لا أدري كم هي عدد الخيبات! بل لا أستطيع وصف شعور تلك الأحزان التي رادفت تلك الخيبات! عشرة ، عشرون ، ثلاثون، مئة... لا أدري! دموع محترقة بين تلك الغرفة اليتيمة التي كانت تتقاسم معي الحزن ولا زالت، الاضراب عن الطعام ، الاضراب عن الخروج من المنزل... بل كل سلوكيات لحظة الحزن. لا أدري؟ لكن أدري بأني شخصاً صادقاً مع نفسهُ: لقد ناضلت في الظلام "حيث لا يعلم الآخر ماذا كنت أفعل حينها؟!" حينا لم يسبقني أحد في تجربة النضال خلف الأحلام .. أو حينا لا أحد قد يصدق بأني (لم أجن) ذات يوم وأنا أحاول بيع (كليتي) من أجل ذلك الحلم! وأنا ليس خجول لتلك الدرجة التي تمنعني من قول هذه الحقيقة المؤلمة ، بقدر ما أنني خجول في أن أفتح صفحة تجربة ذلك الحلم بين الحين والآخر لأتحدث فقط عن الفشل والحزن حول تجربتي القاسية... وليس النجاح، إن كان النجاح لا يحبني، بل هو الذي يترك لي كل الطرق والأمكنة التي أعبر بها وأجلس بينها ، أي تلك التجربة التي علمتني معنى أن أكون مقاتلاً بين أحلك الظروف التي تُقفل فيها أبواب الآمل تماماً ، كما تذهب الحيوات إلى حياتها الأخرى (ما بعد الأرض) ، وهذا ما يحصل معي الآن تماماً ؛ أن تفقد الآمل هو أن تفقد الحياة، لكن لا أدري أيضاً: من أين دائماً أتي بذلك السحر الذي أحي به الآمل مجدداً ، ومن أقصى قبره البعيد؛ آخر الأرض؟! ربما هو الدافع القوي الذي يعيش بداخلي، وربما قسوة الواقع هي أشد من قسوة الإستسلام لذلك الحلم.
وفي هذا اليوم تحديداً قد ينعكس لنا كل ذلك .. بل هو اليوم الذي لأول مرة أقبض فيه الفرح دون أن يهرب مني .. حيث كانت وجهتي في ذلك الصباح المشتد ببرودة الطقس وحيوية النفس (عودة الحياة كما لم تكن) هو إلى السفارة الفرنسية بالخرطوم، لعلني أجد نتيجة إيجابية بخصوص قبول تأشيرتي السياحية إلى فرنسا، التي هي في الحقيقة ليست سياحية بنية صاحبها، إذ كنت إنسان فقير ومن دولة فقيرة تصنف من ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وعلاقتها الدبلوماسية مع فرنسا متوترة بعض الشيء وتدار في غربها البعيد حروب أهلية دامية، بل كل الإحتمالات التي تفتح منافذ رفض التأشيرة كانت واردة، أو كل ما يعزز قابلية تقديمي لطلب لجوء إنساني أو سياسي هناك هو إحتمال وارد وكبير "أي عدم عودتي إلى وطني مجدداً" ، وما يؤكد ذلك هو أن هذه السفارة تحديداً تمثل واحدة من بين أكثر السفارات في الخرطوم رفضاً لطلبات تأشيرة الدخول، بنسبة ٩٧% ، ولعل هذا ما يزيد من شدة همومي ليجعلها بقدر لا يتسع حاضنة صدمتي في حالة حصولي على خطاب رفض ، إذ كانت إجراءات تلك التأشيرة قد كلفتني في أتعابها المادية بيع مكتبتي الأدبية ، وبيع هاتفي الرخيص ومساعدة إنسانية وجدتها من بعض الأصدقاء الأوفياء ولم أجدها من الأهل الرافضين لفكرة (الهجرة) قولاً وفعلاً ، أو القابلين لأن تكون نسخة منهم ومن أجدادهم الفقراء الأغبياء الذين نهبت ثرواتهم بندقية ذكية لجون موسز أو أن لا تكون شيئاً مثل مونغلفييه مخترع المنطاد أو واطسون وات مخترع الرادار لأن هذا في عقلهم المريض يعد من أسوأ أنواع (الجنون) في نظرة دونية لذاتهم وتناقض قبيح في رفضهم لواقعهم المأساوي الآن ، وديون إستطعت مؤخراً بصعوبة كادح يشغل أعمال هامشية سدادها، ولا أنسى أتعابي الجسدية أيضاً في الرحلات المتكررة ما بين قريتي المجهولة في أقصى الكون وما بين الخرطوم لإعداد الأوراق الإلزامية التي كان يعدها لي ذلك الشاب (السمساري) المثقف المهذب الأنيق الذي لا يشبه غيرهُ من (السماسرة) المحتالين الذين يغلقون هواتفهم بعد أن يقبضوا الثمن فوق أحلامهم مباشرة، إذ كان شاباً يأخذ شكلا مهذباً وأنيقاً لرجلاً برجوازي يرتدي بدلة أنيقة في العادة وحذاء إيطالي كلاسيكي ماركة فراتيلي روسيتي ، ويشغل موظف المترجم بمنظمة اليونسكو ، وهذا ما أكده لي في أول لقاء جمعنا بدار الشرطة ببري، حينا كان يغطي بينهُ ترجمة لمؤتمر دولي يخص تلك المنظمة، وهي أوراق في إعتيادية السفر إلى أوروبا تبدو في غاية الأهمية أو الإلزامية لبعض مواطني بعض الدول النامية والفقيرة من إستخراج حساب بنكي ، وتأمين سفر ، وحجز فندق مبدئي ، وتذاكر طيران مبدئية... وأوراق عديدة إنتفخت بفائلي هي ما تجعلني أتسأل: ما هي فرنسا تلك التي تجعل دخولها أمناً ومستحيلاً لهذه الدرجة، مستحيلاً للشياطين نفسها؟! هل هي الجنة التي يحدثوننا عنها في الجوامع والخلاوي والمدارس، أم هي شيئا آخر أعظم من كل ذلك؟!
وأنا الذي يخبر تناقض هكذا دول غربية تمد المليشيات وحركات التمرد والحكومات التي لا مشروع وطني لها والوكيلة لأجندتها الخبيثة بالأسلحة الثقيلة وغيرها لتصنع لعبة الحرب الأهلية الخاسر فيها الجندي الغبي وحده، أي تلك الإمدادات التي تناقضها بالشكوى الدائمة والخوف الدائم من تدفق اللاجئين البؤساء الحالمون من أفريقيا والشرق الأوسط.
كنت أعلم كل شيء .. كنت أعلم بأن الاتحاد الأوروبي يدفع ملايين اليوروهات لمليشيات دموية مثل الجنجويد لحفظ الحدود التي يعبر منها المهاجرين إلى أوروبا ، دون أن تدفع بغباء منها تلك الأموال لصالح مشاريع تخدم الشباب الأفريقي في مستقبلهم التي لا تعدوى فيه الأحلام سوى القليل من الحقوق الإنسانية الضائعة ، لتقلل من أحجام الهجرة بشكل إنساني أجمل .. كنت أعلم بكل شيء .. أو كما يقول ذلك الطفل السوري الذي فقد عائلته جراء القصف الجوي في سوريا "سوف أخبر الله بكل شيء حينا أدخل الجنة".
كنت .. وكنت ..
كنت حينها أنظر عبر نافذة الحافلة التي إستقليتها من قريتي المعزولة عن العالم شمال ولاية الجزيرة إلي العاصمة الخرطوم .. وأنا أكثر تفاؤلاً وشغفاً وسعادة من أي وقت مضى؛ حالماً ومتخيلاً في زيارتي لمركز الأبحاث العلمية بجامعة (السوربون) الذي كنت دائما ما أنوي بعد دخولي إلى تلك القارة أن أزوره أولاً أو أن أزور مثل هكذا مكان مقدس ومهم لإنسان تلك الجغرافيا التي نحلم بالعيش فيها لنشعر بأهمية وجودنا كبشر ، ونحقق ما ذهب منا من حقوق ، لطالما فشلنا كمجتمعات بشرية لم نحسن إدارة أوطاننا ، ولطالما أؤمن بأن الثروة الفكرية هي اقتصاد للبناء والتعمير تبني عليه الدول العظمى موردها الثاني بعد الإنسان، بذكاء لم يكن له مثيل في خارطة الأرض، حينا تصبح الثروة الفكرية في الأسلحة ومحركات الطيران والهاتف الذكي والأجهزة الإلكترونية الذكية الأخرى... أغلى ثمناً من الثروة الطبيعية (المادة الخام) التي أنتجت الثروة الفكرية نفسها .. كنت أحلم وأحلم .. أحلم بشراهة .. أحلم بسعادة طفل سوداني فرح بإجازتهُ المدرسية وهو الذي يرى مدرستهُ الثانوية لا تختلف في شيء عن سجن فولسام أعنف السجون في الولايات المتحدة الأمريكية .. أحلم بأني داخل متحف اللوفر مندهشاً من لوحة الموناليزا ومن قيمة الفن هناك الذي أدهشني أكثر في أن يكون ثروة فنية يُجنى منه ملايين اليوروهات ، لأعيب وقتها إيطاليا الغنية الغبية! كيف صدرت فنونها لفرنسا؟! كنت أحلم .. وما بين الحلم كانت تتهافت معاركي الطويلة لذاكرتي الحزينة، ذاكرتي الحزينة بحزن الخاسرين في معاركهم الآليمة بين ساحات الأحلام .. وأنا المحارب الذي لا يمكنني أن أنسى تلك الوقائع: واقعة نومي أمام السفارات ، بيوت الأهل والأصدقاء ، الشوارع ، البحث عن بعض المهربين والسماسرة بين أحياء الخرطوم الهامشية، التقديم في المنح الدراسية والتأشيرات التي تم رفضها والتي تم قبولها وخانتني فيها أسعار تذاكر الذهاب ، ورقة نزوح من معسكر كلمة لم أتحصل عليها بمقترح من صديق لأقدم بها طلب لجوء إنساني في مكتب UN بمصر ، التقديم في اللوتري الأمريكي مرات ومرات ، التقديم في منح المشاريع الزراعية في إسبانيا ، التقديم في المؤتمرات العلمية والثقافية... وجوازين هزيلين من السفر لدولة تأخذ حيزها في آخر القاع، أحدهما ملئ بالتأشيرات والآخر حديثاً، وأبعد ما وصلت إليه هو وجهتي الآن (السفارة الفرنسية) ذلك الحلم والصرح العظيم الذي يعد دخوله في قاعدة الأوربيين هو جزء من التراب الفرنسي .. هكذا كنت أعيش في هذا الوهم .. لأنتظر دوري بين مجلس جميل مصنوعاً من الخشب الذي يحسن الفرنسيون كيفية التفنن في تشكيلهُ أمام بوابة السفارة المحروسة ببعض العسكر الذي يبدو عليهم الراحة دون غيرهم من رصفائهم العسكر مع مجموعة من البشر الحالمون مثلي ربما، لمقابلة السفيرة الفرنسية المسؤلة من إستلام وتسليم الطلبات وأمور أخرى لا علم لي بها .. وكان الجميع وقتها يبدو واضحاً عليهم التوتر والخوف ، ولعل هذا ما ذكرني بنصيحة قدمها لي مؤخراً (السمساري) الذي أشرنا له في مبدأ الأمر "بأن أظل دائماً على ثبات أو على ثقة بالنفس مع مظهر حسن لا يهم إن لم يكن بدلة، ذلك في كل مقابلاتي مع السفارة" ولا أنسى أهم جملة قالها لي وهو مرتسماً معها إبتسامة طفيفة كانت توحي لي بالكثير (هؤلاء الناس أذكياء) ؛ بمعنى أنه كان يقصد لي: دعك حزر وإلا سوف يقدمون لك خطاب رفض للتأشيرة التي تحلم بها أشد حلم كما لم يحلم ألبرتو مورافيا في شخصياتهُ بين قصصات حالمة.
جلست منتظراً بين ثلاثون شخصاً أو أكثر منتظمين في صف ملئ بالثرثرة، بعد أن قدمنا أورقانا التي تسمح لنا بالدخول إلى السفارة، ذلك لرجل الأمن الذي كان ينظم في عملية الدخول والخروج أمام البوابة .. حيث كان البعض منهم يبحث عن لم شمل والآخر يآمل في إجراء مقابلتهُ الأولى مع السفارة وآخرون مثلي ينتظرون ردهم المفرح أو المحبط وهو أرجح الإحتمالات الممكنة .. كان المشهد حزيناً أكثر من رد الخطابات التي تشير لرفض الطلبات في أن تكون الفئة الأغلب هي التي تنوي الهروب من جحيم هذا البلد .. والسياسيون هم الأكثر بيننا .. أي ناشطات سياسيات كثر لهن مكانة متأخرة ومتوسطة بين الأحزاب السياسية - إذ كان دور المرأة وسط هذا المجتمع الذكوري شحيحاً به من الإجحاف ما به - هما ما يجعلني مغتاظاً في أن لا فرق بين نشطاء الأحزاب السياسية وبين الذين يجلسون على مجالس السلطة .. وأنا الذي يخبر بأن لا عمل لهن يذكر لكنهن يذهبن إلى رحلات علاجية وسياحية وثقافية وعلمية شهرياً أو سنوياً إلى باريس ولندن وفيينا... وأبنائهن كذلك يذهبوا للدراسة في أرقى الجامعات حول العالم في أمريكا واستراليا وكندا وماليزيا... كان كل شيء متناقض .. حتى فرنسا التي تبدو مثالية هي ليست مثالية .. وهذا ما تجلى في حديث المرأة السياسية التي كانت تجلس بالقرب مني حينا شرحت لي قائلة: بأن هناك فساد كبير يجرى داخل السفارات الأوروبية، ببيع دعاوي المؤتمرات إلى ناس آخرين يدفعون أموال سخية، بعد أن يمنحوا أصحاب الدعاوي المعني بهم خطابات رفض، بمبررات واهية مثل ضعف الحساب البنكي أو عدم وجود ضمان بعودة المقدم للطلب أو وجود مشكلة في حجز الفندق. كذلك هناك بعض (السماسرة) الذين يستخرجون تأشيرات مضمونة تدفع من أصحابها آلاف الدولارت مقابل دفع نصفها بوكالة أحد (السماسرة) لأحد العاملين بتلك السفارات.
كان كل ذلك يثير في داخلي القلق .. لكن كنت على ثقة هذه المرة بعد كل تلك الخيبات أن تكون هذه المحاولة الآخيرة التي سوف أنجح فيها .. كنت أكثر إنسان متفائلاً من بين الحضور والعالم .. لدرجة أنني بدأت أحلم مجدداً بأن أختار مدينة (آنسي) البعيدة مع أقصى الحدود السويسرية كمكان أقدم فيه طلب لجوئي الإنساني ومكان للإستقرار فيه مستقبلاً .. كوني أعلم بأن الحصول على ورق لجوء والحصول على سكن في العاصمة باريس أو في المدن الفرنسية الكبيرة مثل ليون وليل وتولوز في مدى الستة أشهر هو أشبه بأن تلد الحمامة فيلاً .. بل أني علمت أو حفظت عن ظهر قلب كل شيء يتعلق بتلك الدولة .. تعلمت أبجديات اللغة الفرنسية ، حفظت كل أسماء المدن وما يميزها وما يعيبها ، ما تقدمه منظمة الأوفي من مساعدات إنسانية وجميع الجمعيات الخيرية التي تعرف ب Point d’Accès au Droit مثل إمياوس والسلام وأطباء بلا حدود ، وإحترام فرنسا للنخب الفنية من اللاجئين دون غيرهم... بل حضرت حتى قصتي جيداً التي سوف أسردها للمحققين أو المستمعين لمقدمين طلبات اللجوء .. حتى أوقف رجل البوابة هذا الحلم مشيراً إلى دوري بالدخول .. لأقصف حينها بسفة (تمباك) بائسة على رصيف الشارع توضح مدى بؤسي الذي أوضحتهُ أكثر ملامح وجهي وجسدي النحيل ، فكل الملامح التي تدل على البؤس والفقر التي لا تخدم صالحي بالحصول على التأشيرة كانت حاضرة معي - منذ المقابلة الأولى - وواضحة وضوح الشمس على كاميرات المراقبة وللسفيرة التي لم تكن حينها في مزاج حسن أو هي بهذه القسوة عادتاً، حينا تعاملت بخشونة مع رجل سوري خمسيني يعاني محن الأمرين: في أنه لاجئي يعيش في دولة أخرى ووارد أنه يريد تقديم لجوء لدولة أخرى أكثر إنسانية تحترم الحيوان نفسه والحيوانات من أمثالنا، إن كنا في أوطاننا نحسب بذلك، وهذا الأمر ما إختلف كثيراً مع الرجل البريطاني ذو الأصول السودانية الذي تم التعامل معه بإحترام عالي ليس بغريب في مثل هكذا أمكنة، مع إبتسامة عريضة إرتسمتها السفيرة أمام وجهه، ودردشة طريفة طويلة خصمت من زمننا كثيراً، ذلك كونه يحمل جواز سفر بريطاني يعطيه التقدير والإحترام الذي لم يفعل من أجله شيء يتوجهُ بذلك، حينها عرفت اللعنة هي في جوازي، أو الفرق بين الإنسان والإنسان الآخر تتحده هوية جوازك وليس ما تقدمه من علم ومعرفة للعالم، ذلك إن إستثنينا بعض اللصوص السياسين.
تواردت بعدها الأحلام مجدداً وأنا أجلس منتظراً خطاب القبول أو الرفض .. حتى قدمت المترجمة والمسؤلة كوكيلة بيننا وبين السفيرة بالخطاب الذي سرعان ما قرأته وجدت هذه الجملة باللغة الانجليزية في الفقرة الثامنة:
the information submitted regarding the justification for the purpose and conditions of the intended stay was not reliable.
وهو ما يعني بالمختصر بأن المعلومات المقدمة لهم بشأن غرض الاقامة غير موثوقة أو غير مبررة.
لا أدري لم هذه الرمزية، كان من المستوجب أن تكون هناك مباشرة في أن المعلومات التي تم الإشارة لها بغير الموثوقة محددة تفصيلاً ، لأنني أعلم بأن كل المعلومات موثوقة، لكن ما يجعلهم يستخدمون هذه الرمزية غير المبررة أيضاً هو لأغراض لا تخلو من مخاوف الهجرة، وهذا ما تأكده الفقرة التالية أو التاسعة تماماً التي ورد فيها الأتي:
your intention to leave the territory of the Member Startes before the expiry of the visa could not be ascertained.
أي ما يعني أن نيتي في مغادرة فرنسا غير متأكدين منها ولا وجود لضمانات مرفقة. وهذا مع العلم أن هذه الضمانات ليست من شروط التقديم للتأشيرة ، وإذا قدمتها لهم مثل تقديم أوراق عقارات وسيارات وما شابه من ذلك تضمن عودتك لوطنك، هي ما سوف تجلب لهم الشك في نوايك، لأنهم لم يطلبوها منك مبدأ الأمر وفي مناقضة وذكاء كبير منهم، إضافة إلى أني قدمت لهم كشف حساب بنكي بقيمة مليار و٢٠٠ ألف جنيه سوداني. لكن كما تعلمون هذه هي السياسية تسطيع أن تفرض عليك إجابة تشكك في سؤلك، أي كل شيء قابل للعب بذكاء وحنكة.
بعد كل ذلك كان لي فرصة لتقديم إستئناف قد أحي به تبدد الآمال مجدداً ، لكن لا أستطيع قول شيء بعد هذه الخيبة التي حتما لن تكون آخر خيبة في حياتي، وأنا ابن الخيبات التي أحب من لها من أي شيئاً آخر ، فقط سوف أترككم تقتسمون معي حزني ليس مناصفة ، أو سوف أقول لكم هكذا هو العالم الذي تحبونهُ، هنيئاً لكم به، هنيئاً للمنتصرين علينا في معارك الأحلام، هنيئاً للطيور الحزينة التي لم تعرف الترحال رغم كل الأجنحة، هنيئاً..
إبراهيم أحمد الإعيسر
السودان - ولاية الجزيرة - قرية ألتي
٢٠٢٠م
ملاحظة: كل الأحداث التي وردت بالقصة هي أحداث واقعية عايشها الكاتب بنفسه
وفي هذا اليوم تحديداً قد ينعكس لنا كل ذلك .. بل هو اليوم الذي لأول مرة أقبض فيه الفرح دون أن يهرب مني .. حيث كانت وجهتي في ذلك الصباح المشتد ببرودة الطقس وحيوية النفس (عودة الحياة كما لم تكن) هو إلى السفارة الفرنسية بالخرطوم، لعلني أجد نتيجة إيجابية بخصوص قبول تأشيرتي السياحية إلى فرنسا، التي هي في الحقيقة ليست سياحية بنية صاحبها، إذ كنت إنسان فقير ومن دولة فقيرة تصنف من ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وعلاقتها الدبلوماسية مع فرنسا متوترة بعض الشيء وتدار في غربها البعيد حروب أهلية دامية، بل كل الإحتمالات التي تفتح منافذ رفض التأشيرة كانت واردة، أو كل ما يعزز قابلية تقديمي لطلب لجوء إنساني أو سياسي هناك هو إحتمال وارد وكبير "أي عدم عودتي إلى وطني مجدداً" ، وما يؤكد ذلك هو أن هذه السفارة تحديداً تمثل واحدة من بين أكثر السفارات في الخرطوم رفضاً لطلبات تأشيرة الدخول، بنسبة ٩٧% ، ولعل هذا ما يزيد من شدة همومي ليجعلها بقدر لا يتسع حاضنة صدمتي في حالة حصولي على خطاب رفض ، إذ كانت إجراءات تلك التأشيرة قد كلفتني في أتعابها المادية بيع مكتبتي الأدبية ، وبيع هاتفي الرخيص ومساعدة إنسانية وجدتها من بعض الأصدقاء الأوفياء ولم أجدها من الأهل الرافضين لفكرة (الهجرة) قولاً وفعلاً ، أو القابلين لأن تكون نسخة منهم ومن أجدادهم الفقراء الأغبياء الذين نهبت ثرواتهم بندقية ذكية لجون موسز أو أن لا تكون شيئاً مثل مونغلفييه مخترع المنطاد أو واطسون وات مخترع الرادار لأن هذا في عقلهم المريض يعد من أسوأ أنواع (الجنون) في نظرة دونية لذاتهم وتناقض قبيح في رفضهم لواقعهم المأساوي الآن ، وديون إستطعت مؤخراً بصعوبة كادح يشغل أعمال هامشية سدادها، ولا أنسى أتعابي الجسدية أيضاً في الرحلات المتكررة ما بين قريتي المجهولة في أقصى الكون وما بين الخرطوم لإعداد الأوراق الإلزامية التي كان يعدها لي ذلك الشاب (السمساري) المثقف المهذب الأنيق الذي لا يشبه غيرهُ من (السماسرة) المحتالين الذين يغلقون هواتفهم بعد أن يقبضوا الثمن فوق أحلامهم مباشرة، إذ كان شاباً يأخذ شكلا مهذباً وأنيقاً لرجلاً برجوازي يرتدي بدلة أنيقة في العادة وحذاء إيطالي كلاسيكي ماركة فراتيلي روسيتي ، ويشغل موظف المترجم بمنظمة اليونسكو ، وهذا ما أكده لي في أول لقاء جمعنا بدار الشرطة ببري، حينا كان يغطي بينهُ ترجمة لمؤتمر دولي يخص تلك المنظمة، وهي أوراق في إعتيادية السفر إلى أوروبا تبدو في غاية الأهمية أو الإلزامية لبعض مواطني بعض الدول النامية والفقيرة من إستخراج حساب بنكي ، وتأمين سفر ، وحجز فندق مبدئي ، وتذاكر طيران مبدئية... وأوراق عديدة إنتفخت بفائلي هي ما تجعلني أتسأل: ما هي فرنسا تلك التي تجعل دخولها أمناً ومستحيلاً لهذه الدرجة، مستحيلاً للشياطين نفسها؟! هل هي الجنة التي يحدثوننا عنها في الجوامع والخلاوي والمدارس، أم هي شيئا آخر أعظم من كل ذلك؟!
وأنا الذي يخبر تناقض هكذا دول غربية تمد المليشيات وحركات التمرد والحكومات التي لا مشروع وطني لها والوكيلة لأجندتها الخبيثة بالأسلحة الثقيلة وغيرها لتصنع لعبة الحرب الأهلية الخاسر فيها الجندي الغبي وحده، أي تلك الإمدادات التي تناقضها بالشكوى الدائمة والخوف الدائم من تدفق اللاجئين البؤساء الحالمون من أفريقيا والشرق الأوسط.
كنت أعلم كل شيء .. كنت أعلم بأن الاتحاد الأوروبي يدفع ملايين اليوروهات لمليشيات دموية مثل الجنجويد لحفظ الحدود التي يعبر منها المهاجرين إلى أوروبا ، دون أن تدفع بغباء منها تلك الأموال لصالح مشاريع تخدم الشباب الأفريقي في مستقبلهم التي لا تعدوى فيه الأحلام سوى القليل من الحقوق الإنسانية الضائعة ، لتقلل من أحجام الهجرة بشكل إنساني أجمل .. كنت أعلم بكل شيء .. أو كما يقول ذلك الطفل السوري الذي فقد عائلته جراء القصف الجوي في سوريا "سوف أخبر الله بكل شيء حينا أدخل الجنة".
كنت .. وكنت ..
كنت حينها أنظر عبر نافذة الحافلة التي إستقليتها من قريتي المعزولة عن العالم شمال ولاية الجزيرة إلي العاصمة الخرطوم .. وأنا أكثر تفاؤلاً وشغفاً وسعادة من أي وقت مضى؛ حالماً ومتخيلاً في زيارتي لمركز الأبحاث العلمية بجامعة (السوربون) الذي كنت دائما ما أنوي بعد دخولي إلى تلك القارة أن أزوره أولاً أو أن أزور مثل هكذا مكان مقدس ومهم لإنسان تلك الجغرافيا التي نحلم بالعيش فيها لنشعر بأهمية وجودنا كبشر ، ونحقق ما ذهب منا من حقوق ، لطالما فشلنا كمجتمعات بشرية لم نحسن إدارة أوطاننا ، ولطالما أؤمن بأن الثروة الفكرية هي اقتصاد للبناء والتعمير تبني عليه الدول العظمى موردها الثاني بعد الإنسان، بذكاء لم يكن له مثيل في خارطة الأرض، حينا تصبح الثروة الفكرية في الأسلحة ومحركات الطيران والهاتف الذكي والأجهزة الإلكترونية الذكية الأخرى... أغلى ثمناً من الثروة الطبيعية (المادة الخام) التي أنتجت الثروة الفكرية نفسها .. كنت أحلم وأحلم .. أحلم بشراهة .. أحلم بسعادة طفل سوداني فرح بإجازتهُ المدرسية وهو الذي يرى مدرستهُ الثانوية لا تختلف في شيء عن سجن فولسام أعنف السجون في الولايات المتحدة الأمريكية .. أحلم بأني داخل متحف اللوفر مندهشاً من لوحة الموناليزا ومن قيمة الفن هناك الذي أدهشني أكثر في أن يكون ثروة فنية يُجنى منه ملايين اليوروهات ، لأعيب وقتها إيطاليا الغنية الغبية! كيف صدرت فنونها لفرنسا؟! كنت أحلم .. وما بين الحلم كانت تتهافت معاركي الطويلة لذاكرتي الحزينة، ذاكرتي الحزينة بحزن الخاسرين في معاركهم الآليمة بين ساحات الأحلام .. وأنا المحارب الذي لا يمكنني أن أنسى تلك الوقائع: واقعة نومي أمام السفارات ، بيوت الأهل والأصدقاء ، الشوارع ، البحث عن بعض المهربين والسماسرة بين أحياء الخرطوم الهامشية، التقديم في المنح الدراسية والتأشيرات التي تم رفضها والتي تم قبولها وخانتني فيها أسعار تذاكر الذهاب ، ورقة نزوح من معسكر كلمة لم أتحصل عليها بمقترح من صديق لأقدم بها طلب لجوء إنساني في مكتب UN بمصر ، التقديم في اللوتري الأمريكي مرات ومرات ، التقديم في منح المشاريع الزراعية في إسبانيا ، التقديم في المؤتمرات العلمية والثقافية... وجوازين هزيلين من السفر لدولة تأخذ حيزها في آخر القاع، أحدهما ملئ بالتأشيرات والآخر حديثاً، وأبعد ما وصلت إليه هو وجهتي الآن (السفارة الفرنسية) ذلك الحلم والصرح العظيم الذي يعد دخوله في قاعدة الأوربيين هو جزء من التراب الفرنسي .. هكذا كنت أعيش في هذا الوهم .. لأنتظر دوري بين مجلس جميل مصنوعاً من الخشب الذي يحسن الفرنسيون كيفية التفنن في تشكيلهُ أمام بوابة السفارة المحروسة ببعض العسكر الذي يبدو عليهم الراحة دون غيرهم من رصفائهم العسكر مع مجموعة من البشر الحالمون مثلي ربما، لمقابلة السفيرة الفرنسية المسؤلة من إستلام وتسليم الطلبات وأمور أخرى لا علم لي بها .. وكان الجميع وقتها يبدو واضحاً عليهم التوتر والخوف ، ولعل هذا ما ذكرني بنصيحة قدمها لي مؤخراً (السمساري) الذي أشرنا له في مبدأ الأمر "بأن أظل دائماً على ثبات أو على ثقة بالنفس مع مظهر حسن لا يهم إن لم يكن بدلة، ذلك في كل مقابلاتي مع السفارة" ولا أنسى أهم جملة قالها لي وهو مرتسماً معها إبتسامة طفيفة كانت توحي لي بالكثير (هؤلاء الناس أذكياء) ؛ بمعنى أنه كان يقصد لي: دعك حزر وإلا سوف يقدمون لك خطاب رفض للتأشيرة التي تحلم بها أشد حلم كما لم يحلم ألبرتو مورافيا في شخصياتهُ بين قصصات حالمة.
جلست منتظراً بين ثلاثون شخصاً أو أكثر منتظمين في صف ملئ بالثرثرة، بعد أن قدمنا أورقانا التي تسمح لنا بالدخول إلى السفارة، ذلك لرجل الأمن الذي كان ينظم في عملية الدخول والخروج أمام البوابة .. حيث كان البعض منهم يبحث عن لم شمل والآخر يآمل في إجراء مقابلتهُ الأولى مع السفارة وآخرون مثلي ينتظرون ردهم المفرح أو المحبط وهو أرجح الإحتمالات الممكنة .. كان المشهد حزيناً أكثر من رد الخطابات التي تشير لرفض الطلبات في أن تكون الفئة الأغلب هي التي تنوي الهروب من جحيم هذا البلد .. والسياسيون هم الأكثر بيننا .. أي ناشطات سياسيات كثر لهن مكانة متأخرة ومتوسطة بين الأحزاب السياسية - إذ كان دور المرأة وسط هذا المجتمع الذكوري شحيحاً به من الإجحاف ما به - هما ما يجعلني مغتاظاً في أن لا فرق بين نشطاء الأحزاب السياسية وبين الذين يجلسون على مجالس السلطة .. وأنا الذي يخبر بأن لا عمل لهن يذكر لكنهن يذهبن إلى رحلات علاجية وسياحية وثقافية وعلمية شهرياً أو سنوياً إلى باريس ولندن وفيينا... وأبنائهن كذلك يذهبوا للدراسة في أرقى الجامعات حول العالم في أمريكا واستراليا وكندا وماليزيا... كان كل شيء متناقض .. حتى فرنسا التي تبدو مثالية هي ليست مثالية .. وهذا ما تجلى في حديث المرأة السياسية التي كانت تجلس بالقرب مني حينا شرحت لي قائلة: بأن هناك فساد كبير يجرى داخل السفارات الأوروبية، ببيع دعاوي المؤتمرات إلى ناس آخرين يدفعون أموال سخية، بعد أن يمنحوا أصحاب الدعاوي المعني بهم خطابات رفض، بمبررات واهية مثل ضعف الحساب البنكي أو عدم وجود ضمان بعودة المقدم للطلب أو وجود مشكلة في حجز الفندق. كذلك هناك بعض (السماسرة) الذين يستخرجون تأشيرات مضمونة تدفع من أصحابها آلاف الدولارت مقابل دفع نصفها بوكالة أحد (السماسرة) لأحد العاملين بتلك السفارات.
كان كل ذلك يثير في داخلي القلق .. لكن كنت على ثقة هذه المرة بعد كل تلك الخيبات أن تكون هذه المحاولة الآخيرة التي سوف أنجح فيها .. كنت أكثر إنسان متفائلاً من بين الحضور والعالم .. لدرجة أنني بدأت أحلم مجدداً بأن أختار مدينة (آنسي) البعيدة مع أقصى الحدود السويسرية كمكان أقدم فيه طلب لجوئي الإنساني ومكان للإستقرار فيه مستقبلاً .. كوني أعلم بأن الحصول على ورق لجوء والحصول على سكن في العاصمة باريس أو في المدن الفرنسية الكبيرة مثل ليون وليل وتولوز في مدى الستة أشهر هو أشبه بأن تلد الحمامة فيلاً .. بل أني علمت أو حفظت عن ظهر قلب كل شيء يتعلق بتلك الدولة .. تعلمت أبجديات اللغة الفرنسية ، حفظت كل أسماء المدن وما يميزها وما يعيبها ، ما تقدمه منظمة الأوفي من مساعدات إنسانية وجميع الجمعيات الخيرية التي تعرف ب Point d’Accès au Droit مثل إمياوس والسلام وأطباء بلا حدود ، وإحترام فرنسا للنخب الفنية من اللاجئين دون غيرهم... بل حضرت حتى قصتي جيداً التي سوف أسردها للمحققين أو المستمعين لمقدمين طلبات اللجوء .. حتى أوقف رجل البوابة هذا الحلم مشيراً إلى دوري بالدخول .. لأقصف حينها بسفة (تمباك) بائسة على رصيف الشارع توضح مدى بؤسي الذي أوضحتهُ أكثر ملامح وجهي وجسدي النحيل ، فكل الملامح التي تدل على البؤس والفقر التي لا تخدم صالحي بالحصول على التأشيرة كانت حاضرة معي - منذ المقابلة الأولى - وواضحة وضوح الشمس على كاميرات المراقبة وللسفيرة التي لم تكن حينها في مزاج حسن أو هي بهذه القسوة عادتاً، حينا تعاملت بخشونة مع رجل سوري خمسيني يعاني محن الأمرين: في أنه لاجئي يعيش في دولة أخرى ووارد أنه يريد تقديم لجوء لدولة أخرى أكثر إنسانية تحترم الحيوان نفسه والحيوانات من أمثالنا، إن كنا في أوطاننا نحسب بذلك، وهذا الأمر ما إختلف كثيراً مع الرجل البريطاني ذو الأصول السودانية الذي تم التعامل معه بإحترام عالي ليس بغريب في مثل هكذا أمكنة، مع إبتسامة عريضة إرتسمتها السفيرة أمام وجهه، ودردشة طريفة طويلة خصمت من زمننا كثيراً، ذلك كونه يحمل جواز سفر بريطاني يعطيه التقدير والإحترام الذي لم يفعل من أجله شيء يتوجهُ بذلك، حينها عرفت اللعنة هي في جوازي، أو الفرق بين الإنسان والإنسان الآخر تتحده هوية جوازك وليس ما تقدمه من علم ومعرفة للعالم، ذلك إن إستثنينا بعض اللصوص السياسين.
تواردت بعدها الأحلام مجدداً وأنا أجلس منتظراً خطاب القبول أو الرفض .. حتى قدمت المترجمة والمسؤلة كوكيلة بيننا وبين السفيرة بالخطاب الذي سرعان ما قرأته وجدت هذه الجملة باللغة الانجليزية في الفقرة الثامنة:
the information submitted regarding the justification for the purpose and conditions of the intended stay was not reliable.
وهو ما يعني بالمختصر بأن المعلومات المقدمة لهم بشأن غرض الاقامة غير موثوقة أو غير مبررة.
لا أدري لم هذه الرمزية، كان من المستوجب أن تكون هناك مباشرة في أن المعلومات التي تم الإشارة لها بغير الموثوقة محددة تفصيلاً ، لأنني أعلم بأن كل المعلومات موثوقة، لكن ما يجعلهم يستخدمون هذه الرمزية غير المبررة أيضاً هو لأغراض لا تخلو من مخاوف الهجرة، وهذا ما تأكده الفقرة التالية أو التاسعة تماماً التي ورد فيها الأتي:
your intention to leave the territory of the Member Startes before the expiry of the visa could not be ascertained.
أي ما يعني أن نيتي في مغادرة فرنسا غير متأكدين منها ولا وجود لضمانات مرفقة. وهذا مع العلم أن هذه الضمانات ليست من شروط التقديم للتأشيرة ، وإذا قدمتها لهم مثل تقديم أوراق عقارات وسيارات وما شابه من ذلك تضمن عودتك لوطنك، هي ما سوف تجلب لهم الشك في نوايك، لأنهم لم يطلبوها منك مبدأ الأمر وفي مناقضة وذكاء كبير منهم، إضافة إلى أني قدمت لهم كشف حساب بنكي بقيمة مليار و٢٠٠ ألف جنيه سوداني. لكن كما تعلمون هذه هي السياسية تسطيع أن تفرض عليك إجابة تشكك في سؤلك، أي كل شيء قابل للعب بذكاء وحنكة.
بعد كل ذلك كان لي فرصة لتقديم إستئناف قد أحي به تبدد الآمال مجدداً ، لكن لا أستطيع قول شيء بعد هذه الخيبة التي حتما لن تكون آخر خيبة في حياتي، وأنا ابن الخيبات التي أحب من لها من أي شيئاً آخر ، فقط سوف أترككم تقتسمون معي حزني ليس مناصفة ، أو سوف أقول لكم هكذا هو العالم الذي تحبونهُ، هنيئاً لكم به، هنيئاً للمنتصرين علينا في معارك الأحلام، هنيئاً للطيور الحزينة التي لم تعرف الترحال رغم كل الأجنحة، هنيئاً..
إبراهيم أحمد الإعيسر
السودان - ولاية الجزيرة - قرية ألتي
٢٠٢٠م
ملاحظة: كل الأحداث التي وردت بالقصة هي أحداث واقعية عايشها الكاتب بنفسه
