رسائل الأدباء رسالة من محمد عبده إلى قاضي قضاة فاس

بسم الله، والحمد لله وحده..

حضرة الأستاذ الفاضل، العلامة العامل الكامل، مولاي إدريس بن مولاي عبد الهادي، قاضي القضاة، حفظه الله.

بلغنا من كمالكم، وكرم أخلاقكم، وميلكم إلى نفع العامة من المسلمين، وإيصال الفوائد إلى خاصتهم، ما جرأنا على مراسلتكم على غير معرفة سابقة، والتوسل بكم في الوصول إلى ما يرجى ثواب السعي فيه، إن شاء الله.

نبشركم أن في مصر من أهل الفضل من وفقهم الله لنشر ما أماته الإهمال من آثار سلف الأمة ودواوين علومهم، وقد كانت باكورة أعمالهم طبع كتاب "المخصص" في اللغة للإمام الجليل "علي بن سيده" النحوي، لشدة الحاجة إليه، ولإشراف نسخه على العدم والانمحاء من الوجود، وبعد أن بلغ الطبع معظم الكتاب، رأى أولئك الفضلاء أن يبحثوا عن كتاب آخر من أمهات العلوم، فرأوا من أفضل الأمهات وأحقها بالعناية، وأشدها تعرضًا للضياع والاختفاء من الديار الإسلامية، "مدونة" الإمام "مالك"، فأخذوا يبحثون عن نسخها، فتحقق ظنها في تعرضها للضياع، لأنهم لم يجدوا نسخة كاملة في الديار المصرية، ولا في الديار التونسية، وحملهم ذلك على الجد في الطلب، والبحث في زوايا المساجد، لعلهم يعثرون على ما يتمم لهم نسخة صحيحة، فهم كذلك إذ بلغهم أن في "مسجد القرويين" بمدينة "فاس" نسخة من الكتاب كاملة، فحملني الحرص على الوصول إلى تلك النسخة على أن رفعت عريضة رجاء إلى مولانا السلطان المعظم مولاي عبد العزيز، ليأمر بإرسال النسخة إما جملة وإما جزءًا جزءًا، وعلينا بعد طبع الكتاب أن نرسل منه عشر نسخ إلى "جامع القرويين".

بعد أن أرسلت العريضة حضر عندي من تفضل عَلَيَّ بذكر صفاتكم الجميلة، وسجاياكم الفاضلة، وأكد لي أن حضرتكم تكون عونًا لي على ما أطلب، لهذا بادرت بتحرير هذا الرقيم إليكم، راجيًا من همتكم أن تساعدوني إلى تلك النسخة، أو غيرها من نسخ "المدونة"، ولك علينا أن نعيدها كما أخذناها، ثم نرسل عشر نسخ مطبوعة إما لجامع القرويين، أو لمن يتفضل بإرسال نسخة إلينا، مع الشكر الخالص، والدعاء الدائم، إن شاء الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى