أدب السيرة الذاتية عائد خصباك - "حياتي 100% زائد واحد"..

كنا نجلس في مقهى " الجندول "، والشمس مالت الى الغروب عندما وصل لنا الخبر الذي كان بعضنا يتوقعه، أن صديقنا قاسم محمد حمزة، بعدما خرج عصر اليوم من بيته متوجها كعادته عصر كل يوم الى مقهى الجندول، توقفت بجانبه سيارة لا تحمل أرقاما ، نزل من السيارة رجلان وقالا له: الى أين أنت ذاهب؟ قلّب قاسم النظر في وجهيهما، وعندما تأخر في الرد قال أحدهما: الأفضل لك أن تجب. قال: الى مقهى الجندول. قال أحد الرجلين: اصعد الى السيارة ، نحن نوصلك اليها، كان ذلك قبل استلام صدام حسين مقاليد السلطة بكاملها.
ما وصل قاسم الى مقهى الجندول في ذلك اليوم ولا بعد شهر . في ذلك اليوم الذي وصلنا فيه الخبر عن قاسم، قال عبد الجبار: أنا خائف أن تكون الرسالة التي وعدني يوم امس كان يحملها معه فتضيع علي فرصة قراءتها. تلك الرسالة بعثها منيف بعدما نشر قاسم مقالته عن رواية "شرق المتوسط " في جريدة " طريق الشعب "، جريدة الحزب الشيوعي العراقي، و كان رأيه بما كتبه قاسم وفيها شكره . في يوم بعد ذلك قال له عبد الجبار : هل أستطيع أن أطلع على الرسالة ؟ قال قاسم : غدا ستكون عندك في مقهى الجندول . لكن في الغد لم تأت الرسالة ، انتظرها عبد الجبار في اليوم التالي و لم تصل ،بعد شهر لم تصل ، مضت ستة أشهر و لم تصل الرسالة ،طارت الرسالة و لكن أين حطّت يا ترى ؟على المياه المالحة في مبازل استصلاح الأراضي و تنقيتها من الأملاح تلك التي تقع في طريق حلة - ديوانية ، أو ربما دخلت في آلة من تلك التي تهرس لحم البشر و عظامهم.

***

عندما شكا مثنى، الذي هو في صف الرابع اعدادي لأبيه صعوبة كتابة موضوع ( الأب ) بمادة" التعبير" المطلوب منه غدا ،وقال المسكين أنه لا يعرف ماذا يكتب ، وقد حاول فما استطاع .الاب بعد الحاح من ابنه استنجد بجاره ،فقد قال له ابنه: ان جارنا عماد يعجبك بمثل هذه الأمور ، كاتب و رسام و خطاط ، ما قيمة موضوع التعبير هذا بالنسبة له ! كتابة صفحتين في الدفتر لا تأخذ من وقته أكثر من ربع ساعة!
ذهب الأب الى جاره الأديب وترجاه أن يكتب لابنه ذلك الموضوع في التعبير، نزل جاره عند طلبه وقال : دع ابنك ينام مطمئنا و درجة ال 100% ، اعتبرها صارت بجيبه.
تحت عنوان (الاب ) في منتصف الصفحة كتب: بعد ان مشّط ابي شعره على طريقة الممثل رشدي اباضة في فيلم ( صغيرة على الحب ) أمام سعاد حسني، خرج من البيت يطلب الذهاب الى السوق لشراء هدية لابنه الذكي في جميع دروسه وبشكل خاص في التعبير ، كان أبي سعيدا بمهمته هذه ، لذلك ،أخذ يردد مع نفسه اغنية ام كلثوم " يا ظالمني"، وأخذ يكتب كلمات الأغنية ،انتهت الصفحة الأولى وقلبها الى الثانية فأنهاها تقريبا الا سطرين ، توقف عندهما ليكتب: لم يكمل أبي كتابة بقية كلمات الأغنية لانه وصل الى السوق ، اشترى الهدية لأبنه و رجع الى البيت .
أخذ الاب الحريص على نجاح ابنه الموضوع من جاره فرحا ، لكنها عشر دقائق فقط لا غير، رجع خائبا الى جاره من جديد قائلا : أستاذ، الله يخليك ، ابني يقول لك ان مدرسه في التعبير لا يقبل بمثل هذا الكلام و أنه لو ذهب به اليه ستكون علامته صفرا ، هذا المدرس لا يحب الاغاني و لا الموسيقى، وأنه يعتبر مثل هذي الاشياء حرام في حرام . قال جاره الأديب : و ما العمل ؟ قال: اكتب له تعبيرا آخر . قال : ولا يهمك، دع ابنك ينام مطمئنا و درجة ال 100% ، في الجيب لامحالة
تحت عنوان ( الاب ) في منتصف الصفحة كتب : بعد أن صلى ابي صلاة العصر لبس عمامته و عباءته و مداسه و دسّ خاتمه أبو فص ازرق في خنصره الأيسر و أوصى أمي ألا تكشف عن خصلة من شعرها في البيت امام ابنائها لأن ذلك لا يليق بالمرأة المحصنة ، خرج يطلب الذهاب الى السوق لشراء هدية لابنه الذي حفظ القرآن كله، ويصوم رمضان و غير رمضان، كان سعيدا بهذه المهمة ، لذلك أخذ يقرأ من سورة النساء، من اولها ( بسم الله الرحمن الرحيم :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم )وراح يكتب حتى أنهى الصفحة الأولى وأنهى الثانية الا سطرين، كتب فيهما: و لم يكمل أبي قراءة بقية السورة لانه وصل الى السوق ،
اشترى الهدية لأبنه و رجع الى البيت


***

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى