن يكون هذا شيئاً سلبياً. ما أن نتقبّل هذه الفكرة، يمكننا أن نعيش حياتنا بحرية، نفعل ما يسرّنا، طالما أنّ المجتمع يسمح لنا بذلك.
أعتقد أنك لو أردت أن تعتنق ديانة معينة، أو إيديولوجيا سياسية ما تستطيع من خلال أن تضفي معنى على حياتك، هيا قُمْ بذلك، فكما سبق وقلتُ، هذه حياتك، وبإمكانك أن تفعل ما تشاء. ولكني أعتقد شخصياً أنّ هذا السبيل ليس الطريق الصحيح للجميع، فأنت بذلك تقبل بوجود سلطة أو مرجعية "غير موجودة أصلاً". فهناك أشخاص مصلي ومثلك تماماً قاموا باختراع هذه المنظومات الدينية والسياسية. أشخاص _مثلي ومثلك بالضبط_ لا يعرفون للحياة أي معنى. عليك أن تخلق معناك الخاص لحياتك.
يقول ألبير كامو: ((المعنى الحقيقي للحياة هو اي ما تفعله يحفظك من قتل نفسك))
صحيح تماماً، يمكنك أن تمون عدمياً، وتسترخي على أريكتك ظانّاً أنك أذكى من الجميع لاكتشافك أنّ الحياة لا تحمل أي معنى. ولكن في الحقيقة هذا الموقف لا يقودك إلا إلى الأسى والحزن لبقية حياتك. بالإشفاق على نفسك، فإنك ستقضي كل يوم في حياتك متسائلاً "ما الهدف من كل ذلك". وستغدو دوماً على حافة الانتحار.
علينا على الأقل أن نبذل قصارى جهدنا بالبحث عمّا سيضفي المعنى على حياتنا، ويمنحنا الشعور بالسعادة المراوغة.
حاول إتقان عملك، مساعدة الآخرين وتغيير حياتهم نحو الأفضل، أو حاول عيش حياتك بكافة أبعادها قدر استطاعتك بكل بساطة.
علينا جميعاً أن نفترض أننا لا نملك سوى حياةً واحدة لنحياها، لأنّ لا أحد يملك الإجابة من أجلك، فجميع الناس على وجه الأرض جاهلون ولا يملكون اي فكرة عن معنى الحياة بقدرك. لذا كرّس حياتك لفعل شيء يُلهيك عن إدراك الخواء والعبث المتأصّل في وجودنا.
ترجمة إبراهيم جركس
المصدر
Why Existentialism is the Only Philosophy That Makes Any Sense