فى عام 1992 صك المستشرق الفرنسى أوليفيه روى مصطلح "ما بعد الاسلاموية", متصورا .. "نهاية ظاهرة الاسلام السياسى وبداية زمن جديد يشهد اندماج المسلمين فى العالم المعاصر". على حد قوله. معتمدا على ما لاحظه من فشل الاسلاميين فى فرض نموذجهم فى مصروالجزائر, وتحول عمل تنظيم القاعدة الى خارج أفعانستان, على النحو الذى أفقده جاذبية ومجد "الجهاد", وفشلهم الأكبر فى ايجاد تحالف وثيق بين البرجوازية المتدينة وشباب فقراء المدن والمثقفين الدينيين على النمط الايرانى, وأخيرا فشلهم فى ايجاد صيغة فكرية عصرية تجمع بين الدين والدولة تختلف عن التجارب القومية التى يرونها فاشلة, وتختلف كذلك عن ما هو قائم فى ممالك الخليج المنتمية الى القرون الوسطى بأكثر من انتمائها الى عالمنا. بالقدر الذى يجعل من مفهوم الصلاحية المطلقة للاسلام لكل الازمان والمجتمعات على قدر من الدينامية والفاعلية وليس الجمود والوقوف عند القرون الهجرية الأولى كما يطرحه خطابهم السلفى ولا يتزحزح عنه قيد أنملة . انظر:.(Almultaka Alfikri - http://www.almultak a.net)
ومن الواضح أن مفهوم "الاسلام السياسى" عند روى لايخرج عن ما نعرفه باسم جماعات "السلفية الجهادية" , مغفلا اتجاهات على قدر هائل من التعدد فى قوى هذا التيار تتراوح بين السلفيين باتجاهاتهم المتعددة (العلمية وولاة الأموروالجهادية .. الخ) والاخوان المسلمين باعتبارها جماعة تقوم على استغلال الدين فى العمل السياسى , ومن انشقوا عنهم من جماعات تؤمن بالعمل السياسى مثل جماعة حزب الوسط وأخرى مثل الجماعة الاسلامية التى تقوم على ممارسة العنف المسلح قبل مراجعاتها الفكرية (التى يرى البعض كأبى حمزة المصرى أن هذه المراجعات قد تمت تحت ضغط الأمن). كما أنه لم يلحظ النجاحات التى حققتها تلك الجماعات على المستوى الاعلامى والدعوى على النحو الذى أدى الى فرض تصوراتهم عن ملابس المرأة على نحو واسع النطاق فى معظم المجتمعات العربية, وانتشار اللحية والجلباب بصورة ملحوظة فى مجتمعات عرفت بتدينها الوسطى كالمجتمع المصرى. وكذلك انتشار المصارف الاسلامية .. الى عير ذلك من مظاهر تديين المجتمعات العربية والاسلامية.
لذلك فاننى أظن أن تصور روى المشار اليه كان يعبر عن تصورات جزئية ومنقوصة للحركة الاسلامية فى ذلك الوقت, وربما كانت صحيحة اذا اقتصر فهمنا للاسلام السياسى على مجرد الجماعات الاسلامية المسلحة.
ولاشك أن مياها كثيرة قد جرت فى نهر الحركة السياسية الاسلامية منذ ذلك التاريخ .. لعل أبرزها وأهمها أحداث الحادى عشر من سبتمبر وما سبقها ولحق بها من تفجيرات وعمليات مروعة فى اندونيسيا وروسيا والسعودية واليمن .. الخ , التى كانت بمثابة المسمار الأكبر فى نعش الحركة الاسلامية الجهادية فقد أضحت فريسة للملاحقة والمطاردة من الأنظمة والدول كافة (اسلامية أو عربية أو غربية على حد سواء) ومنبوذة من الجماهير المسلمة نفسها, بكل ما تمثله من بيئة حاضنة ضرورية على نحو حتمى لاستمرارهذه الحركة وممارسة فاعليتها, مما جعلها تتواجد على هامش أوطانها وقد نزعت عنها هالة القداسة التى اكتسبتها أثناء مرحلة (الجهاد الأفغانى ضد الروس) وظهرت بمظهر المخلوقات المتعطشة للدماء التى لا تكترث بأرواح البشر, بل تبرر أعمالها الوحشية بنظريات فقهية مختلف على صحتها, كنظرية التترس بالمدنيين المسالمين. الأمر الذى فتح بابا مواربا للرهان على الجماعات غير المسلحة وذات النزوع السياسى, وأبرزها جماعة الاخوان المسلمين . ثم كان الموقف السياسى الانتهازى من قبل نظام مبارك الذى صاغ علاقته بالجماعة بطريقة: "لن أسمح له بالنمو ولن أقضى عليه". واستغل الوجود (المأمون) للجماعة لاستخدامها فزاعة للخارج من دول الغرب, وللداخل من القوى المدنية والطوائف غير الاسلامية على حد سواء. فاما القبول بالنظام بكل سوءاته واما انتظار حكم الاخوان بكل ما يعنيه ذلك من قضاء على الحريات ومعاداة للتقدم والمرأة والطوائف غير المسلمة ومناهضة للغرب .. معا.
ومن الواضح أن الغرب, وبخاصة أمريكا قد تمكنت من تحقيق نوع من التفاهمات مع قيادات تلك الجماعة على النحو الذى جعلها مأمونة الجانب, خاصة, فيما يتعلق بمصالحه الاستراتيجية فى مصر والمنطقة العربية. وبخاصة فيما يتعلق بقضيتى الصراع العربى الصهيونى والاقتصاد الرأسمالى الحر. مما جعل الرهان سالف الذكر يدخل حيز التحقق, خصوصا بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. حيث لاحظ الجميع أن نظام مبارك لم يعد قادرا على الامساك بزمام الأمور فى مصر , كما أن العسكر بقلة خبرتهم السياسية وانعدام كفاءتهم الادارية وتورطهم المشين فى مواجهات عنيفة مع المتظاهرين نتج عنها خسائر بشرية فادحة جلبت عليهم نقمة الشعب والثوار, كل ذلك جعل الاخوان, بقدراتهم التنظيمية الكبيرة (بما يعنى قدرتهم على التحكم فى حركة الشارع والدولة معا) واستعدادهم لتفهم المصالح الأمريكية والغربية, هم البديل الأكثر تناسبا مع مرحلة ما بعد مبارك. ومن هنا نفهم مبررات وطبيعة الدور الأمريكى فى استتباب الأمر للاخوان فى حكم مصر.
حتى هنا والأمور كلها تسير بعكس الاتجاه الذى أشار اليه أصحاب نظرية "ما بعد الاسلاموية" على طول الخط. ولكننى أتصور أنه فى هذه المرحلة بالتحديد يمكن الحديث عن نهاية وشيكة لتيار الاسلام السياسى على النحو التالى :
1- فلقد نجحت جماعة الاخوان المسلمين ومعظم قوى الاسلام السياسى بالفعل فى عقد التحالف بين البرجوازية التجارية المتدينة وشباب الطبقات الفقيرة المتمركزة فى الريف وعشوائيات المدن, وتمكنوا من حشد وتعبئة هذا الشباب ليحققوا سطوة فى الشارع وأغلبية نسبية فى صندوق الانتخابات, بل وصلوا الى سدة الرئاسة والحكم. والآن جاء الاستحقاق التالى : ماذا سيقدم الاخوان لهذه القطاعات من الفقراء والمعدمين ؟ الاجابة هى : لاشىء, فالبرنامج الاقتصادى والممارسة السياسية لسلطة الاخوان تسير على ذات النهج (النيو ليبرالى) لسلطة مبارك وصندوق النقد الدولى المعادية لحقوق الفقراء وللتنمية المستقلة والمستدامة . ولن تشفع لهم دعاواهم عن ايتاء الزكاة والصدقات للفقراء.
2- لقد ظهر الاخوان طوال فترة معارضتهم لمبارك بشعار "الاسلام هو الحل", ودغدغوا مشاعر المتدينين بكونهم من (أنصار الله) وانهم (أصحاب الأيدى المتوضئة) .. الخ, وبالتالى فانهم سيقضون على الفساد ولن يسمحوا بوجوده , بينما تخرج علينا تصريحات قادة الاخوان كل يوم لتتحدث عن ضرورة المصالحة مع الفاسدين من رجال النظام السابق, بل والمشاركة معهم واصطحابهم فى رحلات الرئيس الخارجية. وآخر التصريحات الغريبة فى هذا الشأن ما قاله مرسى فى خطابه فى أسيوط عن فتح حساب لاعادة الأموال التى نهبها لصوص النظام السابق طواعيةً!!!! ولا أدرى أى شيطان أوحى له بامكانية تحقق ذلك عمليا. بينما لايحرك أى ساكن لاستعادة الأموال المنهوبة فى الخارج , ويماطل فى تحقيق حد أدنى وأعلى للأجور , ويتقاعس عن استرداد الشركات التى تمت خصخصتها والتى حكمت المحاكم بفساد عقودها . بما يجعل من دعاوى الاخوان عن الطهارة ونظافة اليد محض هراء. ناهيك عن وقائع حصول أعضاء من الاخوان على حصص من اسطوانات الغاز لتوزيعها والتربح منها .. الخ. بما يجعل هالة المصداقية والتقوى والورع التى يدعيها الاخوان تتهاوى كخيوط العنكبوت.
3- لقد صحب صعود الاخوان الى السلطة انفتاح شهية الجماعات المتطرفة من السلفية الجهادية وجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. الخ. وبعضها – خاصة من السلفيين – يكفر الاخوان ويرفع السلاح فى مواجهتهم فى سيناء, ويخزن السلاح فى شقق مدينة نصر وغيرها. وهو الأمر المتوقع نظرا لطبيعة الثقافة الاستبعادية التكفيرية التى تملأ أذهان عناصر تلك الجماعات, بما فيها من يظهر الاعتدال. وظنى أنه اذا استتب الأمر بالكامل لصالح الاخوان فى البلاد فان حربا أهلية دينية ستنشب, ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين بل أيضا بين الجماعات الاسلامية المتصارعة والتى يستعد كل منها ليظفر بغنيمة حكم مصر وحده دون منازعة أو معارضة. بما يجعل من الاستقرار حلما بعيد المنال, وربما مستحيلا.
4- جاء خطاب الاخوان تجاه الغرب وأمريكا طوال المرحلة القصيرة الماضية مرتبكا ومزدوجا ومنافقا, فيقول تصريحا يحمل معنى معينا للصحافة الأجنبية ويقول نقيضه تماما للصحافة المحلية. ولقد كانت الواقعة الأنصع متمثلة فى ماجاء من تصريحات ابان الاحتجاجات على الفيلم المسىء للرسول الكريم وما صاحبها من اعتداء على السفارة الأمريكية. وهو ما ينزع المصداقية والثقة الهشة عن الاخوان من قبل داعميهم الرئيسيين فى أمريكا.
5- نظرا للتعهدات والتحالفات التحتية التى وقع عليها الاخوان للأمريكان فلقد ران على الاخوان صمت القبور عندما قامت طائرات اسرائيل بقصف متكرر على قطاع غزة ثم قصف مجمع اليرموك لتصنيع الأسلحة بالسودان , وكل من أدلى من قادة الاخوان بتصريحات فى هذا الشأن تجنب ذكر اسرائيل بكلمة واحدة. بالمخالفة لكل الممارسات العنترية التى اعتادوا عليها قبل وصولهم للسلطة, ولا أدرى مصير هتاف "خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود". وهو ما يجعلهم فى موقف بالغ الخزى أمام قواعدهم والمؤمنين بهم ممن وعدوا بأن تكون القدس هى عاصمة الخلافة الموعودة !!!!. (راجع تصريحات الشيخ صفوت حجازى).
6- لقد ظهر رموز وقادة هذا التيار بكامله أثناء عضويتهم لمجلس الشعب المنحل بمظهر بالغ البؤس واستحقاق الرثاء: سواء من حيث أدائهم الذى غلبت عليه المظهرية والشكلية والخطابية الجوفاء وادعاء التقوى, أو من حيث القوانين الرجعية المعادية للمرأة والحريات والمصالح الملحة للجماهير التى اقترحوها, وابتعادهم الكامل عن كل ما يحقق أهداف الثورة.
7- وأخيرا هناك ذلك الارتباك والقرارات العشوائية غير المدروسة التى تصدرها حكومتهم, والتى تتجاهل مصالح الغالبية العظمى من الشعب الفقير وتؤثر سلبا على رزقه ومعاشه, مثل قرار غلق المحال والمقاهى فى العاشرة مساء, والذى سيقضى على آلاف فرص العمل وسيقلص النشاط التجارى الرسمى .. الى جانب عشرات الآثار السلبية على الاقتصاد والأمن ونمط الحياة الاجتماعية فى مصر.
ان الشعوب لاتتعلم الا عن طريق التجربة الواقعية .. ولذلك فان تجربة الحكم لتيار سياسى يتذرع ويتستر بالدين, ليؤبد الاستغلال والقهر والتخلف والتبعية ويعيد انتاجهم بأسوأ الأشكال وأكثرها بؤسا وجلافة, لهى الطريق الوحيد للسقوط النهائى لهذا التيار, شريطة أن يستعد الشعب لمواجهات ربما تكون دموية, لأنهم لن يتركوا السلطة مهما كانت نتيجة الانتخابات فى غير صالحهم الا بالدماء وسيكونون أشرس من النظام السابق فى مواجهة الشعب بعشرات المرات, ولعل فى أحداث جمعة الحساب 12 اكتوبر خير دليل. ومن هنا فاننى أعتقد أن الثورة المصرية ستبقى مستمرة حتى يتمكن المصريون من تحقيق الانتصار الكامل على قوى الظلام والجهالة وازالة كل العوائق من طريق تطورهم ونهضتهم الحقيقية نحو التقدم والحرية والحداثة.
ومن الواضح أن مفهوم "الاسلام السياسى" عند روى لايخرج عن ما نعرفه باسم جماعات "السلفية الجهادية" , مغفلا اتجاهات على قدر هائل من التعدد فى قوى هذا التيار تتراوح بين السلفيين باتجاهاتهم المتعددة (العلمية وولاة الأموروالجهادية .. الخ) والاخوان المسلمين باعتبارها جماعة تقوم على استغلال الدين فى العمل السياسى , ومن انشقوا عنهم من جماعات تؤمن بالعمل السياسى مثل جماعة حزب الوسط وأخرى مثل الجماعة الاسلامية التى تقوم على ممارسة العنف المسلح قبل مراجعاتها الفكرية (التى يرى البعض كأبى حمزة المصرى أن هذه المراجعات قد تمت تحت ضغط الأمن). كما أنه لم يلحظ النجاحات التى حققتها تلك الجماعات على المستوى الاعلامى والدعوى على النحو الذى أدى الى فرض تصوراتهم عن ملابس المرأة على نحو واسع النطاق فى معظم المجتمعات العربية, وانتشار اللحية والجلباب بصورة ملحوظة فى مجتمعات عرفت بتدينها الوسطى كالمجتمع المصرى. وكذلك انتشار المصارف الاسلامية .. الى عير ذلك من مظاهر تديين المجتمعات العربية والاسلامية.
لذلك فاننى أظن أن تصور روى المشار اليه كان يعبر عن تصورات جزئية ومنقوصة للحركة الاسلامية فى ذلك الوقت, وربما كانت صحيحة اذا اقتصر فهمنا للاسلام السياسى على مجرد الجماعات الاسلامية المسلحة.
ولاشك أن مياها كثيرة قد جرت فى نهر الحركة السياسية الاسلامية منذ ذلك التاريخ .. لعل أبرزها وأهمها أحداث الحادى عشر من سبتمبر وما سبقها ولحق بها من تفجيرات وعمليات مروعة فى اندونيسيا وروسيا والسعودية واليمن .. الخ , التى كانت بمثابة المسمار الأكبر فى نعش الحركة الاسلامية الجهادية فقد أضحت فريسة للملاحقة والمطاردة من الأنظمة والدول كافة (اسلامية أو عربية أو غربية على حد سواء) ومنبوذة من الجماهير المسلمة نفسها, بكل ما تمثله من بيئة حاضنة ضرورية على نحو حتمى لاستمرارهذه الحركة وممارسة فاعليتها, مما جعلها تتواجد على هامش أوطانها وقد نزعت عنها هالة القداسة التى اكتسبتها أثناء مرحلة (الجهاد الأفغانى ضد الروس) وظهرت بمظهر المخلوقات المتعطشة للدماء التى لا تكترث بأرواح البشر, بل تبرر أعمالها الوحشية بنظريات فقهية مختلف على صحتها, كنظرية التترس بالمدنيين المسالمين. الأمر الذى فتح بابا مواربا للرهان على الجماعات غير المسلحة وذات النزوع السياسى, وأبرزها جماعة الاخوان المسلمين . ثم كان الموقف السياسى الانتهازى من قبل نظام مبارك الذى صاغ علاقته بالجماعة بطريقة: "لن أسمح له بالنمو ولن أقضى عليه". واستغل الوجود (المأمون) للجماعة لاستخدامها فزاعة للخارج من دول الغرب, وللداخل من القوى المدنية والطوائف غير الاسلامية على حد سواء. فاما القبول بالنظام بكل سوءاته واما انتظار حكم الاخوان بكل ما يعنيه ذلك من قضاء على الحريات ومعاداة للتقدم والمرأة والطوائف غير المسلمة ومناهضة للغرب .. معا.
ومن الواضح أن الغرب, وبخاصة أمريكا قد تمكنت من تحقيق نوع من التفاهمات مع قيادات تلك الجماعة على النحو الذى جعلها مأمونة الجانب, خاصة, فيما يتعلق بمصالحه الاستراتيجية فى مصر والمنطقة العربية. وبخاصة فيما يتعلق بقضيتى الصراع العربى الصهيونى والاقتصاد الرأسمالى الحر. مما جعل الرهان سالف الذكر يدخل حيز التحقق, خصوصا بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. حيث لاحظ الجميع أن نظام مبارك لم يعد قادرا على الامساك بزمام الأمور فى مصر , كما أن العسكر بقلة خبرتهم السياسية وانعدام كفاءتهم الادارية وتورطهم المشين فى مواجهات عنيفة مع المتظاهرين نتج عنها خسائر بشرية فادحة جلبت عليهم نقمة الشعب والثوار, كل ذلك جعل الاخوان, بقدراتهم التنظيمية الكبيرة (بما يعنى قدرتهم على التحكم فى حركة الشارع والدولة معا) واستعدادهم لتفهم المصالح الأمريكية والغربية, هم البديل الأكثر تناسبا مع مرحلة ما بعد مبارك. ومن هنا نفهم مبررات وطبيعة الدور الأمريكى فى استتباب الأمر للاخوان فى حكم مصر.
حتى هنا والأمور كلها تسير بعكس الاتجاه الذى أشار اليه أصحاب نظرية "ما بعد الاسلاموية" على طول الخط. ولكننى أتصور أنه فى هذه المرحلة بالتحديد يمكن الحديث عن نهاية وشيكة لتيار الاسلام السياسى على النحو التالى :
1- فلقد نجحت جماعة الاخوان المسلمين ومعظم قوى الاسلام السياسى بالفعل فى عقد التحالف بين البرجوازية التجارية المتدينة وشباب الطبقات الفقيرة المتمركزة فى الريف وعشوائيات المدن, وتمكنوا من حشد وتعبئة هذا الشباب ليحققوا سطوة فى الشارع وأغلبية نسبية فى صندوق الانتخابات, بل وصلوا الى سدة الرئاسة والحكم. والآن جاء الاستحقاق التالى : ماذا سيقدم الاخوان لهذه القطاعات من الفقراء والمعدمين ؟ الاجابة هى : لاشىء, فالبرنامج الاقتصادى والممارسة السياسية لسلطة الاخوان تسير على ذات النهج (النيو ليبرالى) لسلطة مبارك وصندوق النقد الدولى المعادية لحقوق الفقراء وللتنمية المستقلة والمستدامة . ولن تشفع لهم دعاواهم عن ايتاء الزكاة والصدقات للفقراء.
2- لقد ظهر الاخوان طوال فترة معارضتهم لمبارك بشعار "الاسلام هو الحل", ودغدغوا مشاعر المتدينين بكونهم من (أنصار الله) وانهم (أصحاب الأيدى المتوضئة) .. الخ, وبالتالى فانهم سيقضون على الفساد ولن يسمحوا بوجوده , بينما تخرج علينا تصريحات قادة الاخوان كل يوم لتتحدث عن ضرورة المصالحة مع الفاسدين من رجال النظام السابق, بل والمشاركة معهم واصطحابهم فى رحلات الرئيس الخارجية. وآخر التصريحات الغريبة فى هذا الشأن ما قاله مرسى فى خطابه فى أسيوط عن فتح حساب لاعادة الأموال التى نهبها لصوص النظام السابق طواعيةً!!!! ولا أدرى أى شيطان أوحى له بامكانية تحقق ذلك عمليا. بينما لايحرك أى ساكن لاستعادة الأموال المنهوبة فى الخارج , ويماطل فى تحقيق حد أدنى وأعلى للأجور , ويتقاعس عن استرداد الشركات التى تمت خصخصتها والتى حكمت المحاكم بفساد عقودها . بما يجعل من دعاوى الاخوان عن الطهارة ونظافة اليد محض هراء. ناهيك عن وقائع حصول أعضاء من الاخوان على حصص من اسطوانات الغاز لتوزيعها والتربح منها .. الخ. بما يجعل هالة المصداقية والتقوى والورع التى يدعيها الاخوان تتهاوى كخيوط العنكبوت.
3- لقد صحب صعود الاخوان الى السلطة انفتاح شهية الجماعات المتطرفة من السلفية الجهادية وجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. الخ. وبعضها – خاصة من السلفيين – يكفر الاخوان ويرفع السلاح فى مواجهتهم فى سيناء, ويخزن السلاح فى شقق مدينة نصر وغيرها. وهو الأمر المتوقع نظرا لطبيعة الثقافة الاستبعادية التكفيرية التى تملأ أذهان عناصر تلك الجماعات, بما فيها من يظهر الاعتدال. وظنى أنه اذا استتب الأمر بالكامل لصالح الاخوان فى البلاد فان حربا أهلية دينية ستنشب, ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين بل أيضا بين الجماعات الاسلامية المتصارعة والتى يستعد كل منها ليظفر بغنيمة حكم مصر وحده دون منازعة أو معارضة. بما يجعل من الاستقرار حلما بعيد المنال, وربما مستحيلا.
4- جاء خطاب الاخوان تجاه الغرب وأمريكا طوال المرحلة القصيرة الماضية مرتبكا ومزدوجا ومنافقا, فيقول تصريحا يحمل معنى معينا للصحافة الأجنبية ويقول نقيضه تماما للصحافة المحلية. ولقد كانت الواقعة الأنصع متمثلة فى ماجاء من تصريحات ابان الاحتجاجات على الفيلم المسىء للرسول الكريم وما صاحبها من اعتداء على السفارة الأمريكية. وهو ما ينزع المصداقية والثقة الهشة عن الاخوان من قبل داعميهم الرئيسيين فى أمريكا.
5- نظرا للتعهدات والتحالفات التحتية التى وقع عليها الاخوان للأمريكان فلقد ران على الاخوان صمت القبور عندما قامت طائرات اسرائيل بقصف متكرر على قطاع غزة ثم قصف مجمع اليرموك لتصنيع الأسلحة بالسودان , وكل من أدلى من قادة الاخوان بتصريحات فى هذا الشأن تجنب ذكر اسرائيل بكلمة واحدة. بالمخالفة لكل الممارسات العنترية التى اعتادوا عليها قبل وصولهم للسلطة, ولا أدرى مصير هتاف "خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود". وهو ما يجعلهم فى موقف بالغ الخزى أمام قواعدهم والمؤمنين بهم ممن وعدوا بأن تكون القدس هى عاصمة الخلافة الموعودة !!!!. (راجع تصريحات الشيخ صفوت حجازى).
6- لقد ظهر رموز وقادة هذا التيار بكامله أثناء عضويتهم لمجلس الشعب المنحل بمظهر بالغ البؤس واستحقاق الرثاء: سواء من حيث أدائهم الذى غلبت عليه المظهرية والشكلية والخطابية الجوفاء وادعاء التقوى, أو من حيث القوانين الرجعية المعادية للمرأة والحريات والمصالح الملحة للجماهير التى اقترحوها, وابتعادهم الكامل عن كل ما يحقق أهداف الثورة.
7- وأخيرا هناك ذلك الارتباك والقرارات العشوائية غير المدروسة التى تصدرها حكومتهم, والتى تتجاهل مصالح الغالبية العظمى من الشعب الفقير وتؤثر سلبا على رزقه ومعاشه, مثل قرار غلق المحال والمقاهى فى العاشرة مساء, والذى سيقضى على آلاف فرص العمل وسيقلص النشاط التجارى الرسمى .. الى جانب عشرات الآثار السلبية على الاقتصاد والأمن ونمط الحياة الاجتماعية فى مصر.
ان الشعوب لاتتعلم الا عن طريق التجربة الواقعية .. ولذلك فان تجربة الحكم لتيار سياسى يتذرع ويتستر بالدين, ليؤبد الاستغلال والقهر والتخلف والتبعية ويعيد انتاجهم بأسوأ الأشكال وأكثرها بؤسا وجلافة, لهى الطريق الوحيد للسقوط النهائى لهذا التيار, شريطة أن يستعد الشعب لمواجهات ربما تكون دموية, لأنهم لن يتركوا السلطة مهما كانت نتيجة الانتخابات فى غير صالحهم الا بالدماء وسيكونون أشرس من النظام السابق فى مواجهة الشعب بعشرات المرات, ولعل فى أحداث جمعة الحساب 12 اكتوبر خير دليل. ومن هنا فاننى أعتقد أن الثورة المصرية ستبقى مستمرة حتى يتمكن المصريون من تحقيق الانتصار الكامل على قوى الظلام والجهالة وازالة كل العوائق من طريق تطورهم ونهضتهم الحقيقية نحو التقدم والحرية والحداثة.
صلاح السروى - السقوط الوشيك لتيار الاسلام السياسى فى مصر
صلاح السروى - السقوط الوشيك لتيار الاسلام السياسى فى مصر
www.ahewar.org