بداية فقد أبدع كتاب ورواد القصة في تقديم قصص واقعية تحمل مضامينيات إنسانية، ومواقف حياتية يرووها لنا كقراء لتجسيد الواقع ومشكلاته، دون ضجيج، بل برمزية خاصة تعكس جماليات وواصفات السرد المثيولوجى الدافق في الروح، ولنا في " قنديل أم هاشم " ليحيى حقى، وفى " ثلاثية نجيب محفوظ : " بين القصرين"، " قصر الشوق"، " السكرية " وفى قصص وروايات احسان عبدالقدوس، وفى روائع " عبدالحميد جودة السحار " وفى مجموعات " محمد تيمور وغيرهم، أقول : لقد شاهدنا كيف يفلسف هؤلاء الواقع من خلال ابداعاتهم الرامزة، وكيف أضفوا تاريخية وجمالية وواقعية تسم سردهم السيميائى عبر إبهار واجتذاب القارى، لأنهم لمسوا شغاف الواقع، وسردوه عبر لغة تحمل مضامينيات جادة، وموضوعات تخاطب " الهم العام " لتعكس ذوات الشعوب وتطلعاتها، وأحسبها قصصاً طليعية بإمتياز، وإشراقية عبرت عن زمكانيتها، بل وتخطت العصر الذى كتبت فيه لتصبح قصصاً انسانية واقعية ذات فضاءات وحمولات تحمل الكثير من الرؤى ، وتستلب مخيالالقارىء والناقد معاً ، والمتذوق لسرد واقعى مغلف بغلالات السرد السحرىالمائز.
ولعلنا قد صغنا هذه المقدمة لندلف إلى واقع السرد في قصص محمد الحازمى والذى يحاول تلمّس خطى الكبار للتعبير عن واقع السرد السعودى المعاصر، عبر " حكايات " / قصص / تنزع إلى الإنسانية " وفيوضاتها النبيلة، وتتلمس تعليمية – محببة – ولا تضر بالعمل الأدبى، كما تجتذب القارىء عبر البيئة السعودية المحكاة– هنا – عبر سرده الهادىء الذى يتنامى بسلاسة، وبساطة تعبيرية، وصدق كذلك ، ولعل ذلك ما مايز سرده، عبر بيئة سعودية محافظة يحاول أن يثورها مستخدماً لغة " أنيقة " فكأنه يمكيج السرد، ويغلفه بفلالات وتراكمات وحمولات تأخذ قارىء قصصه – في البيئة السعودية – إلى مواقفياتيتمثلها عبر هذا الواقع الذى تحكمه قيم وعادات وتقاليد محافظة، ولقد استطاع الكاتب – فيما أحسب – أن يعيد تثوير لغة السرد ، لكنه يعود به إلى كلاسيكيته كذلك ليعكس الأصالة بثوب عصرى، ويمازج القديم بالجديد ليقدم النوذج الأكثر طليعية وتنويرية عبر المجتمع السعودى المحافظ، وعبر قيم البداوة والصحراء الممتدة الشاسعة .
يطالعنا القاص السعودى الرائع / محمد الحازمى في مجموعته القصصية : " قبلة جبيبن " بدهشة مفاجئة لقاص يخش إلى مسيرة السرد من باب الترميز المغلف برومانتيكية، وبعشق أنيق، عبر مسروديات عباراته الأنيقة التى تكشف لنا عن كاتب يعيد موسقة اللغة واقتناص الجميل فيها، والإلغازى عبر دوال السرد السيموطيقى الجميل، ففى قصته : " خارج التماس " نلمح جماليات السرد المتنامى عبر هارمونية الحكاية التى تتواشج فيها جماليات شتى للسهولة والإلغاز، والغموض والوضوح، والتمايز والإشراق، فتجتذب تشاركية القارىء عبر الراوى العليم، والحكَّاء العارف بقبضة اللغة واحكاماتها الجمالية ،يقول :" احتضن تأوهاتها ليشعرها بأوبته؛ صدته، ظل يعصف بذاكرته لعلها تقوده لمفردة بدونها لن يستعيد رضاها. بعد أعوام من جنوح، وترحال خارج تماس الفضيلة ، ينتقل من بيدر إلى آخر ... لم يكبح جماحه السادر في الغواية، رغم سقوطه في أعماق قاع العبث، لم تنطبق عليه نظرية تجاوز الحد للضد، لم يرشد للفظ نزعات عربدته، أو حفل بفواكه فجة أدمن هتكها" . إنه السرد المهيب عبر لغة طاعت له، فطوع حروفها ليسقنا جمالية الأسلوب ليحدث المفارقة في النهاية بأن قضت على محفظته فغدت خاوية، ولعلها رسائل تعليمية، عبر فلسفة السرد لمن غاصوا في الرذيلة فتكون النتيجة ضياعهم، وذهب هيبتهم، وأموالهم. كذلك .
وفى قصته " قبلة جبين " والتي جاءت كعنوان احالى رامز للمصالحة، فقبلة الجبين تأتى بين متخاصمين في الغالب، وسماحة وانتهاء لخصام ، وهذا ما حدانا أن نقول : " إنها متوالية قصصية " وكأنه يكمل نزقه في القصة السابقة بالعودة هنا إلى منزله بعد طيشه ليجد الأصالة والتسامح، بعد نزواته الطائشة من " أم العيال " التى ترمز إلى الفضيلة، والأصالة، مقابل الرزيلة والطيش في القصة السابقة .، ولكنه خاتلنا وعلى غير العادة نجد صلف الزوجة وصدها له رغم انفاقه الهدايا الكثيرة عليها واستانته من البنك لكنها لم تتطلع إلى هداياه التى تكدست بها غرفة الزوجية، فباع البيت وتوالت الأحداث ، لتستعيد القصر لإبنيها التوأم ثم يموت الزوج والأم لتبدأ حكاية جديدة بزواج الإبنة – أحد الأخوات – فيطمع الزوج في القصر وتكتبه له لتنقل الملكية بعد ذلك لآخرين بسبب الطمع والجشع، والأب المستهتر منذ البداية كذلك، ولعل هذا السرد الروائى يكشف عن دراماتيكية السرد ومأساويته عبر لغة سلسة جميلة تتهادى مع قلمه الشاهق الممتد .
ولعل القصص الأخرى –أغلبها – تشير إلى مواقف حياتية، وقضايا معيشية نتلمسها يومياً عبر الحياة فهو قد صاغها، ووضعها أمام أعيننا لنستلهم منها العظة والعبرة، والدور التعليمى كذلك .
ويقيناً ليس منوطاً بالكاتب أن يقدم درساً تربوياً ، لكن البيئة السعودية المحافظة، ورغم جرأته في الوصف ، ورمزيته كذلك ، قد جعلته يحتاط للسرد ويغلفه بسياج جمالىوغلالات رقيقة تكشف عن كاتب موهوب عبر لغة ظامئة للحياة .
وفى قصته : " دهن السير " يجتذب كاتبنا القارىء عبر غموض العنوان الإلغازى الذى تركه على الورق ليجعل القارىء يسأل عن العنوان الإلغازىالسيمولوجى، عله يفكك شيفراته، ويستجلى خوافيه الكامنة، وتتابع مسيرة القص عبر الراوى العليم تارة، وبضمير المتكلم تارة، وبضمير الغائب كذلك ليحدث تنوعاً لسرد جديد مفارق، وجرىء، وإدهاشى عبر هارمونية ينتضم عقد السرد عبر لغة فضفاضة رامزة معبرة، وعبر سرد يحاول استكناه خارج سياق السرد، وما ورائياته الكامنة هناك لنسأل – بحسب رولان بارت – عمن سرق المشار إليه عبر قصصه الدالة الجميلة .
وفى قصته " مات كمداً " يطالعنا الراوى بأثر البيئة السعودية وانعكاساتها على مسيرة السرد الرامز فالرجل يخشى من جمله الذى يتخوف من أن تجىء نهايته تحت أقدام ذلك الجمل، او أن يغدر به لتتوالى الأحداث الكاشفة عن أثر السيسيولوجيا والمجتمع على الأدب، والأثر النفسى كذلك، وكوامن الشخصيات الرامزة، عبر سرد فيزيائى ساحر ، وفسيفساء لغة تراكمية تكثيفية تكشف عن معرفة الكاتب بجماليات اللغة، فهو يقبض جمر اللغة، ويعزفها موسيقا تندلق على أرواحنا وأسماعنا فتهدر مع رغاء الجمل ، والبيئة الزاعقة الجميلة .
كما يعرض الكاتب لبعض العادات والتقاليد " كالسامر البدوى " ومسامرات الرجال في الليل على ضور النيران بما يعكس روح البادية في قصصه، وبما يعطيها فرادة عبر المكان والزمان : زمن السرد، وزمن الكتابة، وزمن الرواية التى تكشف جماليات اللغة الرامزة وإحالاتها الواصفة عبر واصفات السرد وتجلياته، وإشراقاته السحرية، وكأنه يستخدم " السرد السيميائى " عبر الواقعية السحرية التى يجيد استخدامها بهدوء ومهارة شديدتين ، وبعمق يتواشج مع معان ومواقف تشنبك مع الحياة وتمحوراتها الآنية، كما يجيد استخدام المخيال في تصوير آفاق أكثر جمالية عبر فيوضات السرد السيميائىالإشراقى الأنيق، وعبر لغة يعرف كيفية توظيفها، وموضوعة للسرد يجيد عرضها بهدوء، ودون ضجيج وصراخ، ليخرج القصص من الخطابية المجتمعية، وليحيلها إلى فضاءات أكثر عمقاً وتنويراً وجمالية كذلك .
وفى محاولة تجديدية نراه يعود لتذكيرنا بعنوان المجموعة : " قبلة جبين " في قصة أخرى تحمل نفس الإسم لكنها تخالف المضامينية الأولى ، وكأنه يجدد مسيرة السرد عبر تنوع الموضوعات ليدلل إلى متواليات قصصية، تقارب الأسلوبية التى تسم الرواية ، لكنها تعكس فضاء للسرد القصصى الجميل كذلك .
وهو هنا في المجموعة يمارس لعبة الصورة والظلال، القناع البصرى للسرد، وعلى القارىء أن يستجلى ما ورائياته، وجواهره الكامنة ليطلعنا على سرد مغاير، يحاول فيه أن يضع بصمة كاتب يود التمرد على المجتمع، لكنه وبهدوء يمارس ذلك – بدهاء مذهل – عبر تمرد الشخوص، وأحزان السرد السيموطيقى الهادر بالجمال .
وتتمحور موضوعات السرد الإشراقى لتنير مجتمع القيم السعودى ، ولتؤكد اتساق الكاتب في طرح قضايا المجتمع وموضوعاته عبر قص إنسانىيتغيا قيمة فاضلة، أو سلوكيات جميلة، فهو ينشد الفضيلة عبر فلسفة السرد الإمتاعى، والإشراقى، ويعدد لنا المواقف والأحداث وهو جالس يشرب فنجان قهوته في الصحراء، او عبر صور مدينية أكثر حداثة وتنويراً ، بل وتثويراً ، وكأنه يعيد لنا زمن الواقعية في القصة القصيرة، عبر السرد السيميائى، ولغة كلاسيكية طليعية، ورامزة كذلك، تستنطق اللغة وجمالياتها، وتجتذب القارىء بهدوء دون خطابية زاعقة ككثيرين، ودون صخب أو خروج على قيم موجودة، بل نراه يدعم هذه القيم والسلوكيات، ويهذبها، ويضىء المجتمع بنزوعه نحو القيم الإنسانية السامقة، الشاهقة والجميلة كذلك
وفى النهاية : يعد القاص والروائى الشاهق / محمد الحازمى أحد أبرز رواد القصة السعودية المعاصرة، وواحداً من الذين يحملون مسيرة التنوير عبر السرد الإشراقىالطليعى، فهو يقدم قيم الصحراء النبيلة وبداوتها في جانب، ويقدم المدينية والعصرنة للمجتمع السعودى كذلك عبر لغة محايثة ، متشاكلة، مخاتلة وجميلة، فهو لا يستطيع الصدام مع القيم، لكنه يقدم النموذج المثال " لأدب الإلتزام " ، عبر " القيم الإنسانية " وعبر هامش يسمح له بالتجديد، فهو يتمسك بالثوابت والقيم، ويعبر بها نحو مدينية معاصرة، وحداثة أكثر تثويرا لينهض بمسيرة القصة السعودية المعاصرة، ولقد نجح في ذلك بإمتياز، ونحن نثمن تجربته الرائعة عبر مسية السرد الإشراقى الجديد، والتنويرى عبر المجتمع السعودى المعاصر الذى ينحو إلى مدينية حداثوية ، عبر مسيرة السرد الجديد، الجميل والشاهق، والتنويرى أيضاً
.
حاتم عبدالهادى السيد.
ولعلنا قد صغنا هذه المقدمة لندلف إلى واقع السرد في قصص محمد الحازمى والذى يحاول تلمّس خطى الكبار للتعبير عن واقع السرد السعودى المعاصر، عبر " حكايات " / قصص / تنزع إلى الإنسانية " وفيوضاتها النبيلة، وتتلمس تعليمية – محببة – ولا تضر بالعمل الأدبى، كما تجتذب القارىء عبر البيئة السعودية المحكاة– هنا – عبر سرده الهادىء الذى يتنامى بسلاسة، وبساطة تعبيرية، وصدق كذلك ، ولعل ذلك ما مايز سرده، عبر بيئة سعودية محافظة يحاول أن يثورها مستخدماً لغة " أنيقة " فكأنه يمكيج السرد، ويغلفه بفلالات وتراكمات وحمولات تأخذ قارىء قصصه – في البيئة السعودية – إلى مواقفياتيتمثلها عبر هذا الواقع الذى تحكمه قيم وعادات وتقاليد محافظة، ولقد استطاع الكاتب – فيما أحسب – أن يعيد تثوير لغة السرد ، لكنه يعود به إلى كلاسيكيته كذلك ليعكس الأصالة بثوب عصرى، ويمازج القديم بالجديد ليقدم النوذج الأكثر طليعية وتنويرية عبر المجتمع السعودى المحافظ، وعبر قيم البداوة والصحراء الممتدة الشاسعة .
يطالعنا القاص السعودى الرائع / محمد الحازمى في مجموعته القصصية : " قبلة جبيبن " بدهشة مفاجئة لقاص يخش إلى مسيرة السرد من باب الترميز المغلف برومانتيكية، وبعشق أنيق، عبر مسروديات عباراته الأنيقة التى تكشف لنا عن كاتب يعيد موسقة اللغة واقتناص الجميل فيها، والإلغازى عبر دوال السرد السيموطيقى الجميل، ففى قصته : " خارج التماس " نلمح جماليات السرد المتنامى عبر هارمونية الحكاية التى تتواشج فيها جماليات شتى للسهولة والإلغاز، والغموض والوضوح، والتمايز والإشراق، فتجتذب تشاركية القارىء عبر الراوى العليم، والحكَّاء العارف بقبضة اللغة واحكاماتها الجمالية ،يقول :" احتضن تأوهاتها ليشعرها بأوبته؛ صدته، ظل يعصف بذاكرته لعلها تقوده لمفردة بدونها لن يستعيد رضاها. بعد أعوام من جنوح، وترحال خارج تماس الفضيلة ، ينتقل من بيدر إلى آخر ... لم يكبح جماحه السادر في الغواية، رغم سقوطه في أعماق قاع العبث، لم تنطبق عليه نظرية تجاوز الحد للضد، لم يرشد للفظ نزعات عربدته، أو حفل بفواكه فجة أدمن هتكها" . إنه السرد المهيب عبر لغة طاعت له، فطوع حروفها ليسقنا جمالية الأسلوب ليحدث المفارقة في النهاية بأن قضت على محفظته فغدت خاوية، ولعلها رسائل تعليمية، عبر فلسفة السرد لمن غاصوا في الرذيلة فتكون النتيجة ضياعهم، وذهب هيبتهم، وأموالهم. كذلك .
وفى قصته " قبلة جبين " والتي جاءت كعنوان احالى رامز للمصالحة، فقبلة الجبين تأتى بين متخاصمين في الغالب، وسماحة وانتهاء لخصام ، وهذا ما حدانا أن نقول : " إنها متوالية قصصية " وكأنه يكمل نزقه في القصة السابقة بالعودة هنا إلى منزله بعد طيشه ليجد الأصالة والتسامح، بعد نزواته الطائشة من " أم العيال " التى ترمز إلى الفضيلة، والأصالة، مقابل الرزيلة والطيش في القصة السابقة .، ولكنه خاتلنا وعلى غير العادة نجد صلف الزوجة وصدها له رغم انفاقه الهدايا الكثيرة عليها واستانته من البنك لكنها لم تتطلع إلى هداياه التى تكدست بها غرفة الزوجية، فباع البيت وتوالت الأحداث ، لتستعيد القصر لإبنيها التوأم ثم يموت الزوج والأم لتبدأ حكاية جديدة بزواج الإبنة – أحد الأخوات – فيطمع الزوج في القصر وتكتبه له لتنقل الملكية بعد ذلك لآخرين بسبب الطمع والجشع، والأب المستهتر منذ البداية كذلك، ولعل هذا السرد الروائى يكشف عن دراماتيكية السرد ومأساويته عبر لغة سلسة جميلة تتهادى مع قلمه الشاهق الممتد .
ولعل القصص الأخرى –أغلبها – تشير إلى مواقف حياتية، وقضايا معيشية نتلمسها يومياً عبر الحياة فهو قد صاغها، ووضعها أمام أعيننا لنستلهم منها العظة والعبرة، والدور التعليمى كذلك .
ويقيناً ليس منوطاً بالكاتب أن يقدم درساً تربوياً ، لكن البيئة السعودية المحافظة، ورغم جرأته في الوصف ، ورمزيته كذلك ، قد جعلته يحتاط للسرد ويغلفه بسياج جمالىوغلالات رقيقة تكشف عن كاتب موهوب عبر لغة ظامئة للحياة .
وفى قصته : " دهن السير " يجتذب كاتبنا القارىء عبر غموض العنوان الإلغازى الذى تركه على الورق ليجعل القارىء يسأل عن العنوان الإلغازىالسيمولوجى، عله يفكك شيفراته، ويستجلى خوافيه الكامنة، وتتابع مسيرة القص عبر الراوى العليم تارة، وبضمير المتكلم تارة، وبضمير الغائب كذلك ليحدث تنوعاً لسرد جديد مفارق، وجرىء، وإدهاشى عبر هارمونية ينتضم عقد السرد عبر لغة فضفاضة رامزة معبرة، وعبر سرد يحاول استكناه خارج سياق السرد، وما ورائياته الكامنة هناك لنسأل – بحسب رولان بارت – عمن سرق المشار إليه عبر قصصه الدالة الجميلة .
وفى قصته " مات كمداً " يطالعنا الراوى بأثر البيئة السعودية وانعكاساتها على مسيرة السرد الرامز فالرجل يخشى من جمله الذى يتخوف من أن تجىء نهايته تحت أقدام ذلك الجمل، او أن يغدر به لتتوالى الأحداث الكاشفة عن أثر السيسيولوجيا والمجتمع على الأدب، والأثر النفسى كذلك، وكوامن الشخصيات الرامزة، عبر سرد فيزيائى ساحر ، وفسيفساء لغة تراكمية تكثيفية تكشف عن معرفة الكاتب بجماليات اللغة، فهو يقبض جمر اللغة، ويعزفها موسيقا تندلق على أرواحنا وأسماعنا فتهدر مع رغاء الجمل ، والبيئة الزاعقة الجميلة .
كما يعرض الكاتب لبعض العادات والتقاليد " كالسامر البدوى " ومسامرات الرجال في الليل على ضور النيران بما يعكس روح البادية في قصصه، وبما يعطيها فرادة عبر المكان والزمان : زمن السرد، وزمن الكتابة، وزمن الرواية التى تكشف جماليات اللغة الرامزة وإحالاتها الواصفة عبر واصفات السرد وتجلياته، وإشراقاته السحرية، وكأنه يستخدم " السرد السيميائى " عبر الواقعية السحرية التى يجيد استخدامها بهدوء ومهارة شديدتين ، وبعمق يتواشج مع معان ومواقف تشنبك مع الحياة وتمحوراتها الآنية، كما يجيد استخدام المخيال في تصوير آفاق أكثر جمالية عبر فيوضات السرد السيميائىالإشراقى الأنيق، وعبر لغة يعرف كيفية توظيفها، وموضوعة للسرد يجيد عرضها بهدوء، ودون ضجيج وصراخ، ليخرج القصص من الخطابية المجتمعية، وليحيلها إلى فضاءات أكثر عمقاً وتنويراً وجمالية كذلك .
وفى محاولة تجديدية نراه يعود لتذكيرنا بعنوان المجموعة : " قبلة جبين " في قصة أخرى تحمل نفس الإسم لكنها تخالف المضامينية الأولى ، وكأنه يجدد مسيرة السرد عبر تنوع الموضوعات ليدلل إلى متواليات قصصية، تقارب الأسلوبية التى تسم الرواية ، لكنها تعكس فضاء للسرد القصصى الجميل كذلك .
وهو هنا في المجموعة يمارس لعبة الصورة والظلال، القناع البصرى للسرد، وعلى القارىء أن يستجلى ما ورائياته، وجواهره الكامنة ليطلعنا على سرد مغاير، يحاول فيه أن يضع بصمة كاتب يود التمرد على المجتمع، لكنه وبهدوء يمارس ذلك – بدهاء مذهل – عبر تمرد الشخوص، وأحزان السرد السيموطيقى الهادر بالجمال .
وتتمحور موضوعات السرد الإشراقى لتنير مجتمع القيم السعودى ، ولتؤكد اتساق الكاتب في طرح قضايا المجتمع وموضوعاته عبر قص إنسانىيتغيا قيمة فاضلة، أو سلوكيات جميلة، فهو ينشد الفضيلة عبر فلسفة السرد الإمتاعى، والإشراقى، ويعدد لنا المواقف والأحداث وهو جالس يشرب فنجان قهوته في الصحراء، او عبر صور مدينية أكثر حداثة وتنويراً ، بل وتثويراً ، وكأنه يعيد لنا زمن الواقعية في القصة القصيرة، عبر السرد السيميائى، ولغة كلاسيكية طليعية، ورامزة كذلك، تستنطق اللغة وجمالياتها، وتجتذب القارىء بهدوء دون خطابية زاعقة ككثيرين، ودون صخب أو خروج على قيم موجودة، بل نراه يدعم هذه القيم والسلوكيات، ويهذبها، ويضىء المجتمع بنزوعه نحو القيم الإنسانية السامقة، الشاهقة والجميلة كذلك
وفى النهاية : يعد القاص والروائى الشاهق / محمد الحازمى أحد أبرز رواد القصة السعودية المعاصرة، وواحداً من الذين يحملون مسيرة التنوير عبر السرد الإشراقىالطليعى، فهو يقدم قيم الصحراء النبيلة وبداوتها في جانب، ويقدم المدينية والعصرنة للمجتمع السعودى كذلك عبر لغة محايثة ، متشاكلة، مخاتلة وجميلة، فهو لا يستطيع الصدام مع القيم، لكنه يقدم النموذج المثال " لأدب الإلتزام " ، عبر " القيم الإنسانية " وعبر هامش يسمح له بالتجديد، فهو يتمسك بالثوابت والقيم، ويعبر بها نحو مدينية معاصرة، وحداثة أكثر تثويرا لينهض بمسيرة القصة السعودية المعاصرة، ولقد نجح في ذلك بإمتياز، ونحن نثمن تجربته الرائعة عبر مسية السرد الإشراقى الجديد، والتنويرى عبر المجتمع السعودى المعاصر الذى ينحو إلى مدينية حداثوية ، عبر مسيرة السرد الجديد، الجميل والشاهق، والتنويرى أيضاً
.
حاتم عبدالهادى السيد.