يعتبر النثر أشد مساساً بحاجات الإنسان وأشد اتصالاً بما يتجه إليه على حد تعبير الشّاعر والمفكّر "طه حسين". فالشعر الحديث يفرغ الكلمة من معناها المألوف ويشحنها بدلالة جديدة غير مألوفة، موزوناً كان أو نثراً.
ونحن أمام نص مشحون بالمعاني والإيحاءات التي تجعل منه نصا ًشعرياً مثيراً للتلقي. فنشهد وحدة في النص، يدل عليها توافر صفات عدة كالتماسك والصلابة والكفاءة والتعادل . فهو يعكس تناغماً بين المضمون والشكل، وبين اللغة والموسيقى، وبين الفكرة والصورة. والوحدة لا تكون إلّا بهذا التناسق والتناغم بين الصور الذي يتألف منها النص.
تعرض الشاعرة قضيتها (الصداقة) ومشاعرها على مسافة تمتد بين الضيق والسعة، بين القوة والضعف، بين الجبر والإختيار. فهي ليست صديقة (واحدة) للأشياء والمواقف، فدرجة صداقتها تختلف كمًّا ونوعاً تبعاً لأهمية هذه العناصر بالنسبة لها. فهي صديقة (قديمة)للجدران والنوافذ وللمرأة المهزومة وللجندي، وصديقة (نوعاً ما) للرصيف. وتتدرج في التعبير عن مشاعر الصداقة، فهي (صديقة جداً) للقرية ، وفكرة الصداقة لها حضورها القوي في الأدب القديم وتحديداً الشاعر القروي الذي يجعل الصداقة فوق كل شيء. فبهذا التعبير تحافظ الشاعرة على الموروث وتعبر عنه بأسلوب حداثي. وهي صديقة (بكثرة) للمطر ، وصديقة (بدرجة فادحة) للنهر. وهذا دلالة على ارتباط الكاتبة بالطبيعة وتأثرها في مظاهرها وتأثير الطبيعة في عواطفها وأفكارها. ولكنها في الوقت نفسه تعترف بصداقة (أرغمت عليها) للعطر ، وبصداقة (لم تخطط لها) لعلب الكلينكس. ولكنها في النهاية تؤكد التلاحم بينها وبين العطر، وبينها وبين الطبيعة، فتصرح في نهاية النص أنها صديقة (حتى الرمق الأخير) لقرنفلة كلما عزفت على رد الجميل سقطت الشاعرة في ساقية.
وفي الطبيعة إيقاع ثنائي تتعاقب فيه الفصول، وتمثله الشاعرة هنا بطريقة رمزية ممتعة وغنية. فمعجم الطبيعة في النص زاخر بالمفردات التي ترمز إلى الفصول وبالتالي تجسد إيقاع الطبيعة النفسي والحسي. فالأوراق المتساقطة إشارة إلى الخريف، والوحل والمطر إشارة إلى الشتاء، والسنابل إشارة إلى الربيع، والنهر والساقية إشارة إلى الصيف.
هذه العلاقة الطردية الأبدية تمزج الطبيعة والبيئة بالإبداع الشعري. وهذا ما أعطى جمالية وإبداعاً للنص.فالشاعرة تنطلق من الطبيعة لتعود إليها وترسم لها وجوداً حياً فيها. أوليست الطبيعة عنواناً للوجود الإنساني الحقيقي وملجأ للذات المعذبة والذات الحالمة؟ ولم تكتف الشاعرة بالإشارة إلى الواقع الحي من خلال الحقل المعجمي للطبيعة، بل أشارت إلى الجانب المادي الساكن في الواقع. فذكرت الجدران والنوافذ والقطارات والرصيف والقمصان والمشجب وعلب الكلينكس، لتعكس من خلالها علاقة الإنسان المتأرجحة بين العالم الحي النقي وبين العالم المادي المصطنع .
ومن المعلوم حسب الأديب "عبد القاهر الجرجاني" أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة ، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عن سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه. فلا يمكن الحديث عن شعر خال من التصوير تماماً. فإن فضل الصور الشعرية إنما هو تمكين المعنى في النفس، لأن غاية الكلام البليغ إنما هو التأثير. والصور الشعرية التي صاغتها الشاعرة استطاعت أن تمثل الحالة أحسن تمثيل . فهي تنتقل من وصف إلى وصف في سهولة ورفق، ونراها في الوقت ذاته صادقة فيما تقول.
يقول الأديب "نذير العظمة": الشعر تعبير جميل عن الحياة بشفرة لغوية فنية منغمة بين مرسل معلوم ومتلق مجهول. وهو لا ينبع من القصيدة والنظام بقدر ما ينبع من العاطفة والإنسان(البيئة-العصر-المشاعر). وهذا النص النثري مثال على التناغم بين اللغة والعاطفة والفكرة. فالشاعرة فيه تمتص من النثر تقنياته ومن الشعر تقنياته فتدخلها مصنعها الشعري لتتعطر بأريجها. فقد عكس هذا النص العديد من تقنيات الشعر والنثر الذي جعل منه نصاً شعرياً ممتعاً وقيماً.
فصاحبة النص استطاعت التأرجح بين الغلو والتهوين بوساطة الإستعارة لخلق القوى التخيلية المرغوبة ونقل عاطفتها وشعورها الحقيقي دون أن تقع في فخ بساطة الساذج. والإستعارة تقنية مهمة تعطي القوة للتعبير عن الأفكار. أوليست الحياة عبارة عن استعارة أو تصوير ؟ فالإنسان يعي ما تترجمه حواسه إلى صورة ويصيغها الدماغ بالإستعارة. وهنا بعض الشواهد :(الرصيف تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين-النهر يخبئ في قلبي ضفتيه-العطر الذي يجلد الذاكرة –علب الكلينكس تفتح صدرها-قرنفلة عزفت رد الجميل). والشاعرة هنا تكتب كلماتها الخاصة وترسم صورها الشعرية دون أن تستعير أصابع الآخرين لتجمل نصها. وهذا ما أكده "الجاحظ" في تعريفه للشعر: الشعر فن تصويري يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية وحسن التعبير.
بالإضافة إلى الإستعارة استخدمت الشاعرة التجسيم لتجسد كائناً غير حي كما لو كان كائناً حياً، وذلك حين أوردت( الرصيف تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين).
كما يتضمن النص محاكاة صوتية تتجلى بمحاكاة الإيقاع. ويتجلى ذلك من خلال تكوين موسيقى تنسجم مع المعاني وتؤثر في نفس المتلقي ، وفي هذا النص نشهد موسيقى داخلية متمثلة بتكرار كلمة (صديقة) وتكرار استخدام الصفات ومفردات الطبيعة. والتكرار هو أحد لبنات البناء الفني للنص، فهو يخدم المعنى ويقويه ، شرط أن يكون هادفاً. والهدف هنا لفت انتباه القارئ والتركيز على الإنفعال وهو وسيلة فنية لاستحضار الإيقاع وطريقة جميلة لإبداع نغم داخلي لتنمية جو نفسي خاص أرادته الشاعرة .
ولا يمكن إغفال حضور السجع الواضح في النص والذي يجعل من النص نصاً شعرياً جميلاً. والسجع هو تكرار الأصوات اللينة داخل المقاطع وغايته خلق نغمة موسيقية محببة لأذن القارئ ومؤثرة في فكره ومشاعره. ويظهر ذلك في الكلمات: (حافية-غافية- -خافية-ساقية-متباكية-عافية-يائسة).
وللتوازي حضور في هذا النص . يقول "ياكوبسون": المسألة الأساسية للشعر هي التوازي. ويشكل التوازي أداء سرديا ًيلح على تبئير حالة أو موقف ما دلالياً وجمالياً. فالشاعرة تحتفي بالتصوير لتأسيس بنية مجازية دالة، تقتطعها من مفردات حياتها المعيشة ليتضافر المجازي واللامجازي في تقديم رؤى إنسانية وتنخرط في عذابات الذات الشاعرة.
ننتهي بتأكيد فكرة أنه لا يمكن كتابة الشعر من دون فكرة ، فالفكرة هي أوكسجين الشعر ، فبها يحيا ومن دونها يموت. والفكرة التي اختارتها الشاعرة(الصداقة مع الطبيعة) من أهم المفاهيم الأخلاقية والإنسانية ، ومن أساسيات العلاقات بين البشر وباقي الكائنات والتي تحقق انسجام في الذات والمحيط والكون.
هذا النص بجمال لغته وموضوعه يثبت لنا ما قالته "سوزان برنار" بأنه بمقدور النثر أن يعانق اضطربات الكائن الداخلي بصدق أكبر، وينقل تعقيدات القلب والضمير الحديث.
النص:
أنا صديقة قديمة للجدران
للنوافذ
لأوراق الأشجار المتساقطة
صديقة للوحل
للمرأة المنهزمة آخر الأسبوع
للجندي الذي تغادره الرصاصة
بحثا عمن غرر بها
ثم تعود إلى رأسه يائسة
صديقة نوعا ما
للرصيف الذي
تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين
لقطارات وقودها التلويحات المتباكية
صديقة جدا
لتخمينات قروية
تمزج عبق حنائها
بحليب و سنابل على ميناء الروح راسية
صديقة بكثرة
للمطر الهاطل على حقل الذرة
ينعش وعود الزواج المتعثرة بمزاج الطقس
و نبضة في القلب خافية
صديقة بدرجة فادحة
للنهر
يخبئ في قلبي ضفتيه
و يأخذني إلى آخر نوايا الغرق
هكذا من كل اعتراض حافية
صديقة أنا و دون نية مسبقة
لعلب الكلينكس
تفتح صدرها دون أن تسأل
عن هوية الدموع
مانحة أمنيات العافية
صديقة أنا رغما عني
للعطر الذي يجلد الذاكرة
و المربعات المزاجية
في القمصان المقلمة
على مشجب القلب غافية
صديقة أنا حتى آخر رمق
لقرنفلة
كلما عزمت رد الجميل
سقطت في ساقية
ونحن أمام نص مشحون بالمعاني والإيحاءات التي تجعل منه نصا ًشعرياً مثيراً للتلقي. فنشهد وحدة في النص، يدل عليها توافر صفات عدة كالتماسك والصلابة والكفاءة والتعادل . فهو يعكس تناغماً بين المضمون والشكل، وبين اللغة والموسيقى، وبين الفكرة والصورة. والوحدة لا تكون إلّا بهذا التناسق والتناغم بين الصور الذي يتألف منها النص.
تعرض الشاعرة قضيتها (الصداقة) ومشاعرها على مسافة تمتد بين الضيق والسعة، بين القوة والضعف، بين الجبر والإختيار. فهي ليست صديقة (واحدة) للأشياء والمواقف، فدرجة صداقتها تختلف كمًّا ونوعاً تبعاً لأهمية هذه العناصر بالنسبة لها. فهي صديقة (قديمة)للجدران والنوافذ وللمرأة المهزومة وللجندي، وصديقة (نوعاً ما) للرصيف. وتتدرج في التعبير عن مشاعر الصداقة، فهي (صديقة جداً) للقرية ، وفكرة الصداقة لها حضورها القوي في الأدب القديم وتحديداً الشاعر القروي الذي يجعل الصداقة فوق كل شيء. فبهذا التعبير تحافظ الشاعرة على الموروث وتعبر عنه بأسلوب حداثي. وهي صديقة (بكثرة) للمطر ، وصديقة (بدرجة فادحة) للنهر. وهذا دلالة على ارتباط الكاتبة بالطبيعة وتأثرها في مظاهرها وتأثير الطبيعة في عواطفها وأفكارها. ولكنها في الوقت نفسه تعترف بصداقة (أرغمت عليها) للعطر ، وبصداقة (لم تخطط لها) لعلب الكلينكس. ولكنها في النهاية تؤكد التلاحم بينها وبين العطر، وبينها وبين الطبيعة، فتصرح في نهاية النص أنها صديقة (حتى الرمق الأخير) لقرنفلة كلما عزفت على رد الجميل سقطت الشاعرة في ساقية.
وفي الطبيعة إيقاع ثنائي تتعاقب فيه الفصول، وتمثله الشاعرة هنا بطريقة رمزية ممتعة وغنية. فمعجم الطبيعة في النص زاخر بالمفردات التي ترمز إلى الفصول وبالتالي تجسد إيقاع الطبيعة النفسي والحسي. فالأوراق المتساقطة إشارة إلى الخريف، والوحل والمطر إشارة إلى الشتاء، والسنابل إشارة إلى الربيع، والنهر والساقية إشارة إلى الصيف.
هذه العلاقة الطردية الأبدية تمزج الطبيعة والبيئة بالإبداع الشعري. وهذا ما أعطى جمالية وإبداعاً للنص.فالشاعرة تنطلق من الطبيعة لتعود إليها وترسم لها وجوداً حياً فيها. أوليست الطبيعة عنواناً للوجود الإنساني الحقيقي وملجأ للذات المعذبة والذات الحالمة؟ ولم تكتف الشاعرة بالإشارة إلى الواقع الحي من خلال الحقل المعجمي للطبيعة، بل أشارت إلى الجانب المادي الساكن في الواقع. فذكرت الجدران والنوافذ والقطارات والرصيف والقمصان والمشجب وعلب الكلينكس، لتعكس من خلالها علاقة الإنسان المتأرجحة بين العالم الحي النقي وبين العالم المادي المصطنع .
ومن المعلوم حسب الأديب "عبد القاهر الجرجاني" أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة ، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عن سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه. فلا يمكن الحديث عن شعر خال من التصوير تماماً. فإن فضل الصور الشعرية إنما هو تمكين المعنى في النفس، لأن غاية الكلام البليغ إنما هو التأثير. والصور الشعرية التي صاغتها الشاعرة استطاعت أن تمثل الحالة أحسن تمثيل . فهي تنتقل من وصف إلى وصف في سهولة ورفق، ونراها في الوقت ذاته صادقة فيما تقول.
يقول الأديب "نذير العظمة": الشعر تعبير جميل عن الحياة بشفرة لغوية فنية منغمة بين مرسل معلوم ومتلق مجهول. وهو لا ينبع من القصيدة والنظام بقدر ما ينبع من العاطفة والإنسان(البيئة-العصر-المشاعر). وهذا النص النثري مثال على التناغم بين اللغة والعاطفة والفكرة. فالشاعرة فيه تمتص من النثر تقنياته ومن الشعر تقنياته فتدخلها مصنعها الشعري لتتعطر بأريجها. فقد عكس هذا النص العديد من تقنيات الشعر والنثر الذي جعل منه نصاً شعرياً ممتعاً وقيماً.
فصاحبة النص استطاعت التأرجح بين الغلو والتهوين بوساطة الإستعارة لخلق القوى التخيلية المرغوبة ونقل عاطفتها وشعورها الحقيقي دون أن تقع في فخ بساطة الساذج. والإستعارة تقنية مهمة تعطي القوة للتعبير عن الأفكار. أوليست الحياة عبارة عن استعارة أو تصوير ؟ فالإنسان يعي ما تترجمه حواسه إلى صورة ويصيغها الدماغ بالإستعارة. وهنا بعض الشواهد :(الرصيف تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين-النهر يخبئ في قلبي ضفتيه-العطر الذي يجلد الذاكرة –علب الكلينكس تفتح صدرها-قرنفلة عزفت رد الجميل). والشاعرة هنا تكتب كلماتها الخاصة وترسم صورها الشعرية دون أن تستعير أصابع الآخرين لتجمل نصها. وهذا ما أكده "الجاحظ" في تعريفه للشعر: الشعر فن تصويري يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية وحسن التعبير.
بالإضافة إلى الإستعارة استخدمت الشاعرة التجسيم لتجسد كائناً غير حي كما لو كان كائناً حياً، وذلك حين أوردت( الرصيف تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين).
كما يتضمن النص محاكاة صوتية تتجلى بمحاكاة الإيقاع. ويتجلى ذلك من خلال تكوين موسيقى تنسجم مع المعاني وتؤثر في نفس المتلقي ، وفي هذا النص نشهد موسيقى داخلية متمثلة بتكرار كلمة (صديقة) وتكرار استخدام الصفات ومفردات الطبيعة. والتكرار هو أحد لبنات البناء الفني للنص، فهو يخدم المعنى ويقويه ، شرط أن يكون هادفاً. والهدف هنا لفت انتباه القارئ والتركيز على الإنفعال وهو وسيلة فنية لاستحضار الإيقاع وطريقة جميلة لإبداع نغم داخلي لتنمية جو نفسي خاص أرادته الشاعرة .
ولا يمكن إغفال حضور السجع الواضح في النص والذي يجعل من النص نصاً شعرياً جميلاً. والسجع هو تكرار الأصوات اللينة داخل المقاطع وغايته خلق نغمة موسيقية محببة لأذن القارئ ومؤثرة في فكره ومشاعره. ويظهر ذلك في الكلمات: (حافية-غافية- -خافية-ساقية-متباكية-عافية-يائسة).
وللتوازي حضور في هذا النص . يقول "ياكوبسون": المسألة الأساسية للشعر هي التوازي. ويشكل التوازي أداء سرديا ًيلح على تبئير حالة أو موقف ما دلالياً وجمالياً. فالشاعرة تحتفي بالتصوير لتأسيس بنية مجازية دالة، تقتطعها من مفردات حياتها المعيشة ليتضافر المجازي واللامجازي في تقديم رؤى إنسانية وتنخرط في عذابات الذات الشاعرة.
ننتهي بتأكيد فكرة أنه لا يمكن كتابة الشعر من دون فكرة ، فالفكرة هي أوكسجين الشعر ، فبها يحيا ومن دونها يموت. والفكرة التي اختارتها الشاعرة(الصداقة مع الطبيعة) من أهم المفاهيم الأخلاقية والإنسانية ، ومن أساسيات العلاقات بين البشر وباقي الكائنات والتي تحقق انسجام في الذات والمحيط والكون.
هذا النص بجمال لغته وموضوعه يثبت لنا ما قالته "سوزان برنار" بأنه بمقدور النثر أن يعانق اضطربات الكائن الداخلي بصدق أكبر، وينقل تعقيدات القلب والضمير الحديث.
النص:
أنا صديقة قديمة للجدران
للنوافذ
لأوراق الأشجار المتساقطة
صديقة للوحل
للمرأة المنهزمة آخر الأسبوع
للجندي الذي تغادره الرصاصة
بحثا عمن غرر بها
ثم تعود إلى رأسه يائسة
صديقة نوعا ما
للرصيف الذي
تحاصر أنفاسه جوقة المتسولين
لقطارات وقودها التلويحات المتباكية
صديقة جدا
لتخمينات قروية
تمزج عبق حنائها
بحليب و سنابل على ميناء الروح راسية
صديقة بكثرة
للمطر الهاطل على حقل الذرة
ينعش وعود الزواج المتعثرة بمزاج الطقس
و نبضة في القلب خافية
صديقة بدرجة فادحة
للنهر
يخبئ في قلبي ضفتيه
و يأخذني إلى آخر نوايا الغرق
هكذا من كل اعتراض حافية
صديقة أنا و دون نية مسبقة
لعلب الكلينكس
تفتح صدرها دون أن تسأل
عن هوية الدموع
مانحة أمنيات العافية
صديقة أنا رغما عني
للعطر الذي يجلد الذاكرة
و المربعات المزاجية
في القمصان المقلمة
على مشجب القلب غافية
صديقة أنا حتى آخر رمق
لقرنفلة
كلما عزمت رد الجميل
سقطت في ساقية