هناك أشياءُ لا يقع الشكُ في يقينها متى تقرر الأخذ بها، حيث التماهي مع الصدق، وتوافر موثوقيتها؛ فلا تخطئها الحواسُ، ولا ينكرها العقلُ، ومنها ما يعرف بالحقائق، ويمثلها في ذؤابتها: العلم التجريبي والرياضيات، ولكن المفكر "عبدالوهاب المسيري" يعتبر " الحقائق معطيات مادية متناثرة لا يربطها رابط"وأَغْرَبَ في ذلك المتفرد "جمال حمدان" فجاوزه إلى" رفض النزعة العلمية الصارمة، والتعصب للمناهج الرياضية، وأعاد الاعتبار إلى الخيال والمجاز والحدس" فقد يكون في ثبات بعض القيم العددية جمودٌ ملفوظٌ، ويقينٌ مدحوضٌ؛ حيث تتعاورها النسبيةُ، فتفتقدُ من اليقين الشيءَ الكثيرَ؛ يُذهبُ بالإجماع على قطعيتها من قبل المؤمنُ بالعلم والعَلماني والكافر به.
واللغة بتوسع دلالتها ومنها- لغة الأرقام- ظاهرة بشرية، وكِيانٌ نافر يأبى كلَّ محاولةٍ لتثبيته وجموده، وما تفرع عن الشيء آخذ حكمه لا محالةَّ؛ فوجب أن تُراعَى مُؤتَلِفَات المُكَوّن البشري في هذه اللغة(الرياضيات) وقيمها العددية، ومنها البعدان: الوجداني المتغير، والمادي الجامد؛ وبات الحكمُ بقطعيتها مُلَغَّزًا؛ إذ كيف يتسق اليقيني الثابت( الأعداد)والمتغيِّر المتحوِّل (الإنسان) ويتلبس به- والحكم من وجهة نظرهم -؟! فلغة الأرقام قد يعتريها من التبديل والتغيير ما يصيب غيرها في دنيا الحوادث، وهذا ليس من باب الشطط الفكري، أوالسفسطة المفلسة؛ ألست معي أن قيم الأرقام تتبدل بحسب المقام الذي تشغله؟! وتتغير وفق الغاية التي نأملها، وعلى ذروة سنامها ( الصفر) الذي يعني- في ذاته- لا شيء ، فإذا كان يَمنة تلبس بقيمة المقام الذي يشغله، وإذا تحرك يَسرة جُرِّدَ حتى من أدني قيمة له وهكذا، وقد تطل علينا في انبلاج الصبح إرادةُ الكثرةِ والعدد المطلق من المثنى، في مثل قوله تعالى:"ثم ارجع البصر كرتين ... الآية( الملك:٤ )؛ فالمراد بالتثنية هنا التكرير بكثرةٍ والمعاودة مرة بعد مرة؛ حتى ينحسر البصرُ من كثرة التكرار، وطول المعاودة و الاجترار، وقولك: لبيك وسعديك: تريد إجابات كثيرة العدد، وملاحقةَ بعضها في إثر بعض، وكلاهما ليس قصدا في المنصوص عليه، ولا نصا فيما قصرت الإشارة إليه !
ألم يسبق الدرهم مئة ألف درهم بنص الحديث ؟ ! ولا شك في أن السبق هنا نص في زيادة "الدرهم الواحد عن المئة ألف" وبذلك تَهْتَزُّ- في ظاهرها- القيم العددية للأرقام، ولا تستقر في مقاماتها المعهودة! وإلا فكيف ترجح كِفَّةُ الدرهم الواحد على كِفَّةِ المئة ألف؟! وما كان ذلك ليكون، إلا إذا جئناه من جهة البعد الوجداني، الذي يقوم بالإنسان دون غيره من الكائنات؛ فالفرق بينهما كمن يجود بنصف ماله مع قلته، ومن يعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر، ثم نفتجئ بأن عطاءَه ما زاد عن حسوة عصفور من نهر؛ من هنا كان انتفاء التعادلية بينهما وتجاوزُ القليلِ( الدرهم ) الكثيرَ ( المئةَ ألف ) في ضحوة المعلوم بالضرورة؛ وعلت عاقبةُُ جهدِ المقل؛ لتعلق العطاء بأمر وجداني كطيب الخاطر وإخلاص النية.
ويفهم من اختزال المئة في واحدة من قوله تعالى:- "وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث" ( ص :44) أن قيمة الأعداد- في ظاهرها- يعتريها شيءٌ من عدم الثبات، يُزلزل عقيدة اليقين الرقمي، ويعصف بكينونة ثبات القيمة فيها؛ فهذا أيوب- عليه السلام- يقسم على زوجه، إذا شُفِي ليضربنها مائةَ جلدة، وما كان جزاؤها- مع خدمته- أن تُقابَل بهذا، فكان الأمر أن يتناول الشمراخ- وفيه مائة قضيب- فيضربها به ضربةً واحدة؛ وما كان للواحدة أن تُخْتَزَلَ فيها المئة وتكافئها، إلا مراعاةً للبعد الوجداني والجانب الإنساني.
ثم انظر إلى الحركة الداخلية التي تَمَوَّرَتْ ببعض المعادلات الرياضية؛ ثم لا ينتج عن طاقتها خروج الأرقام عن نطاق قيمة عدديةٍ واحدة، مهما جرى عليها من تبديل أو تغيير، إن هي إلا توائم متماثلة، وربما كانت بمثابة الحمل الكاذب فلا يتمخض عنه استيلاد ! وقد انتهت قرائحُ الرياضيين أنفسهم- وهم حماةُ العرينِ الرياضي- إلى ما يدعم وجهةَ نظرنا؛ وللتحقق- لمن شاء- ما عليه إلا أن يضع في عقله رقما ما بين ( ١و٩ ) يضربه في ٣، ويضيف إليه ٣، ويضربه في ٣؛ سينتج لديه حتمًا رقمان، لن يختلف حاصل جمعهما أبدًا، مهما اختلفت قيم الأعداد المجموعة أو المضروبة؛ فالعدد المختار يختلف في كل مرة، وحاصله ثابت لا يتغَيَّر.
وما كان للغة أن تضيق بهذا؛ فاستجابت طيِّعَةً؛ فأهل التصريف يؤكدون المدى الرقمي؛ فعندهم حاصل ضرب حركات عين الماضي الثلاثي في حركات عين المضارع منه، ينتج عنه تسعةٌ تحصيلا وستةٌ استعمالا! وفي الرياضيات تكون مُحَصِّلَةُ ضُرِبِ السالبٍ في مثله قيمةً موجبة، ويناظره في اللغة نفي النفي إثبات (موجب) وما كان السالب والمنفي- وكلاهما يباشره العدم، ومنتزعة منه الحياة- إلا حكايةَ حال للواقع المعيش، لا تناوئه ولا تجافيه وله فيها ما يصدقه، فإذا ما حدث أكثر من خطأ (سالب +سالب) فإن ذلك مدعاةٌ، للتحرز عنه ومحاسبة النفس؛ حتى يتحول المسار الى الاتجاه الأصح ( الإثبات) قال تعالى: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ...الآية ١٥٣ آل عمران) انظر كيف نتجت الحركة عن السكون، والوجود من العدم، والإيجاب من السالب!
وتصدِّر لنا الدرساتُ والبحوثُ قيمًا عدديةً صماءَ لا تكاد تُبينُ عن نتائج يُعْتَدُّ بها؛ إذ لابد من تأويلها وصياغتها لغويًا؛ حتى تُدْرَج النتائجُ في نسق العلم، وما كان هذا ليجوز لولا اتساع المفهوم الدلالي للغة؛ واستقرار لغة الأرقام في ذمتها لتنتسب إليها، وترتبط بسبب، ثم يكون منها تَدَفُّقُ الحياة مِطواعة؛ فقد قرر المختصون:" أن اللغة هي الحقيقة الاجتماعية الناطقة بأوفى المعاني؛ فهناك حياة متدفقة في اللغة تعكس نبض الحياة وحركة الناس تكاد تتحول إلى صور متحركة نابضة بالحياة يشهدها القارئ، ويكاد يلمسها بيدية" فبعض اللغة أو النص اللغوي مادي (الحروف والكلمات ) وأبعاضه معنوي ( المشاعر والإدراك) تتجلى فيه الحركة والحياة.
ولذلك تَجْبُرُ اللغةُ مقاماتٍ قصرتْ فيها القيمُ العدديةُ؛ فتصالح الذوقُ اللغوي على ألفاظٍ تعكسُ المدى الرقمي، ولا تقف عند عدد تختص به أوتُعَيِّنُه مثل: نيف. بضع. رهط . عصبة. ثلة، واللفظ محدد والعدد مطلق في مدى رقمي! يقول المستشرق الفرنسي وليم مرسيه : العبارة العربية كالعود إذا نقرتَ على أحد أوتاره رنت لديك جميعُ الأوتارِ وخفقتْ، ثم تُحَرِّكُ اللغةُ في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكباً من العواطف والصور.
ولا أدل على حركة اللغة من قول الشاعر اللبناني "محمد على شمس الدين" :
" وها أنذا أتجول بين الناس أسألهم
هل فيكم من ينقذنى من هذا العبء
الرابض بين الكتفين ؟
هل فيكم من يرجع هذا الرأس إلى سيرته
الأولى بين القدمين ؟ ".
ويعلق أحد المفكرين قائلا: إن ترتيب الشاعر للعلاقة بين أعضاء جسمه ظاهره قلب منطق الأشياء؛ فبدلا من أن يكون الرأس رأسا فى مكانه الصحيح، يصبح بين القدمين؛ فهو يشعربأنه- بالرغم من مكانته- عبد لمن هو دونه؛ ولذا فهو يقلب الرؤية؛ ولم لا ؟ فما دام العالم يسير على رأسه بالمقلوب، فلم لا نرجع الرأس إلى حيث يجب أن يكون؟! أي إلى مكانه الصحيح ؛ فذلكم هو الأسلم.
و ليس هذا قلبا لمنطق الأشياء، ولااجتراءً على التقاليد اللغوية، أو تغييرا لفيزيقية المعادلة الرياضية، إنْ هو إلا مسايرة للطبيعة البشرية، واتساق مع واقع الحياة، ودليل على حركة اللغة في مجازها الحيوي، وخيالها الجامح في إثبات المدى الرقمي، وانتفاء ثبات القيم العددية للأرقام في جهة أُريدَ لها- وليس الأمر على إطلاقه- ربما ليبقى الرقم (واحد) لا يصح معه مدى، ولا يحتمل معه تداخل، رمزا على وحدانية الله، ودليلا على التجرد من الأشباه والنظائر، وما دونه لا شيء ( صفر).
واللغة بتوسع دلالتها ومنها- لغة الأرقام- ظاهرة بشرية، وكِيانٌ نافر يأبى كلَّ محاولةٍ لتثبيته وجموده، وما تفرع عن الشيء آخذ حكمه لا محالةَّ؛ فوجب أن تُراعَى مُؤتَلِفَات المُكَوّن البشري في هذه اللغة(الرياضيات) وقيمها العددية، ومنها البعدان: الوجداني المتغير، والمادي الجامد؛ وبات الحكمُ بقطعيتها مُلَغَّزًا؛ إذ كيف يتسق اليقيني الثابت( الأعداد)والمتغيِّر المتحوِّل (الإنسان) ويتلبس به- والحكم من وجهة نظرهم -؟! فلغة الأرقام قد يعتريها من التبديل والتغيير ما يصيب غيرها في دنيا الحوادث، وهذا ليس من باب الشطط الفكري، أوالسفسطة المفلسة؛ ألست معي أن قيم الأرقام تتبدل بحسب المقام الذي تشغله؟! وتتغير وفق الغاية التي نأملها، وعلى ذروة سنامها ( الصفر) الذي يعني- في ذاته- لا شيء ، فإذا كان يَمنة تلبس بقيمة المقام الذي يشغله، وإذا تحرك يَسرة جُرِّدَ حتى من أدني قيمة له وهكذا، وقد تطل علينا في انبلاج الصبح إرادةُ الكثرةِ والعدد المطلق من المثنى، في مثل قوله تعالى:"ثم ارجع البصر كرتين ... الآية( الملك:٤ )؛ فالمراد بالتثنية هنا التكرير بكثرةٍ والمعاودة مرة بعد مرة؛ حتى ينحسر البصرُ من كثرة التكرار، وطول المعاودة و الاجترار، وقولك: لبيك وسعديك: تريد إجابات كثيرة العدد، وملاحقةَ بعضها في إثر بعض، وكلاهما ليس قصدا في المنصوص عليه، ولا نصا فيما قصرت الإشارة إليه !
ألم يسبق الدرهم مئة ألف درهم بنص الحديث ؟ ! ولا شك في أن السبق هنا نص في زيادة "الدرهم الواحد عن المئة ألف" وبذلك تَهْتَزُّ- في ظاهرها- القيم العددية للأرقام، ولا تستقر في مقاماتها المعهودة! وإلا فكيف ترجح كِفَّةُ الدرهم الواحد على كِفَّةِ المئة ألف؟! وما كان ذلك ليكون، إلا إذا جئناه من جهة البعد الوجداني، الذي يقوم بالإنسان دون غيره من الكائنات؛ فالفرق بينهما كمن يجود بنصف ماله مع قلته، ومن يعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر، ثم نفتجئ بأن عطاءَه ما زاد عن حسوة عصفور من نهر؛ من هنا كان انتفاء التعادلية بينهما وتجاوزُ القليلِ( الدرهم ) الكثيرَ ( المئةَ ألف ) في ضحوة المعلوم بالضرورة؛ وعلت عاقبةُُ جهدِ المقل؛ لتعلق العطاء بأمر وجداني كطيب الخاطر وإخلاص النية.
ويفهم من اختزال المئة في واحدة من قوله تعالى:- "وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث" ( ص :44) أن قيمة الأعداد- في ظاهرها- يعتريها شيءٌ من عدم الثبات، يُزلزل عقيدة اليقين الرقمي، ويعصف بكينونة ثبات القيمة فيها؛ فهذا أيوب- عليه السلام- يقسم على زوجه، إذا شُفِي ليضربنها مائةَ جلدة، وما كان جزاؤها- مع خدمته- أن تُقابَل بهذا، فكان الأمر أن يتناول الشمراخ- وفيه مائة قضيب- فيضربها به ضربةً واحدة؛ وما كان للواحدة أن تُخْتَزَلَ فيها المئة وتكافئها، إلا مراعاةً للبعد الوجداني والجانب الإنساني.
ثم انظر إلى الحركة الداخلية التي تَمَوَّرَتْ ببعض المعادلات الرياضية؛ ثم لا ينتج عن طاقتها خروج الأرقام عن نطاق قيمة عدديةٍ واحدة، مهما جرى عليها من تبديل أو تغيير، إن هي إلا توائم متماثلة، وربما كانت بمثابة الحمل الكاذب فلا يتمخض عنه استيلاد ! وقد انتهت قرائحُ الرياضيين أنفسهم- وهم حماةُ العرينِ الرياضي- إلى ما يدعم وجهةَ نظرنا؛ وللتحقق- لمن شاء- ما عليه إلا أن يضع في عقله رقما ما بين ( ١و٩ ) يضربه في ٣، ويضيف إليه ٣، ويضربه في ٣؛ سينتج لديه حتمًا رقمان، لن يختلف حاصل جمعهما أبدًا، مهما اختلفت قيم الأعداد المجموعة أو المضروبة؛ فالعدد المختار يختلف في كل مرة، وحاصله ثابت لا يتغَيَّر.
وما كان للغة أن تضيق بهذا؛ فاستجابت طيِّعَةً؛ فأهل التصريف يؤكدون المدى الرقمي؛ فعندهم حاصل ضرب حركات عين الماضي الثلاثي في حركات عين المضارع منه، ينتج عنه تسعةٌ تحصيلا وستةٌ استعمالا! وفي الرياضيات تكون مُحَصِّلَةُ ضُرِبِ السالبٍ في مثله قيمةً موجبة، ويناظره في اللغة نفي النفي إثبات (موجب) وما كان السالب والمنفي- وكلاهما يباشره العدم، ومنتزعة منه الحياة- إلا حكايةَ حال للواقع المعيش، لا تناوئه ولا تجافيه وله فيها ما يصدقه، فإذا ما حدث أكثر من خطأ (سالب +سالب) فإن ذلك مدعاةٌ، للتحرز عنه ومحاسبة النفس؛ حتى يتحول المسار الى الاتجاه الأصح ( الإثبات) قال تعالى: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ...الآية ١٥٣ آل عمران) انظر كيف نتجت الحركة عن السكون، والوجود من العدم، والإيجاب من السالب!
وتصدِّر لنا الدرساتُ والبحوثُ قيمًا عدديةً صماءَ لا تكاد تُبينُ عن نتائج يُعْتَدُّ بها؛ إذ لابد من تأويلها وصياغتها لغويًا؛ حتى تُدْرَج النتائجُ في نسق العلم، وما كان هذا ليجوز لولا اتساع المفهوم الدلالي للغة؛ واستقرار لغة الأرقام في ذمتها لتنتسب إليها، وترتبط بسبب، ثم يكون منها تَدَفُّقُ الحياة مِطواعة؛ فقد قرر المختصون:" أن اللغة هي الحقيقة الاجتماعية الناطقة بأوفى المعاني؛ فهناك حياة متدفقة في اللغة تعكس نبض الحياة وحركة الناس تكاد تتحول إلى صور متحركة نابضة بالحياة يشهدها القارئ، ويكاد يلمسها بيدية" فبعض اللغة أو النص اللغوي مادي (الحروف والكلمات ) وأبعاضه معنوي ( المشاعر والإدراك) تتجلى فيه الحركة والحياة.
ولذلك تَجْبُرُ اللغةُ مقاماتٍ قصرتْ فيها القيمُ العدديةُ؛ فتصالح الذوقُ اللغوي على ألفاظٍ تعكسُ المدى الرقمي، ولا تقف عند عدد تختص به أوتُعَيِّنُه مثل: نيف. بضع. رهط . عصبة. ثلة، واللفظ محدد والعدد مطلق في مدى رقمي! يقول المستشرق الفرنسي وليم مرسيه : العبارة العربية كالعود إذا نقرتَ على أحد أوتاره رنت لديك جميعُ الأوتارِ وخفقتْ، ثم تُحَرِّكُ اللغةُ في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكباً من العواطف والصور.
ولا أدل على حركة اللغة من قول الشاعر اللبناني "محمد على شمس الدين" :
" وها أنذا أتجول بين الناس أسألهم
هل فيكم من ينقذنى من هذا العبء
الرابض بين الكتفين ؟
هل فيكم من يرجع هذا الرأس إلى سيرته
الأولى بين القدمين ؟ ".
ويعلق أحد المفكرين قائلا: إن ترتيب الشاعر للعلاقة بين أعضاء جسمه ظاهره قلب منطق الأشياء؛ فبدلا من أن يكون الرأس رأسا فى مكانه الصحيح، يصبح بين القدمين؛ فهو يشعربأنه- بالرغم من مكانته- عبد لمن هو دونه؛ ولذا فهو يقلب الرؤية؛ ولم لا ؟ فما دام العالم يسير على رأسه بالمقلوب، فلم لا نرجع الرأس إلى حيث يجب أن يكون؟! أي إلى مكانه الصحيح ؛ فذلكم هو الأسلم.
و ليس هذا قلبا لمنطق الأشياء، ولااجتراءً على التقاليد اللغوية، أو تغييرا لفيزيقية المعادلة الرياضية، إنْ هو إلا مسايرة للطبيعة البشرية، واتساق مع واقع الحياة، ودليل على حركة اللغة في مجازها الحيوي، وخيالها الجامح في إثبات المدى الرقمي، وانتفاء ثبات القيم العددية للأرقام في جهة أُريدَ لها- وليس الأمر على إطلاقه- ربما ليبقى الرقم (واحد) لا يصح معه مدى، ولا يحتمل معه تداخل، رمزا على وحدانية الله، ودليلا على التجرد من الأشباه والنظائر، وما دونه لا شيء ( صفر).
Facebook Gruppen
الجمعية المصرية للنقد الأدبي hat 3.079 Mitglieder. جمعية مشهرة تهدف إلى نشر الوعي الجمالي والأدبي والنقدي The Egyptian Society for Literary Criticism ESLC
www.facebook.com