مصطفى نصر - كُتبنا المُهداه

هناك حكاية قديمة ومملة تُحكى عن جورج برنارد شو، فقد أهدى صديقه كتابا من كتبه، فوجده يباع لدى باعة الكتب القديمة، فاشتراه وأعاد إهداءه لصديقه ثانية.
وقد كنت – قبل أن أعتزل الحياة العامة – أحرص كل يوم تقريبا على البحث والتنقيب في كتب شارع النبي دانيال القديمة، وأبحث عن الكتب والمجلات القديمة كل خميس في سوق الجمعة، ووجدت أشياءً غاية في الغرابة، كتبا مهداه لشخصيات مهمة، نسخة من مجموعة قصصية بعنوان " درس مؤلم " لشحاتة عبيد مهداه لمصطفى لطفي المنفلوطي، ونسخة من رواية بلتازار ( الجزء الثاني من رباعية الإسكندرية – ترجمة سلمى الجيوسي ) مهداه من محمود تيمور لأمين يوسف غراب. ووجدت في صفحة فاضية من كتاب محاكمات الثورة، رسالة من فتاة إلى والدها المسجون بسجن الحضرة، وحديث الفتاة عن حزن أمها المُدرسة وشقائها في تربيتهم وحدها، لم توضح في رسالتها سبب القبض على والدها، هل في قضية سياسية أم جنائية.
واشتريت رواية الأم لمكسيم جوركي، فوجدت في الصفحة الأولى ختم باسم زميلي في العمل، وعندما قابلته، سألته:
- عندك رواية الأم لمكسيم جوركي؟
فصاح: تبقى أمي باعت كتبي إللي عندها.
وابدى لي زميل عن رغبته في كتابة دراسة عن كل روايات يوسف أدريس، وكعادتي – رغبت في مساعدته فجمعت له كل روايات يوسف إدريس وسلمتها إليه، ومرت شهور، ولم يرد لي رواياتي، فاتصلت به تليفونيا، فصاح:
- هو أنت ما خدتهاش؟! ده أنا سبتهالك في استقبال قصر التذوق.
فصحت مندهشا: أنت قلت لي الكلام ده قبل كده؟!
وسألت الفنان ماهر جرجس - وكان مديرا للقصر وقتها - عن ذلك، قال ما فيش حاجة من دي.
وبعد وقت طويل عمل زميلنا محمد عطية في قصر التذوق، فاتصل بي تليفونيا وقال:
- لقيت في المكتبة ظرف أصفر مكتوب عليه اسمك، وفيه روايات ليوسف أدريس.
وجاء لي بالمظروف، لكنني لم أجد قصة حب ورواية الحرام، وكانت أول طبعة وكنت أعتز بها.
وكانت رئيسة قطاع وسط وغرب الدلتا الثقافي تشغل حجرة كبيرة ذات إطار اسمنتي بارز في قصر ثقافة الحرية، وكان يزورها في الصباح الكتاب، فيهدونها كتبهم، فتضعها على هذا الإطار، فتدعوني المسئولة الثقافية لحجرتها، وتقول لي:
- خد الكتب دي.
وحكى لي صديقي بائع الكتب القديمة بحديقة السيدة زينب، إن الكاتب المشهور، الذي يعمل بدار الهلال، يدعوه لمكتبه كل فترة ويعطيه كتبنا التي أهديناها إليه، وقال لي:
- أجد أحيانا فيها رسائلكم إليه وصوركم التي ارسلتموها لكي ينشرها مع المقالة أو الخبر في مجلة الهلال أو المصور.
وكان المرحوم محمد صبري السيد – سكرتير ثروت أباظة، رئيس القسم الأدبي في الأهرام – يدعو صاحبنا، بائع الكتب القديمة، ويسلمه كتبا كثيرة أهداها أصحابها لثروت أباظة، لكن وقته لا يسمح حتى لتصفحها.
وزميلنا المعجباني الذي يري إنه وماركيز، وحدهما اللذان يجيدان كتابة الرواية، وهو الأول، لذا يتعامل مع كتبنا بتعالي، فيحملها بقرف ويضعها بجوار صفيحة الزبالة أمام شقته، فيأتي الزبال ويحملها ويبيعها، فأراها معروضة في شارع النبي دانيال، وأحدث نفسي مندهشا لائما زميلنا هذا: طيب أقطع الإهداء، لكي لا يعرف الناس إنك رميت كتبهم.
وحكى لي زميلنا الروائي العالمي، بأنه يحمل كتبا كثيرة مهداه من أدباء كلما زار الإسكندرية، فيتركها على مقاعد الانتظار بمحطات الترام، أو يرميها في أول صندوق زبالة يقابله. وجلست بجواره في بهو لاتيليه الإسكندرية وقت انعقاد مؤتمر أدبي، فأهداه زميل لنا كتابه، فسألته مازحا:
- حاترميه زي غيره؟
فقال: لا، أنا حبيت الشخص ده، اندهولي.
وكان زميلنا يتبع طريقة جهنمية في إهداءاته، فيكتب الإهداء بالكمبيوتر ويلصقه في الصفحة الأولى من كتابه وكأنه جزء من الكتاب، فظن روائينا العالمي أنه كتب له الإهداء في كل نسخ الكتاب، وقررت ألا أوضح له الحقيقة. وبعد انتهاء اليوم الأول من المؤتمر وأنا عائد مع صديقي شوقي بدر يوسف، حكيت له عما حدث، فصاح غاضبا:
- لقد ظننت أن الكاتب أهدى لي كتابه في كل النسخ.
فقلت، كثيرون يظنون هذا.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى