د. السيد إبراهيم أحمد - على أمل اللقاء.. فراق

لم أكن أعرف الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب قبل عام 2010م وهو نفس العام الذي التحقتُ فيه بالاتحاد، وقد لاحظ الرجل كتاباتي ودراساتي، وعند نشر كتابي الرابع "نساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم" كتب عن الكتاب مقالا رائعا ثم منحني بعده شهادة تقدير، ثم خصص لي صالونا ـ مازال قائماـ أسماه "صالون حبر الاتحاد"، ولقب "حبر الاتحاد" كان هو الذي أطلقه، ثم دعاني للدخول في أول حوار يقيمه الاتحاد شارك فيه مفكرنا العالمي الراحل، والشاعر الجزائري ياسين عرعار وتحت رعايته وإعداده، والشاعر الناقد وعالم الاجتماع الجزائري عادل سلطاني، والسيدة عبير البرازي وكانت نائبة رئيس الاتحاد، وقد أمر بنشره وضمه في كتاب.

في إحدى الأيام الرمضانية فاجأني معالي الدكتور محمد بأن أحاوره ـ وهو كثيرا ما يفاجأني ـ حوارا طويلا، ولم أكن أطلب ذلك منه على الرغم من العلاقة المتينة بيننا، والتي كانت تأتي بالكتابة والمحادثة على الخاص في كثير من الصباحات، وكان معجباً بالحوار والتفاف الناس حوله، ودوما ما يحدثني عن آخر أعداد من قرأ الحوار بشكل إحصائي، وكان يُعِد لإصدار الكتاب الذهبي لهذا الحوار، ولكن لم يصدر الكتاب هذا ولا الذي قبله أيضا، وهو الكتاب الذي تحدث عنه آخر صاحب دار نشر قابله مفكرنا في زيارته الأخيرة لمصر ولم يهمله القدر.

أصدر مفكرنا الراحل شهادة لشخصي تحمل لقب "سفير الإبداع"، ثم دكتوراه من الاتحاد وثلاث مراكز علمية منها مركز لحقوق الإنسان مُسجل في اليونسكو، ثم شهادة دكتوراه رفض إطلاقها على الصفحات بل أصر على تسليمها لي شخصيا؛ فاستلمتها منه في حفل بالإسكندرية، وكان هذا هو لقائي الثاني به؛ فقد سبقه لقاء قبله بسنوات في متحف وبيت الدكتور طه حسين "رامتان".

كان يحدثني عن باريس ويكايدني ضاحكا أن بينه وبين برج إيفل خمس دقائق بالسيارة، وخمس عشرة دقيقة سيرا على الأقدام، وذات يوم نشر صورة لمسجد شهير في مدينة السويس بمنطقة بورتوفيق يطل على قناة السويس؛ فهاتفته لأكايده هذه المرة بأن بيني وبين هذا المسجد دقيقة بالسيارة وثلاث دقائق سيرا على الأقدام، وكانت دعوتي لا تنقطع لسيادته أن يزور السويس وسأجعله يستعيد قوته ونشاطه وعافيته عندما يتذوق الأسماك السويسية ومأكولات البحر، وكان أن هاتفني في شهر سبتمبر ليبشرني بقدومه في الثاني من أكتوبر، وعليَّ أن أبشر الأسرة وأعد الطعام، وكان يحدِّث زوجتي كلما تحادثنا في بعض الأحيان ويَعلم ُأفراد عائلتي بأسمائهم، وكانت فرحة كبيرة لهم، وأخبرني أنه سيهاتفني عند سفره ووصوله بالفعل للقاهرة.

دخلتُ في بعض الفحوص الطبية بالقاهرة، وظننت أنه لم يصل بعد، وكنت ممنوعا من الكتابة بأمر الأطباء فلم أقترب من فتح النت ولو من المحمول، ثم علمت أنه وصل ولم يتصل، فانتظرت لكوني أحترم مواعيده وارتباطاته، وجاءت من القاهرة الكاتبة والناقدة الأستاذة عزة أبو العز لزيارة مدينتي وبيتي ومكتبتي لتسجل معي حلقة من برنامجها "زيارة ثقافية" وتناولنا في إحدى الفقرات سيرة الراحل الكريم في يوم الجمعة ليلا، وبعد عدة أيام علمت بوفاته عن طريق الأستاذة عزة، وبحساب الأيام اتضح أن نفس الليلة التي ذكرناه فيها كانت ليلة وفاته، والغريب أن هذه المرة كانت عندي من أهم المرات التي سألتقيه فيها، خاصة أن الفيلا التي أسكنها بها طابقين مما سيجعل الإقامة مريحة له، مما سيمنحني فرصة من الوقت لكي نتسامر ونتحاور عدة أيام، وكم كانت الصدمة قاسية عليَّ وعلى أفراد أسرتي بوجه خاص، وبكيتٌ بكاءً مرًا لم أبكهِ منذ وفاة والدي، على الرغم من أن الراحل الكريم يكبرني بعامين فقط غير أنه كان عندي أكبر من منزلة الأخ الكبير.. ومازلتُ حتى الآن يغمرني الحزن كلما قفز اسمه في وجهي وأنا أرسل للأحبة تحية الصباح؛ فقد كان أول من أرسل له التحية في انتظار أن يحادثني بعدها كلما أراد.. ليصبح أمل اللقاء به في الدار الآخرة إن شاء الله، بعد أن استحال اللقاء فراق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى