بهاء المري - الملابس كدليل جنائي

أول طبيب شرعي عَرفه التاريخ، هو ذلك الشاهد مِن أهلِها في قصة سيدنا يوسف عليه السلام: (إنْ كان قَميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصَدقت وهو من الكاذبين، وإنْ كان قميصه قُدَّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين) صدق الله العظيم.
فإذا كان لهذا الدليل مَبلغ الأثر في قضية تَحرش، فما بالكَ في حالات الإصابات والقتل، فكم من قضيةٍ حَلَّت ألغازها الملابس.
بلاغٌ عن وصول شاب إلى المستشفى مصابًا بطلق ناري، وباستكشاف البطن استخرج الأطباء من بَطنه "حُشار" طلقة سلاح ناري، والحُشار هو الجزء في الطلقة الذي يَفصل بين البارود والمقذوفات الرشية كُروية الشكل.
بسؤاله ادّعى الشاب أنه وهو ينظف بندقيته الخرطوش خرجت منها طلقة بطريق الخطأ فأصابته في بطنه.
وهُنا يجئ دَور الطبيب الشرعي، فعليه أن يُبين ماهية الإصابة، وسببها، والأداة المستخدمة في إحداثها، ومدى حدوثها من مثل التصوير الوارد على لسان المصاب من عدمه، وأُرسل إليه مع المصاب السلاح الخرطوش و"حُشار" الطلقة.
كان الشاب قد شُفي من إصابته بعد التدخل الجراحي في المستشفى فلم يهتد الطبيب مِن مناظرته إلى نتيجة ما، ولكنه بفطِن إلى أنَّ مظاهر الإصابات وإنْ تَغيرت بفعل العلاج، فإنها ستظل محفوظة بالملابس التي كان يرتديها المصاب.
ويفحص الرجل الملابس بعناية، فيستخلص أن الإطلاق حدث على مسافة مترين ونصف، فلو كانت الإصابة على نحو ما قال الشاب لاحترَقت ملابسه من قُرب الإطلاق، ولكن العلامات المشاهدة بها تدل على الإطلاق من بعيد، فثم كان الدليل الدامغ على الكذب، "الحُشار" ليس من طلقات هذا السلاح، فيَتغير وجه النظر في القضية، ويصير لها تصوير آخر لم تُنبئ عنه الأوراق في ذلك الحين.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى