محمود عتر - شيخ الحارة..

ما عندنا خبز ولا وقود… ما عندنا ماء.. ولا سدود
ما عندنا لحم.. ولا جلود .. ما عندنا نقود
كيف تعيشون إذن؟! … نعيش في حب الوطن!
(أحمد مطر)


مرت ساعات على إغلاق منافذ ومداخل الحارة، منعُاً تام للدخول أو الخروج، الحركة متوقفة في شارع الشهيد الأكثر إزدحاماً، الجميع في حالة ترقُب، شيئاً من الطمأنينة سكن الحارة بعد بزوغ أشعة الشمس الذهبية، وتكسرها على أسقف البيوت المتلاصقة بألوانها الزاهية، وأشكالها المتجانسة، كـ حال ساكنيها، بعد ساعات من انقطاع الكهرباء التي اعتادها السكان.

لكن الانتشار الكثيف للشرطة ووضع المتارس أثار حفيظة الجميع!. علها الاستعدادات تسبق احتفالات الاستقلال، هكذا فسر البعض تشديد القبضة الأمنية، خاصة مع انخفاض عدد الساعات التي تنقطع فيها الكهرباء على غير العادة، وكأنها تخزن لتوزع كهدية “استغلال” كما يصفها السكان!

الساعة الآن 7:45 صباحاً، بدأ أهل الحارة بالتوافد على مقهى “الحرية” الشهير الذي يقع على شارعين، في منطقة مرتفعة قليلاً تكشفها من جميع الاتجاهات، تحاصره أشجار نخيل الزيت والياسمين ، الضوء خافت قليلاً وغير مباشر لزيادة حميمية رواده، يغلب عليه الطراز القوطي، يوفر جلسات دافئة للزوار مع واجهات زجاجية، يطل من الجهة الشمالية على الحارة، ومن الغرب على مقر شيخ الحارة أو كما يعرف” ديوان الحارة”، يتجمع كل سكان الحي في الجهة الشمالية، وموظفو الديوان في الجهة الغربية، وكأن كل طرف يبقى يحرس منطقته!.

الجهة الشمالية من المقهى تعجُ بالحكايات والقصص القديمة، الضحكات تسكن الزوايا وتحرك الطاولات الساكنة، رائحة القهوة والسجائر تمتزجان في المكان، يتناقلون فيما بينهم صفحات الجريدة الوحيدة التي تصدر في الحارة، رغم خلوها من أخبار تفاجئهم، الجالسون في الضفة الغربية يكتفون بمتابعة الكائنات في المنطقة الشمالية، وحدها أعينهم دون الحواس الخمسة تؤدي دورها كما يجب، يراقبونهم عن كثب .. يحفظون أشكالهم … ترتيبهم .. طريقة جلوسهم .. تفاعل أجسادهم ،لا حكايات تروى في هذا الجانب غير توثيق البصري. حتى التحايا فيما بينهم تتحول إلى لغة الإشارة إماءة من الرأس تكفي قبل الجلوس والذهاب وكأنها لغتهم المشفرة التي لا يفهمها غيرهم .

تقترب الساعة من الثامنة، يبدأ الجميع في الاستعداد لترك مقاعدهم والذهاب لأعمالهم، أصحاب الجهة الشمالية يعودون لمباشرة أعمالهم، التي تقتصر على الدكاكين الصغيرة فهي الأعمال المتاحة لعامة الناس، فلا مشاريع زراعية، حيث منعت بقرار حكومي قبل سنوات، بسبب عدم توفير المبيدات مما تسبب في تلف المحاصيل، ومنع إستيرادها من الحارات المجاورة لقطع العلاقات الدبلوماسية، ومعاقبة من يقوم بذلك بالسجن لخمس سنوات لتواصله مع الأعداء، كما تصفهم قيادة الحارة !. التي تعتمد خزينتها على الضرائب المفروضة على التعاملات التجارية والتحويلات المالية من الخارج التي يرسلها سكان الحارة لذويهم، لا ﻧﻈﺎﻡ إﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﺿﺢ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻢ لقيادة الحارة، ﻻ موازنة ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻬﺎ ﺗﻘﺪﻳﺮ المصروفات والإيرادات، وحدها قيادة الحارة المتحكمة في الموارد التي لا يعرفها أحد! وكأن الحارة تحولت الى اسرة صغيرة وحده المُعيل يعرف الوارد والمنصرف، بينما على أفراد الاسرة التصرف وفق ما يمنحون.!

تعبر سيارة فارهة المقهى مُسرعة صوب المنطقة الغربية، يبدأ اصحاب الإماءات في إلقاء شفراتهم على بعضهم البعض، واللحاق بها، وصل شيخ الحارة لمقره في المنطقة الغربية ، يترجل من سيارته وعلامات الغضب تملاء وجهه، حاجبيه المكتظين متجهين الى الأسفل يكشفان حاله، يحاول فارس السيطرة على ذلك من خلال الترحيب الحار به والإشارة للجنود بإلقاء التحية العسكرية، يمضي شيخ الحارة مسرعاً لمكتبه يتبعه فارس ويغلق باب المكتب ليحفظ قدسيته من ثورة غضبه، يصرخ بوجهه

-أحتاج معرفة المعلومات التي لديكم .. هل عرفتم الجاني؟

يبدأ فارس بالتلعثم : – لقدددددد ..

– لقد ماذا؟

– جمعنا الأدلة، والمعلومات .. تبين أن موعد الجريمة كان بعد صلاة الفجر

– من قتل الشيخ أمين ؟!

الشيخ أمين كان قيادياً بارزاً في الثورة، لكنه كان زاهداً في السلطة، يراها كشيطان يخرج أسوء مافي الإنسان، يستخدمها أصحابها كسلاح طائش، تحولهم الى مسوخ بلا مشاعر، نشأته الدينية كانت سبباً ليترفع عنها، بالرغم من ذلك كان يلجئ إليه المتخاصمون فيحكم بينهم، كان الجميع يهابه دون أن يمتلك قوة، كان مُعيناً للجميع، لا يفرق بينهم يوفر لهم ما أستطاع من خلال علاقته التي تتجاوز شيخ الحارة، الذي كان يلجئ إليه للمشورة، ويستمع لنصحه دون أن يُبدي تفاعلاً، لأنه كان مدركاً أن الإستماع اقصر الطرق لمغادرة موقعه بأقل الخسائر الممكنة.

يكتفي فارس بالصمت لا إجابات يملكها ، يطلب شيخ الحارة قائد الشرطة بواسطة هاتف ، يصل مسرعاً ..

– للمرة الثانية من قتل الشيخ أمين ؟!

يتبادل قائد الشرطة وفارس النظرات مطولاً وكأن الإجابة أسيرة أعينهم!؟ يضرب شيخ الحارة بيده على مكتبه ويصرخ : من قتل الشيخ ؟

قائد الشرطة : سيدي قبل ظهر اليوم سنجد القاتل .. الأدلة تشير إلى متهم يجرى جمع المعلومات عنه ومراقبه الأماكن التي كان يقصدها …

هدأ شيخ الحارة قليلاً .. حسناً . حسناً .. هكذا أفضل .. أذهب لعملك ، ماذا لدينا اليوم يا فارس ؟،

– حارة البحر تحملنا مسؤولية مقتل عشرات الفارين في مياهها

– لماذا ؟

– لأنهم من سكان حارتنا!

– ليحرسوا بحرهم جيداً قبل أن يحملونا غضبه! ماذا هناك أيضاً؟

– سيدي أسمح لي لا بد أن نتيح للناس بعض المساحة .. تزايدت تقارير المنظمات التي تنتقدنا

– دعك من المنظمات يا فارس، ما يهمني أن أحكمهم، وتؤدوا مهامكم، لا تكرر حديثك احكمهم بالعصا والجزر ، الحكم بالعصا فقط … كي ينشغلوا بالبحث عن الجزر، لو منحتهم الخيارين .. سيخرج منهم ثائراً او ربما جشعاً وحتى حاقداً من يدري ليجرب حظه بالعصا لأنه وجد الجزر، وحده الحرمان يا صديقي يفقدهم الإحساس، يسلبهم ترف التفكير ،أترك لي الحكم وشأنه وأعطني ما لديك.

– حارة السعيد أرسلت تعزيزات عسكرية للحدود ، لمنع المتسللين من حارتنا، حارة الحرية كرمت أحد سكان حارتنا لحصوله على الدكتوراه في التربية !

شيخ الحارة ساخراً دكتوراه في التربية : هذه الحارة تحتاج لمن يربيها، يؤيد فارس شيخ الحارة في سخريته .

– ماذا عن مقهى الحرية؟

– لاشيئ جديد … على نفس حالهم .. حتى أن التقارير الصباحية تقول إنهم لم يذكروا الشيخ أمين !

– بل لم يعرفوا بعد، لقد قتل في المسجد بعد خروجهم ، لن يشعروا بغيابه الا عند صلاة الظهر.، او ربما عندما يحين موعد خلوته، أذهب وتابع قائد الشرطة وأتي بالمستجدات،

أتني بيدخلي يدخل فارس مكتب قائد الشرطة .. كعادته دون استئذان فهو يفعل ما يريد، يجلس كيفما شاء ، كان فارس أنيقاً في هندامه أكثر من غيره، واثقاً من خطواته، يمشى مختالاً بنفسه، بشرته الداكنة اللامعة كانت تلفت الأنظار إليه، كان ينتقي ربطات عنقه بعناية شديدة، يحافظ على لياقته البدنية بممارسة الرياضية يومياً لمدة ساعة، كان شغفوفاً بالافلام الفرنسية وأفكار روجيه غارودي المفكر الفرنسي الذي قاد الشيوعيين في بلاده ثم اعتنق الاسلام، طلب ذات مرة أن يكون سفيراُ في فرنسا، لكنه طلبه قوبل بالرفض القاطع من شيخ الحارة وشدد عليه أن لا يذكره ثانية أمامه أو يفكر فيه .

كثيراً ما فكر قائد الشرطة في قتله أو حتى وضعه في الزنزانة كما أشار اليه مساعده، لكن فارس يستمد قوته من شيخ الحارة الذي يعمل مساعداً له .. وذراعه الأيمن الذي يقوم بكل أعماله القذرة وفي كثير من الأحيان يتخذ القرارات دون الرجوع إليه ، لكنه يعرف انه يتغاضى عنه ليحمله مسؤولية ذلك في حال تململ سكان الحي من قرارته .

– قائد الشرطة لا أعرف لماذا يهتم شيخ الحارة بهذه الجريمة دون غيرها؟

– لعلاقتهم القديمة وحتى لا يتهمه الناس أنه القاتل، ولو سراً

– لكن لم أفهم من يمكن أن يقتل الشيخ أمين ؟

– ألم تقل أنكم جمعتم أدلة تشير الى القاتل ! وتراقبون الأماكن التي يقصدها

-كل ما وجدناه بجوار جثته قلم أخضر!

– قلم أخضر ! من يستخدم قلم أخضر ؟!

– لذلك ارسلت بعض المخبرين الى مجمع المدارس ليجدوا إجابة السؤال ؟

يُثني فارس على تصرفه ويذكره بوعده للرئيس بحل القضية قبل الظهر ..

-تبقى أمامك أربع ساعات ستجد القاتل في مجمع المدارس؟.

وصلت الرسالة لقائد الشرطة أنهم يجب أن يجدوا قاتلاً يليق بمقام الشيخ أمين، طلب من مساعده البحث في سجلات العاملين في مجمع المدارس وإيجاد اسماء مشبوهة خلال ساعة، في هذه الاثناء يحاول شيخ الحارة كتابة رسالة رثاء في صديقه الشيخ أمين الذي كانا يتشارك معه السيجارة في النضال ويحمي كل منهم الآخر في مناطق العدوا، عندما كانت العمليات الفدائية هي سلاحهم المتوفر.

“تعلمتُ منه أن الوطن ليست قطعة قماش يتقاسمها المنتصرون فيما بينهم، كيف أحكم على الناس من خلال أفضل ما فيهم ،لا أسوء ما يظهرون في لحظات الضعف، الشيخ أمين كان رمزاً للوطن، لم يتركه كغيره ممن رحلوا، الذين هربوا من تحمل المسؤولية واختاروا مصالحهم الشخصية”، هنا شعر شيخ الحارة أن الجملة الآخيره قد يُسئ فهمها، لأن المصالح الشخصية حاجة إنسانية لا يمكن الاستغناء عنها، ثم أن الحارة لا تكاد توفر لسكانيها غير ابسط سبل العيش، ماء غير دائم و كهرباء متقطعة و بعض المقاهي لمراقبة تحركاتهم، الفرص الوظيفية محصورة بين الشرطة و الجيش والمخبرين، قرر إعادة كتابة السطر الأخير، “الذين هربوا من تحمل المسؤولية واختاروا ان يلقوا بأنفسهم الى التهلكة، ومحاولة الوصول الى الحارات المجاورة الذين يحملون وطنهم مسؤولية مصيرهم” … لا ليس هكذا ..

شعر أن كلماته ليست في مكانها، وجد فارس شيخ الحارة حائراً في دهشته منهمكاً في كتابة رسالة رثاء صديقه الراحل الذي كان قائدهم في الثورة ! قبل أن يترك الجيش بعد التحرير، ليشغل مكان أبيه الراحل إمام المسجد،

-عفواً:هل تحتاج مساعدتي في كتابة الرسالة ؟

لمعت عينا شيخ الحارة كحبيب يلاقي عشيقته سراً بعد غياب، فارس كان معروفاً في الثورة بكلماته التي كان تنجح دوماً في حشد الناس ومنحهم الحماسة، لذلك كان يلجئ إليه قادة الجيش لكتابت كلماتهم، فهم شيخ الحارة عندما اعتلى المنصب حاجته لقلم فارس فستماله وجعله قريباً منه، منحه سلطات مطلقة كما عينه رئيس تحرير الجريدة الرسمية، ليحرك الجماهير كما يريد، منحه المال الذي يكفيه للدخول في مغامرات نسائية لا تنتهي.

رغم أنهم كانا معاً في الثورة لكنه لم يعتبر يوماً فارس نداً لهم، لأنه كان مجرد كاتب للثورة أكثر منه جندياً رغم حمله للسلاح ومشاركته في أهم المعارك، كان فارس يشعر بالغبطة من شيخ الحارة لكنه أعتاد ذلك فتجاوزه، كان يرى نفسه الحارس الأول لأفكار الثورة ومبادئها، حتى من شيخ الحارة وزمرته من قيادات الصف الأول في الجيش والشرطة، لكنه لم يدرك أن الافكار لا تتحمل الوصاية عليها، بل يجب أن تترك كنهر جاري لا يتوقف، كي لا ترتد عليه فترديه أسيرها الذي يؤدي لها فروض الطاعة وتقديم القرابين لتظل على عهدها!

– توقفت عند كتابة الذين هربوا من تحمل المسؤولية واختاروا، هل أقول مصالحهم الشخصية فيقال حرمتهم منها، أو ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة، فيقال إني المتسبب !! ما رأيك ؟

– يمكن أن تقول الذين هربوا من تحمل المسؤولية واختاروا الاستسلام، التي تُلقي عليهم باللائمة وتشعرهم بالضعف فيتشبثون بذلك على أنها حقيقة ثابتة، ويظلون على عهدهم ثابتين

يصفق شيخ الحارة با حرارة ويثني على نفسه لإنه أختار مساعداً مثله

– يا فارس لا أخشى الا من كلامتك في هذه الحارة الكفيلة بإشعال ثورة تأكل الأخضر واليابس ، وتعيد الأموات من قبورهم، أحمد الله أنك تحب المال والنساء الذين استطاع توفيرهم .. حسناً :

– أذهب واطلع على ما يجري في الحارة واتركني مع رثاء صديقي.

يخرج فارس وهو يشعر ان لا قيمة له دون كلماته .. لكنه يدرك أنه دونها ما كان سيصل إلي ما هو عليه ، كما هو حال شيخ الحارة دونه وبعض العسكر المقربين منه ، كان سيظل مجرد قائد فرقة استطلاع !، جميعنا ندين للآخرين بما نحن فيه! لا يمكن أن تصل الى ما أنت عليه بالدعاء فقط، هناك من يسخرون لك لتصل ، وصلت الاسماء التي طلبها قائد الشرطة .

الساعة الان 9.30 صباحاً ، 80 اسماً جمعت في ملف أخضر مع ملخص قصير لا يتجاوز سطرين عن كل اسم، شعر قائد الشرطة ان المهلة التي قطعها لن تكفي ليجد القاتل!، يسأل مساعده :

– كم عدد المدرسين لدينا ؟

– لا يتجاوزن 60 ،

– ولماذا لدي 80 اسماً؟!،

– أضفنا العاملين والسائقين في المدارس

– أذا المتهمين في جريمة القتل هم 60 ، نحتاج قاتل يليق بالشيخ أمين ” رحمه الله”، الا تربطك به صلاة قرابة! اذكر منذ سنوات توسط لك لتعمل معانا !

– هو خالي …

قائد الشرطة تفاجئ من صلاة القرابة بينهم رغم أنه يعمل مساعداً له منذ خمس سنوات!

– إذا أحسن الله عزائك، هذا جيد بما انه خالك أنظر في الاسماء من تجده في مكانة خالك! أقصد من قد يفكر في قتله ربما غيرة أو حسداً فكما تعلم الناس لدينا قلوبهم مليئة بمثل هذه الأمور ، في هذه اللحظة يصل فارس لمكتب قائد الشرطة

-ماذا لديكم ؟ ، رفيقي أحمد رحم الله خالك الشيخ أمين .. سنجد القاتل لا تقلق .. شيخ الحارة عازم على ذلك ، قائد الشرطة يفاجئ لمعرفة فارس صلة القرابة بينهم وهو يكاد لا يعرف سوى أسمه

شعر فارس بذلك فأنهى دهشته بالقول نحن نعرف من يعمل لدينا ..

ماذا لديكم؟

– جمعنا اسماء العاملين في المدارس و حصرنا المتهمين إلى 70، واشارة برأسه لمساعده بتلك الإماءة الشهيرة التي يؤديها الجالسون في المقهى !، سحب بيده الصفحة الاخيرة من الملف وقدمه لفارس ..

– حسناً لنراجع الاسماء لدينا 7 صفحات كل منها يضم 10 اسماء، الصفحة الأولى هذه لا نحتاجها يمزقها .. كل من فيها رجالنا المدير ومساعديه، كذلك الصفحة الثانية يتبعها بالأولى وهؤلاء كذلك، الصفحة الثالثة كذلك رجالنا ماعدا هذا واخرج قلم أخضر من جيبه ووضع عليه دائرة وتركها جانباً، الصفحة الرابعة هؤلاء جميعهم تم تعينهم لجمع الأخبار ومزقها، وصل للخامسة قرائها سريعاً وأعاد الملف إلى القائد ، هكذا أصحبت قائمتك جاهزة ، أحضر لنا قاتل خال أحمد وصديق شيخ الحاره.، غادر المكتب وسؤال معلق على شفتي القائد لكن خوفه من الجواب دفعه لتفريق الحروف سريعاً الى ملاجئ الأبجدية لتعود كما كانوا أحرف متناثرة لا تشكل خطراً..

امر قائد الشرطة أحمد بالقبض على الاسماء الموجود في باقي الاوراق وعددهم 30

-عفوا سيدي 31 ..

– هل افقدك وفات خالك الجمع تبقى لدينا 3 صفحات كل منها يتضمن 10 اسماء

– صحيح لكنك نسيت الاسم الذي وضع عليه علامة بالقلم الاخضر في الصفحة الثالثة هذه هنا

استغرب قائد الشرطة من تركيز مساعده، بدأ يشعر فجأة أن أحمد قد يشكل خطراً عليه ، لماذا لا يكون هو من قتل خاله، ليفشل في مهمته وينال منصبه؟! يطيل النظر إليه قليلاً :

– حسناً وهذا الرجل صاحب الدائرة الخضراء أحضرهم معه .. لكم من يكون ؟

– فيثاغورث ..

– من فيثاغورث ؟!

– معلم الرياضيات بالمجمع يلقبونه بـ فيثاغورث وهو أحد المقربين من خالي ، ومتزوج من أبنت عم فارس! الذي رفضته لتتزوجه بعدما خطبها خالي من والدها لأجله ..

قائد الشرطة شعر بالريبة قليلاً لكنه تجاوز ذلك سريعاً، وعادة لدائرة ظنونه هل أحمد دبر لها هذه المكيدة لتخلص منه ؟..

– حسناُ ، أتي لي بصاحب المثلثات هذا وباقي الاسماء،

على الفور شكل أحمد قوة عسكرية وانطلق صوب مجمع المدارس.

الساعة الأن : 10.05 ، بدأ أطفال الحارة يتجمعون بجوار مسجدها الكبير، بعد أن وجدوا الباب مغلقاً، على غير العادة كان الشيخ أمين يستقبلهم في العاشرة عند الباب ليهديهم قطعة من الخبز الساخن قبل أن يلتفوا حوله لتعلم القرأن، تسألوا فيما بينهم لماذا الباب مغلق !؟ أين الشيخ أمين ؟ بدأت أصواتهم تتعالى سمعتهم بعض النسوة في البيوت الملاصقة للمسجد، أخذن يتناقلن الخبر فيما بينهن، سرعان ما وصل اختفاء الشيخ أمين للمقاهي المجاورة وصولاً لمقهى الحرية الشهر ، نقل أحد المرابطين في ضفته الغربية ما جرى لقائده الذي نقل الخبر بدوره لفارس، الذي اكتفى بطأطأة رأسه وصرفه بإشارة إصبعه.

وصلت القوة التي شكلها أحمد في 10.15 ، حاصروا المكان من جميع الاتجاهات، وبدأ يلقون القبض على الجميع وسط دهشة وخوف الطلاب الذين أمروا بعدم التحرك من مقاعدهم، عادت القوة سريعاً الى مقر القيادة وكان في استقبالهم قائد الشرطة الذي لا يزال يفكر في أحمد، لكنه فوجئ أن المقبوض عليهم أكثر بكثير من العدد الذي ينتظره ! تسأل عن سر زيادة العدد ..

– الم يكن العدد 30؟

-بل 31

بدأ سلوك أحمد يغضب قائد الشرطة ، حسناً: من كل هؤلاء ؟

– وجدنا بعض العاملين في المجمع يشيرون لنا بذلك ، فقبضنا عليهم ،

فهم قائد الشرطة انها تعليمات فارس، لكن لم يفهم من هؤلاء الذين اضيفوا على القائمة شعر ان الامر سيأخذ وقتاُ طويلاً الساعة تشير الى 11 صباحاً، بدأت شكوكه تزداد نحو أحمد الذي يبدوا أنه بدأ يتورط أكثر وأكثر في دائرة ظنونه ، وصل فارس مسرعاً على غير العادة

– أحضروا فيثاغورث لمكتبي،

قائد الشرطة يشير برأسه الى أحمد بتنفيذ الامر ، بينما يشير اليه فارس ليتبعه، مضت نصف ساعة ولم يأتي أحمد با فيثاغورث ، شعر قائد الشرطة ان احمد يتعمد التأخير ليضعه في موقف حرج مع فارس الذي يهابه الجميع في حضوره ، بل يؤدي بعضهم التحية العسكرية له ، وفي غيابه يكتفون بوصفه فارس ! وكأن له نصيب من اسمه !، يصل أحمد وحيداً .. وينظر الى قائده وعلامات الفشل تفضحه، بينما فسرها هو بالسخرية من موقعه فهو من سيحصد غضب فارس،

-سيدي لم نجد فيثاغورث بين المقبوض عليهم !

بدت علامات الغضب بادية على فارس، فجأة تتحول يديه اليُسري لقناع يخفي وجهه لا يُكاد يظهر غير عيناه وهي في وضعية الاستعداد لترمي سهامها، يحاول قائد الشرطة التواري عن مسارها

-الا تعرفون تأدية أعمالكم، يا قائد الشرطة إذا لم يؤدي رجالك مهماهم ماهي أهميتك ! لماذا نمنحك هذه الامتيازات إذا لم تكن قادراً على القيام بواجباتك؟

بينما كانت كلمات فارس مندفعة صوب القائد، كانت عيناه ترصدان تفاعلات وجه أحمد معها، وكأنه قرر في هذه اللحظة اختيار خصمه، لكن أحمد حقق انتصاراً في قمة هزيمته، سيدي فارس :

– قمت بإجراء الاتصالات مع الرفاق في المدرسة وأكدوا أن فيثاغورث خرج بالأمس مبكراً من المدرسة ولم يحضر اليوم لعمله ، لذلك أرسلت قوة لمنزله لإحضاره خلال دقائق سيصلون، كما تعلم هو يسكن خلف المبني بشارعين.

– حسناً . حسناً .. سننتظر لنرى، أحسنت احمد في اتخاذ قرارك،

بينما بدأ قائد الشرطة في وضع خطة إغتيال أحمد الذي تعمد وضعه في هذا الموقف ليسخر منه ويخرج منتصراً. في هذه الأثناء يشهد شارع الحرية الذي يقع فيه المسجد الكبير، تجمع الأهالي مع أبنائهم الذين لم يجدوا شيخهم ، اخذت الاصوات تتعالي أين الشيخ أمين ؟، لماذا المسجد مغلق .؟! تزايدت أعداد الباحثين عن الإجابات، في المقابل قوة من الشرطة تطوق المكان من بعيد تحسُباً ، وصلت الاخبار سريعاُ لفارس، الذي أمر أحمد بإرسال فريق المهمات الخاصة للمنطقة، بينما قائد الشرطة لم يعد يعرف ما هو دوره! ، لماذا يتواجد في هذا المكان بالتحديد، هل يذهب ام يظل واقفاً .. يجلس، يشعل سيجاراً!؟ قرر أخذ هاتفه ليتصل بشخص خارج هذه الغرفة الضيقة، حتى لو تواصل مع الكائنات الفضائية ، دخل شيخ الحارة عليهم وهو غاضب و با صوت عالي، يا قائد الشرطة :

– أين القاتل ؟ تبقى على الموعد قرابة الساعة، بدأ الناس يتسألون عن شيخهم ؟ ماذا سنقول لهم قتل ؟! من قتله ؟ بإي ذنب قتل ؟

فقد قائد الشرطة في هذه اللحظة ما تبقى من حواسه التي تركها أحمد مجمدة، سرعان ما وصلت اخبار القوة التي ارسلها احمد اليه بالخبر المنتظر، والذي أطلقه في الغرفة كالقنبلة التي بدأت تضيق على من فيها، سيدي:

-لم يجدوا اثراً لـ فيثاغورث في منزله .. تم رصده فجراً يإتجاه حارة الحرية!

قائد الشرطة وجد ضالته لينتصر لنفسه ، بأعلى صوته صارخا كالمرأة التي تضع مولدها فر القاتل ، والمساعد أحمد قصر في أداء مهامه لا تقلق سيلقى جزائه كما علمتنا، رحم الله الشيخ أمين كان معلم الجميع ..

– الحمدالله إذاً تكشفت الحقيقة حسناً .. فارس انشر الخبر في الجريدة الرسمية

في هذه اللحظة فارس في داخله بركان غضب مشتعل قابل للانفجار في أي لحظة بسب اختفاء فيثاغورث، وأحمد فقد وظيفته لغيرة قائده رغم تفانيه في تنفيذ المهام المطلوبة، والبحث عن قاتل “خاله” ، الذي كان السبب لما هو عليه قبل هذه اللحظة، كما هو السبب لما آل اليه الأن ..

احتفظ قائد الشرطة بمكانه لكن دون من ينازعه المنصب، ووجد شيخ الحارة من يُلقي عليه تهمة قتل صديقه، ولن يجد فارس مشكلة في وصف القاتل بأبشع التهم دون محاكمة، رغم انهم يستخدمون ذات الدليل الذي وجد بجوار الجثة، لكنها الحقيقة التي نراها كما نتمنى، لا كما يجب .

تناقل سكان الحارة مقتل الشيخ كخبر عابر مع بعض الخصوصية فقد كان شيخهم ومعينهم ،حزنوا كثيراً ، منحوه جنازة لائقة، ذرفوا الأدمع ..، تذكروا محاسنه.. ، شتموا القاتل .. ، رسموه على الجدار ..، القوا عليه الحجارة..، شنقوه ..، ثم صلبوه ..، ونسوهم في محطة الموت، ومضوا .. ومضوا حتى يصلوا محطتهم الآخيرة .

المساحات الضيقة تُبنى عليها الاوطان ، لا الركون للمساحات الفارغة! واختزال الحقيقة في صورة او اسم .

نموت كي يحيا الوطن … يحيا لمن ؟ ( أحمد مطر)
أعلى