عصري فياض - هل تتجزأ المسميات؟؟

عن سياسة التسويات والتطبيع وما يسمى بالسلام مع اسرائيل أتحدث... أقول ذلك ونحن نسمع ونقرأ هذه الايام التصريحات المتضاربة والمتصارعة بين الفئات والاطرف العربية والدول والشعوب والمنظمات والافراد حول ما قامت به الامارات وما تتحركت بعض الدول عربية أخرى للقيام به...
ونبدأ من مفاهيم بسيطة وواضحة لا تحتمل التأويل،يعرفها الصغير والكبير،العربي والاعجمي،المسلم والكافر، الملحد والمؤمن، وهي مفاهيم تخص قيام جماعة او دولة بإحتلال أرض شعب آخر وطردهم وتشريدهم وتقتيلهم والتنكيل بهم دون وجه حق والتنكر لابسط دقوقهم، هذا يسمى احتلالا وعدوانا وإغتصابا ، وهو شر مطلق وباطل محض، ومن الطبيعي أن يحدث ثورة في وجه هذا الطغيان،هكذا عملت وتعمل الشعوب المضهدة والمحتلة على إمتداد التاريخ، وأي توجه أو ميل لمسالمة هذا المحتل والقبول بإنقاص الحق الكامل مهما كانت مبررراته يتعبر نوعا من المهادنة والقبول والرضى بالمحتل، بل والاستسلام له.
وبناء عليه، ولما كانت قضية فلسطين هي قضية ساطعة الحق والظلم في آن واحد،فالذي فعله أنور السادات عندما زار اسرائيل في العام 77، وققع اتفاقتي الصلح مع اسرائيل "كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية "، نعته معظم العرب بالخيانة وقاطعوه،وأسسوا جبهة الرفض ضده بغض النظر عن فعاليتها،ولما قتل السادات في السادس من اكتوبر من العام 1981،وزعت مخيمات الشتات والشعب الفلسطيني وقتها الحلوى لمقتله ،وعلق ياسر عرفات رئبس منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وقتها قائلا: "ما حدث يدل على أن قضية فلسطين تعيش في وجدان الشعب المصري".
وبعد ما جرى في لبنان في العام 1982، وما تلاه من خروج قوات الثورة الفلسطينية، ومن بعدها معارك طرابلس بينعناصر حركة فتح وحلفائهم من جهة ، وعناصر فتح الانتفاضة من جهة أخرى ، وخروج ابو عمار من طرابلس بحماية فرنسية، وتعريجه على مصر ولقاء رئيسها وقتها في العام 84 حسني مبارك، كان ذلك كسرا للموقف العربي الرافض للتطبيع ومشاريع التسوية ، وقتها وعندما كان مبارك ينتظر عرفات في الاسماعيلية قال مبارك للصحفيين : " قدوم عرفات اليوم يعني أن مصر تسير على الطريق الصحيح "،طبعا موقف عرفات لاقى احتجاجا كبيرا حتى في صفوف الفلسطينيين، لان ذلك نوع من المباركة لنهج مصر في التفاوض وعقد الاتفاقيات منفردة مع إسرائيل،ولم تجني م ت ف أي فائدة من فتح الطريق أمام مصر في العودة للصف العربي، حيث سارعت كثير من الدول العربية بعد زيارة عرفات لاعادة العلاقات مع مصر.
وعندما وقعت م ت ف اتفاقية اوسلو، كانت الخطيئة السياسية الثانية بعد ما فعله السادات، على العكس كانت اشد وطئة من اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية الصلح بين مصر واسرائيل،لأن من اعترف باسرائيل هم اصحاب الحق المسلوب،فلحقت الاردن بعدها باسابيع في اتفاق وادي عربة، فكانت الخطيئة الثالثة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.
ورغم تبدد الوهم في اوسلو انها ستكون معبرا لاعادة الحقوق المشروعة في الدولة والعودة والقدس،ثبت بكل تأكيد وبعد أكثر من ثمانية وعشرون عاما من التفاوض الطويل فشل هذا المشروع وفشل هذه المراهنة ،وكانت تداعيته أشد وأكبر على الواقع الفلسطيني،فتضاعف الاستيطان و إتسع سلب الارض، وقتل الشعب وتطرف الاحزاب الاسرائيلية أكثر، حتى إضمحلت الاحزاب التي تسمى باليسارية، وتعاظمت الاحزاب اليمينية المتطرفة، حتى اصبح الكنيست الاسرائيلي بلون واحد تقريبا بالرغم ما تلمسه البعض بتدرج الدرجات.
واليوم تلحق أنظمة عربية أخرى أولها الامارات،هذا اللاحق في الخطيئة التاريخية،أصبح ظاهرة،تتحفز الكثير من الدول للقفز فيه، بدواع واهية ومبررات لا تركب على منطق، ولا يقبلها عقل، كمن يدافع عن الرذيلة ويحاول دفعها برذيلة أخرى، أو كمن يحاول تطهير الدنس بدنس مماثل.
إن خيانة المبدأ والعهد والقرارات والاجماع،وقلب المفاهيم الابجدية في الحياة، وطعن الشعب الفلسطيني بالظهر،لا يمكن أن يكون فضيلة،وأن هذا التصرف، وبعدما بان بشكل واضح فشله في إنجاز ولو شيء بسيط لاصحاب الحق الشرعيين وهم الشعب الفلسطيني، وباقي الشعوب العربية،بل على العكس كان ومازال وسيكون فقط لصالح الدولة المحتلة، ليقوى جبروتها، واقتصاداها وهيمنتها وتعاليها، واستخفافها بالحقوق العربية الفلسطينية، مرفوض ومدان ومستهجن ومنبوذ،لذا مفهوم الخيانة او الانبطاح والاستسلام او القبول بالمحتل والترحيب به والتعاون معه،وفتح الافاق العربية لانيابه الجشعة، ما هو الا مسمى واحد لا يقبل أن يجزأ أو يدافع عنه،وأن محاولات الدفاع عن هذه الخطوة أو الخطوات السابقة لا يعدو كونه استخفافا بالعقول، وأن هذا الفعل يتحمل وزره من قام به، ومن بنى على فعله افعالا مماثلة ، ومن يسعى للقيام به ،من وقعوا كل الاتفاقيات مع اسرائيل، مهما كانت مبراراتهم، أو دوافعهم، أو حججهم، فالباطل باطل لايمكن أن يكون حق او نصف حق، والحق حق لايمكن ان يكون باطلا أو نصف حق.وما ذنب انفراط سبحة التطبيع والتوقيع إلا أثم يقع في رقاب من قطعوا خيطها ونثروا حباتها.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى