رسائل الأدباء رسالة من محمد عبده إلى سلطان المغرب

وصل إلى أسماعنا، ونحن في ديارنا، أنباء ما وَجَّه المولى إليه همه، وشحذ لبلوغه عزمه، من النهوض ببلاده إلى الإصلاح، والسير بها في منهج الفوز والفلاح، وتَلَوْنا ما نشر من أوامره الكريمة، ووعينا ما تضمنته من القواعد القويمة، فتجددت في سلامة تلك البلاد آمالنا، واشتغلت بأحاديثها أفكارنا وأقوالنا، ولما كان الإصلاح الذي يقصده المولى إنما يتم برعاية الدين، والرجوع إليه في كتابه المبين، وسنة صاحبه الأمين، ثم النظر في أقوال وأعمال السلف الصالحين، لتُعْرض على ذلك كله أعمال الخلف المحدثين، تعلقت الآمال بأن يكون لمولانا لفتنة إلى العلوم الدينية، وإحياء ما مات منها، ونشر ما طوي من كتبها، لتتأدب النفوس بأدبها، وتحيي القلوب إذا اتصلت أسبابها بسببها، فثقة بهذه المقاصد الجليلة ألهمني الله أن أعرض على حضرتكم العلية، أنه قد تألفت في مصر (جمعية لإحياء العلوم العربية)، وخاصة عملها أن تبحث عما كاد يُففقَد من كتب السلف، وتصحح نسخه، وتطبعه، حتى يحيا بذلك ما اندرس من علوم الأولين، واحتجب عنا بمُحْدَثات المتأخرين، وقد عُنيت هذه الجمعية بطبع كتاب "علي بن سيده" الأندلسي، في اللغة المسمى "بالمخصص"، وسيتم عن قريب، وهي الآن تبحث عن نسخ "مدونة" الإمام "مالك"، حتى تَحْصُل لها نسخة صحيحة، ثم تطبع هذا الكتاب الجليل، وقد وُجِدَت من هذا الكتاب قطع في مصر، وقطع أخرى في تونس وصارت هذه القطع في أيدي الجمعية، ولكن لم توجد إلى الآن نسخة كاملة يوثق بصحتها وقد تأكد للفقير أن نسخة كاملة من الكتاب توجد في "جامع القرويين"، ويسهل على فضل مولانا السلطان –أيده الله وأيد به الدين- أن يمدنا في عملنا، ويعيننا على ما نبتغي من الخير، بإصدار أمره الكريم أن تُرْسَل إلينا هذه النسخة، إما بتمامها لنقابل عليها ما عندنا، ونتم منها ما ينقص نسخنا، ونعيدها إليه، ونهدي الجامع عشر نسخ من الكتاب عند نهاية طبعه، إن شاء الله تعالى، وإما مُفَرَّقَة جزءًا بعد جزء، فكلما انتهى الغرض من جزء أُرْسِل إلى مقره، وفي كلا الحالين سنقوم لمقامكم السلطاني بما يجب من الشكر على هذا الالتفات السامي، الذي سنراه كأن الله حققه، ونسأل الله أن يؤيد بكم ملته، وينصر بعزمكم شريعته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى