عبدالرحيم التدلاوي - لغة الجسد وصرخاته في رواية "الراقصات لا يدخلن الجنة" لحنان درقاوي

2
أصدرت الروائية المغربية حنان درقاوي عملها الروائي العاشر ،المكون من 476 صفحة الصادر عن دار النشر الفاصلة في 2020 بعنوان الراقصات ” لايدخلن الجنة” بعد روايتها السابقة المعنونة “بالخصر والوطن ” ،وتعتبر الروائية المغربية حنان درقاوي من الروائيين المغاربة الذين استطاعوا خلق مناخ إبداعي مختلف وجرئ من خلال الخوض في أعطاب الذات والمجتمع بأسلوب أكثر جرأة وعمقا بحكم تكوينها المتشبع بالفكر الفلسفي وعلم النفس وتجاربها الحياتية.
متن الرواية:
تناولت الروائية فضاء التعري حيث تعرض فيه الراقصات أجسادهن أمام أنظار رجال متعطشين للجنس، ويعيشون محنة على هذا المستوى، لا من أجل نقد الظاهرة بل من أجل تعرية مجتمع مريض، ونقد مظاهر نفاقه، بهدف تغييره.
سعت الروائية إلى اعتماد نقد مزدوج، نقد الواقع الغربي ذي البعد المادي، حيث يفقد الإنسان طهارته ونقاء روحه؛ إنه واقع استغلالي لا يقيم للإنسان وزنا، ولا اعتبارا، يتحول فيه بفعل الإغراءات إلى كائن جنسي، وبخاصة إذا كان هذا الإنسان من الضواحي، أو قادما من دول الشرق المتخلف. ونقد الواقع العربي الضاغط بمراقبته وليدة تدينه الزائف؛ إنه واقع مر، تعيش فيه الأنثى مثخنة بالجراح النفسية والاجتماعية، مكبلة بالتقاليد والعادات البليدة التي ترى في البكارة غاية، وتقوم بشتى الوسائل للحفاظ عليها، تختزل الكائن في غشاء، وتصرف جهدها في مراقبة سلامتها، مثال ذلك فاديا حين كانت في الخميسات. لم يكن جسدها كما جسد المرأة الرقيق عموما كافيا لإشباع جوع تاريخي يعاني منه الرجل المغربي؛ الأمر الذي يجعله يتعامل مع المرأة بعين جزار، يطلب فيها مواصفات البقر، مما يحتم على الأمهات تضييع نصف وقتهن لتسمين البنات لكي يحظين بزيجة رفيعة أو أي ستر والسلام.
لم يكن هدف المبدعة التوقف عند عتبة نقد الواقع وتعرية مفاصله، بل سعت إلى إعادة بنائه وفق قواعد تكفل للمرء حريته في الإحساس والكتابة والعيش الكريم. وهي لا ترى خلاصا من هذين الواقعين إلا بالحب الصادق والطاهر بين الرجل والمرأة.
وإذا كان المجتمع الغربي يهدف إلى تعرية المرأة، فإن المجتمع الغربي، بناء على تصور ديني معين، يميل إلى تغليفها كليا، وهما يلتقيان من حيث يظهر أنهما يختلفان؛ فهما معا يستغلان المرأة، ويحرمانها من اتخاذ قراراتها بنفسها.
بوليفونية الرواية:
رواية "الراقصات لن يدخلن الجنة" رواية بوليفونية من ثلاثة أصوات، لثلاث نسوة مقهورات، ومطحونات، عشن حياة صعبة للغاية، وتعرضن لأشكال عنف مختلفة من الأسرة والشارع والمجتمع، وفرض عليهن العيش المهين؛ وقد عبرن عن حياتهن المريرة بأصواتهن مرة، وبالحوار الخارجي مرة، والداخلي أخرى، ومن خلال صوت الساردة المنظمة لفعل القول كثيرا.
هن بطلات من لوعة، تعرضن للنصب منذ ولادتهن، من طرف الرجال، والفكر الذكوري الشرقي، والاستغلال الجسدي في الغرب، فهذا الأخير لا يحمل سوى سراب الحرية، لأنه يحول أجسادهن إلى آلة للإشباع الجنسي مقابل مبلغ مادي معين.
مكر الرجال وقسوتهن أدت في النهاية إلى انتحار فاديا الفتاة التي لم تستطع إيجاد حل لأزمتها النفسية والثقافية، خاصة بعد احتيال كمال الذي سرق مالها ومال آسية وصديقها. في حين، نجت سارة من هذا السقوط المروع بفعل الحب.
شخصيات الرواية
فاديا:
كانت فاديا تعيش وهي منفصمة عن ذاتها، تريد الحرية في الدنيا والجنة في الآخرة. تريد زوجا وفي انتظار ذلك ترى رجالا مقابل المال. تريد الحجاب وفي انتظار ذلك ترقص عارية. كانت منظومة أخلاقها مشروخة ومتناقضة . لم تكن تعرف ما تريده تحديدا. حيرتها من حيرة بنات جيلها العربيات في المهجر؛ تعاليم فرنسا المتحررة من جهة وتعاليم الجدات والخالات من جهة أخرى. تناقضات لا يمكن التوفيق بينها إلا بالصراع النفسي المحتدم. صعب أن ترى وجهتك حين تكون ضحية لتوجيهات متناقضة كل منها يجرك إلى سلوكات ونقيضها.
المرأة بحاجة إلى أن ترى تأثير مفاتنها على الرجال وترى كم سيدفعون من أجل رؤيتها شبه عارية ترقص وتحادثهم. الأمر ليس دعارة بالمعنى الحرفي لكنها أحست أن فيه دنسا ما وهي تريد أن تحلق في عالم طاهر وأن يصل قلبها إلى مشاعر الحب والارتباط والعشرة والألفة ولماذا لا تلك المودة والرحمة التي يجب أن تسود بين الرجل والمرأة كما جاء في القرآن. تصارعت بداخلها مشاعر الدنس والطهارة التي تود أن تحلق فيها ورغبتها في أن تلتقي الحب ذات يوم وتؤسس أسرة كما يلزم أي كائن بشري. ص9
شعرت في البداية بالخجل وكانت تنظر إلى القطع الفنية من الزاوية. كانت تحس كأن العيون ترصدها. نظرت إلى الآخرين ووجدتهم منهمكين في النظر إلى الأعمال الفنية ولا أحد ينتبه إلى أحد فالايروتيك بالنسبة لهم موضوع مثل باقي المواضيع. تشجعت وطافت في المتحف مرات واستمتعت بجمال المعروضات وبقدرات الفنانين في مختلف الثقافات على التعبير عن الرغبة والاستمتاع الذي خلقت عليه الطبيعة الإنسان. ص9
الأصيل لكن أمها لم تكن تكف عن جشعها ومطالبتها بالمال وتهديدها بالسخط عليها إن هي لم ترضخ لأوامرها ورغباتها. ص9
سارة:
في مقابل تهاوي فاديا، نجد سارة صاحبة نادي التعري تعرف تغيرا ملحوظا بفعل الحب، فقد قررت التخلي عن الشرب وشم المخدرات، لإدراكها أن: . أجمل ما نملكه هو جسدنا الذي نوجد به ونكون. الحب يجعلنا نعود إلى الجسد ونفهم أنه كينونتنا. علينا احترام هاته الكينونة وصيانتها. ص 108
آسية:
هي الشخصية المتعلمة في المجموعة، تعمل ليلا في نادي التعري لكسب المال بغاية تحقيق أحلامها، وفي النهار تتابع دراستها، تولي أهمية للأداة السياسية التي يعرفها العالم العربي، وتتمنى نجاح ثوراته لأن في نجاحها خلاص للمرأة من الفكر التقليدي. ستعيش فشلا ذريعا في الحب حين خذلها كمال، وسرق مالها ومال أصدقائها، وكأنه بفعله ذاك، قد انتقم منها باسترجاع ما سرقته من الرجال. تظل آسية عنوان فشل علاقاتها مع الرجال، ولعل نهاية الرواية بمرافقة صديقتها، قد خرجت من ترددها، لتسبح في بحر المثلية كتعويض عن ذلك الفشل.
تعرف المرأة تفاصيل جسدها وتسترخي على سريرها و تداعب نهديها, تتلمس البطن والفخذين وتغوص بأصابعها في عانتها و تحرك الأصبع فوق مهبلها وحوله إلى أن تصل الرعشة القصوى، تلك التي لم تصلها مع رجل يوما. كانت تعجبها مداعبات صديقها الفنان الفاشل لكن ما إن يلجها حتى تشعر بالألم فقط ولم تشعر باللذة معه نهائيا, تلك اللذة التي تتحدث عنها صديقاتها والتي ترفعهن إلى السماء السابعة. كانت صديقتها أسماء تحكي لها عن عشيقها المصطفى الموظف والذي يجننها حين يمارسان الجنس. تشعر معه بالذوبان وتصل الذروة القصوى ولا تستطيع أن تتخيل أنها يمكن أن تشعر بمثل تلك اللذة مع رجل آخر كأن عانتها وذكره خلقا لأجل بعضهما البعض. ص 8
. كانت آسية كلما التقت أسماء تلاحظ أنها تزداد بهاء وجمالا وتحولت من شابة نحيفة قاسية الملامح إلى امرأة مكتنزة الجسد ومنطلقة القسمات. فهمت أن وراء هذا التحول شبعها العاطفي وتوافقها الجنسي مع زوجها. ص8
والملاحظ أن مصائر الشخصيات كانت مختلفة، فإذا كانت نهاية فاديا، واسمها يحمل الفداء، بمعنى التضحية، الموت في عز انتشائها جنسيا وتخديرا، فإن مصير آسية، وتعني من جملة ما تعنيه، الأسى، إذ إن حياتها لم تكن سوى سلسلة
من الإحباطات، والخيبات، وأن طموحها للحصول على حب الرجل الصادق، ستجد نفسها بين أحضان سلوى، التي تعني، العزاء، ولا عزاء في عالم يسود فيه الرجل_الوحش، بخلاف سارة، والتي تحمل بعدا دينيا؛ فهو اسم الزوجة الأولى لسيدنا إبراهيم، التي ستعرف سموا بعد سقوط، كان بفعل الحب الذي قلب حياتها من السيء إلى الحسن، وأخرجها من تكالبها على متع الذات، إلى أفق السمو الروحي، وأنقذها من التهاوي الذي كادت تبلغه، وبخاصة لما أنكرتها أمها برفضها لعملها، هي التي تزوجت برجل متشدد دينيا، ورغبت في السفر صحبته إلى العراق بغاية الجهاد.
أن المستلبة والملغية تماماً في أدبيات الرجل الشرقي هي " المرأة " التي تعد في نظرهم سلعة أستهلاكية مبتذلة ورخيصة ترقى إلى أنها عورة لا تخرج من بيتها إلا بمحرم وتخضع للزواج كأفضل طريق وأقصره للخلاص من فضيحة متوهمة.
عن الجسد:
يمتلك الجسد لغته الخاصة ذات البناء المختلف في بناء المعنى وتشييد الدلالات المختلفة بفضل ما يكتنزه من طاقة ذات إشارات ورموز كفيلة بمنح المتلقي فرصة إعادة ترتيبها لبلوغ المقاصد التي قد تأتي مختلفة إن لم نقل متعارضة مع السائد والمتعارف عليه. إن الجسد في حالة شبعه؛ أقصد شبع البطن والفرج، بمعنى، تخفيف متعه الحسية، هو غير الجسد في حالة جوعه، ولذا، حين يشعر باختلال، يميل إلى لملمة جراحه، ويعيد بناء ذاته بما يحقق له الانسجام، جبرا للضرر، ونأيا عن الانحدار والتلاشي. الجسد حين يحقق شبعه يتنور، يبدو بمظهر رائق، بخلاف لحظة وجوده في منطقة حرمان، يبدو مخيفا ومتوحشا، يرغب في تحقيق شبعه بشتى الطرق، غير مراع للأبعاد الأخلاقية التي تروم ضبطه، إنه يميل إلى الحياة، ويريد بكل جارحة فيه أن يعانق السعادة، ولا تهمه الوسائل، فيمكن ، في حال غياب الطرف الآخر المنعش للذات، أن يتكفل هو بنفسه في تحقيق إشباعه. كما هو شأن الفتاة المغربية التي عانت من الحرمان في ظل غياب رجل فحل يحقق لها الانتشاء والشبع الجنسي، فاتجهت صوب أصابع يدها للامتلاء، بخلاف صديقتها التي تزوجت بمن تحب، فانعكس التكامل عليها إيجابا، وبدت أمرات السعادة بادية على جسدها. من هنا، نرى أن الجسد يمنح للناظر من خلال تعابيره، معاني متعددة من ضمنها الشبع والحرمان.
يظل الجسد قادرا على المناورة وإثبات حضوره حين تضيق دائرة التضييق عليه بمجموعة من الأوامر والنواهي، تقيده في أفق التحكم فيه بضبطه وتسييره وفق المتعارف عليه. ذلك، أن الجسد إذا ما كسرر أغلاله فسيزلزل المجتمع ويعيد بناء قناعاته وتصوراته بطريقة جديدة، وسيحدث ثورة تهابها قوى المحافظة التي تسارع الزمن بفرض مزيد من القيود عليه، لباسا، وحركة، وشبعا. واللباس كما الطعام والرقص والغناء هي ميادين يعبر بواسطتها عن احتياجاته واحتجاجاته. يقوم بالرفض والقبول، رفض ما يكبله وقبول ما يحرره.
واللباس كما الطعام والرقص والغناء هي ميادين يعبر بواسطتها عن احتياجاته واحتجاجاته. يقوم بالرفض والقبول، رفض ما يكبله وقبول ما يحرره. معتمدة على طقوس وشعائر خاصة. إن أشد ما يكرهه الجسد هو لغة الأوامر المتعالية الساعية إلى كسر رغباته، وتقليص حضوره، بل السعي إلى محو هذا الحضور بشتى الأشكال والأنواع، فلغة المتطهرين ترتعب من الجسد لأنه يزلزلها، ويزحزح قناعاتها، ويحثها على إعادة النظر في الكثير من الثوابت التي ما هي سوى مجموعة من قواعد الإكراه والتحكم والاستعباد والإبعاد.
إن أشد ما يكرهه الجسد هو لغة الأوامر المتعالية الساعية إلى كسر رغباته، وتقليص حضوره، بل السعي إلى محو هذا الحضور بشتى الأشكال والأنواع، فلغة المتطهرين ترتعب من الجسد لأنه يزلزلها، ويزحزح قناعاتها، ويحثها على إعادة النظر في الكثير من الثوابت التي ما هي سوى مجموعة من قواعد الإكراه والتحكم والاستعباد والإبعاد. لذا تجد الجسد كثيرا ما يعبر عن تمرده وكسر عصا الطاعة بأشكال مختلفة بما فيها الادعاء بالمرض. فالجسد السوي يرفض الوصاية ويعشق التحرر باستفزاز لا يصل حد الوقاحة. إن الجسد الغض والذي عانى من شتى ضروب القهر يعيش حالة مأساوية ترتبط بسؤال وجوده في الحياة والغاية منه، وسرعان ما يقبر هذا الجسد المتواكل صنبور الأسئلة ليرتاح سائرا على صراط المنهج الذي رسم له وضمن الحدود التي سطرت له لا يبغي عنها عوجا؛ بخلاف الجسد المتمرد الذي لا يقبل ما يملى عليه من فوق، يصنع قوانينه، ويعيش حياته بكل حرية. ولأنه حر فإنه ينتهك كل المحرمات، ويعانق الحياة بصخبها وبعنفها. لأنه لا يحب أن يحيا على أطراف النهر بل يحب أن يشرب من مائه، ويستحم فيه.
نقط الإثارة في الجسد:
يعد النهدان والمؤخرة من أكثر مناطق الجسد إثارة، فلا يمكن أن يكون الجسد غاويا ومغريا دونهما، إنهما علامة الأنوثة؛ ولهذا نبهت الأم فاديا حين نبت في صدرها التفاح أن تحتاط من غواية الرجال، فبكلامهم لا يرغبون سوى في قطف الثمرات. كما أن جمهور أندية التعري يدوخ حين يبصر الظهور المتتالي للنهدين، ومن هنا تعمد الراقصات على الإظهار الجزئي، لتحقيق الإثارة الشديدة والتي تمكن الزبائن من استهلاك الكحول. أما العجيزة فهي الوجه الخلفي للمرأة، فترى الرجل يولون أنظارهم إليها، خاصة إذا كان مشدودة ومكورة، ويمكن البرهنة على قوة جاذبية هذا الجزء من خلال استعراضات شاكيرا لعجيزتها، وتمايل الجمهور بتمايل مؤخرتها، وما نجاح سهراتها إلا بفعل التأثير السحري لهذا الجزء المهم في جسد المرأة، وعلي المرأة أن تحسن توظيفه لشد الانتباه، وكسر شوكة مقاومة الرجال بإخضاعهم لسلطانها.
عن النهدين:
فلم التركيز على هذا الجزء الحساس في الأنثى؟ لأنهما أجمل ما في المرأة، وهما العضوان البارزان اللذان لا تستطيع الأنثى - مهما حاولت - إخفاءهما، وهما من أكثر أعضائها شهوة وإثارة للرجل، ففيهما مَجْمَع شهوتها وسرّ أنوثتها، وهما أطيبُ ما فيها، وأنظف مناطق جسمها، وألينها، يجتمع فيهما صفاء بشرتها، ولونها ما بين الأبيض أو الأسمر، وما بين تلك الحُمْرة التي تحيط بحلمتي الثدي، وهما أكثر أعضاء المرأة تعرضا للتحرش !** من هنا، حرص الراقصات على الاعتناء بهما، والحفاظ على توهجهما، فهما السلاح اللايقاوم: دلكت برفق نهديها وهي تنظر إليهما جيدا. تستمتع بماتراه. أنوثة باذخة وجمال استثنائي. تصدق الآن مايقال في الصالة, إنها قنبلة, قنبلة موقوتة وأنوثتها تنفجر في كل لحظة. كان نهداها منتصبان وهي تضع الإكريما على بطنها وتدلكه برفق. لأول مرة تتوقف عند بطنها وتجده جميلا, بطن ضامر ودافئ. ربما في يوم ما سيحتضن طفلا. تخيلت نفسها حبلى وسعدت للصورة. من قبل لم تستطع أن تتخيل نفسها أما. تعتقد أنها لن تستطيع إسعاد طفل. ماذا عندها لتعطيه لطفل؟ تخاف أن تكرر تعامل أمها. ماذا لو عجزت عن أن تحب طفلها؟ ماذا لو تعاملت كما فعلت أمها؟ ستنشأ جيلا بائسا ينضاف إلى بؤسها. لاتفكر في الأطفال لأنها تخاف من نفسها. لم تعرف غير القسوة فمن أين ستأتي بتعامل مختلف؟ ربما حين تنهي دراستها ستفكر بالأطفال. تنظر إلى ساقيها وتراهما ممشوقتان, تدهنهما بالكريما وتحس بجلدها ناعما, جلد مغري باللمس. تلمس نفسها, صدرها. ترتمي على السرير وتتأوه. يتحول جسدها كتلة رغبات. تمد أصابعها إلى عانتها. تحركها برفق وتتلذذ.تتخيل كمال عار, شيؤه منتصب وهي تريده. أجل تريده أن يخترقها, أن يعبر من جسدها, من صدرها, من بطنها, من عانتها. تحرك الأصابع بشدة. تكاد تصل الشهقة الكبرى. تتابع حركة الأصابع وتسافر مع الرغبة. تتوالى الأحاسيس وتصل اللذة القصوى وهي تصرخ منتشية. تتلوى في سريرها. تضم إلى صدرها مشاعرها التواقة إلى الوصل. تريد أن تقود كمال إلى سريرها وتريه مكامن رغبتها. بقي يومان على عيد الحب, ستقوده إلى شهواتها وستشرع له باب اللذة. اتصلت به لكنه لايجيب, تركت له رسالة صوتية. ص129.
والمقتطف، رغم طوله، يتحدث عن قوة النهدين وشدة تأثيرهما. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الجمال يختلف من ثقافة لأخرى، ففي المغرب نظر إلى آسيا على أنها دميمة، وفي فرنسا اعتبرت قنبلة تتفجر جنسا. وإذا كان التعري فرصة لقراءة تفاصيل الجسد الأنثوي، لشرب كؤوس متعته حد الارتواء، فإن الثقافة الدينية تلزم المرأة بارتداء لباس يخفي زينتها حتى لا تكون فتنة. لقد حرصت جماعات التعصب على تديين اللحم، ترويضه تحت مسميات كثيرة. قيل إنَّ ذلك درءٌ للفتنة ومنعٌ للفحشاء والمنكر. لكن الأمر آليةٌ لتنظيم قطعان الذكور والإناث تحت سقف الجماعة وتميزاً في خط واحد بسلطة الدين. لأنَّ أي لحم يخضع لهكذا ترتيب بيولوجي وعزل جسدي إنما يمتثل لسياسة دينية. فالملابس بالنسبة لتلك الجماعات - على شكلانيتها - شيء جوهري. وربما يخرج الإنسان عن ملة الجماعة كجماعة روحية وعضوية إن لم يلف جسده في زي جمعي.. سامي عبدالعال، الحوار المتمدن العدد 5570، بتاريخ 03/07/2017
وحين لا يستطيع الذكر السيطرة على الأنثى لعامل من العوامل، يتهمها بالعهر، كمحاولة تعويض للنقص الذي يشعر به، وهو بذلك يرمي إلى تحطيمها، لكن سارة، لم تنل منها كلماته، بل دافعت عن نفسها بأن رمته بالحقيقة المرة التي ستدمره، وهي أنه عنين، وموت فحولة الرجل تعني موته وإن على المستوى الرمزي، وبهذا يتبين أن حقل الجسد هو حقل صراع مفتوح على كل الاحتمالات؛ تقول سارة ردا على اتهامها بأنها قحبة، في ص 123: - أنا قحبة وفخورة بنفسي, تصفني بهذا بعد أن فشلت في الاحتفاظ بمؤخرتي التي تجننك بسبب عاهتك, أنت عنين. ونتيجة هذا الاختلاف حد التناقض بين الثقافتين الغربية والإسلامية، وقعت فاديا في صراع داخلي حاد، جعلها لا تستمتع بحياتها لا الدنيوية ولا الدينية. وعن هذا الصراع الداخلي، يأتي هذا القول المعبر، في ص 125: . لا تريد أن تحس برخص جسدها وروحها. تريد أن تكون سيدة قدرها, أن تحترم رغباتها وجسدها لكن ألف وخمسمائة يورو ؟ هل يكفي المال مبررا للرخص؟ للتردي؟ بإمكانها أن تهرب الآن, أن تنقذ ما تبقى من روحها. هي لا تحس بقيمة روحها وجسدها. لا تملك قيمة في نظرها. هي فقط جسد مستباح فلماذا لا تترك كيم يعبر منه كما عبر منه آخرون؟ عليها أن تختار الآن, إما أن تختار التردي حتى آخر العمر أم تهرب, تبزق على المبلغ المادي وتنتصر لروحها. كان لا يزال بداخلها بريق من ضوء يمكنها أن تحمي ذلك الضوء الخافت, أن تنتصر لما تبقى من ذاتها.
عن المؤخرة:
أما المؤخرة فتظل بؤرة الجسد الأنثوي، وقبلة أنظار الرجال، وبخاصة حين تكون ممتلئة، ومشدودة، ومكورة؛ إنها وجه المرأة الخلفي، تثير شهوة الرجال، وتشد أنظارهم، فحين تمر، يلتفت الذكور ليروا كنزها الثمين. ولعل كثرة الأندية الرياضية والتجميلية خير دليل على هذا، فالمرأة لتكون ناجحة وجذابة عليها أن تنضبط لمقاييس الرجال الجمالية. وتقدم أندية التعري وصلات تكون فيها المؤخرة قطب الرحى بعد النهدين. وسارة، كما بقية الراقصات، يدركن قيمة المؤخرة، ومدى تأثيرها في الذكور؛ قد يبلغ حد الجنون: تقول سارة: أن فشلت في الاحتفاظ بمؤخرتي التي تجننك...
إن أشد ما يكرهه الجسد هو لغة الأوامر المتعالية الساعية إلى كسر رغباته، وتقليص حضوره، بل السعي إلى محو هذا الحضور بشتى الأشكال والأنواع، فلغة المتطهرين ترتعب من الجسد لأنه يزلزلها، ويزحزح قناعاتها، ويحثها على إعادة النظر في الكثير من الثوابت التي ما هي سوى مجموعة من قواعد الإكراه والتحكم والاستعباد والإبعاد. لذا تجد الجسد كثيرا ما يعبر عن تمرده وكسر عصا الطاعة بأشكال مختلفة بما فيها الادعاء بالمرض. فالجسد السوي يرفض الوصاية ويعشق التحرر باستفزاز لا يصل حد الوقاحة. إن الجسد الغض والطيع والذي عانى من شتى ضروب القهر يعيش حالة مأساوية ترتبط بسؤال وجوده في الحياة والغاية منه، وسرعان ما يقبر هذا الجسد المتواكل صنبور الأسئلة ليرتاح سائرا على صراط المنهج الذي رسم له وضمن الحدود التي سطرت له لا يبغي عنها عوجا؛ بخلاف الجسد المتمرد الذي لا يقبل ما يملى عليه من فوق، يصنع قوانينه، ويعيش حياته بكل حرية. ولأنه حر فإنه ينتهك كل المحرمات، ويعانق الحياة بصخبها وبعنفها. لأنه لا يحب أن يحيا على أطراف النهر بل يحب أن يشرب من مائه، ويستحم فيه.
واللباس كما الطعام والرقص والغناء هي ميادين يعبر بواسطتها عن احتياجاته واحتجاجاته. يقوم بالرفض والقبول، رفض ما يكبله وقبول ما يحرره. معتمدا على طقوس وشعائر خاصة. إن أشد ما يكرهه الجسد هو لغة الأوامر المتعالية الساعية إلى كسر رغباته، وتقليص حضوره، بل السعي إلى محو هذا الحضور بشتى الأشكال والأنواع، فلغة المتطهرين ترتعب من الجسد لأنه يزلزلها، ويزحزح قناعاتها، ويحثها على إعادة النظر في الكثير من الثوابت التي ما هي سوى مجموعة من قواعد الإكراه والتحكم والاستعباد والإبعاد.
يظل الجسد قادرا على المناورة وإثبات حضوره حين تضيق دائرة التضييق عليه بمجموعة من الأوامر والنواهي، تقيده في أفق التحكم فيه بضبطه وتسييره وفق المتعارف عليه. ذلك، أن الجسد إذا ما كسرر أغلاله فسيزلزل المجتمع ويعيد بناء قناعاته وتصوراته بطريقة جديدة، وسيحدث ثورة تهابها قوى المحافظة التي تسارع الزمن بفرض مزيد من القيود عليه، لباسا، وحركة، وشبعا. واللباس كما الطعام والرقص والغناء هي ميادين يعبر بواسطتها عن احتياجاته واحتجاجاته. يقوم بالرفض والقبول، رفض ما يكبله وقبول ما يحرره.
تقف في باب الملهى أنثى تمتلك كل مواصفات الإغراء الجسدي والقولي؛ أنثى تستطيع أن تتسرب إلى دواخل الأشخاص المنتقين بدقة لتحريك استيهاماتهم أو تحفيزها على البروز بغاية الدخول. نادي التعري فضاء خاص ومخصوص، لا يلجه إلا أصحاب المال، والمهووسون جنسيا، ومن يعاني من اضطرابات نفسية جراء غياب العلاقة السليمة مع الزوجة في الحياة العادية، فيرى في الأنثى التي تتلوى أمامه عارية تعويضا لنقص فادح يزلزل حياته. إن الأنثى التي تقف بباب النادي هي عتبة بين الفضاء العام والفضاء الخاص، بجسدها ولغتها الضاربة في الشهوة تشكل جسرا موصلا بين العالمين؛ جسر لابد منه ليعبره أشخاص العالم الخارجي إلى الداخل. إنها بمثابة لوحة إشهارية تغري الناظر بتجريب السلعة المعروضة لكن بالداخل، وهو إشهار لا يستهدف الكل، بل زبائن خاصين، لهم صفات مميزة، تعرفها تلك الأنثى الواقفة بإغراء أمام الباب كملاك يدعو المريدين إلى جنة المتع الحسية. والانتقال إلى العالم الداخلي هو انتقال رمزي يرمي الولوج إلى دواخل الذات يستكنه نواقصها بغاية منحها إشباعا لرغباتها. فضاء التعري هو بمثابة "الهو" حيث تتتحق الممنوعات، ففيه يتمكن الزبون من إشباع نهمه الجنسي وإن بالنظر، بعيدا عن إكراهات الواقع، وضغط الضوابط الأخلاقية. هكذا، يغدو عرض التعري ترهينا لموضوعة الجنس داخل النص الروائي، وفكا لعقال لا شعور الفرد، وانعتاقا له وتفريغا وتعويضا عن الحرمان، وإشباعا غريزيا...بعد أن تم الانقطاع كليا عن حرمان الواقع، ورقابة المواضعات وزجر الدين... يغدو فضاء التعري فضاء للهروب الذاتي من كل إرغامات الواقع الاجتماعية والثقافية المعلبة بعنف قاهر داخل منظومة محفوظة؛ وهي منظومة المجتمع المتحجر المستبد والعنيف؛ مجتمع لا يلين ولا يقهر؛ وهي، في الآن ذاته، منظومة مجتمع استهلاكي منزوع الأخلاق والروح، لا يؤمن سوى بالاستهلاك، ويحول الجسد بضاعة. إن فضاء التعري منزوع الرقيب، وبالتالي فهو لا يشعر راقصاته بالذنب، والخوف، لكونه يمنحهن فرصة ركوب مغامرة السيطرة على الرجال، واكتساب المال الوفير، وليس غريبا أن تشعر راقصات الرواية بالأمان فيه. وإذا كان عرض الأجساد بغاية إشباع شهوات الزبائن بصريا، فعن العائد المادي يمكن الراقصات من تحقيق أحلامهن المؤجلة. تجدر الإشارة إلى أن التعري ليس هو البغاء، إنه يقف في الحد الفاصل بين الفضيلة والرذيلة؛ إنه أقرب إلى الرذيلة لكنه بعيد عنها في الوقت نفسه. والمطلوب من الراقصات ألا يتجاوزن هذا الحد، وإذا ما حصل، فإن الفاعلة ستكسر الخيط، وتسقط في التردي، كما هو الشأن بالنسبة ل"فاديا"؛ فلم تعد تميز بين الحدود، فسارت في طريق السقوط إلى النهاية. وهذا الأمر يجرنا للحديث عن مواقف الشخصيتين الأخريين حوله: فآسيا لم تقم بخرق النظام المؤسس لأخلاقيات النادي، بل ظلت محافظة على البقاء ضمن الحدود المرسومة. هكذا، فصلت بين عملها ودراستها بنجاح. أما سارة، وهي صاحبة النادي، فكانت لا تقيم وزنا لتلك القواعد بسبب قوة شخصيتها، وقدرتها على صون نفسها من السقوط في أحضان البغاء، إذ جعلت الخارج امتدادا للداخل، فكانت تحمل إلى منزلها الرجل الذي يعجبها، وتدفعه إلى التعري، في عملية قلب الأدوار. إنها صاحبة الأمر والنهي، هي صاحبة الرغبة لا المرغوب فيها. لقد اختلفت مواقف الشخصيات، إذا، من قضية الحد الفاصل، باختلاف قوة شخصيتهن وضعفها.
قد تبدو الرواية جريئة في تناولها لموضوع المرأة، من خلال لغتها العارية ، ومن خلال صورها الصادمة، وعباراتها الفاحشة، لكنها لم تكن تسعى إلى ذلك سعيا، بل إلى تعرية واقع يقصي المرأة من اهتمامه، ويحولها بضاعة لإشباع نزواته، وفي الآن نفسه، يلعنها لأنها فاجرة.
تقدم الرواية، إذن، قراءة نقدية للمجتمع بإظهار انفصامه وتناقضاته التي خلقت هوامش مسكوت عنها ،مما أدى إلى خلق شرخ مجتمعي كبير.
الرواية صرخة غضب في حق مجتمع قاس وعنيف خلق تركمات و هوامش ووجه لها سهام قسوته دون رحمة، وقد استطاعت الروائية عبر هذا السفر الإبداعي أن تقدم لنا طبقا روائيا بطابع فلسفي وفكري عميق لكنه لم يبتعد عن حس السرد الروائي الجميل الغني بالتحولات المكانية والزمانية .







1606137713402.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى