د. سيف الدين بنزيد - الثّورة على اللّغة (من يوسف الخال إلى الطّاهر الهمّامي)

دون كتابة باللغة المحكيّة لا أدب عندكم"، بهذه القولة للنّاقد الإنغليزيّ ليفيس الذي كان وراء شهرة إليوت، تأثّر الشاعرُ السّوريّ يوسف الخال وقرّر تطوير اللغة الشعريّة من خلال التمرّد على قواعد العربيّة الفصحى واغتصاب النّحو المعياريّ بحذف حروف العطف واستعمال الاسم كصفة وإلحاق أداة التّعريف بالفعل كما في قوله"ونقطة الزيت التمزّق القصيّ"، يقول: "متى يطلع أديب كدانتي... يلبط هذه العكاكيز اللغويّة، يكسّر قوالب هذه اللهجة الخَطابيّة البائخة... فيخاطبَ الشعب بلغته هو لا بلغة الأمواتِ؟". ويتجلّى هذا الموقف على سبيل المثال في ضراعته لعِزرا باوند، يقول:
"سألناكَ ورقة تين / فإنّا عُراة عُراة/ أثمنا إلى الشّعر فاغفر لنا / ورُدّ إلينا الحياة".
ويحيل ضمير المتكلّم الجمع في هذه الشطرات إلى اشتراك الشعراء في الإثم أي في مُساندة السّائد من أشكال الكتابة القديمة.
وفي أواخر الستينيّات ظهرت بتونس حركة "الطليعة الأدبيّة" التي عُرفت في مجال الشّعر بحركة "غير العموديّ والحرّ". ونادت هذه الحركة بأنّ كلّ مضمون يُفرز شكلَه الشّعريّ الخاص ودعت إلى كتابة القصيدة بمعجم بسيط ملتصق بلغة التخاطب اليوميّة وبواقع الجماهير الكادحة. وقد أعلن الطاهر الهمّامي –أحدُ مؤسّسي هذاالتوجّه ومنظّريه- في نصوصه رفضه للغة المعاجم وتوقه إلى التحرّر من ربقتها:
"يقول سيّدي القاموس / وكان رحمه الله / يهوى التثاؤب والجلوس".
كما يستهزئ الباحث التونسيّ من شعراء التكسّب بقوله: باعة الكلام الأبيض / مازالوا في المعرض/وسلعهم تُعرض/ باعة الألفاظ/ مازالوا/ ومازالت عكاظ".
وفي سياق قريب من سياق هذه الأسطر أذكر استهزاءً للخال جاء فيه: "لكنّنا هذه المرّة وقد مضى على سوق عكاظ عشرون قرنا لن نقف لنبكيَ على الطلول كأسلافنا بل سوف نستهلّ قصائدنا بمديح هذا الملك أو ذاك الحاكم"، ويشبّه الخال الشعراء الحقيقيّين المتمرّدين على بحور الخليل ونظام القافية ولغة المعاجم بالأنهار الجارية في حين يُشبّه باعة الكلام بالمستنقعات الآسنة التي تُميت ولا تُحيي. ولعلّ السؤال الذي يُطرح بشدّة هو: لماذا نُصرّ نحن العربَ من دون كلّ الأمم على عدم تطوير لغتنا؟


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى